أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-8-2019
1876
التاريخ: 2024-10-24
62
التاريخ: 2023-08-21
987
التاريخ: 2023-08-13
954
|
نهضة الآداب
التململ خلال القرون الوسطى، تميزت الحياة في أوروبا بمظهرين:
النظام الإقطاعي وسيطرة الدين. وعند حلول القرن الخامس عشر، تململ المجتمع محاولا التفلت من سلطان هذين العاملين. وتفككت أواصر الوحدة الكاثوليكية، وتبلور مفهوم الوطن؛ فكانت الدول مثل فرنسا وانجلت ا ر واسبانيا وألمانيا... وسيطرة اللغات القومية على حساب اللغة اللاتينية التي كانت وحدها لغة الأدب والعلم والدين.
واتسعت دائرة المعارف، وتعددت الاكتشافات وأبرزها الطباعة. ووجهت التجارة البحرية ضربة قاصمة للنظام الإقطاعي وتكاثر عدد المدن المستقلة كجنوى والبندقية ومرسيليا... وبرزت الطبقة البرجوازية (التي تسكن المدن)، وتبدل وجه المجتمع. وزاد بؤس الحروب والأمراض والمجاعات من نقمة الناس. وشعروا بالحاجة إلى الانعتاق، والانصراف إلى مباهج الحياة ومسراتها، وضاقوا ذرعا بالتقشف واعداد العدة للحياة الآخرة واهمال المادة في سبيل الروح. وبدأو يتلمسون في الحياة المادية مظاهر جديرة بالتقدير. ونفروا من الملل الذي يعتري حياتهم، وتمرسوا بمظاهر البهجة يحاولون بها نسيان الماضي والهروب من الحاضر. فوجدوا في ألوان الطبيعة والنغم العذب والرسم والنحت والشعر والأدب ملاذا جميلا.
وانعتق الفنان من عقال الدين، ساعيا وراء الموضوعات العلمانية والألوان الزاهية، مستوحيا من القديم ليصوغ بقالب جديد، فتعلمن الفن، وتشعبت موضوعاته لتعبر عن الفردية في الشعور. وأضحى الإنسان في ميدان الفن شانه في ميدان الفكر والأدب، محور النماذج والموضوعات.
النهضة:
ونظام القرون الوسطى إذا نسبنا إليها كل مظاهر الانحطاط، لأن القرن الخامس عشر بنوع خاص أو ما عبر عنه الإيطاليون باسم "كاترو شنتوا" (Quatro Cento) أي "أربع مئة" لأنه يبدأ بعام ألف وأربعمائة وهو امتداد للقرون الوسطى وفاتحة لعصر النهضة. فيكون التململ إذا قد بدأ في القرون الوسطى وبلغ مداه الأوسع في القرن السادس عشر. لذلك يختلف المؤرخون حول تاريخ بدء النهضة، ولكن المسلم به أن أوروبا عند سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين (1453)، أضحت أكثر تقبلا لثورة شاملة بدلت وجه الحياة فيها.
وليس من المعقول أن تنبثق النهضة من لا شيء، فقد رجع أركانها إلى التراث الإغريقي والروماني القديم، أو ما يسمى بالتراث الكلاسيكي، فاستقوا من معينه مبادئ وموضوعات صاغوها بقالب يلائم العقلية المتحررة. فتكون النهضة إذا ردة على القرون الوسطى واستقاء من العصور القديمة وتعبيرا بقالب حديث.
دور الطباعة:
قامت الطباعة بدور فعال في نهضة الأدب والفكر والفلسفة. فهي ابتكار بسيط في الظاهر ولكنه ثوري النتائج، اكتشفه ألماني اسمه "غوتمبرغ" حوالي سنة 1450.
وكان الإنجيل المقدس أول كتاب أخرجته المطبعة. فانتهى عهد المخطوطات الباهظة الثمن والمليئة بالأخطاء. وتعددت النسخ عن الكتاب الواحد وعممت الفائدة. ولم تعد المخطوطات محدودة التأثير، لأنها انتشرت بسرعة وكثر عدد المطلعين عليها.
ومع الطباعة انقضى عهد التعليم الشفوي، حيث للذاكرة الدور الأكبر. وفقد رجال الأكليروس امتيازا خاصا بهم، لأن التعليم كان مقصورا عليهم، نظرا لغني مكتباتهم بالمخطوطات. ومع الطباعة أيضا بدأ عهد التعليم بالكتاب وبالنصوص. فكان ذلك أساس ثقافة جديدة هي" الثقافة الإنسانية".
الثقافة الإنسانية:
بعد أن سيطر الدين على مرافق الحياة، لم يجرؤ المفكرون والباحثون على تعليل الأشياء بمنأى عن الدين، فالدين يتغلغل في كل الأمور، ويطغى على كل عقلية أو تفسير. وكردة فعل ضد هذه الذهنية، ظهر لدى المفكرين تعطش إلى المعرفة المتحررة.
وقوي لدى المثقفين الحدس بأن تبدلا جذريا سيطرأ على حياتهم. فنبذوا التقاليد. واهتموا بالإنسان كأساس ومرجع لكل نشاطاتهم ومن هنا تسميتهم "بالإنسانيين". ومن هنا أيضا رجوعهم إلى التراث الكلاسيكي الإغريقي والروماني حيث ينتفي الكبت وكره المادة والحياة، وحيث تعشق الحياة والبهجة المتمثلة في آثار الأقدمين من فن وفكر وأدب. ولم يعد يكفيهم من آثار الأقدمين ترجمتها أو تحليلها ونقدها، بل راحوا يفتشون المكتبات سعيا وراء المخطوطات القديمة ينقحونها وينشرونها. وقرعوا أبواب الأديرة باعتبارها أغنى الأمكنة بالمخطوطات ورحبوا بالعلماء الآتين من الشرق (بيزنطية) ليساعدوهم في الوصول إلى النص الأصلي للمخطوطات، ولما سقطت القسطنطينية في يد العثمانيين 1453م هللوا لفرار علمائها نحو الغرب.
وتضخم عدد المكتبات العامة والتأم المثقفون في جمعيات دعيت بالأكاديميات. وهيأ "الإنسانيون" للمجتمع ثقافة جديدة، بعيدة عن سلطان الدين، قريبة من العقل والمنطق. وكرسوا الانفصال بين "الإيمان والعقل". فانبعثت في أوروبا ذهنية جديدة تطعمت بها التيارات الفكرية والعلمية والفنية والأدبية. ولم تسلم الكنيسة الكاثوليكية من خطر انتشار "الثقافة الإنسانية" فكانت عليها تهجمات انتهت بانفصال البروتستانتيين عنها.
أدب النهضة:
وانطلاقا من المقاييس الجديدة، بث الأدباء أفكارهم عبر كل أوروبا، وباستثناء قلة ضئيلة أشهرها "إ رسموس"، أعرض الأدباء والشعراء عن اللغة اللاتينية، وعبروا عن أفكارهم بلغاتهم القومية. فكان لكل بلد نهضته الخاصة.
أ- في إيطاليا:
في القرن الثالث عشر برز الشاعر دانتي ( 1265- 1321) في ملحمته "الكوميديا الإلهية". تخيل فيها الجنة والجحيم وحال الأعلام البارزين فيهما. وهذه الملحمة المكتوبة باللغة القومية كانت فاتحة العهد الأدبي الإيطالي.
وفي القرن الرابع عشر مع إسمان آخران كانا القدوة لسائر الأدباء أوروبا؛ وهما بترارك وبوكاتشيو، وبترارك (1304- 1374) فلورنستي الأصل، نفي إلى فرنسا وهنالك نظم قصائد غزلية نسجها بوحي من الأدب الكلاسيكي.
أما بوكاتشيو( 1313- 1375) فهو تلميذ بترارك وصديقه، صرف شوطا من عمره في التفتيش عن المخطوطات القديمة. فكان أول ناثري ايطاليا في عصر النهضة. ترك مجموعة من القصص دعاها "ديكاميرون".
وأول المفكرين في أواخر القرن الخامس عشر هو غولا ميكافيلي (1569- 1538) أديب يسرت له وظيفته أفكارا في الحكم دونها في كتاب شهير دعاه "الأمير". واتخذ من "قيصر بورجيا" مثال الحاكم. ويتلخص مبدأه السياسي بعبارة: "الغاية تبرر الوسيلة" حتى ولو كانت مغايرة للأخلاق. وفي هذا إعراض عن قواعد المسيحية وخروج على سلطة الدين، وعبر بعضهم عن ذلك "باليقظة الوثنية".
أما "أريوستو"(1474- 1533) فقد ترك قصة شعرية ساخرة، بطلها فارس سخيف دعاه "أورلاندوا فيريوزو". وظلت القرون الوسطى من جهة والحمية الدينية من جهة أخرى مصدر الإلهام بالنسبة للشاعر "تاسو"(1544- 1595) واضع ملحمة "اورشليم المنقذة". كما أن الاهتمام بالمظاهر والتعلق بالمادة والتربية المدينة والاجتماعية برزت كلها في كتاب "رجل البلاط" لكاتبه "كاستيغليوني" 1528.
ب في فرنسا: تأثرت النهضة الفرنسية بسلسلة "الحروب الإيطالية" (1494- 1547)، حيث طمع ملوك فرنسا بمناطق من إيطاليا. وحسبهم أنهم رجعوا منها بغنم أدبي وفني كان فاتحة النهضة في بلادهم. واهتم الملك فرنسوا الأول بتشجيع "الثقافة الإنسانية". ووكل إلى "غليوم بودي" أمر تنظيم التعليم الجامعي. وشجع اللغات القديمة كاللاتينية والإغريقية والعبرية واللغات الشرقية كالعربية.
وأول الشعراء كان "فرنسوا فليون" (1489)، مشاغب وشاعر، حكم عليه بالإعدام.
فنظم بانتظار الموت قصيدة مؤثرة بلغ فيها الذروة. وقد عفي عنه فيما بعد. واعتبر فليون من منبهي الأدب الفرنسي إلى النهضة أما "مارو" فقد ترسم خطى الشاعر الإيطالي بترارك وكانت له جهود حميدة في خدمة اللغة القومية الفرنسية.
وأخيرا ولدت "الثريا" من مجموعة أدباء. ووضعت نصب عينيها إنهاض اللغة الفرنسية واغنائها بالمفردات لتضاهي اللغات القديمة. وسخر لها "يواكيم دوبيلي" (1525- 1560) أقصى إمكاناته الأدبية. إنما أبرز شعراء الثريا هو "رونسار" (1524- 1585) فهو شاعر حق أعطى الأدب الفرنسي ما كان يعوزه حتى ذلك الوقت من نفحة شعرية وجدانية.
وفي النثر يطالعنا اسم " ا ربليه" (1490- 1553) الكاهن الطبيب. وضع كتابا هازئا عن عملاقين ليسلي مرضاه، ويستوحى من كتابه الطريقة التعليمية التي تسعى إلى تلقف المعارف دونما إصرار على هضمها، أما منتوين (1533- 1592) فقد استحق لقب المفكر في كتابه "التجارب". وناقض فكرة "رابليه" في التعليم ، إذ شدد على هضم المعلومات أكثر من تشديده على جمعها.
ج- في إنكلترا:
وفي انكلترا تقدم الأدب القومي بخطى كبيرة. فبرز اسم "تشوسر" (1340- 1400) كشاعر ثم ككاتب عندما وضع مجموعة قصص سماها "حكايات كانتر بوري" ومن بعده مر الأدب الإنكليزي بفترة ركود حتى ظهور "سبنسر" (1522- 1595) بإنسانيته الجريئة. - وتميز أحد وزراء هنري الثامن "توماس مور" (1478- 1535) ووضع كتاب "الطوبي" ( Utopie ) تخيل فيه أفضل المجتمعات ولكن جرأته وايمانه كلفاه حياته عندما رفض أن يماشي هنري الثامن في إصلاحاته الدينية. أما "كريستوفر مارلوا"(1564- 1593) فقد اهتم بالمسرحيات. وبلغ من التحرر الأدبي أن نظم شع ا ر غير مقفى.
وأخيرا ظهر "شكسبير"(1564- 1616) الذي جمع في شخصه إمكانات أدبية لا حصر لها. فلم يسرق في أي من فنون الشعر، وضع المسرحيات فحلق ولم يجار. وحبا أشخاص مسرحياته قوة مثالية حتى نخالهم أحياء يرزقون. وأشهر مسرحياته: عطيل، وماكبث، والملك لير، وهاملت، وروميو وجولييت.
د- في إسبانيا:
أطلعت النهضة الإسبانية "سرفنتس" (1547-1616) واضع قصة "دون كيشوت" حيث امتزج الواقع بالخيال، وضمنها نقدا للأوضاع السائدة في عصره.
وبينما كان الأدباء والشعراء يعبرون بلغاتهم القومية، كان "إرسموس" (1466- 1534) الهولندي المولد والأوروبي الفكر يفضل التعبير باللغة اللاتينية وبالرغم من سعة إطلاعه، وامكاناته النادرة في الكتابة، ظل تأثيره مقصورا على فئة معينة، قادرة على قراءة اللغة اللاتينية، ولا تنكر محاولاته في التوفيق بين "الثقافة الإنسانية: والتيار الديني.
النهضة في الغرب
نهضة الفنون والعلوم
أ- في إيطاليا: استفاد الفن الإيطالي من سخاء الأثرياء وحماية المتنفذين أو "الميسين"، (Mécénes ) تشبها بوزير "أغسطس قيصر" المعروف باسم "ميسين" وأفاد الفنانون من الأوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية. فسبقت الحواضر الإيطالية مثل فلورنسا وروما والبندقية غيرها من المدن إلى الخلق والإبداع.
ففي الرسم كان "مازاتشيو" (Mazaccio ) (1401- 1429)، على قصر عمره، الرائد الأول من حيث التأثير والتعبير الداخلي ومن حيث التقيد بقانون الأبعاد ( Perspective ) في جدرانياته، ومعه بدأت انطلاقة الفن الحديث في الرسم. ثم الراهب "فرا انجليكو" ( Fra Angelico ) (1378- 1455) الذي رسم الوجوه القديسة المعبرة والمؤثرة، أما بوتشيللي
Boticelli ((1445- 1510) فكان نقطة تحول، لأنه اهتم بالموضوعات العلمانية، وضجت لوحاته بالألوان الزاهية والطبيعة فكأنه في قلب النهضة.
ورافقت نهضة الرسم أمال ضخمة في ميداني النحت والبناء، وأبرز الأقدمين من النحاتين "جيبرتي" (Ghiberti ( (1378- 1455) ثم "دوناتلو" (Donatelli ) (1386- 1466) الذي امتاز بالقدوة التعبيرية واستوحى المهندسون امثال "برونلتشي" ( Brounelleshi ) من النماذج القديمة، رومانية كانت أم إغريقية، فمهد بذلك الطريق أمام "برامانت" ( Bramante ) و "بالاديو" ( Palladio ) .
هكذا يكون القرن الخامس عشر أو "الكاترو شنتو" قد أعد لمجيء الأعلام الكبار من أمثال دي فينشي، ورفايل، وميكال أنجلو...الذين توجوا النهضة في القرن السادس عشر.
وليوناردوا دي فنشي (1452-1519) لم يكن لعبقريته حدود، وامتزت بالشمول، فقد اهتم بجميع الموضوعات الفكرية والعلمية والفنية. ترك القليل من اللوحات، ولكنه رسمها بقدرة فائقة. أشهرها "الموناليزا" والعشاء السري. واحاطة أشخاصه بإطار من الغموض السحري، سواء في نظرتهم وابتسامتهم أم في الجو المحيط بهم.
أما رافايل(1452-1519) فقد عمل ردحا طويلا في تزيين "الفاتيكان" . أعطي موهبة العمل ببساطة وسهولة نادرتين، فنطقت وجوه أشخاصه بالنبل والجمال، ولعل شخصيته الهادئة هي وراء تعابير أبطاله.
وميكال أنجلو (1475- 1564) نفسية مضطربة شديدة الحساسية عاش حياته الفنية في ظل عقدة الإتيان بأعمال نادرة، فتملكه الغرور ولم يرض عن أعماله على عظمتها، اهتم بالنحت ثم بالرسم والهندسة، فبز جميع أقرانه، وتهافت ليه أثرياء فلورنسا من آل مدتشي، فنقش لهم التماثيل ونحت القبور، واستدعاه البابا يوليوس الثاني للعمل في روما. فأقام القبة الشهيرة فوق كاتدرائية القديس بطرس، ولكن الوفاة عاجلته قبل الانتهاء من نحت قبر الباب يوليوس الثاني.
أما "تيتيان" ( Titien ) فقد ترك حوالي أربعة آلاف لوحة، وفيرونيز ( Veronese ) أشهر ما لديه لوحة "عرس قانا"، ومعهما نذكر كوريجيو ( Corrége ).
ميزة الفن الإيطالي:
البارز في نهضة الفن في إيطاليا انها عددت من مصادر الإيحاء، فكانت موضوعاتها علمانية ودينية، حديثة وقديمة، ولم تنقد انقيادا أعمى لسيطرة الدين كما في القرون الوسطى وخرج الفنان من عزلته ليوقع لوحاته ويباهي بها. وفي ذلك بروز "للفردية" لم يكن في السابق، حيث طمس النسيان شهرة الكثيرين.
وفي البناء عادت الأشكال الرومانية والإغريقية إلى البروز، وولى عهد الفن القومي بالقواعد العالية مما يلام الأجواء القائمة والضباب في غربي أوروبا وشماليها، لا سماء إيطاليا الزرقاء وشمسها الساطعة، وبرزت الأعمدة والأفاريز والنقوش على الطريقة القديمة، وانفصل النحت عن البناء لصبح فنا مستقلا بذاته . واهتم النحاتون بإبراز جمال الجسد بعد أن أطرحوا "الحياء المسيحي" الذي فرض على الفنان ستر الجسم دائما وستر الشعر أحيانا.
وليس كالنهضة الإيطالية قدرة على الإنتاج، فما أنبتته إيطاليا خلال هذه الحقبة قصرت عنه بقية العصور والأمم. واستطاع الفنان الإيطالي أن يتمتع بشهرة جاوزت حدود بلاده إلى العالم الأوسع.
وتعددت منابت النهضة نتيجة لليسار المادي، فلم تقتصر على مدينة معينة، بل حاول كل ثري أن يفاخر بقدرته على الإتيان بمنجزات جميلة واستضافة مشاهير الفنانين القادرين على إرضاء غروره. وما الأعلام الذين ذكرنا إلا قلة من المجلين عرفت إيطاليا الألوف من المشتبهين بهم.
3- الفنون خارج إيطاليا: -
أ- التشبه بإيطاليا: وما لبثت ايطاليا أن أضحت محجة الفنانين الأ وروبيين، فتهافتوا عليها من كل صوب، يستوحون آياتها ويعودون إلى ديارهم بأفكار جديدة. وسرعان ما تبلورت في أعمالهم التأثيرات الإيطالية. فتج أ ر النحاتون على السمو بفنهم ليجعلوه كما في إيطاليا مستقلا عن البناء بعد أن كانا متلازمين في البدء. فاشبعوا بذلك غرور المتنفذين ممن اردوا ان تكون لهم تماثيلهم الخاصة. ومثل النحاتين فعل الرسامون فتهافت عليهم الأثرياء وكان في كل ذلك زخم جديد تطعم به الفن الأوروبي.
ولكن مقابلة النهضة الإيطالية بما كانت عليه في سائر بلدان أوروبا تبرز العجز الكبير والتقصير عن مجا ا رة الفنان الإيطالي. وليس معنى ذلك أنها لا تستحق التقدير، بل أتت أعمالا جميلة لا ت ا زل موضع فخار بالنسبة لفرنسا وألمانيا والبلاد المنخفضة واسبانيا.
ب في فرنسا:
يعود الفضل إلى حروب فرنسوا الأول والإيطاليين في جعل الفرنسيين على احتكاك مباشر مع ايطاليا. فلما آب فرنسوا الأول من ايطاليا اصطحب معه ليوناردوا دي فنشي، ومثله فعل خلفاؤه مع فنانين أقل شأنا وكان من التأثير الإيطالي أن عرف فن البناء مزجا بين الاتجاهين، الفرنسي والإيطالي، مما يتجلى في "قصور اللوار". ولم تنتصر المدرسة الإيطالية إلا فيما بعد، عند بناء قصور باريس وضواحيها ومنها فونتينبلو واللوفر والتويلري وغيرها... وبرز اسم المهندس بيار لسكو ( Pierre Lescot ).
كذلك شأن النحت، فلم يتقبل التأثير الخارجي دفعة واحدة، بل عمد النحاتون إلى الاستيحاء مع الاحتفاظ بالتقاليد الفرنسية، ولم يأخذوا عن إيطاليا إلا النقوش الزخرفية. وبرز اسما ريشيه ( Richier ) وكولومب ( Colombe ) كمحافظين واسم "غوجون" ( Goujon ) كمتحرر، أما في فكان أول البارزين "فوكي" ( Jean Fouquet ) ثم فرنسوا كلوي ( Cloulet ) لكن تأثيرهما ظل محدود المدى.
ج في ألمانيا:
لم يبلغ التأثير الإيطالي في ألمانيا ما بلغه في فرنسا، وغلب على فنانيها الاتجاه التقليدي، كما يتجلى ذلك في رسوم غرينوالد ( Grunewald) (1470- 1528) فقد اعتمد الموضوعات الدينية المؤثرة. وبالرغم من أن دورير ( Durer ) وهولباين ( Holbein ) قد ا زر إيطاليا، فلم يرجعا بالثورة بل غلب عليهما التحفظ.
د- في سائر أوروبا:
وفي كل من البلاد المنخفضة واسبانيا ساعد الازدهار الاقتصادي على تنشيط الفن. ولكن التأثيرات الإيطالية، والتحرر في الموضوعات، والعودة إلى القديم، شابها جميعا الكثير من التحفظ والتردد. ولم يصلها التأثير الخارجي إلا متأخرا.
وأول البارزين في البلاد المنخفضة الرسام فان آيك ( Van Etyck ) ثم فئة من الرسامين أقل
شهوة وان كانوا أكثر تأثرا بأعلام إيطاليا البارزين.
أما إسبانيا فقد فضلت المحافظة على التقليد، كما يتجلى ذلك في قصر "الاسكوريال" الذي بناه فيليب الثاني، وأشهر الرسامين كان يوناني الأصل كمما يدل عليه اسمه "الغريكو" (El Gereco ) وهو لم يخرج عن المألوف في الموضوعات الدينية التي رسمها إلا فيما يتعلق بالأشكال.
خلال القرون الوسطى سيطر الدين على جميع م ا رفق الفكر بما فيها العلوم وشهيرة هي محاولة القديس "توما إلا كويني" في التوفيق بين "العقل والإيمان". لكن العارفين آنذاك سرعان ما انتقدوا هذه المحاولة. وأشهر من تصدوا لهذه المحاولة هو غليوم أوكا(guillaume d’occam ) فنادى بالطلاق بين الدين والعلم. إذ ليس على الإنسان أن يفهم ما وراء الطبيعة بل عليه وبإمكانه أن يفهم ما في الطبيعة. فكانت تلك نقطة تحول بالنسبة للعلماء والباحثين؛ لاسيما وأن بعض المحاولات العلمية كانت قد نجحت تماما وأدت إلى العديد من الاكتشافات، ولكن هذه الاكتشافات لم تسلم دائما من ردة فعل قام بها رجال الدين.
علوم النهضة:
وانطلاقا من هذا المبدأ، عزز "الإنسانيون" محاولاتهم واخضعوا كلما وصل إليهم لامتحان العقل والاختبار. وذهبوا في منحاهم هذا إلى دراسة فقه اللغات القديمة، ليتعرفوا عن كثب إلى مؤلفات الأقدمين فيأخذوا عنها مباشرة دون المرور بوسيط.
ومن علماء النهضة البارزين دي فنشي نفسه. فقد ترك أبحاثا في الحيل والنبات والجيولوجيا والطائرات والمظلات والغواصات والمصفحات والمدافع، فسبق عصره بأشواط، وتقدم علم الفلك على يد كويرنيكوس الذي أكد كروية الأرض ودورانها وقال بالنظام الشمسي دون أن يقدر معاصروه قيمة أعماله. وخطى الطب والتشريح خطوات واسعة على يد في زال ( Vesal) وباري (Paré (وبرزت محاولات جدية لتطوير الرياضيات والجبر والكيمياء. واهتم الرسامون أنفسهم بعلم التشريح لما له من علاقة في تصوير أعضاء الجسد وعضلاته.
وأفادت الرحلات الجغرافية من تقدم العلم، فتج أ ر فاسكو دي غاما على الدو ا رن حول إفريقيا للوصول إلى الشرق الأقصى وبلغ من ثقة كولومبس بما كتبه العالم توسكانيللي عن كروية الأرض أن خاض غمار الأطلسي فوصل إلى "الهند الغربية". وكذلك شأن ماجيلان عندما أكد أميركوا فسيوتشي أن ما اكتشفه كولومبس هو قارة جديدة وليس جزا ر قريبة من اليابان.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|