المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

حسن بن محمد علي اليزدي
19-7-2016
Nonarithmetic Progression Sequence
2-11-2020
التعايش السلمي والتعارف والتعاون
2-7-2022
شروط صحة انعقاد المعاهدات
19-6-2018
dependency grammar
2023-08-08
سمات موقع فيس بوك
2023-03-24


تفسير آية (111-112) من سورة التوبة  
  
6805   02:58 صباحاً   التاريخ: 11-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة : 111 - 112] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

لما تقدم ذكر المؤمنين والمنافقين ، عقب سبحانه بالترغيب في الجهاد ، فقال : {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} حقيقة الاشتراء لا تجوز على الله تعالى ، لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملكه ، وهو عز اسمه مالك الأشياء كلها ، لكنه مثل قوله : {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} في أنه ذكر لفظ الشراء والقرض تلطفا ، لتأكيد الجزاء ، ولما كان سبحانه ضمن الثواب على نفسه ، عبر عن ذلك بالاشتراء ، وجعل الثواب ثمنا ، والطاعات مثمنا ، على ضرب من المجاز ، وأخبر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم يبذلونها في الجهاد في سبيل الله ، وأموالهم أيضا ينفقونها ابتغاء مرضاة الله ، على أن يكون في مقابلة ذلك الجنة .

وروي عن الأعمش أنه قرأ : بالجنة ، وهي قراءة عمر بن الخطاب . والجهاد قد يكون بالسيف ، وقد يكون باللسان ، وربما كان جهاد السان أبلغ ، لأن سبيل الله دينه ، والدعاء إلى الدين يكون أولا باللسان ، والسيف تابع له ، ولأن إقامة الدليل على صحة المدلول ، أولى ، وإيضاح الحق وبيانه أحرى ، وذلك لا يكون إلا باللسان ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : {يا علي! لئن يهدي الله على يديك نسمة ، خير مما طلعت عليه الشمس} .

وإنما ذكر سبحانه شراء النفس والمال ، لأن العبادات على ضربين : بدنية ومالية ، ولا ثالث لهما . ويروى أن الله سبحانه تاجر المؤمنين ، فأغلى لهم الثمن ، فجعل ثمنهم الجنة . وكان الصادق عليه السلام يقول : أيا من ليست له همة! إنه ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها إلا بها ، وأنشد الأصمعي للصادق عليه السلام .

أثامن بالنفس النفيسة ربها * فليس لها في الخلق كلهم ثمن بها نشتري الجنات إن أنا * بعتها بشيء سواها إن ذلكم غبن إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها * فقد ذهب الدنيا ، وقد ذهب الثمن {يقاتلون في سبيل الله} : هذا بيان للغرض الذي لأجله اشتراهم {فيقتلون} المشركين {ويقتلون} أي : ويقتلهم المشركون ، يعني أن الجنة عوض عن جهادهم سواء قتلوا أو قتلوا . ومن قرأ {فيقتلون ويقتلون} : فهو المختار عن الحسن ، لأنه يكون تسليم النفس إلى المشتري أقرب ، والبائع إنما يستحق الثمن بتسليم المبيع {وعدا عليه حقا} معناه : إن إيجاب الجنة لهم وعد على الله حق لا شك فيه ، وتقديره وعدهم الله الجنة على نفسه وعدا حقا ، أي : صدقا واجبا ، لا خلف فيه {فيه التوراة والإنجيل والقرآن} وهذا يدل على أن أهل كل ملة أمروا بالقتال وعدوا عليه الجنة ، عن الزجاج {ومن أوفى بعهده من الله} معناه : لا أحد أوفى بعهده من الله ، لأنه يفي ، ولا يخلف بحال {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} فافرحوا بهذه المبايعة ، حتى ترى آثار السرور في وجوهكم ، بسبب هذه المبايعة ، لأنكم بعتم الشئ من مالكه ، وأخذتم ثمنه ، ولأنكم بعتم فانيا بباق وزائلا بدائم .

{وذلك هو الفوز العظيم} أي : ذلك الشراء والبيع ، الظفر الكبير الذي لا يقاربه شيء . ثم وصف الله سبحانه المؤمنين الذين اشترى منهم الأنفس والأموال ، بأوصاف ، فقال : {التائبون} أي : الراجعون إلى طاعة الله ، والمنقطعون إليه ، النادمون على ما فعلوه من القبائح {العابدون} أي : الذين يعبدون الله وحده ، ويتذللون له بطاعته في أوامره ونواهيه . وقيل : هم الذين أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم ، فعبدوا الله في السراء والضراء ، عن الحسن ، وقتادة {الحامدون} أي :

الذين يحمدون الله على كل حال ، عن الحسن . وقيل : هم الشاكرون لنعم الله على وجه الإخلاص له {السائحون} أي : الصائمون عن ابن عباس ، وابن مسعود ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد .

وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : سياحة أمتي الصيام . وقيل : هم الذين يسيحون في الأرض ، فيعتبرون بعجائب الله تعالى . وقيل : هم طلبة العلم يسيحون في الأرض لطلبه ، عن عكرمة {الراكعون الساجدون} أي : المؤدون للصلاة المفروضة التي فيها الركوع والسجود . {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} أدخل الواو هنا ، لأن الأمر بالمعروف يتضمن النهي عن المنكر ، فكأنهما شيء واحد ، ولأنه قرن النهي عن المنكر بالأمر بالمعروف في أكثر المواضع ، فأدخل الواو ليدل على المقارنة .

{والحافظون لحدود الله} أي : والقائمون بطاعة الله ، عن ابن عباس ، يعني : الذين يؤدون فرائض الله وأوامره ، ويجتنبون نواهيه ، لأن حدود الله أوامره ونواهيه ، وإنما أدخل الواو لأنه جاء وهو أقرب إلى المعطوف {وبشر المؤمنين} هذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يبشر المصدقين بالله ، المعترفين بنبوته ، بالثواب الجزيل ، والمنزلة الرفيعة ، خاصة ، إذا جمعوا هذه الأوصاف .

وقد روى أصحابنا أن هذه صفات الأئمة المعصومين عليهم السلام ، لأنه لا يكاد يجمع هذه الأوصاف على تمامها وكمالها غيرهم . ولقي الزهري علي بن الحسين عليه السلام ، في طريق الحج ، فقال له : تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت إلى الحج ، والله سبحانه يقول {إن الله اشترى من المؤمنين} الآية؟ فقال عليه السلام له : أتم الآية الأخرى {التائبون العابدون} إلى آخرها ، ثم قال : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم ، فالجهاد معهم أفضل من الحج .

________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 129-131 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

{ إِنَّ اللَّهً اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ } . المشتري هو اللَّه سبحانه ، والبائع المؤمنون ، والثمن الجنة ، والمثمن الأنفس والأموال ، والواسطة في إتمام الصفقة بين البائع والمشتري هم الأنبياء ، على أن يسلم البائع الشيء المبيع عند الطلب ، أما الثمن فمؤجل ، واللَّه هو الضامن له ، إذ لا أحد أوفى منه وأغنى .

وتسأل : ان اللَّه خالق الأنفس ، ورازق الأموال ، فكيف يشتري المالك ما هو ملك له ؟ .

الجواب : ليس هذا شراء بالمعنى المعروف ، وانما هو حث وترغيب في الطاعة . . وعبّر سبحانه عنه بالشراء لأمرين : أن يثق المطيع بالجزاء والثواب على طاعته ، تماما كما يثق البائع باستحقاقه الثمن بدلا عن سلعته . الثاني : التنبيه إلى أن الايمان ليس مجرد كلمات تمضغها الأفواه ، وصورة تمر بالأذهان ، وعاطفة تحس في القلوب ، وانما هو بذل وتضحية بالنفس والمال النفيس رغبة في ثواب اللَّه الذي هو أغلى وأبقى ، تماما كما يتنازل البائع عن ملكه مختارا طمعا في الثمن الذي يراه أنفع وأجدى .

ان أعز شيء على الإنسان حياته ونفسه التي بين جنبيه ، أما حبه للمال فلأنه الوسيلة لحفظها وتحقق أهوائها ورغباتها ، وقد امتحن اللَّه سبحانه من يدّعون الايمان ، امتحنهم بأعز الأشياء لديهم ، ليتميز الصادق في إيمانه من الكاذب ، ولا يحتج هذا غدا بصومه وصلاته ، وقد بخل وأحجم عن العطاء والبذل من نفسه وماله .

{ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا } هذا مثل قوله تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } أي هو الذي أوجبها على نفسه ، فصارت حقا عليه بهذا الإيجاب ، وقد وعد سبحانه المجاهدين بالجنة فصارت حقا لهم عليه بهذا الوعد ، بخاصة بعد أن سجله { فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ ومَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ } والغرض من هذا التأكيد ان يكون المجاهدون على يقين من الجزاء وعظيم الثواب ، حتى كأنهم يرونه رأي العين ، فيفرحون ويستبشرون . { فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } هذا تأكيد آخر للوعد بالجزاء وحسن الثواب ، وقال علماء الكلام : إذا وعد اللَّه بالثواب فهو منجز ما وعد ، وإذا توعد بالعقاب فهو بالخيار ان عاقب فبعدله ، وان عفا فبفضله ، وما اللَّه بظلَّام للعبيد . . وتكلمنا عن ثمن الجنة في ج 1 ص 242 عند تفسير الآية 155 من سورة البقرة . . ثم وصف سبحانه الذين باعوا أنفسهم وأموالهم بجنته ، وصفهم بالأوصاف التالية :

{ التَّائِبُونَ } من كل تقصير ، ولو من فعل ما يكره فعله ولا يجب تركه { الْعابِدُونَ } أي المخلصون للَّه في جميع أعمالهم ، { الْحامِدُونَ } اللَّه في السراء والضراء ، { السَّائِحُونَ ) في الأرض لطلب العلم أو الرزق الحلال ، ( الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ) أي المصلون ، { الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ } أي ينشرون الدعوة إلى اللَّه وطاعته ، ويجاهدون كل من يحاول العبث بحق من حقوقه وحقوق عباده وعياله ، { والْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ } وحدوده تعالى هي حلاله وحرامه ، { وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } الموصوفين بهذه الصفات بأن لهم من اللَّه فضلا كبيرا .

______________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 105-106 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

قوله تعالى : ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾ إلى آخر الآية ، الاشتراء هو قبول العين المبيعة بنقل الثمن في المبايعة . 

والله سبحانه يذكر في الآية وعده القطعي للذين يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم بالجنة ، ويذكر أنه ذكر ذلك في التوراة والإنجيل كما يذكره في القرآن . 

وقد قلبه سبحانه في قالب التمثيل فصور ذلك بيعا ، وجعل نفسه مشتريا والمؤمنين بائعين ، وأنفسهم وأموالهم سلعة ومبيعا ، والجنة ثمنا ، والتوراة والإنجيل والقرآن سندا للمبايعة ، وهو من لطيف التمثيل ثم يبشر المؤمنين ببيعهم ذلك ، ويهنئهم بالفوز العظيم . 

قوله تعالى : ﴿التائبون العابدون الحامدون السائحون﴾ إلى آخر الآية ، يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم ، والصفات مرفوعة بالقطع أي المؤمنون هم التائبون العابدون إلخ ، فهم التائبون لرجوعهم من غير الله إلى الله سبحانه العابدون له ويعبدونه بألسنتهم فيحمدونه بجميل الثناء ، وبأقدامهم فيسيحون ويجولون من معهد من المعاهد الدينية ومسجد من مساجد الله إلى غيره ، وبأبدانهم فيركعون له ويسجدون له . 

هذا شأنهم بالنسبة إلى حال الانفراد وأما بالنسبة إلى حال الاجتماع فهم آمرون بالمعروف في السنة الدينية وناهون عن المنكر فيها ثم هم حافظون لحدود الله لا يتعدونه في حالتي انفرادهم واجتماعهم خلوتهم وجلوتهم ، ثم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يبشرهم وقد بشرهم تعالى نفسه في الآية السابقة ، وفيه من كمال التأكيد ما لا يقدر قدره . 

وقد ظهر بما قررنا أولا : وجه الترتيب بين الأوصاف التي عدها لهم فقد بدأ بأوصافهم منفردين وهي التوبة والعبادة والسياحة والركوع والسجود ثم ذكر ما لهم من الوصف الخاص بهم المنبعث عن إيمانهم مجتمعين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وختم بما لهم من جميل الوصف في حالتي انفرادهم واجتماعهم وهو حفظهم لحدود الله ، وفي التعبير بالحفظ مضافا إلى الدلالة على عدم التعدي دلالة على الرقوب والاهتمام . 

وثانيا : أن المراد بالسياحة - ومعناه السير في الأرض - على ما هو الأنسب بسياق الترتيب هو السير إلى مساكن ذكر الله وعبادته كالمساجد ، وأما القول بأن المراد بالسياحة الصيام أو السياحة في الأرض للاعتبار بعجائب قدرة الله وما جرى على الأمم الماضية مما تحكيه ديارهم وآثارهم أو المسافرة لطلب العلم أو المسافرة لطلب الحديث خاصة فهي وجوه غير سديدة . 

أما الأول : فلا دليل عليه من جهة اللفظ البتة ، وأما الوجوه الأخر فإنها وإن كانت ربما استفيد الندب من مثل قوله تعالى : ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم﴾ [المؤمنون : 82] ، وقوله : ﴿فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين﴾ [الآية : 122] من السورة إلا أن إرادتها من قوله : ﴿السائحون﴾ تبطل جودة الترتيب بين الصفات المنضودة . 

وثالثا : أن هذه الصفات الشريفة هي التي يتم بها إيمان المؤمن المستوجب للوعد القطعي بالجنة المستتبع للبشارة الإلهية والنبوية وهي الملازمة للقيام بحق الله المستلزمة لقيام الله سبحانه بما جعله من الحق على نفسه .

_______________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 330-331 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

 

تجارة لا نظير لها :

لما كان الكلام في الآيات السابقة عن المتخلفين عن الجهاد ، فإنّ هاتين الآيتين قد بيّنتا المقام الرفيع للمجاهدين المؤمنين مع ذكر مثال رائع .

لقد عرّف اللّه سبحانه وتعالى نفسه في هذا المثال بأنّه مشتر ، والمؤمنين بأنّهم بائعون ، وقال : {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} .

ولما كانت كل معاملة تتكون في الحقيقة من خمسة أركان أساسية ، وهي عبارة عن : المشتري ، والبائع ، والمتاع ، والثمن ، وسند المعاملة أو وثيقتها ، فقد أشار اللّه سبحانه إلى كل هذه الأركان ، فجعل نفسه مشتريا ، والمؤمنين بائعين ، وأموالهم وأنفسهم متاعا وبضاعة ، والجنّة ثمنا لهذه المعاملة . غاية ما في الأمر أنّه بيّن طريقة تسليم البضاعة بتعبير لطيف ، فقال : {يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ}‏ وفي الواقع فإنّ يد اللّه سبحانه حاضرة في ميدان الجهاد لتقبل هذه البضاعة ، سواء كانت روحا أم مالا يبذل في أمر الجهاد .

ثمّ يشير بعد ذلك إلى سند المعاملة الثابت ، والذي يشكل الركن الخامس فيها ، فقال : {وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ}‏ .

إذا أمعنا النظر في قوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ يتّضح جليا أنّ اللّه تعالى يشتري الأرواح والجهود والمساعي التي تبذل وتصرف في سبيله ، أي سبيل إحقاق الحق والعدالة ، والحريّة والخلاص لجميع البشر من قبضة الكفر والظلم والفساد .

ثم ، ومن أجل التأكيد على هذه المعاملة ، تضيف الآية : {ومَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ‏} أي أنّ ثمن هذه المعاملة وإن كان مؤجلا ، إلّا أنّه مضمون ، ولا وجود لأخطار النسيئة ، لأنّ اللّه تعالى لقدرته واستغنائه عن الجميع أوفى من الكل بعهده ، فلا هو ينسى ، ولا يعجز عن الأداء ، ولا يفعل ما يخالف الحكمة ليندم عليه ويرجع عنه ، ولا يخلف وعده والعياذ باللّه ، وعلى هذا فلا يبقى أي مجال للشك في وفائه بعهده ، وأدائه الثمن في رأس الموعد المقرر .

والأروع من كل شي‏ء أنّه تعالى قد بارك للطرف المقابل صفقته ، ويتمنى لهم أن تكون صفقة وفيرة الربح ، تماما كما هو المتعارف بين التجار ، فيقول عزّ وجلّ : {فَاسْتَبْشِرُوا «2» بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏} .

وقد جاء نظير هذا المبحث بعبارات أخرى ، ففي الآيتين (10) و(11) من سورة الصف يقول اللّه عزّ وجلّ : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ومَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}‏ .

إنّ الإنسان ليقع في حيرة هنا من كل هذا اللطف والرحمة الإلهية ، فإنّ اللّه المالك لكل عالم الوجود ، والحاكم المطلق على جميع عالم الخلقة ، وكل ما يملكه أيّ موجود فإنما هو من فيضه ومنحته ، يبدو في مقام المشتري لنفس هذه المواهب التي وهبها لعباده ، ويشتري ما أعطاه بمئات الأضعاف .

والأعجب من ذلك ، أنّ الجهاد الذي هو السبب في عزّة الإنسان وافتخار الامّة ، وثمراته تعود في النهاية عليها ، قد اعتبر دفعا وتسليما لهذه البضاعة .

ومع أنّ المتعارف أنّ الثمن يجب أن يعادل المثمن أو البضاعة ، إلّا أن هذا التعادل لم يلاحظ في هذه المعاملة ، وجعلت السعادة الأبدية في مقابل بضاعة متزلزلة يمكن أن تفنى في أية لحظة ، (سواء كان على فراش المرض أو ساحة القتال) .

والأهم من هذا أنّ اللّه سبحانه وتعالى مع أنّه أصدق الصادقين ، ولا يحتاج إلى سند وضمان ، فإنّه تعهد بأهم الوثائق والضمانات أمام عبيده .

وفي نهاية هذه المعاملة العظيمة ، والصفقة الكبيرة ، فإنّه قد بارك لهم وبشّرهم ، فهل تتصور رحمة ومحبّة أعلى من هذه؟! وهل يوجد معاملة أكثر ربحا من هذه؟! ولهذا ورد في حديث عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري‏ أنّه لما نزلت هذه الآية كان النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في المسجد ، فتلا هذه الآية بصوت عال ، فكبر الناس ، فتقدم رجل من الأنصار وسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم : يا رسول اللّه ، أنزلت هذه الآية ؟ فقال النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم : «نعم» . فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل‏ «3» .

كما هي طريقة القرآن المجيد ، حيث أنّه يجمل الكلام في آية ، ثمّ يعمد إلى التفصيل في الآية التي تليها ، فقد بيّن سبحانه في الآية الثّانية حال البائعين للروح والمال لربّهم عزّ وجلّ ، فذكر تسع صفات مميزة لهم :

1- فهم يغسلون قلوبهم وأرواحهم من رين الذنوب بماء التوبة : {التَّائِبُونَ}‏ .

2- وهم يطهرون أنفسهم في نفحات الدعاء والمناجاة مع ربّهم : {الْعابِدُونَ‏} .

3- وهم يحمدون ويشكرون كل نعم اللّه المادية والمعنوية : {الْحامِدُونَ}‏ .

4- وهم يتنقلون من مكان عبادة إلى آخر : {السَّائِحُونَ}‏ .

وبهذا الترتيب فإنّ برامج تربية النفس عند هؤلاء لا تنحصر في العبادة ، أو في إطار محدود ، بل إن كان مكان هو محل عبدة للّه وجهاد للنفس وتربية لها بالنسبة لهؤلاء ، وكل مكان يوجد فيه درس وعبرة لهؤلاء فإنّهم سيقصدونه .

(سائح) في الأصل مأخوذ من (سيح) ، و(سياحة) والتي تعني الجريان والاستمرار .

وهناك بحث بين المفسّرين فيما هو المقصود من السائح في الآية ، وأي نوع من الجريان والاستمرار والسياحة هو؟ فالبعض يرى- كما قلنا أعلاه- إن السير في تربية النفس وجهادها إنّما يكون في أماكن العبادة ، ففي حديث عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم : «سياحة أمّتي في المساجد» «4» .

والبعض الآخر يقول : إنّ السائح يعني الصائم ، لأنّ الصوم عمل مستمر طوال اليوم ، وفي حديث آخر عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم : «إن السّائحين هم الصّائمون» «5» .

والبعض الآخر من المفسّرين يرى أن السياحة تعني التنقل والتجوال في‏  الأرض لمشاهدة آثار عظمة اللّه ، ومعرفة المجتمعات البشرية ، والتعرف على عادات وتقاليد وعلوم الأقوام التي تحيي فكر الإنسان وتنميه وتطوره .

وفريق آخر من المفسّرين يرى أن السياحة تعني التوجه إلى ميدان الجهاد ومحاربة الأعداء ، ويستشهدون‏

بالحديث النبوي : «إنّ سياحة أمّتي الجهاد في سبيل اللّه» . «7»

وأخيرا فإنّ البعض يرى أنّها سير العقل والفكر في المسائل العلمية المختلفة المرتبطة بعالم الوجود والتفكر فيها ، ومعرفة عوامل السعادة والإنتصار ، وأسباب الهزيمة والفشل .

إلّا أنّ أخذ الأوصاف- التي ذكرت قبل السياحة وبعدها- بنظر الإعتبار يرجح المعنى الأوّل ، ويجعله الأنسب من بين المعاني الأخرى ، وإن كانت كل هذه المعاني ممكنة في هذه الكلمة ، لأنّها جمعت في مفهوم السير والسياحة .

5- وهم يركعون مقابل عظمة اللّه : {الرَّاكِعُونَ}‏ .

6- ويضعون جباههم على التراب أمام خالقهم ويسجدون له : {السَّاجِدُونَ}‏ .

7- وهم يدعون الناس لعمل الخير: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ‏} .

8- ولم يقتنعوا بهذه الدّعوة للخير ، بل حاربوا كل منكر وفساد : {والنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .

9- وبعد أدائهم وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقومون بأداء آخر وأهم واجب اجتماعي ، أي حفظ الحدود الإلهية وإجراء قوانين اللّه ، وإقامة الحق والعدالة : {والْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ‏} .

وبعد ذكر هذه الصفات التسع فإنّ اللّه يرغّب- مرّة أخرى- أمثال هؤلاء المؤمنين المخلصين الذين هم ثمرة منهج الإيمان والعمل ، ويقول للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم : {وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏} .

ولما لم يذكر متعلق البشارة ، وبتعبير آخر: إنّ البشارة لما جاءت مطلقة فإنّها تعطي مفهوما أوسع يدخل ضمنه كل خير وسعادة ، أي بشر هؤلاء بكل خير سعادة وفخر .

وينبغي الالتفات إلى أن الصفات الست الأولى ترتبط بجانب جهاد النفس وتربيتها ، والصفة السّابعة والثّامنة ترتبطان بالواجبات الاجتماعية الحساسة ، وتشيران إلى تطهير محيط المجتمع من السلبيات ، والصفة الأخيرة تتحدث عن المسؤوليات المختلفة المتعددة المرتبطة بتشكيل الحكومة الصالحة ، والمشاركة الجدية في المسائل السياسية الإيجابية .

______________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 371-375 .

2. فاستبشروا مأخوذة من مادة البشارة ، والتي أخذت في الأصل من البشرة ، أي وجه الإنسان ، وهي إشارة إلى آثار الفرحة والسرور التي تبدو بوضوح على وجه الإنسان .

3. الدّر المنثور ، كما ورد في تفسير الميزان .

5. تفسير الميزان ، ذيل الآية .

6. تفسير نور الثقلين ، وكثير من التفاسير الأخرى .

7. تفسير الميزان ، وتفسير المنار في ذيل الآية .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .