المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

مقاومة الادغال النامية في حقول الكتان
2023-06-04
دفن الاجساد الطاهرة
3-04-2015
الكذب في الدعاء والمناجاة
22-6-2019
النصوص الواردة بشأُنه عن طريق اهل السنة
2-08-2015
مجالات الجاذبية وقانون التربيع العكسي
2023-02-04
المال محمود و مذموم‏
25-2-2019


هل كانت ثورة الحسين (عليه السّلام) ناجحة ومحقّقة لأهدافها ؟  
  
3374   12:06 صباحاً   التاريخ: 24-6-2019
المؤلف : الشيخ عبد الوهاب الكاشي .
الكتاب أو المصدر : مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب
الجزء والصفحة : ص116-128.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء /

كتب الحسين (عليه السّلام) إلى مَنْ تخلّف عنه كتاباً لمّا نزل كربلاء قال فيه : أمّا بعد فمَنْ لحق بي منكم استشهد ومَنْ لم يلحق لمْ يبلغ الفتح والسّلام  .

فأيّ فتح هذا الذي يقصده الحسين (عليه السّلام) مع علمنا بأنّه قُتل هو وأصحابه وأهل بيته وسُبيت حريمه وحُمل رأسه إلى ابن زياد ويزيد ؟!

نقول : كان للحسين (عليه السّلام) من وراء ثورته المقدّسة هدفان : هدف قريب مباشر وهدف بعيد غير مباشر ؛ أمّا الهدف القريب المباشر فهو استرجاع حقّه الشرعي والطبيعي في الخلافة والحكم ؛ لأجل إصلاح المجتمع وإعادة نظام الإسلام إلى الحياة الاجتماعية وإحياء سنّة جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) وإماتة البدع وتصحيح الأخطاء والانحرافات التي تراكمت على المسلمين منذ وفاة محمد (صلّى الله عليه وآله) من جراء السياسات المختلفة التي مارسها الحكّام من ذلك اليوم إلى يوم الحسين (عليه السّلام) ؛ ممّا أدّى إلى أنْ لا يبقى من الإسلام بأيدي المسلمين إلاّ اسمه ولا من القرآن الكريم إلاّ رسمه .

وأمّا الهدف البعيد غير المباشر فهو وضع النقاط على الحروف ووضع الحدود والعلامات الواضحة بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيّف ولفت الأنظار إلى فشل السياسة السابقة التي أدّت إلى الوضع الفاسد القائم وإلى خطأ المفاهيم التي سار عليها المسلمون بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) .

والخلاصة : كان هدفه الأول إحياء الإسلام فكريّاً وعمليّاً وهدفه الثاني إحياؤه فكرياً على الأقل.

وهو وإنْ فاته تحقيق الهدف الأوّل بسبب غدر أهل الكوفة ولمْ يتسنَ له أنْ يقيم حكومة إسلاميّة صحيحة ويطبّق النظام الإسلامي الصحيح بين المسلمين ولكن حقّق هدفه الثاني بلا شك ونزّه دين الله وشريعة الإسلام وسنّة خاتم الأنبياء عن الشوائب المهينة والمظاهر المشوّهة والمفاهيم المغلوطة التي ألحقت به وتراكمت عليه وأظهر وجه الإسلام الجميل ومنظره الجذّاب وصورته السماوية الغرّاء من بين ركام البدع والاجتهادات الضالة الاستحسانات الفاسدة .

وكمثل على ذلك نقول : إنّ ممّا شاع وذاع بين الخبراء والباحثين هو أنّ من أهم النتائج والآثار لمأساة الحسين (عليه السّلام) وحادثة كربلاء انتشار التشيّع وظهور مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) أكثر فأكثر وتزايد عدد الشيعة في العالم الإسلامي رغم أنّ انبثاق التشيّع كان مقارناً مع انبثاق فجر الإسلام ومنذ أوائل البعثة المحمدية غير أنّه كان محدوداً ومحصوراً في نطاق أعيان الصحابة وأعلام المهاجرين والأنصار بالإضافة إلى بني هاشم .

أمّا بعد ثورة الحسين (عليه السّلام) فإنّه ـ أي التشيّع ـ أصبح منتشراً في كافة الأقطار وبين عامّة الطبقات .

السؤال الآن هو : كيف كان ذلك ولماذا ؟

الجواب : أقول : لأنّ الرأي العام وكلّ إنسان حرّ عاقل ذو وعي وضمير لمّا سمع بأنباء تلك المجزرة الرهيبة التي اُبيد فيها آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبما تلاها من الجرائم والموبقات وأبشع المنكرات التي تأباها حتّى الوحوش . . .

أقول : لمّا اطّلع عليها صار يفكّر في نفسه ويتساءل : من أين جاءت هذه العصابة المجرمة الاُمويّة إلى السلطة ؟ وكيف توصّل هؤلاء الطغاة المتمرّدون على أبسط القوانين الإنسانية والإسلام إلى الإمرة والحكم فسوّدوا وجه التاريخ الإسلامي والعربي وملؤوا الدنيا بالظلم والفساد ؟ مَنْ الذي مكّن لهم ومهّد الطريق أمامهم إلى الخلافة الإسلاميّة ؟ فيأتيه الجواب طبعاً وبكل بساطة : إنّه بسبب الغلطة الكبرى والخطأ الذي ارتكبه بعض الصحابة بعد وفاة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) بإنكارهم الحقّ الشرعي والطبيعي في الخلافة لعلي بن أبي طالب (عليه السّلام) بعد الرسول ورفضهم النصوص القرآنية والوصايا النبويّة في خلافة علي (عليه السّلام) وولايته العامّة على الاُمّة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) وادّعوا أنّ الله لمْ يعيّن لرسوله خليفة قطّ والرسول لمْ يختر لنفسه نائباً ووصياً وأنّ أمر القيادة والإمامة بعد الرسول موكول إلى أهواء الناس وآرائهم ؛ فأدّى ذلك بطبيعة الحال إلى أن يتقمّص الخلافة ويتسلّم زمام السلطة والقيادة العامّة بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أشخاص جديدوا عهد بالإسلام وأهدافه بعيدون عن تفهّم جوهره ولبابه وبعدُ لمْ يعرفوا الإسلام بروحه وحقيقته وواقعه الذي هو تربية روحية وتهذيب خلقي وتكوين إنساني أكثر من كونه توسّعاً إقليمياً وسلطة زمنية وحركة سياسية ؛ لذلك صاروا يخبطون خبط عشواء ويتخبّطون في أمر الخلافة بغير هدى ولا طريق معين .

فتارة يعتمدون في اختيار الخليفة مبدأ الانتخابات العام وتارة مبدأ النص والاختيار الفردي واُخرى مبدأ الشورى من قبل أشخاص معدودين وهكذا كلّما اعتمدوا مبدأ جاء بنتيجة أسوأ من الأول إلى أن صارت الخلافة الإسلاميّة لعبة صبيانية ومطمعاً لكلّ طامع حقير .

 لقد هزلت حتّى بدا من هزالِها         كلاها وحتّى استامها كلُّ مفلسِ

فيا ترى ! هل يجوز على الله سبحانه وتعالى ـ وهو علاّم الغيوب القادر الحكيم ـ أن يرضى لعباده هذا الخبط والضلال فلا يختار لهم قائداً مخلصاً وإماماً عالماً وخليفة كفؤاً بعد نبيه محمد (صلّى الله عليه وآله) الذي لا نبي بعده ؟! كلاّ وحاشا سبحانه وتعالى عمّا يزعم الجاهلون ويقوله الظالمون .

قل لي بربك أيّها المنصف : إلى أيّ شيء أوكلهم الله بعد رسوله في أمر التنظيم والتوجيه ؟ أإلى القرآن الكريم فقط وفيه الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمجمل والمفصّل والتفسير والتأويل ؟! مع العلم بأنّه سبحانه أمرهم فيه أن يرجعوا لمعرفة آياته وتأويلها إلى الراسخين في العلم ـ أي علم القرآن ـ وأمرهم بأنْ يسألوا أهل الذكر عمّا يجهلون منه .

فمَنْ هم هؤلاء الراسخون في العلم ؟ ومَنْ هم أهل الذكر ؟ أفلا يجب عليه تعالى أن يعرّف العباد بهم ؟! وإلاّ فما وجه الحكم في الأمر بشيء مجهول ؟! ثمّ بأيّ حجّة يحتجّ الله سبحانه على عباده إذا ضلّوا بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) ولمْ يهتدوا إلى أهل الذكر وإلى العلماء الراسخين ؟! وهذا القرآن كما تراه يحتمل سبعين وجهاً في التفسير والتأويل على حدّ الحديث الشريف الذي مؤدّاه : إنّ للقرآن سبعين بطناً فمَنْ فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .

هذا من جهة ومن الجهة الاُخرى يقول المثل المأثور : حدّث العاقل بما لا يليق فإنْ صدّق فلا عقل له . فهل يليق أيّها العاقل المنصف بمقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو الفرد الأكمل في النوع الإنساني عقلاً وحكمة أنْ يموت ويترك رسالته دون تعيين نائب عنه في رعايتها ونشرها وصيانتها والدفاع عنها ؟!

يموت تاركاً الاُمّة التي تعب على إنشائها طيلة ثلاث وعشرين سنة دون تعيين راع يرعاها وبلا أنْ ينصب خليفة عنه لقيادتها وهي بعدُ في بداية الطريق ودور الطفولة ومرحلة الخطر ؛ محاطة بالأعداء والموتورين والطامعين من الخارج ومهدّدة بالمنافقين والانتهازيين والمؤلّفة قلوبهم من الداخل ؟!

يموت بدون وصيّة وبدون تعيين وصي وبدون أنْ يختار نائباً وخليفة عنه في اُمّته فيخالف بذلك كافة الأعراف العقلائية وأبسط النواميس العقلية وقانون الأنبياء والمرسلين ؟!

قل لهؤلاء الذين يزعمون أنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) مات ولمْ يعيّن لنفسه خليفة ووصياً . . . قل لهم : هل فعل ذلك نبي أو رسول قبل محمد ؟! أيّ نبي من آدم فمَنْ بعده مات قبل أن يعيّن ويختار وينصّب خليفة ووصيّاً ؟! فكيف يشذّ محمد (صلّى الله عليه وآله) عن سيرة الأنبياء ويخالف مسلك المرسلين مع كونه آخرهم وخاتمهم ؟!

هاك كتب التاريخ وسير الأنبياء فراجعها لتعرف أنّه ما من نبي من آدم (عليه السّلام) إلى عيسى فارق الحياة وخرج من هذه الدنيا إلاّ بعد أن اختار لنفسه وصيّاً وعيّن نائباً وعرّفه لاُمّته وسلّمه كتبه ومواريث العلم والنبوّة ؛ سواء كان ذلك الوصي والخليفة نبيّاً أيضاً كأكثر أوصياء الأنبياء أو لم يكن نبياً بل كان إماماً وخليفة فقط يقوم بمهام النبي ويرعى شؤون اُمّته ورسالته.

وإليك أسماء البارزين من اُولئك الأنبياء وأسماء خلفائهم الذين قاموا بعدهم بوصيّة خاصة ونصّ وتعيين :

1 ـ آدم (عليه السّلام) أبو البشر وأوّل الأنبياء : خلّف ولده الثالث شيت (عليه السّلام) وصيّاً وخليفة من بعده وسلّم إليه الصحف التي أنزلها الله عليه والكلمات التي تلقّاها من ربّه فتاب عليه بعد أنْ كان قد أوصى إلى ولده هابيل واختاره خليفة عنه فحسده أخوه الأكبر قابيل وقتله حسب ما هو معروف ومشروح في الكتاب العزيز .

2 ـ نوح (عليه السّلام) شيخ المرسلين : خلّف ولده الصالح سام واختاره خليفة على اُمّته من بعده وسلّم إليه الصحف والكتب المنزلة عليه بعد أنْ هلك ابنه الأكبر الكافر (كنعان) مع المشركين والكفرة في الطوفان على ما ذكر من قصته في القرآن .

3 ـ إبراهيم الخليل (عليه السّلام) : خلّف ابنه الأكبر إسماعيل (عليه السّلام) خليفة على اُمّته من بعده وأوصاه أنْ يخلّف أخاه الأصغر إسحاق (عليه السّلام) من بعده وأوصى إسحاق أنْ يخلّف ابنه الأكبر يعقوب .

4 ـ موسى بن عمران كليم الله (عليه السّلام) : عيّن أوّلاً أخاه ووزيره في الرسالة هارون بن عمران ليخلفه في اُمّته ولكن وافاه الأجل المحتوم قبل موسى (عليه السّلام) فأوصى موسى إلى يوشع بن نون (عليه السّلام) وخلّفه إماماً على اُمّته وسلّمه التوراة والمواريث . ولمّا مات موسى وقام يوشع بن نون مقامه حسدته زوجة موسى وهي صفيراء بنت شعيب فأثارت ضدّه الفتنة وحاربته ولكنّ الله سبحانه نصره عليها . وقصته مذكورة في كتب سيرة الأنبياء .

5 ـ داود (عليه السّلام) : اختار ولده سليمان في حياته وأوصى إليه وسلّمه الزبور ومواريث النبوّة فقام من بعده بأمر الرسالة .

6 ـ عيسى بن مريم (عليه السّلام) روح الله وآيته : أوصى إلى شمعون الصفا وهو من خلّص الحواريين فقام شمعون الصفا من بعد أنْ رفع عيسى (عليه السّلام) مقامه خليفة في اُمّته ووصيّاً على رسالته .

7 ـ زكريّا (عليه السّلام) : أوصى في حياته إلى ولده يحيى (عليه السّلام) وعيّنه خليفة عنه بعده . . . وهكذا .

فكيف يجوز في عرف الشرع ومنطق العقل وسيرة العقلاء أنْ يشذّ محمد (صلّى الله عليه وآله) عن سيرة سلفه الصالح ويخالف الأنبياء جميعاً فيموت ويترك اُمّته سدى حبلهم على غاربهم تتلاعب بهم الأهواء وهو أفضل الأنبياء عقلاً وحكمة ومعرفة ورسالته خاتمة الرسائل والشرايع جاءت لتدوم إلى الأبد وليهتدي بها البشرية جميعاً فهل هذا معقول ؟!

والشيء الآخر هو : أنّ السيرة الفطرية في سلوك كلّ بشر عادي أنّه إذا كان مسؤولاً عن شيء أو يحرص على سلامة شيء من مال أو متاع أو عائلة ثمّ عرضت له حاجة تدعوه أنْ يغيب عن تلك المسؤوليّة فإنّه بحكم فطرته الارتكازية يفكّر بمَنْ يقوم مقامه مدّة غيابه ؛ للحفاظ على ذلك الشيء وأداء تلك المسؤوليّة مدّة غيابه .

فمثلاً : رجل ربّ عائلة يريد السفر لعدّة أيام أو أشهر فإنّه بفطرته البشرية العادية يوصي إلى رجل رشيد من أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه بأن يرعى شؤون عائلته ويتفقّد اُمورهم مدّة غيابه.

ومثل آخر : رجل صاحب مكتب أو متجر أو شيء من هذا القبيل يريد مغادرته لحاجة في الخارج خلال مدّة العمل فإنّه يكلّف شخصاً أو ينصب شخصاً للقيام مقامه أو لرعاية المكتب على الأقل ريثما يذهب ويعود ولا يمكن أنْ يترك المكتب مهملاً مفتوحاً بدون رعاية من أحد .

وأخيراً : فلنتصور رجلاً راعي معز أو غنم أو بقر يريد أنْ يترك القطيع في الصحراء ويعود إلى البلد لحاجة عارضة فهل يتركه بدون أنْ ينصب مكانه رجلاً لحراسة القطيع وحمايته مدّة غيابه ؟! وإذا فعل وترك القطيع سدى وذهب عنه أفلا يلومه العقلاء على ذلك ويعتبرونه مقصّراً في واجبه متهاوناً بمسؤوليته ؟!

وهنا نتساءل : هل كانت الاُمّة والرسالة أقلّ شأناً وقيمة عند محمد (صلّى الله عليه وآله) من الدكان أو المكتب عند صاحبه ومن قطيع الغنم عند الراعي ؟! أم أنّ محمد (صلّى الله عليه وآله) أقلّ حكمة وأضعف تفكيراً وشعوراً بالمسؤوليّة من صاحب المتجر والدكان ومن راعي الغنم والبقر ومن الرجل العادي ربّ العائلة ؟! نعوذ بالله من هذه الافتراءات ونبرأ إلى الله من هذه المزاعم والأقوال .

والأمر الرابع : أقول : هل رأيت أو سمعت في العالم ملكاً بدون وليّ عهد معيّن في حياته أو رئيس جمهورية أو أمير دولي بلا نائب مخصوص مختار قبل وفاته ؟!

فهل كان محمد (صلّى الله عليه وآله) أقلّ إدراكاًَ للاُصول الإدارية والسياسية والزعامة من كلّ الملوك والرؤساء أم ماذا ؟ أم أنّ الملوك والرؤساء أكثر إشفاقاً على سلامة الشعوب والنظام من سيد المرسلين وخاتم الأنبياء على اُمّته ورسالته ؟!

أيقبل عقلك ويرضى وجدانك أنّ الخليفة الأول أبا بكر يهتمّ بأمر المسلمين فلا يُفارق الحياة حتّى ينصّ على عمر بن الخطاب بالخلافة من بعده ويكتب له العهد بذلك والخليفة الثاني عمر يهتمّ بأمر القيادة الإسلاميّة وزعامة الاُمّة فلا يموت حتّى يرشّح ستة أشخاص من كبار الصحابة لمنصب الخلافة ويضع نظام الشورى ويؤكد على أن لا تمضي ثلاثة أيّام بعد موته حتّى يكون أحد هؤلاء الستة قد تعيّن للخلافة وتسلّم زمام أمور الاُمّة ولكن محمد (صلّى الله عليه وآله) يموت بلا وصيّة وبدون وصي وخليفة ؟!

أفيجوز أن يكون كلّ من أبي بكر وعمر بن الخطاب أشدّ حرصاً على مصلحة الإسلام والمسلمين من صاحب الرسالة ومؤسس الاُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) ؟!

إنّ مبدأ الاعتراف بالأمر الواقع الذي يسير عليه أكثر المسلمين بزعم أنّ خلافة الثلاثة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) وقيامهم مقام الرسول (صلّى الله عليه وآله) أمر قد وقع وصار فيجب الاعتراف بصحته والإذعان لشرعيته .

أقول : إنّ هذا ليس مبدأً شرعياً ولا يقرّه العقل والعقلاء ؛ إذ ليس كلّ ما وقع في العالم وحدث في التاريخ هو حقّ وصواب وعدل وصلاح وليس كلّ ما يحدث ويقع يجوز الاعتراف بصحته والالتزام بشرعيته .

ما أكثر الحوادث الباطلة والوقائع الفاسدة والقضايا التي تحقّقت في هذه الحياة ولكن على أساس الظلم والعدوان ؛ فهذه مثلاً دولة إسرائيل القائمة في قلب العالم العربي الإسلامي وقد اعترف بها أكثر دول العالم وتؤيّدها أكبر الحكومات ماديّاً ومعنويّاً فهل يجوز للعقل والشرع وعرف العقلاء الاعتراف بها وبشرعيتها لمجرد ذلك ؟!

الجواب : طبعاً كلاّ ؛ لأنّها وقعت على الغدر والخيانة والغصب كما أنّ المبدأ القائم على الفكرة القائلة : بأنّ الصحابة كلّهم عدول أخيار صلحاء لا يجوز الطعن فيهم ولا يحقّ لنا التنديد بهم . هذا المبدأ هو الآخر غير صحيح لا يقوم على أساس من المنطق والدليل ؛ إذ لا شك أنّهم كانوا بشراً مثلنا غير معصومين من الخطأ والعصيان ومخالفة أوامر الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلاّ مَنْ عصمه الله منهم بقوّة الإيمان والتقوى ومتانة العقيدة واستكمال التربية الإسلاميّة .

وقد وقعت بينهم اختلافات شديدة أدّت إلى أنْ يشتم بعضهم بعضاً ويقاتل بعضهم البعض وسفكت بينهم الدماء فهل كانوا جميعاً على حقّ في تلك المنازعات ؟! وهل كانوا كلّهم عدولاً في خلال تلك الحروب والمعارك ؟! وهل القاتل والمقتول منهم في الجنّة ؟!

إنّ مجرّد الصحبة للرسول (صلّى الله عليه وآله) ليست علّة تامّة لحصول الإيمان والعصمة الحافظة . كيف لا وقد صرّح القرآن الكريم بوجود عدد كبير من المنافقين بين صفوف الصحابة الذين كانوا مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) في المدينة .

وقد دبّر بعضهم عدّة مؤامرات لاغتيال النبي (صلّى الله عليه وآله) فنجا منها بمعجزة . وكان فيهم ـ أي في اُولئك المنافقين ـ عدد قد أتقنوا فنّ النفاق إلى حدّ خفي نفاقهم حتّى على النبي (صلّى الله عليه وآله) فما كشفوا إلاّ بعد وفاته (صلّى الله عليه وآله) وقد ذكرهم تعالى لرسوله على نحو الإجمال فقال : {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101].

ثمّ كيف يستبعد منهم مخالفة أوامر الرسول (صلّى الله عليه وآله) في وصيه وخليفته علي بن أبي طالب بعد وفاته وقد خالفوا أوامره مراراً في حياته وهم معه وجهاً لوجه ؟!

خذ مثلاً لذلك ما أجمع عليه المسلمون جميعاً وهي قضية طلب النبي (صلّى الله عليه وآله) الدواة والكتف في حال مرضه الذي توفي فيه ؛ ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً فعصوا أمره ولم يلبّوا طلبه وقالوا : إنّه يهجر .

فغضب الرسول عليهم وقال : قوموا عنّي  .

راجع ذلك في الصحاح والمسانيد وفكّر فيما شرحناه بعقلك وحكّم وجدانك وضميرك ؛ لتعرف أنّ فكرة التشيّع والمذهب الشيعي هما عصارة مدلول الكتاب العزيز والسنّة الشريفة ونابعان من صميم العقل والضمير الإنساني .

ولتعرف إنّ التشيّع قائم على أساس متين من الدليل والمنطق والوجدان وهو عبارة اُخرى عن الإسلام التامّ الكامل الشامل لكلّ ما جاء به محمد (صلّى الله عليه وآله) من عند الله تعالى بدون زيادة ولا نقصان . كيف لا وهو مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ؟!

والآن نختم البحث حول هذا الموضوع ونعود إلى الغرض المقصود وهو : أنّ من ثمرات ثورة الحسين (عليه السّلام) ومن نتائج تضحياته الجسام انتباه الرأي العام الإسلامي إلى خطأ السياسات الارتجالية التي سار عليها ولاة الأمر منذ وفاة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والتي أدّت بالمسلمين إلى النكسات والنكبات وتشتّت الكلمة واندلاع الفتن والحروب الداخلية والمفاسد الاجتماعية وانحسار الروح الإسلاميّة من نفوس المسلمين .

وأدّت أخيراً إلى هذه الوصمة المخزية ولطخة العار في جبين الإنسانية حيث لمْ يمضِ على وفاة رسول الإسلام ونبي المسلمين سوى خمسين عاماً فقط وإذا المسلمون أنفسهم ينهالون على أهل بيت نبيهم وأولاد منقذهم وذرية سيدهم محمد (صلّى الله عليه وآله) قتلاً وتشريداً وإبادة وتقطيع أوصال وحمل الرؤوس على أطراف الرماح من بلد إلى بلد وترك الجثث على وجه الرمال

وحمل بنات رسول الله سبايا حواسر على الأقتاب تُساق كما تُساق سبايا الكفرة والأشرار . كلّ ذلك بسبب أنّهم أنكروا الظلم والفساد وعارضوا البدع والاستبداد .

فهل ارتكبت اُمّة في العالم قبل هذه الاُمّة عاراً مثل هذا العار وجريمة أبشع وأخزى من هذه الجريمة ؟!

قال السيد الرضي (رحمه الله) في قصيدة له :

جزّورا جزرَ الأضاحي نسلَهُ       ثـمّ  سـاقوا آله سوق الإما

لو  بسبطي قيصر أو هرقلِ       فـعـلوا فعل يزيد ما عدى

لـيس  هـذا لرسولِ الله يا         اُمّـةَ الـطغيانِ والبغي جزا

كلّ ذلك من جرّاء الإعراض عن الإمامة الشرعية والخلافة الإلهية بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تماماً كما تنبّأت به وحذرتهم عنه سيدة النساء فاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله) في الخطبة التي ألقتها على نساء المهاجرين والأنصار بعد اغتصاب الخلافة من الإمام علي (عليه السّلام) ؛ حيث قالت (عليها السّلام) : ويحهم ! أنّا زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوّة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطّبين باُمور الدنيا والدين ؟! ألا ذلك هو الخسران المبين ! وما الذي نقموه من أبي الحسن ؟! نقموا منه والله نكير سيفه وقلّة مبالاته بحتفه وشدّة وطأته ونكال وقعته وتنمّره في ذات الله .

وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة لردّهم إليها ولحملهم عليها ولسار بهم سيراً سجحاً ؛ لا يكلّم خشاشه ولا يكلّ سائره ولا يملّ راكبه . ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً تطفح ضفتاه ولا يترنّق جانباه ولأصدرهم بطاناً ولنصح لهم سراً وإعلاناً .

ولم يكن يتحلّى من الغنى بنائل ولا من الدنيا بطائل غير ريّ الناهل وشبعة الكافل ولَبان لهم الزاهـد مـن الراغـب والصـادق مـن الكـاذب : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

ويحهم ! { أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلاّ أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [سورة يونس : 36 .] .

أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثمّ احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً فهنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غبّ ما أسس الأوّلون ثمّ طيّبوا عن دنياكم نفساً واطمئنوا للفتنة جأشاً وابشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيداً وجمعكم حصيداً . فيا حسرة لكم ! وأنّى بكم وقد {عُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [سورة هود : 28] .

ونعود فنقول : إنّ ثورة الحسين (عليه السّلام) كانت ناجحة وفاتحة ورابحة ولكن نجاحاً معنوياً وفتحاً فكريّاً على الصعيد العالمي وربحاً عاطفياً ووجدانيّاً عمّ النوع الإنساني بكلّ شعوبه وطوائفه وقومياته .

وأمّا النصر العسكري والنجاح المسلّح فليسا دائماً دليلاً على النجاح الحقيقي على حد الكلمة المأثورة : جولة الباطل ساعة وجولة الحقّ إلى قيام الساعة والعاقبة للتقوى .

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.