أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2016
3646
التاريخ: 19-5-2019
1987
التاريخ: 2024-08-10
320
التاريخ: 19/9/2022
1702
|
[لحكم الصوم في عاشوراء جملة من الروايات وهي على انواع : ]
الروايات المانعة
وردت روايات متعارضة بشأن هذا الصوم، ففي بعضها أنّه كفّارة سنة، و انّ يوم عاشوراء يوم البركة و النجاة، و انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يأمر حتى الصبيان بالامساك و الصيام، كما في التهذيب و الكافي و الجعفريّات.
و في بعضها الآخر : ما ينافي هذا، إذ مفادها : انّه صوم متروك، و في بعض آخر:
انّه منهيّ عنه، و في بعض آخر : انّه بدعة و ما هو يوم صوم، و في بعض آخر : انّه صوم الأدعياء، أو انّ حظّ الصائم فيه هو النار، و في بعض آخر : انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ما كان يصومه. هذا ما في كتبنا الروائيّة.
و أمّا السيرة العمليّة للأئمّة الطاهرين فالجدير بالذكر هو انّه لم يعهد منهم و لا من أصحابهم الصوم في هذا اليوم، كما صرّح به السيّد الخوئي في تقرير بحث أستاذه، فلو كان مستحبّا لما استمرّ المعصوم على ترك هذا المستحبّ.
و أمّا في كتب السنّة : فالروايات عندهم مختلفة، إذ مفاد كثير منها الاستحباب و التأكيد على الصوم، و أخرى : تغايرها، إذ فيها انّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) ما كان يصوم يوم عاشوراء، أو انّه لم يأمر به بعد نزول صوم شهر رمضان، كما في البخاري و مسلم و سائر كتب السنن، و قد جمعها الهيثمي في زوائده و ضعّف أسانيد أكثرها.
و فيما يلي عرض الروايات:
الروايات من طرقنا: ما دلّ منها على المنع:
[1- رواية الفقيه]
1- الفقيه : سأل محمد بن مسلم و زرارة بن أعين أبا جعفر الباقر (عليه السّلام) عن صوم يوم عاشوراء، فقال : كان صومه قبل شهر رمضان، فلمّا نزل شهر رمضان ترك.
عبّر عنه المجلسي الأوّل بالصحيح، و قال : قوله : كان صومه : أي وجوبه أو استحبابه، و قوله : ترك أي نسخ.
أقول : على القول بأنّ الصوم كان واجبا ثمّ عرض النسخ يرد البحث الاصولي : و هو إذا نسخ الوجوب هل يبقى معه الجواز أم لا؟
و المراد بالجواز إمّا بالمعنى الأعمّ و هو غير التحريم، و إمّا بالمعنى الأخصّ و هو الإباحة. فالمعروف هو عدم دلالة دليل الناسخ و لا دليل المنسوخ على بقاء الجواز، فتعيين أحد الأحكام الأربعة بعد نسخ الوجوب يحتاج إلى دليل.
كما لا مجال لإثبات الجواز من خلال استصحاب الجواز الّذي كان ضمن الوجوب و كان بمنزلة الجنس له فيما لم نقل باستصحاب الكلّي القسم الثالث. و يطلب التفصيل من مظانّه.
[2- الرواية الأولى للكافي]
2- الكافي : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن نوح، عن شعيب النيسابوري، عن ياسين الضرير، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:
لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكّة و لا في المدينة و لا في وطنك و لا في مصر من الأمصار.
قال المجلسي : الحديث مجهول، و حمل على ما إذا اشتبه الهلال، أو ضعف عن الدعاء، و النهي على الكراهة.
أقول : و إن كان هذا الحمل خلاف الظاهر و لكن يصار إليه بقرينة النهي عن صيام عرفة الّذي لا شكّ في عدم حرمته.
[3- الرواية الثانية للكافي]
3- و فيه : الحسن بن علي الهاشمي، عن محمد بن موسى، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن على الوشّاء، قال : حدّثني نجبة بن الحارث العطّار، قال : سألت : أبا جعفر (عليه السّلام) عن صوم يوم عاشوراء، فقال : صوم متروك بنزول شهر رمضان، و المتروك بدعة.
قال نجبة : فسألت أبا عبد اللّه من بعد أبيه عليهما السّلام عن ذلك فأجابنى بمثل جواب أبيه ثمّ، قال : أما إنّه صوم يوم ما نزل به كتاب، و لا جرت به سنّة إلّا سنّة آل زياد بقتل الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما .
عبّر عنه المجلسي الأوّل : بالقويّ، فقال : و يؤيّده ما رواه الكليني في القوي و عبّر عنه المجلسي الثاني : بأنّه مجهول.
و قال : قوله : صوم متروك يدلّ على أنّه كان واجبا قبل نزول صوم شهر رمضان. و قال بعض الأصحاب : لم يكن واجبا قطّ.
قوله : و المتروك بدعة : يدلّ على أنّه نسخ وجوبه و رجحانه مطلقا إلّا أن يقال : غرضه انّه نسخ وجوبه، و ما نسخ وجوبه لا يبقى رجحان إلّا بدليل آخر كما هو المذهب المنصور، و لم يردّ ما يدلّ على رجحانه إلّا العمومات الشاملة له و لغيره، فإذا صام الانسان بقصد انّه من السنن أو مندوب إليه على الخصوص كان مبتدعا، لكنّ الظاهر من الخبر عدم رجحان لا خصوصا و لا عموما.
و رماه في الملاذ بالمجهوليّة، فقال : مجهول.
[4- الرواية الثالثة للكافي]
4- و فيه : عن الحسن بن علي الهاشمي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن ابان، عن عبد الملك، قال : سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن صوم تاسوعاء و عاشوراء من شهر المحرّم، فقال : تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين و أصحابه رضي اللّه عنهم بكربلاء، و اجتمع عليه خيل أهل الشام و أناخوا عليه، و فرح ابن مرجانة و عمر بن سعد بتوافر الخيل و كثرتها، و استضعفوا فيه الحسين و أصحابه، و أيقنوا أن لا يأتي الحسين ناصر، و لا يمدّه أهل العراق بأبي المستضعف الغريب، ثمّ قال : و أمّا يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين صريعا بين أصحابه و أصحابه صرعى حوله (عراة) أ فصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلّا و ربّ البيت الحرام و ما هو يوم صوم و ما هو إلّا يوم حزن و مصيبة دخلت على أهل السماء و أهل الأرض و جميع المؤمنين، و يوم فرح و سرور لابن مرجانة و آل زياد و أهل الشام غضب اللّه عليهم و على ذرّيّاتهم، و ذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صامه أو تبرّك به حشره اللّه مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه، و من ادّخر إلى منزله ذخيرة أعقبه اللّه تعالى نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه، و انتزع البركة عنه و عن أهل بيته و ولده، و شاركه الشيطان في جميع ذلك.
قال الفيض : بأبي المستضعف الغريب : أي فديت بأبي الحسين إذ كان مستضعفا غريبا. من ادّخر إلى منزله ذخيرة. أشار به إلى ما كان المتبرّكون بهذا اليوم يفعلونه فانّهم كانوا يدّخرون قوت سنتهم في هذا اليوم تبرّكا به و تيمّنا و يجعلونه أعظم أعيادهم لعنهم اللّه.
قال المجلسي : ضعيف على المشهور، و يدلّ على أنّ عاشوراء هو العاشر كما هو المشهور، و يدلّ على كراهة صوم يوم تاسوعاء أيضا.
تحقيق في سند الرواية:
لعلّ ضعف الرواية لأجل محمد بن سنان فإنّه ضعيف غال، يضع الحديث، لا يلتفت إليه، كما عن ابن الغضائري و انّه مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته و ضعفه، و من كان هذا سبيله لا يعتمد عليه في الدين، كما عن الشيخ المفيد.
و انّ ما يختصّ بروايته و لا يشركه فيه غيره لا يعمل عليه، كما عن الشيخ الطوسي.
و انّه لا يستحلّ أيّوب بن نوح الرواية عنه.
لكن نقول : إنّ الفضل روى عنه و أجاز لآخرين رواية أحاديثه بعده، و انّ الكشّى في عنوانه الثاني و الرابع اقتصر على أخبار مدحه، و انّ النجاشي قال في آخر كلامه : يدلّ خبر صفوان على زوال اضطرابه، و انّ المفيد قد وثّقه في الارشاد، و انّ الشيخ الطوسي و انّ ضعّفه في التهذيبين و الفهرست و رجاله لكنّه جعله في كتاب الغيبة من ممدوحي أصحاب الائمّة و روى أخبار مدحه.
كما انّ جمعا من العدول و الثقات رووا عنه كيونس بن عبد الرحمن و الحسين بن سعيد الأهوازى و أخيه و الفضل بن شاذان و أبيه و أيّوب بن نوح و محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب و غيرهم. و هذا يدلّ على اعتبار أخباره إن لم يدلّ على حسنه في نفسه، فأخباره معتبرة إلّا ما كان فيها غلوّا أو تخليطا، و هذه الرواية لم يظهر عليها آثار الغلوّ و التخليط، بل مؤيّدة بروايات اخرى فلا نرى مانعا من الأخذ بهذه الرواية و العمل بها.
أمّا لو كان الضعف لأجل أبان فالظاهر هو ابن تغلب، أو ابن عثمان، أو ابن عبد الملك، فعلى الأوّل فلا كلام في جلالته، و على الثاني : فقد عدّه الكشّي من الستّة الّذين اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، و على الثّالث : فهو حسن الحال كما قاله المامقاني . فلم يبق إيراد في السند، فتأمّل.
[5- الرواية الرابعة للكافي]
5- و فيه : الحسن بن علي الهاشمي. و عن محمد بن عيسى بن عبيد قال : حدّثني جعفر بن عيسى أخوه، قال : سألت الرضا (عليه السّلام) عن صوم عاشوراء و ما يقول الناس فيه، فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين و هو يوم يتشاءم به آل محمد و يتشاءم به أهل الإسلام، و اليوم الّذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام و لا يتبرّك به، و يوم الاثنين يوم نحس قبض اللّه عزّ و جلّ فيه نبيّه، و ما اصيب آل محمد إلّا في يوم الاثنين فتشأّمنا به و تبرّك به ابن مرجانة و يتشاءم به آل محمد، فمن صامها أو تبرّك بها لقى اللّه تبارك و تعالى ممسوخ القلب و كان حشره مع الّذين سنّوا صومها و التبرّك بها.
مناقشة السند:
1- لقد تأمّل العلّامة الحلّي في صحّة سند هذه الرواية حيث قال : فإن صحّ السند كان صوم الاثنين مكروها و إلّا فلا.
2- و قد عبّر المجلسي الأوّل عن هذا الحديث بالقوي.
3- كما رماه المجلسي الثاني بالمجهوليّة فقال : الحديث مجهول.
أقول : لعلّ منشأ التأمّل في السند هو الحسن أو الحسين بن علي الهاشمي إذ لم يرد له ذكر في الكتب الرجاليّة.
و قد أورده السيّد الخوئي في معجمه ساكتا عن أيّ رأي فيه، كما أورده النمازي في مستدركه معبّرا عنه بقوله : إنّه من مشايخ الكليني. فإن كان المبنى وثاقة أو حسن مشايخ الثقات كما تبنّاه المامقاني فلا غبار على السند و ترتفع الجهالة فيه، و إلّا يكفي في المقام : الوثوق الخبري.
فقه الحديث:
أ- قال المجلسي:
قوله : الأدعياء : أي أولاد الزنا. قال في القاموس : الدعيّ كغنيّ المتّهم في نسبه.
قوله : فمن صامها يدلّ ظاهرا على حرمة صوم يوم الإثنين و يوم عاشوراء، فأمّا الأوّل : فالمشهور عدم كراهته أيضا و قال ابن الجنيد : صومه منسوخ، و يمكن حمله على ما إذا صام متبرّكا للعلّة المذكورة في الخبر أو لقصد رجحانه على الخصوص فإنّه يكون بدعة حينئذ.
و أمّا صوم يوم عاشوراء : فقد اختلفت الروايات فيه، و الأظهر عندي : انّ الأخبار الواردة بفضل صومه محمولة على التقيّة، و إنّما المستحبّ الامساك على وجه الحزن إلى العصر لا الصوم، كما رواه الشيخ في المصباح ... صمه من غير تبييت، و افطره من غير تشميت ... و بالجملة : الأحوط ترك صيامه مطلقا.
ب- و قال الفيض الكاشاني:
مسخ القلب عبارة عن تغيّر صورته في الباطن إلى صورة بعض الحيوانات، كما اشير إليه بقوله عزّ و جلّ {نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: 97].
[ج-] كلام القطيفي:
لقد استظهر الطعان من عبارة فمن صام أو تبرّك انّ ماهيّة الصوم و نفس الامساك إلى الغروب بنيّة الصوم مورد للكراهة عند أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، فلا معنى لحمل الأخبار المانعة عن الصيام على الصوم لغير الحزن، و حمل الأخبار المجوّزة للصيام على الصوم على وجه الحزن، فإنّ هذا الجمع مردود قال : ... تصريح الأئمّة بعدم قبول ذلك اليوم لماهيّة الصيام و يكون نفس الصوم موجبا للحشر مع آل زياد و سائر ما هو مذكور من المهالك، كما انّ التبرّك أيضا موجب لذلك، و بأنّ الصوم أيضا لا يكون للحزن و المصيبة و إنّما يكون شكرا للسلامة ... ففي خبر عبد الملك : أ فصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلّا و ربّ البيت الحرام ما هو يوم صوم و ما هو إلّا يوم حزن و مصيبة ... فمن صام أو تبرّك به حشره اللّه مع آل زياد.
قال : ألا ترى كيف جعل الصيام مسبّبا لتلك الأمور العظام و رتّب عليه الوعيد كما رتّبه على التبرّك بذلك اليوم النكيد.
و في خبر أبي غندر : انّ الصوم لا يكون للمصيبة و لا يكون إلّا شكرا للسلامة.
فإنّ ظاهر هذه ... أنّ الحزن لم يكن سببا لاستحباب الصيام في شيء من الأيّام، و انّ الصوم إنّما يستحبّ في الأيّام الّتي يتجدّد فيها الفرح و السرور دون الأيّام الّتي يحدث فيها الترح- الهمّ- و الشرور.
[6- الرواية الخامسة للكافي]
6- و فيه : الحسن بن علي الهاشمي، عن محمد بن عيسى، قال : حدّثنا محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، قال : سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن صوم عاشوراء، فقال : من صامه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانه و آل زياد.
قال : قلت : و ما كان حظّهم من ذلك اليوم؟
قال : النار أعاذنا اللّه من النار، و من عمل يقرّب من النار.
أقول : و في التهذيب زيادة : قال : سمعت زرارة بعد قوله : عن عبيد بن زرارة، و لعلّه من زيادات النسّاخ.
و قد رماه المجلسي الثاني بالمجهوليّة، فقال : مجهول، و لكن عبّر المجلسي الأوّل عن الحديث بالحسن كالصحيح، فقال : و في الحسن كالصحيح عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي.
أقول : إن كان وجه التأمّل في السند هو الحسن بن علي الهاشمي فقد تقدّم الكلام فيه.
[7- رواية الأمالي للطوسي]
7- أمالي الطوسي : محمد بن الحسن في المجالس و الأخبار، عن الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن علي بن حبشي، عن العبّاس بن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن الحسين بن أبي غندر، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : سألته عن صوم يوم عرفة، فقال : عيد من أعياد المسلمين، و يوم دعاء و مسألة.
قلت : فصوم عاشوراء؟ قال : ذاك يوم قتل فيه الحسين (عليه السّلام) ، فإن كنت شامتا فصم، ثمّ قال : إنّ آل اميّة عليهم لعنة اللّه و من أعانهم على قتل الحسين (عليه السّلام) من أهل الشام، نذروا نذرا إن قتل الحسين (عليه السّلام) و آله و سلّم من خرج إلى الحسين (عليه السّلام) و صارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتّخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصوموا فيه شكرا، و يفرّحون أولادهم فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم في الناس، و اقتدى بهم الناس جميعا، فلذلك يصومونه و يدخلون على عيالاتهم و أهاليهم الفرح ذلك اليوم، ثمّ قال:
إنّ الصوم لا يكون للمصيبة و لا يكون إلّا شكرا للسلامة، و إنّ الحسين (عليه السّلام) أصيب يوم عاشوراء فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم، و إن كنت شامتا ممّن سرّك سلامة بني أميّة فصم شكرا للّه.
[8- رواية مصباح المتهجد]
8- المصباح : عن عبد اللّه بن سنان، قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) يوم عاشوراء فألقيته كاسفا و دموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت : ممّ بكاؤك؟ فقال : أ في غفلة أنت؟ أما علمت أنّ الحسين أصيب في مثل هذا اليوم؟
فقلت : ما قولك في صومه؟ فقال لى : صمه من غير تبييت، و افطره من غير تشميت، و لا تجعله يوم صوم كملا، و ليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنّه في مثل هذا الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء على آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
9- [رواية] ابن طاوس:
أقول : و رأيت من طريقهم في المجلّد الثالث من تاريخ النيسابوري للحاكم في ترجمة : نصر بن عبد اللّه النيسابوري بإسناده إلى سعيد بن المسيّب، عن سعد أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لم يصم عاشوراء.
أقول : لعلّه أشار بذلك إلى ما رواه الهيثمي، عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أمر بصوم عاشوراء و كان لا يصومه. و فيه إشكال بيّن : إذ كيف يأمر بمعروف و لا يأتي هو به؟!
و قال ابن طاوس في أوّل الفصل : اعلم أنّ الروايات وردت متظافرات في تحريم صوم يوم عاشوراء على وجه الشماتات، و ذلك معلوم من أهل الديانات، فإنّ الشماتة يكسر حرمة اللّه جلّ جلاله و ردّ مراسمه، و هتك حرمة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و هدم معالمه، و عكس أحكام الإسلام و إبطال مواسمه، ما يشمت بها و يفرح لها، إلّا من يكون عقله و قلبه و نفسه و دينه قد ماتت بالعمى و الضلالة، و شهدت عليه بالكفر و الجهالة ... .
تحقيق في الروايات المانعة:
بما انّ كثيرا من هذه الروايات عرضة لمناقشة أسانيدها- كما سيأتي تفصيله عن السيّد الخوئي فلذا تصدّى الفقهاء للدفاع عن هذه الروايات و ترميم ضعفها بما يلي:
1- وجودها في الكتب المعتبرة، كما عن النراقي حيث قال : لا يضرّ ضعف إسناد بعض تلك الأخبار بعد وجودها في الكتب المعتبرة، مع أنّ فيها الصحيحة.
2- كون هذه الروايات مستفيضة، بل قريبة من التواتر، كما عن الطباطبائي حيث قال : النصوص المرغّبة و هي مع قصور أسانيدها و عدم ظهور عامل بإطلاقها بالكلّية معارضة بأكثر منها كثرة زائدة تكاد تقرب التواتر، و لأجلها لا يمكن العمل بتلك و لو من باب المسامحة، إذ هي حيث لم تحتمل منعا و لو كراهة و هي محتملة من جهة الأخبار المانعة.
3- أنّها معتبرة سندا : و ذلك لأنّ جمع الشيخ بين الطائفتين و جعل التعارض بينهما يدلّ على تسليمه للأخبار، و ذلك لأنّ التعارض فرع اعتبار السند و حجّيّته كما عن الشيخ الاستاذ الوحيد الخراساني.
4- وثاقة الحسين بن علي الهاشمي، و ذلك لأنّه من مشايخ الكليني، و على مبنى اعتبار مشايخ الثقات يخرج الهاشمي عن الاهمال و الجهالة إلى رتبة الاعتبار.
إلّا ان يناقش في هذا المبنى و يقال : إنّ نقل الثقة عن شخص لا يدلّ على كون المرويّ عنه ثقة لشيوع نقل الثقات من غيرهم.
نعم، لقد تبنّى هذا الرأي جمع؛ منهم المامقاني في التنقيح، و النوري في المستدرك، و جعل نقل الثقة أية كون الشخص المرويّ عنه ثقة.
أقول : إنّ المبنى المقبول عند البعض هو كثرة نقل الثقة عن شخص يدلّ على اعتباره و حسن وثاقته.
5- اعتبار هذه الروايات لأجل موافقتها لسيرة المتشرّعة، و لأصحاب الأئمّة عليهم السّلام، كما عن الشيخ الاستاذ حيث قال في درسه في نقاشه كلام السيّد الخوئي:
إنّ إسقاط هذه الروايات لمجرّد ضعف سندها مع انّ المسلّم موافقتها لسيرة المتشرّعة القطعيّة و لأصحاب الأئمّة الّذين كانوا ملتزمين بترك الصوم في يوم عاشوراء غير مقبول، بل مخدوش، و لسنا نحن مع السيّد الخوئي في طريقته هذه في الفقه فلا بدّ:
أوّلا : ملاحظة عدد هذه الروايات.
ثانيا : كيفيّة تلقّي السلف لهذه الروايات
ثالثا : ملاحظة انّ السيرة القطعيّة هل هي موافقة لهذه الروايات أم لا؟
و قد جمع الشيخ الطوسي بين الروايات المانعة و الروايات الدالّة على المطلوبيّة فهل ترى انّه جمع بين الروايات الضعيفة و القويّة؟
إذن طريقة السيّد الخوئي محلّا للمناقشة و الاشكال، أضف إلى ذلك انّا لا نقول بأنّ مستند الحكم هو الرواية الضعيفة، بل نقول إنّ الروايات إذا كانت متعدّدة و كانت موردا لتسالم الأصحاب و قبولهم و كانت السيرة مطابقة لهذه الروايات فتكون الروايات الّتي تحمل هذه المواصفات مستندا للحكم لا الرواية الضعيفة، و ما نحن فيه من هذا القبيل.
أقول : يرد على السيّد الخوئي : إنّ تصريحه في أجود التقريرات بمداومة الأئمّة عليهم السّلام على الترك و أمرهم أصحابهم به ينافي ما يتبنّاه من القول بالاستحباب.
كما يرد على الشيخ الاستاذ : انّ موافقة الروايات للسيرة لا توجب قوّة الضعيف.
فلا بدّ و أن ينظر إلى هذه السيرة و لم يحرز أنّها لأجل استنكار صوم يوم عاشوراء، بل لعلّه لأجل الحفاظ على إقامة مراسم عزاء أبي عبد اللّه (عليه السّلام) كما أشار إليه السيّد الخوئي.
كلام السيّد الخوئي حول الروايات المانعة:
إنّ الخوئي يرجع اربعا من الروايات المانعة الّتي يعود سندها إلى الحسين أو الحسن بن علي الهاشمي إلى رواية واحدة و يضعّف طريقها بالهاشمي لأنّه مجهول.
أضف إلى وجود ابن سنان في روايته الاولى، و زيد النرسي في طريقه الآخر.
قال : ما رواه الكليني عن شيخه الحسين بن علي الهاشمي- كما في الوسائل-، و عن الحسن- كما في الكافي-، و لهذا الشخص روايات أربع رواها في الوسائل إلّا إنّنا نعتبر الكلّ رواية واحدة لأنّ في سند الجميع رجلا واحدا هو الهاشمي، و حيث إنّه لم يوثّق و لم يذكر بمدح، فهي بأجمعها محكومة بالضعف، مضافا إلى ضعف الاولى بابن سنان أيضا، و الثالثة بزيد النرسي على المشهور، و إن كان مذكورا في إسناد كامل الزيارات.
و ما في الوسائل في سند الرابعة من كلمة نجية غلط و الصواب نجبة، و لا بأس به، و كيف كان فلا يعتدّ بشيء منها بعد ضعف أسانيدها.
أقول : إنّ روايات الهاشمي قويّة عند المجلسي الأوّل، كما مرّ آنفا، ثمّ إنّ السيّد الخوئي قال في وجه تضعيف الرواية الثانية- ياسين الضرير-، أمّا الرواية الثانية فهي ضعيفة السند بنوح بن شعيب و ياسين الضرير على أنّ صوم عرفة غير محرّم قطعا، و قد صامه الامام كما في بعض الروايات. نعم، يكره لمن يضعفه عن الدعاء فمن الجائز أن يكون صوم يوم عاشوراء أيضا مكروها لمن يضعفه عن القيام بمراسيم العزاء.
و قال حول الرواية الأخيرة- رواية غندر-.
و هي ضعيفة السند جدّا لاشتماله على عدّة من المجاهيل، فهذه الروايات بأجمعها ضعاف. 2
ثمّ أضاف في مجال تضعيف الروايات المانعة و سقوطها عن الاعتبار فضلا عن المعارضة : فالروايات الناهية غير نقيّة السند برمّتها، بل هي ضعيفة بأجمعها، فليست لدينا رواية معتبرة يعتمد عليها ليحمل المعارض على التقيّة كما صنعه صاحب الحدائق.
أقول : و قد عرفت الجواب عن السيّد الخوئي خلال عرض كلام الشيخ الاستاذ و الشيخ النراقي و السيّد الطباطبائي و ... و معه لا يبقى مجال لما يراه السيّد الخوئي.
مناقشة السيّد الخوئي رواية المصباح:
حاصل مناقشته للرواية هو : انّ الشيخ الطوسي التزم في التهذيبين الرواية عمّن له أصل أو كتاب، فيذكر اسم صاحب الكتاب ثمّ يذكر طريقه إليه في المشيخة أو في الفهرست، و لم يلتزم بهذا المعنى في مصباح المتهجّد بأنّه كلّما يرويه هنا عن شخص فهو رواية عن كتابه.
و هذه الرواية في المصباح عن ابن سنان و طريقه إلى كتابه و ان كان صحيحا و لكنّه لم يعلم أنّ ما رواه هنا فهو عن كتابه، بل لعلّه رواه عن نفس الرجل ابن سنان لا عن كتابه و لم يعرف طريقه إليه و انّه صحيح أم لا. و عليه فالرواية في حكم المرسل، و بالتالي يصحّ ما تبنّاه من انّ الروايات الناهية كلّها ضعيفة السند فتكون الروايات الآمرة سليمة عن المعارض.
مناقشة الشيخ الاستاذ كلام الخوئي:
قال الشيخ الاستاذ في نقاشه كلام السيّد الخوئي : أوّلا : بالنسبة إلى خصوص رواية ابن سنان فللشيخ الطوسي في الفهرست طريق إلى كتابيه: 1- كتاب الصلاة 2- كتاب اليوم و الليلة، و لم ينقل في الفهرست أكثر من كتابين لابن سنان، و لكنّ النجاشي نقل له ثلاثة كتب، ثمّ قال في ذيله : له كتاب الصلاة الّذي يعرف بعمل يوم و ليلة : و كتاب الصلاة الكبير، و كتاب في سائر الأبواب من الحلال و الحرام، روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة و ثقته و جلالته.
فلنفرض عدم وجود هذه الرواية في كتاب الصلاة لابن سنان أو في كتابه الآخر.
و لكنّه يحتمل وجودها في كتاب الحلال و الحرام الّذي يوجد لأكثر العظماء إليه سند.
ثانيا : عبّر الشيخ في المصباح بقوله : روى عبد اللّه بن سنان و فرق بين روي و بين روى، ففي الثاني يسند المطلب إلى الصادق (عليه السّلام) ، فلو لم يكن قابلا للاعتبار لما أسنده إلى الصادق (عليه السّلام) مع ما يمتلكه من الدّقة و العلم و الإحاطة بالفقه و الرجال.
إذن لا إشكال في صدورها و صحّتها، و الشاهد عليه : أوّلا : قوّة المتن، و ثانيا:
تعبير الشيخ بقوله : روى و لم يعبّر بقوله روي.
طريق آخر لرواية ابن سنان:
ثمّ إنّ لرواية عبد اللّه بن سنان طريق آخر صحيح غير ما رواه الشيخ الطوسي في المصباح و هو ما رواه المشهدي في مزاره، و قد تبنّى الاستاذ هذا الطريق و اعتمد عليه نتيجة لاعتماد السيّد عبد الكريم بن طاوس و ولده عليه.
قال الاستاذ : هذا كلّه إضافة إلى وجود طريق آخر صحيح، و هو ما رواه المشهدي في مزاره عن عماد الدين الطبرى و هو ثقة بلا إشكال، عن، أبي علي حسن و هو ولد الشيخ الطوسي، عن والده أبي جعفر الطوسي، عن المفيد، عن ابن قولويه و الصدوق، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، قال : دخلت على سيّدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام يوم عاشوراء.
إذن حتى و لو لم يتمّ طريق الشيخ في المصباح إلى نفس هذا الرجل- ابن سنان- مع ذلك لا تسقط الرواية عن الاعتبار و ذلك لوجود طريق آخر.
أضف إلى ذلك انّه اعتمد على هذه الروايات من ليس مبناه الاعتماد على أخبار الآحاد كابن إدريس و ابن زهرة، فهذه الروايات موضوع لأدلّة الاعتبار قطعا.
الروايات الدالّة على الجواز
1- [ما في] التهذيب
و عنه- علي بن الحسن بن فضّال-، عن يعقوب بن يزيد، عن أبي همّام، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال : صام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يوم عاشوراء.
وثّقه المجلسي فقال : موثّق، و حمله المحقّق القمّي و غيره على التقيّة.
2- [ما في التهذيب أيضا]
و فيه : سعد بن عبد اللّه، عن أبي جعفر، عن جعفر بن محمد بن عبيد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السّلام قال : صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة.
رماه المجلسي بالمجهوليّة، فقال : مجهول.
3- [ما في التهذيب أيضا]
و فيه : علي بن الحسن، عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن كثير النّواء، عن أبي جعفر (عليه السّلام) ، قال : لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجوديّ فأمر نوح (عليه السّلام) من معه من الجنّ و الإنس أن يصوموا ذلك اليوم.
و قال أبو جعفر (عليه السّلام) : أ تدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الّذي تاب اللّه عزّ و جلّ فيه على آدم و حوّاء، و هذا اليوم الّذي فلق اللّه فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون و من معه، و هذا اليوم الّذي غلب فيه موسى (عليه السّلام) فرعون، و هذا اليوم الّذي ولد فيه إبراهيم (عليه السّلام) ، و هذا اليوم الّذي تاب اللّه فيه على قوم يونس (عليه السّلام) ، و هذا اليوم الّذي ولد فيه عيسى بن مريم (عليه السّلام) ، و هذا اليوم الّذي يقوم فيه القائم عليه السلام.
قال المجلسي : ضعيف، الأظهر حمله على التقيّة لما رواه الصدوق في أماليه و غيره : انّ وقوع هذه البركات في هذا اليوم من أكاذيب العامّة و مفترياتهم.
و يظهر من الأخبار الآتية أيضا أنّ تلك الأخبار صدرت تقيّة، بل المستحبّ الامساك إلى ما بعد العصر بغير نيّة، كما رواه الشيخ في المصباح و غيره في غيره، و اللّه يعلم.
و قد ذكر القمّي انّ كثير النّواء عامّي بتري، و قال : مع انّ روايته من حيث المضمون مخالفة لسائر الأخبار في ولادة عيسى (عليه السّلام) فقد مرّ أنّها في أوّل ذي الحجّة، و توبة قوم يونس (عليه السّلام) فقد ورد أنّها كانت في شوّال، و توبة آدم (عليه السّلام) فقد ورد أنّها كانت في يوم الغدير، و غير ذلك.
و أمّا ذكر قيام القائم (عليه السّلام) فلعلّه من جهة تخليطه حتى لا يكذّب في سائر ما ذكره.
تحقيق في كثير النّواء: انّ كثير النّواء بن قاروند ضعيف عندنا.
ففي الكشّي عن الصادق (عليه السّلام) : اللّهمّ إنّي إليك من كثير النّواء أبرأ في الدنيا و الآخرة.
و عن أبي جعفر (عليه السّلام) : انّ الحكم بن عيينة و سلمة و كثير النّواء ... أضلّوا كثيرا ممّن ضلّ من هؤلاء.
4- [ما في التهذيب أيضا]
و فيه : علي بن الحسن بن فضّال، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام أنّ عليّا (عليه السّلام) قال : صوموا العاشوراء التاسع و العاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة.
ضعّفه المجلسي، فقال : ضعيف.
و قال والده المجلسي الأوّل : أمّا ما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة و غيره من الأخبار فمحمولة على التقيّة، أو على الصوم حزنا، أو الامساك بغير نيّة الصوم إلى العصر.
و قال القمّي : و يمكن الجواب عن الأخبار الاوّلة بحملها على التقيّة، و مسعدة عامّي أو بتري.
5- [ما في التهذيب أيضا]
و فيه : أحمد بن محمد، عن البرقي، عن يونس بن هشام، عن حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال : كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كثيرا ما يتفل يوم عاشوراء في أفواه أطفال المراضع من ولد فاطمة عليها السّلام من ريقه و يقول : لا تطعموهم شيئا إلى الليل، و كانوا يروون من ريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال : و كانت الوحش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود (عليه السّلام) .
قال المجلسي : الحديث ضعيف أو مجهول
قال الفيض : كأنّ الوجه في ذلك ما روي أنّ الوحش كانت تحضر وعظ داود (عليه السّلام) و تذكيره لحسن صوته و إعجاب كلامه، فلعلّها سمعت منه (عليه السّلام) من ذلك شيئا أو أوقع اللّه في نفوسها في ذلك اليوم حزنا فتركت الأكل.
أقول : و لا دلالة فيها على استحباب الصوم.
6- [ما في] الكافي:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن على بن الحسين (عليه السّلام) ، قال : ...
أمّا الصوم الّذي صاحبه فيه بالخيار ... صوم عاشوراء ...
قال المجلسي : ضعيف، و الزهري نسبته إلى زهرة أحد أجداده و اسمه محمد بن مسلم بن عبيد اللّه ... و هو من علماء المخالفين، و كان له رجوع إلى سيّد السّاجدين (عليه السّلام) ... ثمّ إنّه لعلّ المراد بصوم العاشر بل التاسع أيضا : الإمساك حزنا، لورود النهي عن صومهما كثيرا، و الأظهر أنّه محمول على التقيّة، بل الظاهر أنّ صوم السّنة و الاثنين أيضا موافقان للعامّة، كما يظهر من بعض الأخبار مع أنّ الراوى أيضا عامّى.
و قال المجلسي الأوّل : الزهري من علماء العامّة و فقهائهم، و كان له انقطاع إلى علي بن الحسين عليهما السّلام و يروي عنه كثيرا.
قوله : بالخيار أي يجوز له الافطار بعد الشروع فيه، أو لا يجب صومه ...
و الظاهر أنّه وقع تقيّة و ستجيء الأخبار في ذمّه و انّه يوم تبرّكت به بنو اميّة لعنهم اللّه بقتلهم الحسين (عليه السّلام) فيه.
أقول : و إن كان المعروف بل المقطوع به انّه من العامّة، و لكن نسب إلى الوحيد البهبهاني القول بتشيّعه، و يميل إليه التستري و يقول السيّد الخوئي : الزهري و إن كان من علماء العامّة، إلّا انّه يظهر من هذه الرواية- رواية ابن شهر آشوب و غيرها- انّه كان يحبّ علي بن الحسين و يعظّمه.
[7- ما في الجعفريات]
8- الجعفريّات : أخبرنا محمد، حدثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمد (عليه السّلام) ، عن أبيه قال : كان عليّ (عليه السّلام) يقول : صوموا يوم عاشوراء التاسع و
العاشر احتياطا فإنّه كفّارة للسنة الّتي قبله، و إن لم يعلم به أحدكم حتى يأكل فليتمّ صومه.
أقول : و في كتاب الجعفريّات كلام قد ضعّفه صاحب الجواهر و نفى كونه من الاصول المشهورة.
[8- رواية ابن طاوس]
9- ابن طاوس : رأيناه في كتاب دستور المذكّرين بإسناده عن ابن عبّاس، فقال : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعه فاصبح صائما. قال : قلت:
كذلك يصوم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال : نعم.
أقول : مع غضّ النظر عن السند لا دلالة فيها على المطلوب، إذ ظاهرها استحباب أو وجوب صوم التاسع من المحرّم، و قريبا يأتي البحث حول كتاب دستور المذكّرين.
[9- رواية الصدوق]
10- الصدوق : في عشر من المحرّم و هو يوم عاشوراء أنزل اللّه توبة آدم- إلى أن قال:- فمن صام ذلك اليوم غفر له ذنوب سبعين سنة و غفر له مكاتم عمله.
أقول : إنّ كتاب المقنع مجموعة روايات حذف المؤلّف اسنادها لئلّا يثقل حمله و يصعب حفظه و لا يملّ قارؤه، كما صرّح بذلك في أوّل مقدّمته، إلّا انّ هذه الرواية كسائر رواياته مرسلة عندنا و أنّها معارضة بما يأتي من النهي عن الصوم في يوم عاشوراء، و أنّ توبة آدم (عليه السّلام) لم تكن في عاشوراء.
10- [رواية] فقه الرضا
: و أمّا الصوم الّذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة- إلى أن قال:- و يوم عاشوراء.
11- [رواية] دعائم الإسلام:
عن جعفر بن محمد (عليه السّلام) أنّه قال : أوفت السفينة يوم عاشوراء على الجوديّ فأمر نوح من معه من الإنس و الجنّ بصومه، و هو اليوم الّذي تاب اللّه فيه على آدم (عليه السّلام) ، و هو اليوم الّذي يقوم فيه قائمنا أهل البيت عليهم السّلام.
أقول : لا دلالة فيها على مطلوبيّة الصيام في شرعنا.
أضف إلى ذلك : الكلام و التأمّل في اعتبار هذا الكتاب و اعتبار مؤلّفه القاضي نعمان المصرى، و كذلك الكلام في اعتبار الفقه المنسوب إلى الامام الرضا (عليه السّلام) ، و قد تعرّضنا لذلك في كتابنا موارد السجن، فراجع.
لمحة عن دستور المذكّرين و مؤلّفه:
لم يعرف عن مؤلّفه شيء، و لعلّه شافعيّ المذهب- كما عن الذهبي-، إلّا أنّ ابن طاوس نقل عنه في مواضع من الإقبال، منها : في تسمية شوّال و صيامه، و في الخامس و العشرين من رجب، و في صوم ثلاثة أيّام من الشهر الحرام، و مواضع اخرى.
و لم يتعرّض له بمدح و لا ذمّ، و قد اختلف في اسمه، فعن الطهراني و النمازي و الذهبي- من العامّة- أنّ اسمه محمد بن أبي بكر، و عن خليفة في كشف الظنون : اسمه محمد بن عمر.
و فيما يلي كلماتهم : [حوله]
1- قال الطهراني : و هو كتاب دستور المذكّرين و منشور المتعبّدين للحافظ محمد بن أبي بكر المديني، كذا نقل عنه السيّد ابن طاوس في الإقبال في اعمال عاشوراء استنادا إلى حديث : من بلغ.
و لكنّ ابن طاوس أسماه محمد بن أبي بكر المديني في البحث عن الاختلاف في ليلة القدر.
2- و قال النمازي : محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الحافظ، لم يذكروه.
3- و قال خليفة : دستور المذكّرين لأبي موسى المديني محمد بن الحافظ، ت 581 ه.
4- و قال الذهبي : الامام العلّامة الحافظ الكبير الثقة، شيخ المحدّثين أبو موسى محمد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى، المديني الأصبهاني الشافعي، صاحب التصانيف.
و المتحصّل انّ المؤلّف ليس من علماء الاماميّة، و لكنّه شافعي، وثّقه الذهبي، فهو مقبول عندهم.
الروايات من طرق السنّة
وردت في كتبهم أحاديث كثيرة نسبوها إلى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) الكريم يظهر عليها التهافت و التعارض البيّن، الأمر الّذي ألجأ الشرّاح و المحشّين إلى استخدام التأويلات و التمحّلات الّتي سيرد عليك بعضها. أمّا الروايات فهي على طوائف منها ما تفيد التخيير، و منها ما أمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بصيام عاشوراء، و لكن لم يعرف متى كان هذا الأمر؟ و منها أمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بالصيام في المدينة، و منها : صوم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قبل الإسلام لصوم الجاهليّة في عاشوراء، ثمّ نسخه برمضان، فالأصل و السبب في الصوم هو موافقة الجاهليّة!
و منها : انّ بدء الصوم كان حينما قدم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) المدينة و كانت اليهود تصوم فكأنّه أحبّ موافقتهم!!
و منها : انّ صوم هذا اليوم لأجل مخالفة اليهود، و ظاهره أنّهم ما كانوا يصومون في هذا اليوم فأمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) المسلمين بالصيام مخالفة لهم.
و منها : عدم الأمر بهذا الصوم بعد نزول رمضان و عدم صوم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في يوم عاشوراء اصلا، بل ترك بعده.
و منها استمراريّة هذا الصوم و التأكيد عليه إلى قبل عام وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و فيما يلي بعض تلك الروايات:
1- [رواية] البخاري:
أبو عاصم، عن عمر بن محمد، عن سالم، عن أبيه رضى اللّه عنه قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يوم عاشوراء إن شاء صام.
أقول : أبو عاصم هو النبيل، الضحّاك بن مخلّد، عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب، عن سالم، عن أبيه : ابن عمر. و في السند : عمر بن محمد بن زيد : قيل : ليّنه يحيى بن معين، و أبو عاصم- الضحّاك بن مخلد- تناكره العقيلي و ذكره في كتابه و ساق له حديثا خولف في سنده.
2- [رواية البخاري أيضا]
و فيه : أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال : أخبرنى عروة بن الزبير أنّ عائشه قالت : كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أمر بصيام يوم عاشوراء، فلمّا فرض رمضان كان من شاء صام و من شاء أفطر.
أقول : أبو اليمان هو الحكم بن نافع الحمصي : و شعيب : هو ابن أبي حمزة الحمصي.
فعن أحمد بن حنبل، قال بشر بن شعيب : جاء أبو اليمان بعد موت أبي فأخذ كتابه و الساعة يقول : أخبرنا شعيب، فكيف يستحلّ هذا؟! فهذه و جادة اصطلاحا و ليست سماعا.
أمّا الدلالة : فمفاده نسخ وجوب الصوم، كما قاله العيني.
3- [رواية البخاري أيضا]
و فيه : حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهليّة، و كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه و أمر بصيامه، فلمّا فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، و من شاء تركه.
مناقشة السند : و فيه هشام بن عروة : فعن ابن قطّان : أنّه اختلط و تغيّر، و عن الذهبي : أنّه نسي بعض محفوظه أو وهم، و عن ابن خرّاش : كان مالك لا يرضاه نقم عليه حديثه لأهل العراق.
أقوال و تعليقات:
[أ- قول للعيني]
1- قال العيني : قوله : تصومه قريش في الجاهليّة : يعني قبل الإسلام، و قوله : كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصومه أي قبل الهجرة، و قال بعضهم : إنّ أهل الجاهليّة كانوا يصومونه، و إنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يصومه في الجاهليّة أي قبل أن يهاجر إلى المدينة.
قال : هذا الكلام غير موجّه، لأنّ الجاهليّة إنّما هي قبل البعثة، فكيف يقول : و إنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يصومه في الجاهليّة، ثمّ يفسّره بقوله : أي قبل الهجرة، و النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أقام نبيّا في مكّة ثلاث عشر سنة، فكيف يقال : صومه كان في الجاهليّة؟.
[ب- قول المؤلف]
2- أقول : أمّا صوم قريش في الجاهليّة فيحتمل فيه العسقلاني احتمالين:
الأوّل : لعلّهم تلقّوه من الشرع السالف.
الثاني : انّ قريشا أذنبت ذنبا في الجاهليّة، فعظم في صدورهم، فقيل لهم : صوموا عاشوراء يكفّر ذلك.
و لكن لا يعلم من القائل لهم! و لما ذا تابعهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) على ذلك؟ فهل كان قد أذنب معهم- و العياذ باللّه؟!
ثمّ إنّ هذا النّص يناقض ما روي من أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لمّا دخل المدينة رأى اليهود تصوم في هذا اليوم، فقال : أنا أحقّ، فصامه و أمر بصيامه. و معنى ذلك : أنّه ما كان يصومه قبل ذلك، أضف إلى ذلك أنّ معناه : تأثّر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بالأجواء و التيّارات- حاشاه-، فتارة يصوم بمكّة متأثّرا بالجاهليّة، و اخرى يصوم بالمدينة متأثّرا باليهود- نعوذ باللّه- أو حبّا لموافقته معهم!
[ج- قول الدكتور جواد علي]
3- و قال الدكتور جواد علي : ... و يظهر أنّه خبر صيام قريش يوم عاشوراء هو خبر متأخّر، و لا يوجد له سند يؤيّده، و لا يعقل صيام قريش فيه و هم قوم مشركون، و صوم عاشوراء هو من صيام يهود، و هو صيام كفّارة و استغفار عندهم.
فلم تستغفر قريش و يصومون هذا اليوم؟ و ما ذا فعلوا من ذنب ليطلبوا من آلهتهم العفو و الغفران؟
و إذا كان هناك صوم عند الجاهليّين فقد كان بالأحرى أن يصومه الأحناف، و لم يرد في أخبار أهل الأخبار ما يفيد صيامهم في عاشوراء و لا في غير عاشوراء.
ثمّ إنّ علماء التفسير و الحديث و الأخبار يذكرون أنّ الرسول صام عاشوراء مقدمه المدينة ... و أنّه بقي عليه حتى نزل الأمر بفرض رمضان، و يظهر أنّ الرواة أقحموا اسم قريش في صيام عاشوراء لإثبات أنّه كان من السنن العربيّة القديمة الّتي ترجع إلى ما قبل الإسلام، و أنّ قريشا كانت تصوم قبل الإسلام.
أقول : إنّ المراد بالجاهليّة هو عهد ما قبل الإسلام، فلو كان النبي (صلّى اللّه عليه و آله) يصوم في الجاهليّة فلما ذا انقطع عنه بعد البعثة و عاد إليه بعد الهجرة؟ فلو كان لأجل مخالفة المشركين فلما ذا عاد إليه بعد الهجرة؟ فهل هو لأجل حبّه موافقة أهل الكتاب و اليهود؟!!
[د- قول العسقلاني]
4- و قال العسقلاني بعد هذه الأحاديث الثلاث: أفادت تعيين الوقت الّذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء، و قد كان أوّل قدومه المدينة، و لا شكّ أنّ قدومه كان في ربيع الأوّل، فحينئذ كان الأمر بذلك في أوّل السنة الثانية، و في السنة الثانية فرض شهر رمضان. فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء، إلّا في سنة واحدة ثمّ فوّض الأمر في صومه إلى رأي المتطوّع، فعلى تقدير صحّة قول من يدّعى أنّه كان قد فرض فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة، و نقل عياض انّ بعض السلف كان يرى بقاء فرضيّة عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك.
و نقل ابن عبد البرّ : الاجماع على انّه الآن ليس بفرض و الاجماع على انّه مستحبّ.
و كان ابن عمر يكره قصده بالصوم، ثمّ انقرض القول بذلك.
أقول : أوّلا : لو ثبت انّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فوّض الأمر في صومه إلى رأي المتطوّع فمن أين جاء القول بالاستحباب الشرعي؟
ثانيا : كيف يدّعي ابن عبد البرّ- بل العامّة- الاجماع على استحبابه مع انّ ابن عمر كان يكره قصده بالصوم و كان ممّن يحرمه على عهد معاوية أو يكرهه.
[ه- قول القسطلاني]
5- و قال القسطلاني أيضا : فعلى هذا- ترك يوم عاشوراء- لم يقع الأمر بصومه إلّا في سنة واحدة، و على تقدير القول بفرضيّته فقد نسخ و لم يرو عنه أنّه عليه الصلاة و السلام جدّد للنّاس أمرا بصيامه بعد فرض رمضان، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه، فإن كان أمره عليه الصلاة و السلام بصيامه قبل فرض صيام رمضان للوجوب فإنّه يبتنى على أنّ الوجوب إذا نسخ هل ينسخ الاستحباب أم لا؟ فيه اختلاف مشهور.
و إن كان أمره للاستحباب فيكون باقيا على الاستحباب.
أقول : إذا كان واجبا ثمّ نسخ فهل الباقي بعد نسخ الوجوب هو الاستحباب أو الحظر أو على ما كان عليه سابقا ... فيه الاختلاف العريق و معه فما الدليل على تبنّي القول بالاستحباب وحده، مع هذا الاختلاف في المباني الاصوليّة؟!
ثمّ إنّه لو كان مستحبّا ثمّ نسخ فما الدليل على بقاء الاستحباب حينئذ؟؟
[4- رواية البخاري أيضا]
5- البخاري : عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنّه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حجّ و هو على المنبر يقول : يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقول لهذا اليوم : هذا يوم عاشوراء و لم يكتب عليكم صيامه و أنا صائم، فمن شاء فليصم، و من شاء فليفطر.
أ- قال النووي:
الظاهر أنّما قال هذا لمّا سمع من يوجبه أو يحرّمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بأنّه ليس بواجب و لا محرّم و لا مكروه.
أقول : و مفاده انّ أهل المدينة إلى عام 44 أو 57 بالهجرة و هي أيّام الحجّة الأولى أو الثانية لمعاوية كانوا متّفقين على عدم الاستحباب لأنّهم كانوا يقولون بالوجوب أو الكراهة أو الحرمة، كما هو نصّ الخبر، فحينئذ قوله : أنا صائم إن كان من كلام معاوية فيكون استحباب الصوم و فضله يوم عاشوراء سنّة امويّة لا محمديّة.
و إن كان من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فكيف يرى أهل المدينة خلاف ذلك إلى عام 57 أو 44 عام حجّ معاوية مع انّهم كانوا أقرب إلى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) من معاوية الّذي أسلم عام الفتح و لم يصاحب النبي (صلّى اللّه عليه و آله) الكريم إلّا أيّاما قلائل فكيف يكون هو أعرف بالسنّة من أهل المدينة؟! فتأمّل.
ب- و قال العسقلاني:
قوله : أين علماؤكم؟ في سياق هذه القصّة إشعار بأنّ معاوية لم ير اهتماما بصيام عاشوراء، فلذلك سأل عن علمائهم أو بلغه عمّن يكره صيامه او يوجبه.
أقول : على الاحتمالين- الكراهة أو الوجوب- تكون الرواية ظاهرة في خلاف ما يدّعى من الاجماع على الاستحباب المؤكّد، و ذلك لوجود من يقول بالكراهة أو الوجوب، كما أشار إليه العسقلاني.
[5- رواية البخاري أيضا]
6- البخاري : حدّثنا أبو معمر، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا أيّوب، حدّثنا عبد اللّه بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما، قال : قدم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال : ما هذا؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى اللّه بني اسرائيل من عدوّهم فصامه موسى، قال : فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه و أمر بصيامه.
[أ- نقاش دلالي]
أمّا الدلالي:
أوّلا : مفاد هذا الحديث انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ما كان يصوم قبل قدومه المدينة، بل أخذه من اليهود بعد قدومه، و صدّقهم في ذلك، و ما كان يعلم بهذا النوع من الصيام، و هذا ينافى ما روي أنّه كان يصوم في الجاهليّة ...
ثانيا : ظاهر الخبر بقرينة الفاء قدم المدينة فرأى انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فهذا النصّ صريح أو ظاهر في المفاجاة مع أنّ قدومه المدينة كان في شهر ربيع الأوّل.
ثالثا : انّ إخبار اليهود غير مقبول، فكيف يعمل النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بخبرهم؟ و قد اجيب عن الثاني بما فيه تكلّف و تمحّل ظاهر. و فيما يلي بعض ذلك:
أ- انّ المراد؛ انّ أوّل علمه بذلك و سؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا انّه قبل أن يقدمها علم بذلك، و غايته انّ في الكلام حذفا تقديره : قدم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صياما.
ب- يحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسيّة فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الّذي قدم فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و قد استبعد العسقلاني هذا الاحتمال كما تأمّل فيه العيني.
إذن الفاء صريحة أو ظاهرة في المفاجاة، و النصّ يأبى هذه التقديرات و التكلّفات.
و قد اجيب عن الاشكال الثالث بتأويلات لا ترجع إلى محصّل، و فيما يلي بعضها:
أ- انّ الوحي نزل حينئذ على وفق ما حكموا.
ب- إنّما صام باجتهاده.
ج- أخبر من أسلم منهم كعبد اللّه بن سلام.
د- تواتر الخبر عند النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).
و ارتكاب هذه التمحّلات دليل على عدم إمكان الأخذ بظاهر الحديث، مع انّ هذه الوجوه محض احتمال لا دليل عليها.
[ب- نقاش سندي]
أمّا النقاش السندي:
1- في السند أبو معمر، و هو عبد اللّه بن عمرو المنقري، و كان الأرزي لا يحدّث عنه للقدر يخافه عليه.
و عن أبي حاتم : صدوق، غير انّه لم يكن يحفظ.
و عن الذهبي : لا يقع لنا حديثه فيما علمت عاليا ... و حديثه في الكتب مع بدعته ... .
2- و في السند أيضا : عبد الوارث بن سعيد، قال الذهبي:
قدري، متعصّب لعمرو بن عبيد، و كان حمّاد بن زيد ينهى المحدّثين عن الحمل عنه للقدر.
و قال أيضا : قدري مبتدع.
و قال يزيد بن زريع : من أتى مجلس عبد الوارث فلا يقربني.
[6- رواية البخاري أيضا]
7- البخاري : حدّثنا علي بن عبد اللّه، حدّثنا أبو اسامة، عن أبي عميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى، قال : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيدا قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فصوموه أنتم.
نقاش دلالي
أقول : هذا خلاف ما روي سابقا من أنّ اليهود كانت تصوم يوم عاشوراء، و بالتالي لم يتّضح و لم يعرف أنّ اليهود هل كانت تصوم في هذا اليوم أم لا؟ و يفهم من العسقلاني : انّ اليهود ما كانت تصوم يوم عاشوراء حيث قال : فظاهره أنّ الباعث على الأمر بصومه محبّة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام. و قد وردت رواية تصرّح بأنّ اليهود كانت تعظّم هذا اليوم و تصومه كما في حديث أبي موسى : و إذا اناس من اليهود يعظّمون عاشوراء و يصومونه.
و في حديث مسلم : كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتّخذونه عيدا و يلبسون نساءهم فيه حليتهم و شارتهم- أى هيئتهم الحسنة-.
إذن : يرد عليه انّ مفاد هذا الحديث أنّ اليهود تعدّه عيدا، و هذا مناقض للحديث السابق : فرأى اليهود تصوم، و قد فهم القسطلاني أيضا ما أوردناه، فقال:
قوله : فصوموه أنتم مخالفة لهم، فالباعث على الصيام في هذا غير الباعث في حديث ابن عبّاس السابق، إذ هو باعث على موافقته يهود المدينة على السبب و هو شكر اللّه تعالى على نجاة موسى (عليه السّلام) .
و قد أجيب كسابقه بما لا يرجع إلى محصّل، و فيما يلى بعضه:
أ- لا يلزم من كونه عندهم عيدا الافطار، لاحتمال أنّ صوم يوم العيد جائز عندهم.
ب- انّ هؤلاء اليهود غير يهود المدينة، فالنبي (صلّى اللّه عليه و آله) وافق يهود المدينة و خالف غيرهم من اليهود، و هي محاولات يائسة و لا تدفع التهافت، إذ مفاد الاولى صيام اليهود يوم عاشوراء، و مفاد الثانية إفطارهم ...
أمّا النقاش السندي:
1- و في السند : قيس بن مسلم الجدلي العدواني، و كان مرجئا.
2- و في السند أيضا : أبو موسى الأشعرى : و قد رماه حذيفة بن اليمان بالنفاق و كان منحرفا عن على بن أبي طالب (عليه السّلام) .
[7- رواية البخاري]
8- البخاري : حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن ابن عيينة، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه قال : ما رأيت النبي (صلّى اللّه عليه و آله) يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلّا هذا اليوم- يوم عاشوراء-، و هذا الشهر- يعنى شهر رمضان-.
أمّا النقاش الدلالي:
أوّلا : انّ مفاد هذا النصّ هو انّ يوم عاشوراء أفضل الأيّام للصائم بعد رمضان مع انّ مفاد نصوص اخرى هو : انّ صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، و انّه يكفّر سنتين، فلا بدّ و أن يقال : إنّ ابن عبّاس أسند ذلك إلى علمه و فهمه.
ثانيا : مفاده استمراريّة النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و مداومته على هذا الصيام، و انّه كان يتحرّى
- أى يقصد- هذا اليوم و يترصّده للصيام فيه مع انّ هذا مناف لما نقلوا عن عائشة أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لمّا قدم المدينة صامه و أمر بصيامه، فلمّا فرض رمضان ترك يوم عاشوراء.
و أمّا النقاش السندي:
و في السند : سفيان بن عيينة، فهو و إن كان عندهم ثقة لكنّه مدلّس. و عن يحيى بن سعيد القطّان : أشهد أنّ سفيان اختلط سنة سبع و تسعين و مائة فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء.
فيحتمل صدور هذا الحديث بعد عام الاختلاط فلا ضمان لسلامة السند.
و أمّا ابن أبي يزيد فهو و إن كان ثقة عندهم و مات 126 ه و لكن لا يرفع الاشكال.
[8- رواية البخاري أيضا]
9- البخاري : حدّثني محمود، أخبرنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه (ابن مسعود) قال : دخل عليه الأشعث و هو يطعم، فقال : اليوم عاشوراء، فقال : كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلمّا نزل رمضان ترك. فادن فكل.
و مفاد هذا النصّ هو عدم المطلوبيّة و لو بعنوان الاستحباب، إذ لم يقصد الأشعث الوجوب إذ من الأكيد نسخه على عهد الرسول الأعظم.
من هو ابن مسعود؟
قال الذهبي : هو الامام الحبر، فقيه الامّة، كان من السابقين الأوّلين، و من النجباء العالمين، شهد بدرا و هاجر الهجرتين ... و مناقبه غزيره، روى علما كثيرا. اتّفقا له في الصحيحين على أربعة و ستّين، و انفرد له البخاري بإخراج أحد و عشرين حديثا، و مسلم بإخراج خمسة و ثلاثين حديثا، و له عند بقيّ بالمكرّر ثمانمائة و أربعون حديثا، و كان معدودا في أذكياء العلماء ... و انّه أوّل من جهر بالقرآن بمكّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و انّه كما عن الأنصاري ما أعلم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) ترك أحدا أعلم بكتاب اللّه من هذا القائم، و نسب إلى علي (عليه السّلام) أنّه قال فيه : فقيه في الدين، عالم بالسنّة، و نسب إليه أيضا أنّه قال : إنّه علم الكتاب و السنّة، ثمّ انتهى.
و عن أبي موسى : لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، و عنه أيضا : مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في نفسي من عمل السنة.
و عن أبي وائل : ما أعدل بابن مسعود أحدا.
و عن الشعبي : ما دخل الكوفة أحد من الصحابة أنفع علما و لا أفقه صاحبا من عبد اللّه ... .
أقول : كيف يترك العامّة قول من هو عندهم فقيه الامّة، و روى علما كثيرا، و انّه عالم بالسنّة، و فقيه في الدين، و يقال بأنّ الامّة أجمعت على الاستحباب و ترك قول ابن مسعود و ابن عمر؟!! و كيف يتلاءم هذا مع مبناهم و اصولهم!!
و أمّا عندنا؛ مختلف فيه، فعن المرتضى : لا خلاف بين الامّة في طهارة ابن مسعود و فضله و إيمانه و مدح النبي (صلّى اللّه عليه و آله) له و ثنائه عليه، و انّه مات على الحالة المحمودة.
و عن السيّد الخوئي : لم يثبت انّه والى عليّا (عليه السّلام) و قال بالحقّ، و لكنّه مع ذلك لا يبعد الحكم بوثاقته لوقوعه في إسناد كامل الزيارات.
و عن التستري : أنّه والى القوم و مال معهم و لم يتّبع عليّا.
[9- رواية البخاري أيضا]
10- البخاري : حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة.
و حدّثني محمد بن مقاتل، قال : أخبرنى عبد اللّه هو ابن المبارك، قال : أخبرنا محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان و كان يوما تستر فيه الكعبة، فلمّا فرض اللّه رمضان قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : من شاء أن يصومه فليصمه، و من شاء أن يتركه فليتركه.
[مناقشة المؤلف]
أقول : إن كان المراد من كانوا يصومون عاشوراء صوم الجاهليّة و قريش فيرد عليه إشكال النسيء في شهر المحرّم عند الجاهليّة، و لازمه عدم تحقّق صومهم في يوم عاشوراء بالمعنى المعروف، و إن كان المراد صوم اليهود فقد أثبتنا انّهم ما كانوا يصومون في المحرّم و عاشوراء بالمعنى المصطلح. نعم، لعلّه كان يتّفق شهرهم مع شهر محرّم و عاشوراء.
و حينئذ فما هو مرجع الضمير في قوله : فليصمه؟ هل هو بمعناه المعروف- العاشر من المحرّم- أو غيره؟؟
[10- رواية البخاري أيضا]
11- البخاري : حدّثنا المكّي بن إبراهيم، حدّثنا يزيد، عن سلمة بن الأكوع، قال : أمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) رجلا من أسلم أن : أذّن في النّاس انّ من كان أكل فليصم بقيّة
يومه، و من لم يكن أكل فليصم اليوم يوم عاشوراء.
و في سنن أبي داود : فأتمّوا بقيّة يومكم و اقضوه.
قال أبو داود : يعني يوم عاشوراء.
أقول : هل هذا الأمر صدر منه (صلّى اللّه عليه و آله) في عام الهجرة إلى المدينة أم في السنوات الاخرى الّتي بعدها؟
فعلى الأوّل : فقد مرّ انّه نسخ بعد ذلك العام.
و على الثاني : فهو مخالف لتصريح الشّراح، كالعسقلاني و غيره، من انّه لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلّا في سنة واحدة. هذا و قد استدلّ بعضهم بهذا الحديث على إجزاء الصوم بغير نيّة لمن طرأ عليه العلم بوجوب صوم ذلك اليوم، و لكنّه مورد للنقاش عندهم و مردود.
[11- رواية مسلم]
12- مسلم : حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي و قتيبة بن سعيد، جميعا، عن حمّاد، قال يحيى : أخبرنا حمّاد بن زيد، عن غيلان، عن عبد اللّه بن معبد الزماني، عن أبي قتادة رجل أتى النبي ...
ثمّ قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : ثلاث من كلّ شهر و رمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كلّه ... و صيام يوم عاشوراء احتسب على اللّه أن يكفّر السنة الّتي قبله.
قال الترمذي : لا نعلم في شيء من الروايات أنّه قال : صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة إلّا في حديث أبي قتادة.
و قال ابن حجر : قال البخاري : لا يعرف له- أي ابن معبد- سماع من أبي قتادة.
و أورده ابن عديّ في الضعفاء.
[12- رواية أبي داود]
13- أبو داود : قال حدّثنا شعبة، قال : أخبرنى أبو إسحاق، قال : سمعت الأسود بن يزيد يقول : ما رأيت أحدا كان آمر بصيام عاشوراء من علي بن أبي طالب و أبي موسى.
أقول : إنّ هذا النصّ ينافي ثبوت النسخ، و إنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لم يأمر و لم ينه بعد ذلك أحدا.
إضافة إلى أنّ أبا إسحاق السبيعي رمي تارة بالتدليس و اخرى بإفساده حديث أهل الكوفة.
[13- رواية أبي داود أيضا]
14- أبو داود : حدّثنا شيبان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة، قال : كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يأمرنا بصيام عاشوراء و يحثّنا و يتعاهدنا عنده، فلمّا فرض رمضان لم يأمرنا به، و لم ينهنا عنه، و لم يتعاهدنا عنده.
أقول : و هذا الحديث لا يفهم منه لا الرجحان و لا الاستحباب، بل دلالته على عدم الاستحباب أكثر و أتمّ.
[14- رواية أبي داود أيضا]
15- أبو داود : قال : حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد بن عبادة، قال : كنّا نصوم يوم عاشوراء، و نعطى زكاة الفطر قبل أن ينزل علينا صوم رمضان و الزكاة، فلمّا نزلا لم نؤمر بهما و لم ننه عنهما و كنا نفعله.
و هذا الحديث أيضا لا يفهم منه لا الرجحان و لا الاستحباب، بل ترك لهم كأيّ فعل مباح.
[15- رواية الموطإ]
16- عن مالك أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب أرسل إلى الحارث بن هشام أن غدا يوم عاشوراء فصم و أمر أهلك أن يصوموا.
أقول : و فضلا عن إرسال هذا النصّ فإنّ عمر بن الخطّاب ليس بمشرّع، بل المفروض أن يكون متّبعا، ثمّ ليس في قوله أنّه يرويه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
[16- رواية أبي داود]
17- أبو داود : حدّثنا سليمان بن داود المهري، ثنا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيّوب أنّ إسماعيل بن أميّة القرشي حدّثه أنّه سمع أبا غطفان يقول : سمعت عبد اللّه بن عبّاس يقول : حين صام النبي (صلّى اللّه عليه و آله) يوم عاشوراء أمرنا بصيامه، قالوا : يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّه يوم تعظّمه اليهود و النصارى! فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
النقاش الدلالي:
أقول : مفاده انّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) كان يأمر بصيام عاشوراء إلى آخر أيّامه و أراد صيام التاسع فلم يمهله الأجل، و هذا ينافي ما ورد في السنن : انّه لم يأمر و لم ينه عن صوم عاشوراء بعد نزول صوم رمضان.
و ينافي ما ورد في البخاري عن عائشة : انّه ترك صوم عاشوراء بعد ما فرض رمضان، و ما ورد من أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ما صام يوم عاشوراء.
أضف إلى ذلك انّه لم يعهد من النصارى تعظيمهم لهذا اليوم.
أمّا النقاش السندي:
و في السند : يحيى بن أيّوب و هو أبو العبّاس الغافقي المصري، فعن ابن حنبل:
هو سيّئ الحفظ، و عن أبي حاتم : لا يحتجّ به، و عن النسائي : ليس بالقويّ، و عن الذهبي : له غرائب و مناكير يتجنّبها أرباب الصحاح.
[17- الرواية الاولى لابن ماجة]
18- ابن ماجة : حدّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عبّاس، عن عبد اللّه بن عمير مولى ابن عبّاس، عن ابن عبّاس. قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : لئن بقيت إلى القابل لأصومنّ اليوم التاسع.
أقول : يحتمل اتّحاده مع الحديث السابق و انّه روي بطريق آخر، و لكنّ لا دلالة فيه على رجحان أو استحباب صوم عاشوراء إلّا على رواية أحمد بن يونس : مخافة أن يفوته عاشوراء، و لكنّه استظهار و فهم الراوي و ليس هو من كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
النقاش السندي:
و في السند : وكيع بن الجرّاح، و قد قال فيه أحمد : أخطأ في خمسمائة حديث.
[18- رواية ابن ماجة]
19- ابن ماجة : حدّثنا محمد بن رمح أنبأنا الليث بن سعد، عن نافع، عن عبد اللّه بن عمر أنّه ذكر عند رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يوم عاشوراء، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يوما يصومه أهل الجاهليّة، فمن أحبّ منكم أن يصومه فليصمه، و من كرهه فليدعه.
[19- رواية الدارمي]
20- الدارمي : أخبرنا يعلى، عن محمد بن إسحاق عن نافع، عن ابن عمر، قال:
قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) هذا يوم عاشوراء، و كانت قريش تصومه في الجاهليّة، فمن أحبّ منكم أن يصومه فليصمه، و من أحبّ منكم أن يتركه فليتركه، و كان ابن عمر لا يصومه إلّا أن يوافق صيامه.
[20- رواية الترمذي]
21- الترمذي : حدّثنا قتيبة، حدّثنا عبد الوارث، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عبّاس قال : أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بصوم عاشوراء يوم العاشر.
أقول : و هو لا ينافى ما ورد عنه أنّه لم يأمر بهذا الصوم بعد رمضان، إذ لعلّ المراد هنا بالأمر هو الأمر قبل نسخه.
أقول : و لا دلالة فيها على الندب و المطلوبيّة، بل فيها تعريض و كناية بمن كان يصومها، حيث قال : يصومه أهل الجاهليّة.
[21- رواية النسائي]
22- النسائي : أخبرني زكريّا بن يحيى، قال : حدّثنا شيبان، قال : حدّثنا أبو عوانة، عن الحرّ بن صياح، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته قالت : حدّثتني بعض نساء النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) كان يصوم يوم عاشوراء و تسعا من ذي الحجّة.
أقول : الحديث مرسل، إذ لم يعرف من هي امرأته و لم يرد لها توثيق، أضف إلى ذلك انّ مفادها الاستمرار، و هو ينافي ما ورد من أنّه لم يصم عاشوراء.
[22- الرواية الاولى لعبد الرزّاق]
23- عبد الرّزاق : عن إسماعيل بن عبد اللّه، قال : أخبرنى يونس بن عبيد، عن الحكم الأعرج، عن ابن عبّاس قال : إذا أصبحت بعد تسع و عشرين ثمّ، أصبح صائما فهو يوم عاشوراء.
أقول أوّلا : لم يسند إلى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و ثانيا : لا دلالة فيه على المطلوب، و ذلك لأنّ يوم العاشر غير يوم الثلاثين الّذي عبّر عنه بقوله : بعد تسع و عشرين، ثمّ أصبح ... .
[23- الرواية الثانية لعبد الرزّاق]
24- عبد الرّزاق : أخبرنا ابن جريج، قال : أخبرنى عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يقول في يوم عاشوراء : خالفوا اليهود و صوموا التاسع و العاشر.
أقول : و مفاده انّ اليهود ما كانت تصوم يوم عاشوراء، بل كانت تتّخذه عيدا، و هذا مناف لما ورد من أنّه كانت اليهود تصوم عاشوراء، و أنّ النبي قال : نحن أحقّ بموسى ...
[24- الرواية الثالثة لعبد الرزّاق]
25- عبد الرّزاق، عن ابن جريج، قال : سمعت عطاء يزعم أنّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أمر بصيام يوم عاشوراء ... قالوا : كيف بمن أكل؟ قال : من أكل و من لم يأكل.
أقول : أوّلا : الحديث مرسل، ثانيا : مرّ البحث و النقاش في نظيره فلا نعيد.
[25- رواية ابن عبد البر]
26- ابن عبد البرّ : قال ابن أبي خيثمة، حدّثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، حدّثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن قليب، عن جابر، قال : قالت عائشة : من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا : عليّ. قالت : أمّا إنّه أعلم النّاس بالسنّة، و كانت كثيرا ما ترجع إليه في المسائل.
أقول : في السند مجاهيل، إضافة إلى إجمال الحديث، إذ لم يعرف من الحديث أنّه (عليه السّلام) هل أفتى بالوجوب أو الحرمة أو الاستحباب؟ مع انّه من البعيد جدّا الفتوى بالاستحباب مع ورود النصوص الّتي نقلوها في انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لم يأمر و لم ينه عنه بعد صوم رمضان، و لا كلام في انّ عليّا أعلم الصحابة بسنّة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) بل و بالكتاب.
[26- الرواية الأولى للهيثمي]
27- الهيثمي : عن عمّار قال : امرنا بصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلمّا نزل رمضان لم نؤمر.
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير و رجاله رجال الصحيح.
[27- الرواية الثانية للهيثمي]
28- الهيثمي : عن الخدري أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أمر بصوم عاشوراء و كان لا يصومه.
أقول : أ فيأمر و لا يأتمر؟؟
ثمّ إنّ روايتي الهيثمي تدلّان تدل على عكس المطلوب، و انّ النبي لم يأمر بصيام عاشوراء، بل ما كان يصومه بعد نزول صوم رمضان.
علما بأنّ الهيثمي أورد في كتابه قرابة من ثلاثين حديثا في صوم عاشوراء و ضعّف اكثرها.
[28- رواية البيهقي]
29- البيهقي : باب ما جاء في تفله في أفواه المرتضعين يوم عاشوراء، فتكفوا به إلى الليل:
روي بسندين عن عليّة بنت الكميت العتكيّة، عن أمّها اميمة قالت : قلت لأمة اللّه بنت رزينة مولاة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : يا أمة اللّه أسمعت أمّك رزينة تذكر أنّها سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يذكر صوم يوم عاشوراء؟ قالت : نعم كان يعظّمه و يدعو برضعائه و رضعاء ابنته فاطمة و يتفل في أفواههم و يقول للأمّهات : لا ترضعن إلى الليل.
و قال ابن حجر : أخرجه ابن أبي عاصم و ابن مندة من طريق عليلة- بمهملة مصغّرة- بنت الكميت، حدّثتني أمّي أمينة، عن أمة اللّه بنت رزينة.
و أخرجه أبو مسلم الكنجي و أبو نعيم من طريقه، عن مسلم بن إبراهيم، عن عليلة مطوّلا و لفظه : حدّثتنا عليلة بنت الكميت سمعت أمّي أمينة. 2
لم يعرف لنا حال عليّة أو عليلة كما لم يعرف حال أميمة أو امنيه كما أشار الهيثمي قائلا : و عليلة و من فوقها لم أجد من ترجمهنّ.
ثمّ متى كان لفاطمة أطفال رضعاء؟ أبعد نزول آية شهر رمضان أم قبل ذلك؟ و قد ولد الامام الحسن (عليه السّلام) و هو أوّل مولود لفاطمة الزهراء عليها السّلام في النصف من شهر رمضان في السنة الثالثة من الهجرة، مع أنّ فرض رمضان كان في العام الثاني من الهجرة. و ما علاقة الأطفال الرضّع غير المكلّفين بالصوم عن الرضاع و اللبن؟
[29- رواية السيوطي]
30- السيوطي : أخرج ابن المنذر، عن عبد اللّه بن عمرو، قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة، و من تصدّق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة- يعنى يوم عاشوراء-.
ما المراد بيوم الزينة؟
ذكر المفسّرون ليوم الزينة و جوها أربعة:
1- يوم عيد لهم يتزيّنون فيه.
2- يوم النيروز، كما عن مقاتل.
3- يوم سوق لهم، كما عن ابن جبير.
4- يوم عاشوراء، كما نسب إلى ابن عبّاس.
هذا و لم يرد في تفاسيرنا و لا في رواياتنا تفسيره بيوم عاشوراء، بل بمعنى : أنّه يوم لهم يجري بينهم مجرى العيد يتزيّنون فيه و يزيّنون الأسواق، كما عن قتادة و ابن جريج و السّدّي و ابن زيد و ابن إسحاق.
و لعلّ التفسير بيوم عاشوراء من البدع الأمويّة و إعلامهم المضلّل للتغطية على الجريمة الكبرى الّتي صدرت منهم في كربلاء بحقّ سيّد شباب أهل الجنّة و أهل بيت الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و لأجل التصغير من حجمها و التقليل من شأنها، و صرف الرأي العامّ الّذي كان ضدّ الشجرة الخبيثة الأمويّة بسبب هذه الجريمة النكراء بحيث كانوا يحسّون بالذلّ و الهوان في كلّ يوم سيّما يوم عاشوراء حتى صار مثلا على الألسن، و يشبّه الفرد الذليل بالأمويّ يوم عاشوراء، كما أورده الميداني في كتابه من دون أيّ تعليق:
أذلّ من أمويّ بالكوفة يوم عاشوراء.
سيّما انّ ما نسب إلى ابن عبّاس من تفسير يوم الزينة بيوم عاشوراء محلّ تأمّل، و فيه كلام في سنده. أضف إلى ذلك حتى و لو كان بمعنى يوم عاشوراء لكنّه لا ينطبق مع السنين القمريّة لأنّ حسابهم كان وفقا للسنة الشمسيّة لا القمريّة، كما انّه لا بدّ من مخالفتهم في ذلك اليوم لا الموافقة معهم، و جعله يوم فرح و سرور و تزيّن و اكتحال!!
[30- الرواية الأولى للشوكاني]
30- الشوكاني : انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال : إنّ الصرد أوّل طير صام عاشوراء.
رواه الخطيب عن أبي غليظ مرفوعا، و لا يعرف في الصحابة من له هذا الاسم.
و في اسناده : عبد اللّه بن معاوية منكر الحديث.
و رواه الحكيم الترمذي عن أبي غليظ، عن أبي هريرة : قال : الصرد أوّل طير صام.
عن التوضيح : هذا من قلّة الفهم فإنّ الطائر لا يوصف بالصوم.
عن الحاكم : انّه من الأحاديث الّتي وضعها قتلة الحسين رضى اللّه عنه. و هو حديث باطل رواته مجهولون.
ثمّ لا دلالة له على المطلوب من استحباب الصوم يوم عاشوراء.
[31- الرواية الثانية للشوكاني]
31- الشوكاني : من صام عاشوراء اعطى ثواب عشرة آلاف ملك.
قال : ذكره في اللئالي مطوّلا عن ابن عبّاس مرفوعا، و هو موضوع.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|