المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

San Marco Fractal
25-9-2021
Growth and Decay
11-2-2016
النحت
19-7-2016
حضور القلب والتفهم و الحياء في الصلاة
22-9-2016
قتال خثعم العراق وخثعم الشام بصفين
18-10-2015
الصناعات الخمس
1-07-2015


تأسيسه للمدرسة الكوفية  
  
7935   04:16 مساءاً   التاريخ: 2-03-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : المدارس النحوية
الجزء والصفحة : ص175- 185
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة الكوفية / جهود علماء المدرسة الكوفية / جهود الكسائي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-03-2015 2447
التاريخ: 2-03-2015 7936

لا ريب في أن الكسائي يعد إمام مدرسة الكوفة، فهو الذي وضع رسومها ووطّأ منهجها، وفيه يقول أبو الطيب اللغوي: "كان عالم أهل الكوفة وإمامهم، إليه ينتهون بعلمهم، وعليه يعولون في روايتهم" وينبغي أن لا نلتفت إلى ما يقوله أبو حاتم بدافع العصبية للبصرة, إذ يزعم أنه "لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب، ولولا أن الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا من ذكره لم يكن شيئا، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل إلا حكايات عن الأعراب مطروحة؛ لأنه كان يلقنهم ما يريد، وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن وهو قدوتهم وإليه يرجعون". وكأن أبا حاتم نقض بنهاية كلامه طعنه في الكسائي، وهو قد طعنه في خُلقه وأنه كان يلقن الأعراب ما يريد من نحو شاذ، وهو طعن لا يعبأ به، إذ كان معروفا بالثقة والأمانة والصدق فيما يروى، وعنه حمل معاصروه ومن تلاهم إحدى القراءات السبع الوثيقة، أما أن علمه ليس منظما، وأنه يفتقر إلى الحجج والعلل فقد يكون ذلك صحيحا إذا قسناه إلى

ص175

سيبويه، ولكن من المؤكد أنه تلقن عنه وعن الخليل وعيسى بن عمر معرفة العلل والأقيسة، بل لقد كان يؤمن بأن النحو إنما هو ضروب من القياس وما يطوى فيه من علل وحجج تشده, وتقيم أَوَده، حتى ليقول:

إنما النحو قياس يتبع ... وبه في كل أمر ينتفع

وحقا إنه توسع في القياس، فلم يقف به عند المستعمل الشائع على الألسنة ولا عند أعراب البدو, بل مده ليشمل ما ينطق به العرب المتحضرون ممن يمكن أن يكون قد دخل اللحن على ألسنتهم في رأي البصريين، ولعله من أجل ذلك ألف كتابه في لحن العوام؛ ليدل على أنه كان يفرق بين لغات العرب وبين هذا اللحن. وأهم من ذلك أنه مد النحو ليشمل الشاذ النادر من تلك اللغات مما لم يكن سيبويه والخليل يحفلان به، ولا يريان له قدرا، لسبب طبيعي تحدثنا عنه في الفصل الماضي، وهو أنهما كانا يريدان أن يضعا في صورة حازمة صارمة قوانين النحو، بحيث لا يعتريها الاضطراب والخلل، وبحيث تطرد ولا تتأرجح بين موازين مختلفة.

وأكبر الظن أن الذي دفع الكسائي إلى هذا الموقف من نحوهما, وأن يفسح في العربية للغات الشاذة النادرة أنه كان -كما عرفنا- من القراء للذكر الحكيم، وكانت تجري في قراءاته حروف تشذ على قواعد النحو البصري، فخشي أن يظن بهذه الحروف أنها غير جائزة, وأنها لا تجري على العربية السليمة، وربما خشي اندثارها، وهي جميعا مروية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- غير أن منها ما هو متواتر وهو القراءات السبع, ومنها ما هو غير متواتر، وهو ما وراءها من قراءات، وجميعها صحيح، وينبغي أن نتوسع في قواعد النحو والصرف حتى تشمله. ومر بنا أن سيبويه والخليل جميعا لم يوهنا من قراءة، بل قال سيبويه: إن القراءة سنة، يريد أنه لا يصح التعرض لها بتصويب أو تخطئة، وكأنما تنبه الأخفش للقضية، فوجه -كما لاحظنا في ترجمته- ما اصطدم من بعض القراءات بقواعد مدرسته، وهو اصطدام في الظاهر؛ لأن سيبويه احتفظ في كتابه بمادة وفيرة من الأشعار والأقوال الشاذة على مقاييسه، يريد أن ينص على أنها جرت على ألسنة بعض الأعراب الفصحاء ولكنها لا تجري على القواعد

ص176

الكلية العامة للنحو، كما تصوره هو وأستاذه، أو بعبارة أدق: يريد أن يبعدها عن ألسنة الناس، حتى تستقيم لألسنتهم عربيتهم في أفصح هيئة ممكنة.

غير أن الكسائي -فيما يظهر لنا- رأى أن يعاد النظر في هذا التأصيل العام لقواعد النحو, وأن يفسح فيها للقراءات واللغات الشاذة، وبذلك خرج إلى صورة جديدة من النحو، صورة لا تتفق والمناهج الدقيقة في وضع العلوم التي تقتضي في قواعدها الاطراد والتعميم والشمول، ولكنها على كل حال فتحت الأبواب لا للاحتفاظ بالحروف الشاذة في قراءات الذكر الحكيم, فهذه كانت ستحتفظ بها الأجيال العربية لتعلقها بالدين الحنيف، وإنما للاحتفاظ بشواذ اللغات واللهجات وصونها وحمايتها من الضياع. ولا أظننا في حاجة إلى أن نبدئ ونعيد في أن البصريين عُنوا بهذه الشواذ وتسجيلها، ولكنها عناية من باب آخر، إذ أرادوا أن يوضحوا الهجنة في استخدامها وأن يحصنوا قواعدهم وألسنة الناس منها, وبذلك تعاون الطرفان المتعارضان على إثباتها، مع اختلاف الغاية.

ونبدأ بما وقف عنده الكسائي من بعض حروف في القراءات، فمن ذلك الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} فقد لاحظ أن كلمة {وَالصَّابِئُونَ} عطفت بالرفع على اسم إن المنصوب قبل تمام الخبر، وهو {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فوضع قاعدة عامة: أنه يجوز العطف على موضع إن واسمها، وموضعهما الابتداء وهو مرفوع، قبل مجيء الخبر، فيقال: إن محمدا وعلي مسافران. ومنع ذلك البصريون، وأجابوا عن الآية جوابين: أحدهما: أن خبر إن محذوف تقديره: مأجورون أو آمنون أو فرحون، والصابئون مبتدأ وما بعده خبره، واستشهدوا لذلك بقول بعض الشعراء:

خليليَّ هل طِب فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان

أي: فإني دنف كما تدل على ذلك بقية العبارة. والجواب الثاني: أن الخبر المذكور في الآية خبر إن، أما {وَالصَّابِئُونَ} فخبرها محذوف، تقديره: كذلك، واستشهدوا لهذا الجواب بقول ضابئ بن الحارث البرجمي:

ص177

فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب

فغريب خبر إن بدليل دخول لام التوكيد عليه وخبر "قيار" محذوف تقديره: كذلك. وكأنما أحس الفراء تلميذ الكسائي أن البصريين مصيبون في موقفهم لعدم جريان ذلك على ألسنة العرب، فرأى أن يتوقف عند نص الآية وأن يخصص القاعدة بما يماثلها، فقال: إنه لا يجوز ذلك إلا فيما لم يظهر فيه عمل إن، وهو الاسم المبني مثل {الَّذِينَ} في الآية, وضمير المتكلم في بيت ضابئ(1).

ومن ذلك الآية الكريمة: "إن الذين تدعون من دون الله عِبَادًا أمثالكم" في قراءة سعيد بن جبير بنصب كلمة "عبادا" مما جعل الكسائي يضع قاعدة عامة، وهي أنّ إِن النافية إذا دخلت على الجملة الاسمية عملت عمل ليس، فرفعت الاسم ونصبت الخبر. وهي -في رأي سيبويه- لا تعمل بل تهمل دائما، وكأن قراءة سعيد بن جبير في رأيه شاذة فذة لا يصح أن تتخذ منها قاعدة. ولعل من الطريف أن نعرف أن الفراء كان يتابع سيبويه في رأيه، بينما كان يتابع المبرد البصري الكسائي فيما ارتآه من عملها(2). وفي ذلك ما يشهد بأن مدار الاختلاف بين المدرستين الكوفية والبصرية وأئمتهما لم يكن يراد به إلى المناقضة، وإنما كان يراد به إلى تبين وجه الصواب في إخلاص؛ ولذلك كثر بينهم الالتقاء في الآراء وأن يتابع الكوفي البصريين والبصري الكوفيين، وكأنهم جميعا أغصان من دوحة واحدة.

ومن ذلك الآية الكريمة: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} فقد لاحظ أن اسم الفاعل {بَاسِطٌ} مع أنه بمعنى الماضي في الآية؛ لأنه يحكي قصة أهل الكهف، عمل النصب في كلمة {ذِرَاعَيْهِ} ، فوضع قاعدة عامة، هي أنه يعمل النصب بمعنى الماضي وبمعنى الحال والاستقبال، بينما كان يمنع البصريون عمله النصب فيما بعده على المفعولية وهو بمعنى الماضي، وتأولوا {بَاسِطٌ} في الآية على حكاية الحال الماضية،

ص178

بدليل حكايتها بالمضارع في الفعل السابق: {وَنُقَلِّبُهُمْ} وكأن التقدير: وكلبهم يبسط ذراعيه. غير أن الكسائي تمسك بالآية واتخذ منها قاعدة كلية مجوزا مثل: "زيد معطٍ عمرا أمس درهما" وتابعه في ذلك تلميذه هشام, بينما ظل الفراء مع جمهور البصريين لا يجيز إعمال اسم الفاعل في المفعول به إذا كان بمعنى الماضي(3).

ومن ذلك الآية الكريمة: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} فقد رأى المضارع فيها محذوف النون، فقال: إنها حُذفت على تقدير لام الأمر، واتخذ من ذلك قاعدة عامة، هي حذف لام الأمر من المضارع بشرط تقدم "قل" عليه كما في الآية، بينما كان البصريون يرون أن الفعل المضارع مجزوم في جواب الأمر مثله في نحو: "ائتني أكرمْك"(4).

وعلى نحو ما كان يتخذ من بعض الحروف في القراءات قواعد يخالف فيها سيبويه والخليل, كان يصنع ذلك تلقاء الأقوال والأشعار الخارجة على مقاييسهما، بل لقد وجد فيها مادة أوسع وأغزر، فمن ذلك أنه رأى بعض العرب يقول: "لا عبدَ الله في الدار" بإعمال لا عمل إن ونصب عبد الله، ومعنى العبارة: أن أحدا من الناس لا يوجد في الدار؛ لاستعمال عبد الله هنا في أي رجل كان، غير أنه قاس على عبد الله بقية الأعلام, منتهيا إلى قاعدة عامة، هي أن لا النافية للجنس يجوز أن يليها العَلَم فيقال: "لا زيدَ في الدار". وواضح ما في قياسه من خطأ؛ ولذلك رفض تلميذه الفراء قاعدته؛ لأن لا النافية للجنس تتطلب أن يكون اسمها نكرة أو كالنكرة حتى تفيد النفي العام الشامل كما لاحظ البصريون. ولعل في ذلك ما يلفت إلى أن الكسائي كانت تفلت منه أحيانا العلة السديدة التي توجب القاعدة النحوية، وكأنه لم يكن يَسْبر الشواهد التي يشتق منها أحكامه النحوية دائما سبرا دقيقا. (5)

ومن ذلك أن البصريين منعوا تقديم المستثنى في أول الكلام, موجبا كان أو

ص179

منفيا، فلا يقال: "إلا زيدا قام القوم", ولا: "إلا زيدا ما أكل أحد طعاما", ولا: "ما -إلا زيدا- قام القوم" وسمع الكسائي:

خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالي شعبة من عيالكا

فلم يلتفت إلى أن ذلك ضرورة شعرية دفعت الشاعر إلى المخالفة المنطقية لترتيب الكلام، فسوغه لا في "خلا" وحدها بل أيضا مع "إلا"، بحجة أنها الأصل في الباب وخلا فرع لها، والأصل أولى بما يجوز في الفرع، وبذلك وضع قاعدة عامة هي جواز تقديم المستثنى في أول الكلام سواء أكان موجبا أم منفيا(6). ورأي الأخفش يجيز تأخير المعمول للفعل إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا وتقدم المستثنى عليه لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} فقد تأخر الجار والمجرور {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} وتقدم المستثنى {إِلَّا رِجَالًا} ووقع له في بعض الشعر:

فما زادني إلا غراما كلامُها

بتوسط المستثنى بين الفعل والفاعل، فوضع قاعدة عامة خالف بها جمهور البصريين، وهي أنه يجوز تقديم المستثنى على المعمول للفعل مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا(7). وذهب سيبويه والبصريون وجمهور الكوفيين إلى أن "خلا" إذا تقدمتها ما المصدرية تعين نصب المستثنى بعدها، وجوز الكسائي فيه الجر على أن تكون ما زائدة فتقول: "قام القوم ما خلا محمدا بالنصب" وما خلا محمدٍ بالجر. وعلق ابن هشام على ذلك في المغني بأن القياس يمنع ذلك؛ لأن "ما" لا تزاد قبل الجار والمجرور، إنما تزاد بعد حرف الجر مثل: {عَمَّا قَلِيلٍ} {فَبِمَا رَحْمَةٍ} وقال: إن احتج بالسماع فهو من الشذوذ الذي لا يصح القياس عليه(8) وربما كان أغرب ما ذهب إليه الكسائي من أحكام في باب الاستثناء, أنه جوز في مثل: "ما قام إلا محمدٌ" نصب محمد على الاستثناء، مستدلا بقول بعض الشعراء:

لم يبق إلا المجدَ والقصائدا ... غيرَك يابن الأكرمين والدا

بنصب المجد وغيرك. ورد عليه جمهور النحاة بأن غيرك هي الفاعل وفتحتها

ص180

ليست فتحة إعراب, وإنما هي فتحة بناء لإضافتها إلى مبني. وقد اندفع في هذا الحكم تمشيا مع قاعدته التي أشرنا إليها في الفصل الماضي، وهي أنه قد يحذف الفاعل مع الفعل، وكأنه لم يلاحظ في مثل: "ما قام إلا محمد" ما لاحظه البصريون وجمهور الكوفيين من أن الفاعل مذكور بعد إلا, وأن الاستثناء مفرغ. وربما كان أشد في الغرابة أنه أعرب لفظة محمد في حالة الرفع بدلا من الفاعل المحذوف (9).

وجوز النحاة في التمييز توسطه بين الفعل ومرفوعه مثل: "طاب نفسا محمد", أما تقدمه على معموله مثل: "نفسا طاب محمد" فمنعه سيبويه وجمهور البصريين وجوزه الكسائي وتبعه في ذلك المازني والمبرد؛ لوروده على لسان بعض الشعراء في قوله:

أتهجر سلمى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب

واحتج البصريون بأن ذلك لم يرد في نثر، وإنما جاء على لسان الشاعر ضرورة، ولا يحتج بالضرورة لأنها تبيح ما لا يباح (10).

وكان سيبويه يذهب هو وجمهور البصريين إلى أن "حيث" تلزم الإضافة إلى جملة اسمية أو فعلية, وأنه لا يجوز إضافتها إلى المفرد، وذهب الكسائي إلى جواز ذلك، بل جعله قياسيا لقول بعض الشعراء:

ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض المواضي حيث ليّ العمائم (11)

وقول آخر:

أما ترى حيث سهيلٍ طالعا ... نجما يضيء كالشهاب لامعا

والبصريون يجعلون ذلك من النادر الذي لا يصح أن يتخذ منه القياس والأحكام النحوية الكلية العامة (12).

ص181

وله في نواصب المضارع أحكام كثيرة لا تسندها الشواهد ولا القياس، من ذلك أن سيبويه كان لا يجوز الفصل بين "لن" والفعل المضارع المنصوب بعدها، وتابعه في ذلك البصريون وهشام، وخالفه الكسائي، فجوز الفصل بين لن والفعل بالقسم وبمعموله، فتقول: "لن والله أقرأ الكتاب", و"لن الكتاب أقرأ", وأحس الفراء ما في المثال الأخير من النبوّ، فلم يوافقه إلا على الفصل بالقسم، غير أنه عاد فجوز الفصل بكلمة أظن مسيغا أن يقال: "لن أظن أزورك" بالنصب، وكذلك بالشرط مثل: "لن -إن تزرني- أزورك" وهما صيغتان نابيتان وليس هناك ما يؤيدهما من الشواهد(13). ومن هذا الباب أن البصريين وهشاما ومن تابعه من الكوفيين كانوا لا يجيزون الفصل بين كي ومعمولها إلا بما ولا الزائدتين، مثل: "جئت كيما أتعلم" و {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} وجوز الكسائي الفصل بينها وبين الفعل بمعموله مطلقا. وأغرب من ذلك أنه جوز أن يتقدم عليها المعمول للفعل مثل: "جئت الرياضةَ كي أتعلم"(14). ومن ذلك أن جمهور البصريين كان يجيز الفصل بين إذن ومعمولها بلا النافية وبالقسم؛ لورود ذلك في الاختيار وفي الشعر مثل:

إذن والله نرميَهم بحرب

وتوسع الكسائي -وتبعه هشام- فجوز الفصل بمعمول الفعل مطلقا مثل: "إذن صاحبك أكرم" ويبقي الكسائي لإذن عملها، ويلغيه هشام رافعا للمضارع. وكان سيبويه والبصريون يشترطون لنصبها المضارع أن تكون في صدر العبارة، وسمع الكسائي بعض الرجاز يقول:

لا تتركنِّي فيهم شطيرا ... إني إذن أهلك أو أطيرا (15)

فذهب إلى إلغاء هذا الشرط بعد إنّ، وقاس عليها كان، تقول: "كان عبد الله إذن يكرمك" وتوقف تلميذه الفراء، فوافقه في إنّ وخالفه في كان، رافضًا ما ارتآه أستاذه من هذا القياس (15).

وواضح مما قدمنا أن الكسائي كان يتوسع أحيانا في القياس, وأنه كان يدلي

ص182

أحيانا بأحكام دون شواهد تسندها من اللغة ومما جرى في الندرة على ألسنة بعض العرب. ومما نسوقه أيضا من توسعه في القياس حكمه بأن صلة الموصول يجوز أن تكون طلبية، محتجا بقول الفرزدق:

وإني لراج نظرة قبل التي ... لعلي وإن شطّت نواها أزورُها

والصلة في البيت -إن صحت- إنشائية لا طلبية، وقد تأول البيتَ البصريون بأحد توجيهين؛ إما أن الصلة محذوفة على إضمار القول، أي: "قبل التي أقول: لعلي" أو على أن الصلة هي جملة "أزورها" في آخر البيت وخبر لعل محذوف تقديره: "لعلي أفعل ذلك". وإنما منع البصريون أن تكون الصلة إنشائية؛ لأنها معرفة للموصول، فلا بد من تقدمها عليه وأن تكون معهودة مما يستلزم خبريتها، وما خالف ذلك ينبغي تأويله. ولسلامة هذا المنطق في استعمال العرب للموصول والصلة توقف تلميذه هشام، فلم يرتض أن تكون الصلة طلبية، بحيث يفسح لمثل: "الذي كلمْه أو لا تخاطبْه محمد" كما ذهب الكسائي، وارتضى فقط طبقا للبيت السالف أن تكون إنشائية مصدرة بلعل، وقاس عليها ليت وعسى، فيقال: "الذي -ليته يأتي أو عساه أن يأتي- زيد" (17).

وتدور للكسائي في كتب النحو وراء ذلك آراء كثيرة لا تسندها الشواهد، فمن ذلك أنه كان يجيز الفصل بين فعل الشرط وأداته بمعموله مثل: "من زيدا يكرمْ أكرمه", والفصل أيضا بعطف وتوكيد، ومنع ذلك الفراء لعدم وروده في السماع (18). وكان يجوز تقديم معمول فعل الشرط والجواب على الأداة مثل: "خيرا إن تفعل تكرم" و"خيرا إن أتيتني تُصِبْ" ومنع ذلك أيضا الفراء، إذ لا يؤيده شيء من السماع عن العرب. (19)

ومن ذلك أنه جوّز في المصدر الواقع مبتدأ وخبره حال سدت مسده مثل: "قراءتي الكتاب نافعةً" بنصب نافعة, أن ينعت، فيقال مثلا: "قراءتي الكتابَ الدقيقة نافعة" ومنع ذلك الجمهور؛ لأنه لم يرد فيه سماع(20). ومن ذلك أن البصريين كانوا يوجبون

ص183

في إنّ الكسر حين تقع جوابا لقسم مثل: "والله إن محمدا مسافر" لكثرة ذلك في السماع عن العرب، وخالفهم الكسائي، فجوز الكسر والفتح واختار فتحها مع ندرته في السماع(21). ومن ذلك أنه جوز العطف بالرفع على المفعول الأول لظن إذا كان المفعول الثاني فعلا، فيقال: "أظن محمدا وعلي سافرا" ولم يسند ذلك بأي سماع أو أي شاهد عن العرب، ولعل ذلك ما جعل الفراء تلميذه يقف في صفوف البصريين منكرا هذا الحكم الغريب(22). ومن ذلك أنه كان يجيز في الاختيار تقديم الحال على صاحبها مثل: "زيد طالعةً الشمس" وهو حكم لا يتفق ومنطق التعبير وسياقه(23) وربما كان أغرب ما انتهى إليه هو وتلميذه الفراء من حكم لا يسنده أي سماع, ولا أي شاهد ما ذهبا إليه من بناء فعلي "كان وجعل" للمجهول, فيقال: "كين قائم وكين يقام وجُعل يُفعل" بنيابة الخبر عن الاسم مع الفعلين الناقصين، إذ يريدان "جعل" التي تدخل في أفعال المقاربة, وهي صياغات غريبة؛ ولذلك أنكرها الرضي في شرحه على الكافية إنكارا شديدا(24).

ولعل في ذلك وأمثاله مما نجده عند الكسائي ونحاة الكوفة ما يدل أكبر الدلالة على خطأ من يحاولون رفع المدرسة الكوفية فوق المدرسة البصرية في الحس اللغوي وتبين روح اللغة, زاعمين أنهم لم يكونوا يتعدون الرواية والسماع وهم قد تعدوهما كثيرا، كما تعدوا حدود القياس السديد. وقد حاولوا -جاهدين- أن يخالفوا سيبويه وغيره من نحاة البصرة في كثير من وجوه الإعراب والتقدير في العبارات، مما جرهم في كثير من الأمر إلى صور مختلفة من التعقيد والبعد في التأويل، فمن ذلك إعراب الأسماء الخمسة: "أبوك وأخواتها", فقد كان سيبويه وجمهور البصريين يرون أنها معربة بحركات مقدرة في الحروف, أي: في الواو رفعا والألف نصبا والياء جرا، وذهب الأخفش إلى أنها معربة بحركات مقدرة على ما قبل تلك الحروف، بينما ذهب الكسائي -وتبعه الفراء- إلى أنها معربة من مكانين بالحروف والحركات السابقة لها معا، غير ملتفتين إلى أن علامات الإعراب إما أن تكون

ص184

بالحركات كما في المفردات, وإما أن تكون بالحروف كما في المثنى وأنه كان ينبغي لذلك أن يختارا إعرابا لها, إما بالحروف كما ذهب سيبويه، وإما بالحركات كما ذهب الأخفش(25). ومن ذلك أن سيبويه والبصريين كانوا يعربون ضمير الفصل في مثل: "محمد هو الشاعر" على أنه لا محل له من الإعراب، وذهب الكسائي إلى أن محله محل ما بعده رفعا أو نصبا كالمثال السابق, ومثل: "كان محمد هو المسافر" وكأنما تنبه الفراء إلى ما في هذا الرأي من خلل، إذ تعرب "هو" بتاليها قبل النطق به، فذهب إلى أن إعرابها هو إعراب ما قبلها، ففي مثل: "كان محمد هو المسافر" محلها الرفع, وفي مثل: "إن محمدا هو المسافر" محلها النصب، بينما محلها الرفع في تقدير الكسائي. وكل ذلك أعفانا منه سيبويه والبصريون؛ لأنه لا يترتب عليه شيء في النطق فضلا عن البعد في تقدير المحل المزعوم(26). ومن ذلك إعراب صيغة الاشتغال في مثل: "الكتابَ قرته" بنصب الكتاب, فإن سيبويه والبصريين يجعلون الكتاب وما يماثله مفعولا به لفعل يفسره المذكور، وذهب الكسائي إلى أنه مفعول للفعل التالي والضمير المتصل به ملغى، ورده البصريون بأن الفعل قد يكون لازما مثل: "الكتابَ نظرت فيه" فلا يصح تعديه المفعول السابق. وكأنما أحسّ الفراء ما في رأي أستاذه من خلل لا من هذه الناحية, ولكن من ناحية إلغاء الضمير، فقال: إن الفعل عامل في الضمير والمفعول المتقدم معا، ورُد بتعدي الفعل اللازم وأن الفعل المتعدي لواحد يصبح متعديا لمفعولين في مثل: "الكتابَ قرأته" وهو نقض للقواعد المقررة في لزوم الأفعال وتعديها إلى واحد أو أكثر(27)

ولعل في كل ما قدمنا ما يصور إمامة الكسائي لمدرسة الكوفة النحوية والأسس التي وضعها لقيامها، وهي أسس تقوم على الاتساع في الرواية والقياس والنفوذ إلى أحكام وآراء لم تقع في خاطر البصريين، سواء سندتها الشواهد أو لم تسندها، مع كل ما يمكن من مخالفتهم في توجيه الإعراب في الصيغ والعبارات.

ص185

____________________

(1) الإنصاف: المسألة رقم 23، والمغني ص527, والهمع 2/ 144، وأسرار العربية ص152.

(2) ابن يعيش 8/ 113، والرضي 1/ 249، والمغني ص19، والهمع 1/ 124.

(3) المغني ص770 ، والهمع للسيوطي 2/ 95.

(4) المغني ص248، وانظر الكتاب 1/ 452.

(5) الهمع 1/ 145.

(6) الإنصاف: المسألة رقم 36، والهمع 1/ 226.

(7) الهمع 1/ 230 .

(8) المغني ص142، وانظر الهمع 1/ 233.

(9) الهمع 1/ 223.

(10) الإنصاف: المسألة رقم20 ، والهمع 1/ 252، وابن يعيش 2/ 73.

(11) تحت الحبا: في أوساطهم.

(12) المغني ص141, والهمع 1/ 212.

(13) الهمع 2/ 4.

(14) الهمع 1/ 88، 2/ 6.

(15) شطيرا: غريبا.

(16) معاني القرآن للفراء 1/ 274, والهمع 1/ 7، والمغني ص16 حيث ذكر ابن هشام أن البصريين يتأولون البيت على أن خبر إن محذوف، تقديره: إني لا أقدر على ذلك، واستأنف الشاعر ما بعده.

(17) الهمع 1/ 85, وانظر المغني ص647.

(18) الهمع 2/ 59.

(19) الهمع 2/ 61، وانظر الرضي 1/ 150 ، 2/ 236.

(20) الهمع 1/ 107.

(21) الهمع 1/ 137.

(22) الهمع 2/ 145.

(23) الهمع 1/ 242.

(24) الرضي على الكافية 1/ 74، والهمع 1/ 164.

(25) الهمع 1/ 38.

(26) الهمع 1/ 68.

(26) الهمع 2/ 114.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.