أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015
2750
التاريخ: 27-02-2015
2270
التاريخ: 3-05-2015
2261
التاريخ: 2024-01-30
1291
|
لقد توخّى علماء أصول الفقه النظر إلى البيئة المحيطة بالنصّ، فبالنسبة للتكاليف العمليّة فكثيرة هي الأمور الجليلة التي وقع التكليف فيها بالتقريبات، من مثل معرفة أوقات الصلاة بالظلال، وطلوع الفجر، والشمس، وغروبها وغروب الشفق، وكذلك الصيام، قال تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة : 187]. وجاء في الحديث النبوي الشريف : " إذا أقبل الليل من هاهنا ، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" «1». فهنا لا بدّ أن يتعامل الفقيه مع عناصر البيئة المختلفة لتفسير هذه النصوص، ووضع الأحكام.
وفي بيان أهميّة المعرفة بالبيئة نجد الإمام الشاطبي يذكر أنّ من بين أنواع المقاصد الشرعيّة" مقصد وضع الشريعة للإفهام" «2». وركّز في بيان هذا القصد على كثير من خصوصيّات تلك البيئة التي يجب أن تفهم الشريعة في ظلّها، ومن بينها أحوال المخاطبين، والأعراف والعادات، وغيرها. وعند الأصوليّين ما اصطلح عليه" بعبارة النصّ" أو المنطوق الصريح. ويقصد بها الصيغة المكوّنة من المفردات والجمل وقد سميّت الألفاظ الدالّة على المعاني عبارات، لأنّها تفسّر ما في الضمير الذي هو مستور، وتعبّر عنه وتظهره للوجود «3».
وبذلك يظهر أنّ الضابط الأساسي الذي يميّز عبارة النصّ من إشارته، هودلالة اللّفظ بالوضع على الحكم والقصد إنّما يتوقف عليه في التمييز بينهما : فيما يستفاد من خارج اللّفظ أي من مدلول اللفظ بطريق اللّزوم.
ولعلّ هذا المعيار الدقيق هو الذي جعل بعض الأصوليّين يمثّلون لعبارة النصّ بقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } [البقرة : 233]. حيث رأى أنّ الحكم المستفاد من اللام في (له) والذي هو اختصاص الآباء بنسب الأبناء إليهم دون غيرهم، مدلول عليه بعبارة النصّ لا بإشارته كما هو رأي الجمهور لأنّ التعبير عن الأب بالمولود له يدلّ على مزيد اتصال الولد بأبيه، واختصاصه به حتى كأنّه ملك له، وهو معنى متبادر من اللّفظ ومقصود منه، ولكنّه ليس هو المقصود الأوّل، ويمكن إفادة المعنى الأوّل بدونه، بأن يقال" وعلى الأب رزقهن وكسوتهن بالمعروف" فهو مقصود تبعا، ومن ثمّ كانت الدلالة عليه عبارة لا إشارة" «4».
وكدلالة عبارة النصّ عند الحنفيّة على المعنى الالتزامي إذا كان مقصودا للمتكلّم، مثل التفرقة بين حقيقة البيع وحقيقة الربا في قوله تعالى : {وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}. وقالوا في دلالة الالتزام المقصودة : " أنّ النص في قوله تعالى { وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} لمّا سيق من أجل الدلالة على التفرقة بين حقيقة المعاملة في البيع، والمعاملة في الربا بدلالة السياق، والتفرقة لا تستفاد ممّا وضع اللفظ له، ولكن من مدلول اللفظ للزومه إياه عقلا، كانت الدلالة التزاميّة، وكانت أيضا عبارة لأنّ الكلام سيق من أجلها" «5».
وكذلك هو الأمر في قوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} لأنّ الخطاب يدلّ على اختصاص الآباء بنسب الأبناء إليهم، المستفاد من اللام في (له) وهو معنى مقصود بالتبعيّة للمعنى الأصلي، الذي هو وجوب نفقة الوالدات على الآباء، لأنّ اللام في قوله تعالى (المولود له) تفيد الاختصاص لغة، والاختصاص ينصرف إلى معناه الكامل، ومن أفراده اختصاص الملك، واختصاص النسب، واختصاص المال، وبما لا شكّ فيه أنّ اختصاص الملك منفيّ إجماعا فيبقى اختصاص النسب واختصاص المال، وكلّ منهما مدلول عليه بالعبارة لأنّه معنى تضمّني" «6».
وعليه قالوا في تعريف عبارة النصّ هي" دلالته على المعنى المسوق له، سواء كان ذلك المعنى عين الموضوع له أو جزأه أو لازمه المتأخر" «7». وقالوا أيضا : " فأما الثابت بعبارة النصّ فهو ما كان السياق لأجله، ويعلم قبل التأمّل أنّ ظاهر النصّ متناول له" «8». وممّا يتّصل بهذا استحضار ظروف التنزيل في استنباط الأحكام الفقهيّة من النصوص.
ومن ذلك استئناسهم بأسباب النزول ومواقيت النزول في الاجتهاد، ومن ذلك آية القصاص، فعن الشافعي في قوله تعالى : {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء : 33] في غير البقرة وهو يشبه قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة : 178] وهي (الآية (178) في سورة البقرة) قال : " فالقصاص إنّما يكون ممّن فعل ما فيه القصاص لا ممّن لا يفعله، فأحكم اللّه عزّ وجل فرض القصاص في كتابه، وأبانت السنّة لمن هو، وعلى من هو. وقال : من العلم الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه، وبلغني عنه من علماء العرب أنّها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله- صلى اللّه عليه وآله وسلّم- تباين في الفضل، ويكون بينهما ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ، وكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دون ...
(وذكر قصة كليب ومقتل شأس بن زهير العبسي)، وحكم اللّه بالعدل فسوّى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع، وقد نزل الإسلام وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح، فنزل فيهم{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى} وكان بدء ذلك في حيّين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل، وكان لأحد الحيّين فضل على الآخر، فلمّا نزلت هذه الآية رضوا وسلّموا" «9».
ومن أمثلة استحضار سبب النزول في الحكم الشرعي كذلك الآية الكريمة { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة : 221] . قال الشافعي فيها : " وقد قيل في هذه الآية أنّها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان، فحرّم نكاح نسائهم كما حرّم أن ينكح رجالهم المؤمنات" «10».
____________________
(1) صحيح البخاري، باب الصيام.
(2) الشاطبي، الموافقات، 2/ 64.
(3) كشف الأسرار 1/ 67.
(4) كشف الأسرار، 1/ 68.
(5) القاضي صدر الشريعة : عبيد اللّه بن مسعود المحبوبي (ت 747 هـ) ، التوضيح على التلويح، ط 1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، بلا تاريخ، 1/ 13.
(6) د. خليفة بابكر الحسن، مناهج الأصوليين في طرق دلالات الألفاظ على الأحكام، ط 1، مكتبة وهبة/ القاهرة، 1989، ص : 83.
(7) القاضي صدر الشريعة، التوضيح في التلويح، 1/ 13.
(8) السرخسي، الأصول، 1/ 236.
(9) أحكام الشافعي ص : 273.
(10) أحكام الشافعي، ص : 1860.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|