أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-01-2015
3186
التاريخ: 29-4-2016
3020
التاريخ: 29-4-2016
3141
التاريخ: 5-5-2016
3131
|
وأكبر الظنّ أنّ الحسين (عليه السّلام) لو ثار في عهد معاوية لما استطاع أن يسبغ على ثورته هذا الوهج الساطع الذي خلّدها في ضمائر الناس وقلوبهم والذي ظلّ يدفعهم عبر القرون الطويلة إلى تمثّل أبطالها واستيحائهم في أعمال البطولة والفداء .
وسرّ ذلك يكمن في شخصيّة معاوية واُسلوبه الخاصّ في معالجة الأمور ؛ فإنّ معاوية لم يكن من الجهل بالسياسة بالمثابة التي يُتيح فيها للحسين (عليه السّلام) أن يقوم بالثورة مدوّية بل الراجح أنّه كان من الحصافة بحيث يُدرك أنّ جهر الحسين (عليه السّلام) بالثورة عليه وتحريضه الناس على ذلك كفيل بزجّه في حروب تُعكّر عليه بهاء النصر الذي حازه بعد صلح الحسن (عليه السّلام) إن لم يكن كافياً لتفويت ثمرة هذا النصر عليه ؛ لأنّه عارف ـ ولا ريب ـ بما للحسين (عليه السّلام) من منزلة في قلوب المسلمين .
وأقرب الظنون في الاُسلوب الذي يتبعه معاوية في القضاء على ثورة الحسين (عليه السّلام) ـ لو ثار في عهده ـ هو أنّه كان يتخلّص منه بالسمّ قبل أن يتمكّن الحسين (عليه السّلام) من الثورة وقبل أن يكون لها ذلك الدوي الذي يُموّج الحياة الإسلاميّة التي يرغب معاوية في بقائها هادئة ساكنة .
والذي يجعل هذا الظنّ قريباً ما نعرفه من اُسلوب معاوية في القضاء على مَنْ يخشى منافستهم له في السلطان أو تعكير صفو السلطان عليه ؛ فإنّ الطريقة المثالية عنده في التخلّص منهم هي القضاء عليهم بأقلّ ما يمكن من الضجيج .
ولقد مارس معاوية هذا الاُسلوب في القضاء على الحسن بن علي (عليهما السّلام) وسعد بن أبي وقاص ومارسه في القضاء على الأشتر لمّا توجّه إلى مصر ومارسه في القضاء على عبد الرحمن بن خالد بن الوليد لمّا رأى افتتان أهل الشام به .
وقد أوجز هو اُسلوبه هذا في كلمته المأثورة : إنّ لله جنوداً من العسل .
والذي يرتفع بهذا الظنّ إلى مرتبة الاطمئنان ما نعلمه من أنّ معاوية كان قد وضع الأرصاد والعيون على الحسين (عليه السّلام) وعلى غيره ممّن يخشاهم على سلطانه وأنّهم كانوا يكتبون إليه بما يفعل هؤلاء ولا يغفلون عن إعلامه بأيسر الأمور وأبعدها عن إثارة الشكّ والريبة .
فلو تحفّز الحسين (عليه السّلام) للثورة في عهد معاوية ثمّ قُضي عليه بهذه الميتة التي يُفضلها معاوية لأعدائه فماذا كانت تكون جدوى فعله هذا الذي لم يخرج عن حدود الفكرة إلى أن يكون واقعاً بحياة الناس بدمائهم وأعصابهم ؟ وما كان يعود على المجتمع الإسلامي من موته وقد قضى كما يقضي سائر الناس بهدوء وبلا ضجيج ؟ إنّه لن يكون حينذاك سوى علوي مات حتف أنفه يُثير موته الأسى في قلوب أهله ومحبيه وشيعة أبيه إلى حين ثمّ يطوي النسيان ذكراه كما يطوي جميع الذكريات .
وأين هذا ممّا صار إليه أمره وأمر مبدئه حين ثار في عهد يزيد ؟
هذا بالإضافة إلى أنّ معاوية كان يُدرك أنّه ليس ينبغي له ـ وهو يحكم الناس بسلطان الدين ـ أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامّة تحدّياً للدين يحكم بسلطانه بل عليه أن يسبغ على أعماله غشاء دينياً لتنسجم هذه الأعمال مع المنصب الذي وصل إليه أمّا ما لا يمكن تمويهه من التصرّفات فليرتكبه في السرّ .
وقد أظهره سلوكه المحافظ على تعاليم الدين بمظهر لا غبار عليه من الناحية الدينية عند العامّة على الرغم من بعض الروايات التأريخيّة التي تؤكّد أنّه كان مُلحداً لا يؤمن بشيء ؛ ممّا جعل المغيرة بن شعبة وهو في تحلّله يغتمّ لما سمعه منه في بعض مجالسه معه ويقول عنه أنّه أخبث الناس .
وقد استغل ظروفه لإسباغ صفة الشرعية على منصبه ؛ وذلك بدعواه أنّه يطلب بدم عثمان وبما موّه على الرأي العام في مؤتمر التحكيم بعد صفّين من صلوحه للخلافة وبصلحه مع الإمام الحسن (عليه السّلام) وبيعة الناس له بالخلافة . فلو أفلت من معاوية الزمام وغفلت عيونه وأرصاده فخرجت الفكرة إلى حيّز الواقع وتحوّلت إلى دويٍّ عظيم فهل كانت ثورة الحسين (عليه السّلام) تنجح في عهد معاوية ؟
والذي نتساءل عنه هنا ليس النجاح العسكري ؛ فإنّ ثورته ما كانت لتحوز نصراً عسكرياً آنيّاً يمكّن الحسين (عليه السّلام) من الإمساك بالسلطة ؛ لأنّه كان ضعيفاً من الناحية الماديّة ومعاوية أقوى ما يكون وقد رأينا أنّها أخفقت عسكرياً في عهد يزيد مع أنّ سلطان الاُمويِّين في عهده كان بالغ الضعف ؛ بسبب استنكار عامّة المسلمين لسلطانه وبسبب التناحر القبلي الذي كان قد بلغ غايته في الشام .
وإنّما نتساءل عن نجاح ثورته بمعنى تمكّنه من التعبير بها عن أهدافه الاجتماعيّة والإنسانيّة وإشعار الناس بواقعهم السيِّئ وكشف الحكم الاُموي على حقيقته لأعينهم وبعث روح جديدة فيهم وبث أخلاق جديدة بينهم على النحو الذي سنرى أنّه تمكّن منه في عهد يزيد .
والجواب الذي لا بدّ منه هنا هو النفي بل كان مصيره إلى الإخفاق على الصعيد العسكري وعلى هذا الصعيد الآخر الذي بوّأ ثورته في عهد يزيد منزلة فريدة في تأريخ الثورات .
وإذا بحثنا عن السبب في إخفاق ثورة الحسين (عليه السّلام) لو ثار في عهد معاوية لوجدناه في مسحة الدين التي كان معاوية يحرص على إسباغها على سلوكه وسائر تصرّفاته أمام العامّة وفي صفة الشرعية التي أفلح في أن يسبغها على منصبه لدى جانب كبير من الرأي العام الإسلامي .
فإنّ هذا الواقع كان يُجرّد ثورة الحسين (عليه السّلام) ـ لو ثار ـ من مبرّرها الوحيد ؛ لأنّ الجواب الذي كان سيقدّمه معاوية وأعوانه للناس حيث يتساءلون عمّا حمل الحسين (عليه السّلام) على الثورة أو يجيب به الناس أنفسهم هو أنّ الحسين (عليه السّلام) طالب ملك ولو قُتل الحسين (عليه السّلام) في سبيل ما توهّمه الناس هدفاً من ثورته لما أثار قتله استنكاراً ولما عاد قتله بشيء على مبادئه ودوافعه الحقيقية للثورة بل ربّما عدّه فريق من الناس مستحقّاً للقتل .
ولن يجدي الحسين (عليه السّلام) وأنصاره أن يعلنوا للناس أنّ ثورتهم لحماية الدين من تحريف وتزييف معاوية وإنقاذ الأمّة من ظلمه فلن يصدّقهم الناس ؛ لأنّهم لا يرون على الدين من بأس ولم يُحدث معاوية في الدين حدثاً ولم يُجاهر بمنكر بل سيرى الناس أنّ مقالتهم هذه ستار يخفي مقاصدهم الحقيقية .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|