أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-12-2019
2522
التاريخ: 27-4-2019
2169
التاريخ: 21-5-2017
1863
التاريخ: 15-12-2019
1812
|
لقد أقام المشرع سواء بموجب أحكام القانون المدني أو قانون الأسرة قرائن قانونية مفادها أن بعض التصرفات التي يبرمها الشخص في أمواله تأخذ حكم الوصية، و بالتالي تسري عليها أحكامها، وذلك منعا للتحايل على أحكام القانون الواردة في مجال الوصية، وهذا تدعيما لسلطة القاضي في تكييف التصرفات القانونية .
الفرع الأول : منع التحايل على أحكـام القانون
كثيرا ما يلجأ الأفراد من الناحية العملية إلى وصف تصرفاتهم بأنها تصرفات منجزة كالبيع مثلا أو الهبة، رغم أنها تكون في حقيقتها تصرفات مضافة إلى ما بعد الموت، وهذا ما يعتبر سترا للوصية تحايلا على أحكام القانون الآمرة المقيدة لحرية الإيصاء، و التي سبق الإشارة إليها ؛لأن القصد هنا هو التبرع من ناحية، و إضافة التمليك إلى ما بعد الموت من ناحية أخرى ، وهي بذلك تحقق كل أهداف الوصية دون أن تتقيد بأحكامها الآمرة (1) فيلجأ الطرفان مثلا إلى إظهـار
الوصية بمظهر البيع فيذكر في العقد ثمن صوري لا يلتزم المشتري به في حقيقة الأمر، أو يصبغون عليه مظهر الهبة بإبرامه في شكل تصرف منجز، و لكن يحرص على أن تبقى للبائع المزايا العملية للملكية فيحتفظ البائع بحق الإنتفاع بالعين المبيعة طول حياته، أو يشترط منع التصرف في العين محل العقد طوال حياة المتصرف، و الواقع أنه لا يجب التقيد في هذا الصدد بما يضفيه الأفراد على تصرفاتهم من أوصاف، وإنما يجب الإعتداد بما يثبت من الناحية الواقعية (2) ، و عليه يكون لكل ذي مصلحة كالوارث - بوصفه من الغير - أن يتمسك بالتصرف الحقيقي، و أن يثبت التحايل و قصد التبرع و إضافة التمليك إلى ما بعد الموت، و غالبا ما يتم الإثبات عن طريق القرائن القضائية (3) ، كأن تستخلص منه نية التبرع من كون المتصرف إليه لم يقبض ثمنا للبيع، أومن عدم جدية الثمن أو عدم قدرة المشتري على دفعه، وكأن تثبت نية إضافة الملك إلى ما بعد الموت من عدم تنفيذ التصرف قبل الوفاة أومن شمول التصرف لكافة ممتلكات المتصرف، أو عدم تسجيل سند التصرف و الإحتفاظ به لدى المتصرف طوال حياته (4) . و اعتمادا على هذه القرائن و غيرها فإن على الورثة أن يقيموا الدليل على عدم صحة ما ورد في تصرف المورث؛ فعبء الإثبات يقع يقع عليهم، و ما سبق ليس سوى قرائن قضائية يتوسل بها الطاعن إلى إثبات دعواه، و القاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بها أو لا يأخذ، حيث لا يترتب على مجرد وجودها إعتبار التصرف وصية .
لذا و تيسيرا من المشرع عبء الإثبات في هذه الحالة، فقد حرص القانون على تقرير قرائن قانونية يستنبط منها إعتبار التصرف وصية، سواء تم في مرض الموت (المواد 776، 408 و 409 من القانون المدني، و المواد 204و215 من قانون الأسرة)أو اقترن التصرف بشروط معينة (المادة 777 من القانون المدني)، و هي قرائن تغني من تقررت لمصلحته عن إثبات أي شيء آخر إذا توافرت شروطها، فالهدف من تقرير هذه القرائن القانونية هو إعفاء الورثة من الإثبات لتحقيق مصلحة عامة هي التضييق على من يحاول التحايل على القانون (5) .
و بالمقابل ، فإن خلو العقد من شروط القرينة القانونية لا يصلح دليلا لنفي الوصية المستترة، و على القاضي التحقق من توافر شروطها على ضوء ظروف الدعوى وملابساتها غير متقيد بما ورد في العقد، حيث يجوز للطاعن إثبات دعواه بطرق إثبات أخرى، وهذا لجواز إثبات التحايل على القانون بكافة طرق الإثبات . و لتوضيح ذلك يجب في هذا المجال التفرقة بين أعمال الدفع بالصورية، و الدفع بالتحايل على نظام الإرث :
إذ أن الصورية هي أن يتعمد المتعاقدان إخفاء حقيقة علاقتهما تحت مظهر كاذب، ونجد أمامنا تصرفا ظاهرا يخفي تصرف حقيقيا مختلفا عنه، و له شروط أخرى مستترة هي التي اتجهت إرادة المتعاقدين إليها . أما التحايل على القانون فقد يكون بغير صورية متى كانت شروط العقد ظاهرة غير مستترة كالهبة مع الإحتفاظ بالحيازة والإنتفاع مدى الحياة (6) .
وعليه على الوارث الذي يدعي الصورية عبء الإثبات، إذ أنه يدعي خلاف الظاهر بإعتبار الصورية دفعا مقررا طبقا للقواعد العامة، و الورثة لا يعتبرون في هذه الحالة من الغير و إنما يستمدون حقهم من مورثهم، فلا يجوز لهم إثبات الصورية إلا بما كان يجوز لمورثهم أن يثبتها به من طرق الإثبات باعتبارهم من الخلف العام . أما إذا ادعى الورثة وجود وصية مستترة تحايلا على تقييد حرية الإيصاء فإنهم يستمدون حقهم من القانون مباشرة لا من المورث، حماية لهم من تصرفات المورث التي قصد بها التحايل على القانون، باعتبار أن التركة حق مقرر للوارث و أن الوصية لا تنفذ إلا بعد وفاة المورث، و بذلك متى تعدت نصابها مست بالميراث، فهنا يتغير المركز القانوني للورثة من الخلف العام إلى الغير، و بالتالي جاز لهم الإثبات بكافة الطرق دون التقيد بقاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة، على أساس وجود غش أو تحايل على القانون (7) .
الفرع الثاني : سلطة القاضي في تكييف التصرفات القانونية
في حالة تستر الوصية تحت وصف آخر تظهر جليا سلطة القاضي في تكييف التصرف حماية للورثة، و بالتالي تثار هنا مسألة تفسير وتكييف التصرفات؛ فتكييف القاضي للتصرف يقتضي أولا تفسير إرادة المتعاقدين، وهذا ما هو من صميم عمل القاضي للتعرف على نية المتعاقدين في التوجه إلى إبرام تصرف مـا بتطبيق المادتين 111 و 112 من القـانون المدني .
و التفسير مسألة موضوعية لا يخضع فيها القاضي لرقابة المحكمة العليا ما دام قد التزم القواعد التي نص عليها المشرع في التفسير، بأن استخلص إرادة المتعاقدين من وقائع حقيقة مطابقة للثابت في أوراق الدعوى وتؤدي فعلا للنتيجة التي استخلصها، إلا أن رقابة المحكمة العليا تنصب على احترامه لقواعد التفسير المنصوص عليها بالمواد 111 و 112 من القانون المدني منها عدم الإنحراف على عبارات العقد الواضحة (8) و قاعدة تفسير الشك لمصلحة المدين مع استثناء عقود الإذعان. و بعد إستخلاص القاضي إرادة المتعاقدين يسقط عليها حكم القانون من أجل تكييف التصرف و الكشف عن ماهيته، أي إعطائه الوصف القانوني. و لا تتقيد المحكمة بالتكييف الذي جاء به الأطراف بل تصححه من تلقاء نفسها ، شأن قواعد التكييف في ذلك شأن سائر القواعد القانونية تطبقها المحكمة تلقائيا و لا تطلب عليها دليلا، و عليه إذا تعمد المتعاقدان أن يكيفا التصرف تكييفا غير صحيح بقصد التحايل على القانون و أحكام الميراث بستر الوصية في مظهر تصرف منجز مثلا، فالقاضي يصحح هذا التكييف و يرد على المتعاقدين قصدهما، فالعبرة بالواقع و ليس بما يضفيه الأشخاص، وقد يثبت للقاضي أن العقد وصية، و يستعين في إستجلاء الحقيقة بالظروف الملابسة للقضية و ملف الدعوى و القرائن التي تساعد على ذلك . و التكييف عملية قانونية يقوم بها القاضي حتى يتمكن من تطبيق أحكام القانون على التصرف، سواء كانت هذه الأحكام آمرة أو مكملة و القاضي في ذلك يخضع لرقابة المحكمة العليا، فهو بصدد مسألة قانونية محضة، لأنه يترتب على التكييف آثار قانونية إذ أنه يطبق القانون على الواقع، و تطبيق القانون من المسائل القانونية (9). فآثار تكييف التصرف بأنه وصية تتمثل في تطبيق أحكام الوصية عليه من حيث عدم جواز الإيصاء بأكثر من الثلث، وعدم جواز الإيصاء لوارث و توقف ما خالف ذلك على إجازة الورثة . و عليه قضت المحكمة العليا في قرار صادر بتاريخ 24/04/2002 أن على القرار الذي قضى بإبطال عقد هبة في مرض الموت أن يقضي باعتبار العقد وصية و يستفيد منها الموهوب له في حدود ما يسمح بذلك موضوع الوصية (10).
____________________
1- سمير عبد السيد تناغو. عقد البيع. منشأة المعارف الإسكندرية. مصر. ص 29 .
2- توفيق حسن فرج. الوجيز في عقد البيع. الدار الجامعية. 1988. ص 23 .
3- تنص المادة 340 من القانون المدني: "يترك لتقدير القاضي إستنباط كل قرينة لم يقررها القانون و لا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة" فالقرينة القضائية هي أن يستخلص القاضي من واقعة معلومة نتائج تؤدي إلى إثبات واقعة معينة. للقرينة القضائية عنصران : مادي هو الواقعة التي يختارها القاضي،و معنوي هو الإستنباط، و بالتالي القرينة القضائية هي تحويل للإثبات من محل إلى محل آخر لأن إثبات المحل الأول صعب عن طريق الإثبات المباشر. عبد الرحمن ملزي.محاضرات في طرق الإثبات في المواد المدنية و التجارية.المعهد الوطني للقضاء. الدفعة الرابعة عشرة. السنة الأولى.2003/2004.
4- أنظر في بعض التصرفات التي كيفت أنها وصايا مستترة لقيام قرائن قضائية من طرف القضاء المصري. عبد الرزاق أحمد السنهوري. الوسيط في شرح القانون المدني. أسباب كسب الملكية. المجلد التاسع. دار إحياء التراث العربي.لبنان. 1986. ص 230 .
5- القرائن القانونية من بين طرق الإعفاء من الإثبات و هذا الإعفاء يتقرر إما لتحقيق مصلحة عامة أو مصلحة خاصة أو للأخذ بالمألوف المتعارف بين الناس . عبد الرحمن ملزي.محاضرات في طرق الإثبات في المواد المدنية و التجارية.المعهد الوطني للقضاء. الدفعة الرابعة عشرة. السنة الأولى.2003/2004.
6- محمد حسنين. عقد البيع في القانون المدني الجزائري. ديوان المطبوعات الجامعية. الجزائر. الطبعة الرابعة. 2005. ص 6 ،7 .
7- مصطفى محمد الجمال. نظام الملكية. منشأة المعارف الإسكندرية. مصر. ص 407 .
8- و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار صادر عن غرفة الأحوال الشخصية و المواريث بتاريخ 16/01/2002 ملف رقم 278004 .المجلة القضائية. العدد الأول 2003. ص 367 : "إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الإنحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين .و عليه فإن القضاء برفض الدعوى الرامية إلى إلغاء عقد الوصية هو قضاء سليم مادام قصد الهالك ينصرف إلى توزيع أملاكه على الورثة أثناء حياته" .
9- محمد صبري السعدي.شرح القانون المدني الجزائري.النظرية العامة للإلتزامات.العقد و الإرادة المنفردة. ج1.دار الهدى.الجزائر. الطبعة الثانية.2004.ص 306
10- قرار المحكمة العليا. الغرفة العقارية. الصادر بتاريخ 24/04/2002. ملف رقم 229397. المجلة القضائية. العدد الثاني 2002. ص 387 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|