المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

صور الوحي الى الأنبياء
20-04-2015
جول ، هنري
4-11-2015
كوكبة كنى أمير المؤمنين (عليه السلام)
9-4-2016
سمـات وخصائـص الاقتـصاد المعـرفـي
24-12-2021
Kamtok consonants
2024-05-17
مقاييس الالتواء
21-4-2018


في عسكر الحسين (عليه السّلام)‏  
  
2337   01:36 صباحاً   التاريخ: 18-4-2019
المؤلف : السيد نعمة الله الجزائري .
الكتاب أو المصدر : رياض الابرار
الجزء والصفحة : ج‏1، ص223-233.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء /

روي أنّ امّه أخذت عمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين (عليه السّلام): ارجعي أنت و ابنك مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء، و كان يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الاثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم و يقتل من أصحاب عمر الجماعة فلا يبين فيهم لكثرتهم، ثمّ حضر وقت الصلاة و صلّى الحسين بأصحابه صلاة الخوف، و قيل: إنّهم صلّوا فرادى بالإيماء .

و روي أنّ سعيد الحنفي تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما جاء إلى الحسين سهم تلقّاه بنفسه حتّى سقط إلى الأرض و هو يقول: اللّهم ابلغ نبيّك عنّي السلام و ابلغه ما لقيت من ألم الجراح ثمّ مات، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرّماح. و تقدّم جون مولى أبي ذرّ و كان عبدا أسود فقال له الحسين: أنت في حلّ منّي، فقال: يابن رسول اللّه أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدّة أخذلكم و اللّه إنّ ريحي المنتن و أنّ حسبي اللئيم و لوني أسود و اللّه لا افارقكم حتّى يختلط هذا الدّم الأسود بدمائكم، فبرز للقتال و قتل جماعة حتّى قتل فوقف عليه الحسين و قال: اللّهم بيّض وجهه و طيّب ريحه و احشره مع الأبرار و عرّف بينه و بين آل محمّد .

و عن عليّ بن الحسين (عليه السّلام): إنّ الناس كانوا يدفنون القتلى، فوجدوا الأسود بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك و كان شعره في الحرب، شعر:

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود           بالمشرفي القاطع المهنّد

بالسيف صلنا عن بني محمّد               أذبّ عنهم باللّسان و اليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد               من الإله الواحد الموحّد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

و خرج إليهم حنظلة فنادى: يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم اللّه بعذاب و قد خاب من‏ افترى، ثمّ قال للحسين (عليه السّلام): ألا نروح إلى ربّنا فنلحق بإخواننا؟

فقال: رح إلى ما هو خير لك، فسلّم على الحسين (عليه السّلام) ثمّ قاتل حتّى قتل، و خرج زهير و هو يرتجز شعر:

أنا زهير و أنا ابن القين‏           أذودكم بالسيف عن حسيني‏

إنّ حسينا أحد السبطين‏            من عترة البرّ التقيّ الزينيّ‏

فقاتل حتّى قتل مائة و عشرين ثمّ قتل رضوان اللّه عليه، و لمّا قتل أصحاب الحسين (عليه السّلام) و لم يبق إلّا أهل بيته و هم ولد علي و ولد جعفر و ولد عقيل و ولد الحسن و ولده (عليهم السّلام) اجتمعوا و ودّع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب، فأوّل من برز من أهل بيته عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و قال شعر:

اليوم ألقى مسلما و هو أبي‏                 و فتية بادوا على دين النبيّ‏

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب‏                   لكن خيار و كرام النسب‏

من هاشم السادات أهل الحسب‏

فقتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات و اشترك في قتله الصيداوي و أسد بن مالك و خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يقول، شعر:

أنا الغلام الأبطحي الطالبيّ‏                 من معشر في هاشم و غالب‏

فقتل خمسة عشر فارسا، ثمّ قتله بشر بن لوط الهمداني ثمّ خرج أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يقول شعر:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني‏                   من هاشم و هاشم اخواني‏

كهول صدق سادة الأقران‏                   هذا حسين شامخ البنيان‏

فقتل سبعة عشر فارسا ثمّ قتله عثمان الجهني، و خرج من بعده محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الطيّار فقتل منهم عشرة ثمّ قتله عامر التميمي، و خرج من بعده أخوه عون و قتل ثمانية عشر رجلا و ثلاثة فوارس و قتله ابن بطّة، ثمّ خرج القاسم بن الحسن و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فاستأذن الحسين (عليه السّلام) فأبى أن يأذن له فلم يزل يقبّل يديه و رجليه حتّى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خدّيه و هو يقول شعر:

إن تنكروني فأنا ابن الحسن‏                سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن‏

فقتل منهم خمسة و ثلاثين رجلا فضربه عمر الأزدي بالسيف على رأسه فوقع الغلام لوجهه و نادى يا عمّاه، فجاءه الحسين (عليه السّلام) كالصقر المنقضّ فقتل قاتله و حملت خيل أهل الكوفة فجرحته بحوافرها حتّى مات الغلام فانجلت الغبرة، فإذا الحسين واقف على رأس الغلام و هو يفحص برجله فقال الحسين (عليه السّلام): يعزّ و اللّه على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك بعدا لقوم قتلوك، ثمّ احتمله حتّى ألقاه بين القتلى من أهل بيته، ثمّ برز عبد اللّه بن الحسن و هو يقول شعر:

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة                 ضرغام اجام و ليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

 

فقتل أربعة عشر رجلا ثمّ قتله حرملة بن كاهل الأسدي، ثمّ برز أبو بكر بن الحسن و قتله عبد اللّه بن عقبة، ثمّ تقدّمت اخوة الحسين فبرز منهم أبو بكر بن عليّ ثمّ عثمان بن علييّ.

و عن عليّ (عليه السّلام) قال: إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون‏ .

يقول مؤلّف الكتاب أيّده اللّه تعالى: لعلّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) إنّما سمّى أولاده بهذه الأسماء مع أنّه لا يحبّها توسيعا على شيعته في ميدان التقيّة، مثلا لو كان رجل من الشيعة في بلاد المخالفين و قيل له: أتحبّ أبا بكر و عمر و عثمان؟ يقول: نعم و يحلف على هذا قاصدا إلى أولاد أمير المؤمنين (عليه السّلام).

ثمّ خرج جعفر بن علي قتله خولي الأصبحي، و خرج من بعده أخوه عبد اللّه بن علي و قتل و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له، ثمّ خرج محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب و قتله رجل من بني تميم، و خرج من بعده أخوه إبراهيم بن عليّ بن أبي طالب و هؤلاء الثلاثة إخوة العبّاس بن عليّ لامّه و كانت أمّ هؤلاء الأربعة تخرج إلى البقيع فتندبهم و الناس يسمعون و يبكون قالوا: و كان العبّاس سقّاء الحسين (عليه السّلام) صاحب لوائه و هو أكبر الاخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة فضربه‏

على يمينه فأخذ السيف بشماله و قاتل ثمّ قطعت شماله فقاتل حتّى ضربه ملعون بعمود على رأسه، فلمّا رآه الحسين (عليه السّلام) صريعا على شاطئ الفرات بكى و قال شعر:

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم‏           و خالفتموا دين النبيّ محمّد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا            أما نحن من نجل النبيّ المسدّد

أما كانت الزهراء امّي دونكم‏               أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتموا              فسوف تلاقوا حرّ نار توقد

 

و روي أنّ العبّاس لمّا رأى وحدة الحسين (عليه السّلام) أتاه و قال: يا أخي هل من رخصة، فبكى الحسين و قال: أنت صاحب لوائي و إذا مضيت تفرّق عسكري، فقال العبّاس: قد سئمت من الحياة و أريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين فقال له: فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء، فركب و أخذ رمحه و القربة و قصد الفرات فأحاطه أربعة آلاف ممّن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فقتل منهم ثمانين رجلا، فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين فرمى بالماء و ملأ القربة و حملها على كتفه فقطعوا عليه الطريق ثمّ قطعوا يده اليمنى فحمل القربة باليسرى ثمّ قطعها نوفل من الزند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة فاريق ماءها ثمّ جاءه سهم أصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين:

أدركني فأتى إليه و حمله إلى الخيمة.

و لمّا قتل العبّاس قال الحسين (عليه السّلام): الآن انكسر ظهري و قلّت حيلتي، ثمّ برز القاسم بن الحسين و برز من بعده عليّ بن الحسين و امّه ليلى الثقفية و هو ابن ثماني عشرة سنة و يقال ابن خمس و عشرين سنة و قال الحسين: اللّهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه، اللّهم امنعهم بركات الأرض‏ .

و روي أنّه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا ثمّ رجع إلى أبيه يشكو العطش فدفع إليه خاتمه يمصّه و قال: امسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى‏ يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا، فرجع إلى القتال حتّى قتل تمام المائتين ثمّ ضربه ملعون على مفرق رأسه و ضربه الناس بأسيافهم، فلمّا بلغت الروح التراقي نادى: يا أبتاه هذا جدّي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى و هو يقول: العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة فصاح الحسين: لعن اللّه قوما قتلوك على الدّنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم: فكأنّي أنظر إلى امرأة كأنّها الشمس خرجت مسرعة تنادي: يا نور عيناه، فقيل: هي زينب بنت علي فجاءت و انكبّت عليه فردّها الحسين (عليه السّلام) إلى الفسطاط و حملوه إلى قتلاهم.

قال أبو الفرج: عليّ بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له و يكنّى أبا الحسن و امّه ليلى بنت أبي مرّة و هو أوّل من قتل في الوقعة.

ثمّ قالوا: و خرج من تلك الأبنية غلام و في اذنيه درّتان و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه تذبذبان، فحمل عليه هاني بن بعيث لعنه اللّه فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة ثمّ التفت الحسين (عليه السّلام) يمينا و شمالا فلم ير أحدا من الرجال، فخرج عليّ ابن الحسين زين العابدين و كان مريضا فقال الحسين: يا امّ كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد و تقدّم الحسين إلى باب الخيمة فقال: ناولوني ابني عليّا الطفل حتّى أودّعه.

و قال المفيد: دعى ابنه عبد اللّه فجعل يقبّله و الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه، فتلقّى الحسين (عليه السّلام) دمه حتّى امتلأت كفّه. ثمّ رمى به إلى السماء و لم يسقط قطرة إلى الأرض ثمّ نظر الحسين إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى، فنادى: يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا امّ كلثوم عليكنّ منّي السلام، فنادته سكينة: يا أبه استسلمت للموت.

قال: كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين فقالت: يا أبه ردّنا إلى حرم جدّنا فقال:

هيهات لو ترك القطا لنام، فتصارخن النساء ثمّ ركب الحسين (عليه السّلام) فرسه و برز إلى القوم و هو يقول، شعر:

خيرة اللّه من الخلق أبي‏            ثمّ امّي فأنا ابن الخيرتين‏

فضّة قد خلصت من ذهب‏         فأنا الفضّة و ابن الذهبين‏

من له جدّ كجدّي في الورى‏       أو كشيخي فأنا ابن العلمين‏

فاطم الزهراء امّي و أبي‏                   قاصم الكفر ببدر و حنين‏

عبد اللّه غلاما يافعا                 و قريش يعبدون الوثنين‏

فأبي شمس و امّي قمر             فأنا الكوكب و ابن القمرين‏

 

ثمّ وقف قبالة القوم و لم يزل يقتل كلّ من دنى منه حتّى قتل مقتلة عظيمة، قال بعضهم:

و اللّه ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته أربط جأشا منه، و إنّه كان يشدّ على الرجال فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، و لقد كان فيهم و قد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، و لم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.

فقال ابن سعد: الويل لكم أتدرون من تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتّال العرب، فاحملوا عليه من كلّ جانب. و كان الرّماة أربعة آلاف فرموه بالسّهام و حالوا بينه و بين رحله فكشفهم ثمّ أخذه العطش فأقحم فرسه الفرات فقال للفرس: أنا عطشان و أنت عطشان و اللّه لا ذقت الماء حتّى تشرب، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين رفع رأسه و لم يشرب كأنّه فهم الكلام فقال الحسين (عليه السّلام): اشرب فأنا أشرب فمدّ الحسين (عليه السّلام) يده فغرف من الماء فقال فارس: يا أبا عبد اللّه تتلذّذ بشرب الماء و قد هتكت خيمة حرمك، فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة.

ثمّ رماه رجل من القوم يقال له أبا الحتوف بسهم وقع في جبهته، فنزعه فسال الدم على وجهه و لحيته فقال: اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من هؤلاء العصاة، اللّهم لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا و لا تغفر لهم، أبدا ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب و السهام تأخذه من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره و هو يقول: يا امّة السوء أمّا انّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، و أيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون و لم يزل يقاتل حتّى أصابته اثنتان و سبعون جراحة ما بين طعنة و ضربة و قيل ألف و تسعمائة جراحة.

و قال الباقر (عليه السّلام): اصيب الحسين و وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح و ضربة بسيف أو رمية بسهم و كان درعه كالقنفذ .

و روي أنّها كانت كلّها في مقدمه فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فقال: بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه و رفع رأسه إلى السماء و قال: إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره، فأخرج السهم من قفاه و انبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح، فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين بدمه إلى السماء، ثمّ وضع يده ثانيا، فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال: هكذا ألقى جدّي بدمي.

ثمّ ضعف عن القتال، فكلّما جاءه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن اليسر لعنه اللّه، فضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فطرحه و اعتمّ على القلنسوة و كان البرنس من خز فأخذه رجاء الكندي و دخل بعد الواقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته: تدخل بيتي بسلب ابن رسول اللّه، اخرج عنّي حشى اللّه قبرك نارا و يبست يداه حتّى صارتا كالعودين.

ثمّ إنّ شمر حمل على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ثمّ قال: عليّ بالنار أحرقه على من فيه، فقال له الحسين (عليه السّلام): أحرقك اللّه بالنار، فقال الحسين (عليه السّلام) لأهله: ابعثوا إليّ ثوبا خلقا اجعله تحت ثيابي لئلّا أجرّد، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه، فلمّا قتل جرّدوه منه ثمّ استدعى بسراويل من حبره ففزرها و لبسها، فلمّا قتل سلبها بحر بن كعب و تركه مجرّدا، فكانت يدا بحر بعد ذلك يبسان في الصيف و ينضحان الماء في الشتاء إلى أن مات.

و لمّا أثخن بالجراح و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن و خرجت زينب من الفسطاط تنادي: وا أخاه وا سيّداه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل، و صاح شمر: ما تنتظرون بالرجل فحملوا عليه من كلّ جانب فضربه رجل ضربة بالسيف كبا منها لوجهه و طعنه سنان‏ في ترقوته و رما أيضا بسهم وقع في نحره فنزع (عليه السّلام) السهم من نحره و قرن كفّيه جميعا و كلّما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته يقول: هكذا ألقى اللّه مخضبا بدمي.

فقال ابن سعد لرجل: انزل إلى الحسين و أرحه، فبدر إليه خولي الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد و نزل إليه سنان النخعي فضربه بالسيف على حلقه الشريف و هو يقول: و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أبا و أمّا، ثمّ احتزّ رأسه المقدّس‏ .

و روي أنّ سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة، ثمّ قطع يديه و رجليه و أغلى له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب‏ .

و قيل: الذي قطع رأس الحسين هو الشمر لعنه اللّه، و قيل: بل جاء إليه شمر و سنان و الحسين (عليه السّلام) بآخر رمق يلوك لسانه من العطش و يطلب الماء فرفسه شمر برجله و قال: يابن أبي تراب ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه، فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده فاحتزّ رأسه‏ .

و روي أنّ فرس الحسين (عليه السّلام) يحامي عنه و يثب على الفارس فيحبطه عن سرجه و يدوسه حتّى قتل أربعين رجلا، ثمّ نزع في دم الحسين و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض و في حين قتله ارتفعت في السماء غبرة شديدة و سواد مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين و لا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم، فلبثوا ساعة ثمّ انجلت عنهم‏ .

و عن هلال بن نافع قال: إنّي لواقف مع أصحاب ابن سعد إذ صرخ صارخ: ابشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين، فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه و أنّه ليجود بنفسه فو اللّه ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فقال له رجل: لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية.

فقال: بل أرد على جدّي و أسكن معه في داره و أشرب من ماء غير آسن و أشكو إليه ما ارتكبتم منّي، فاحتزّوا رأسه و هو يكلّمهم فتعجّبت من قلّة رحمهم.

فقلت: و اللّه لا أجامعكم على أمر أبدا، ثمّ أقبلوا على سلب الحسين، فأخذ قميصه إسحاق الحضرمي فلبسه فصار أبرص، و أخذ سراويله بحر بن كعب ثمّ صار زمنا مقعدا، و أخذ عمامته خنس بن علقمة فاعتمّ بها فصار مجنونا مجذوما، و أخذ درعه مالك الكندي فصار معتوها، و أخذ نعليه الأسود بن خالد و أخذ خاتمه بجدل الكلبي فقطع اصبعه (عليه السّلام) مع الخاتم و هذا أخذه المختار فقطع يديه و رجليه و تشحّط بدمه حتّى مات و أخذ قطيفة له من خزّ قيس بن الأشعث، و أخذ درعه البتراء عمر بن سعد و أخذ سيفه جميع الأزدي و هذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار، و أنّ ذلك كان مذخورا مع أمثاله من ذخائر النبوّة و الإمامة. و تسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول حتّى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها .

و روى حميد بن مسلم قال: رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين فسطاطهنّ و هم يسلبونهنّ أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت: يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه لا حكم إلّا للّه يا ثارات رسول اللّه، فأخذها زوجها و ردّها إلى رحله ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة و أشعلوا فيها النار فخرجن مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلّة، و قلن: بحقّ اللّه الّا ما مررتم بنا على مصرع الحسين، و تنادى بصوت حزين: وا محمّداه هذا حسين مرمّل بالدّماء مقطّع الأعضاء و بناتك سبايا إلى اللّه المشتكى و إلى محمّد المصطفى و آل عليّ المرتضى، هذا حسين بالعراء يسفى عليه الصبا اليوم مات جدّي رسول اللّه يا حزناه يا كرباه يا أصحاب محمّد هؤلاء ذرّية المصطفى يساقون سوق السبايا و هذا حسين محزوز الرأس من القفا، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا هو غائب فيرجى و لا جريح فيداوى بأبي المهموم حتّى قضا، بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، فأبكت كلّ عدوّ و صديق ثمّ إنّ سكينة اعتنقت جسد الحسين (عليه السّلام) فاجتمع عدّة من الأعراب حتّى جرّوها عنه.

و نادى ابن سعد: من يوطء ظهر الحسين بالخيل؟ فانتدب منهم عشرة و هم إسحاق و أخنس بن مرثد و حكيم بن طفيل و عمرو بن صبيح و رجاء العبدي و سالم بن خيثمة و صالح الجعفي و واخط بن ناغم و هاني الحضرمي و أسيد بن مالك، فداسوا الحسين بحوافر خيلهم حتّى رضوا ظهره و صدره.

قال أبو عمرو الزاهد: فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا و هؤلاء أخذهم المختار فشدّ أيديهم و أرجلهم بسكك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا .

و روي أنّهم لمّا دخلوا خيمة النساء أخذوا ما كان فيها حتّى أفضوا إلى قرط كان في اذني امّ كلثوم اخت الحسين (عليه السّلام) فأخذوه و خرموا اذنها و قالت فاطمة الصغرى: كنت واقفة بباب الخيمة و أنا أنظر إلى أبي و أصحابه كالأضاحي على الرّمال، و أنا أفكّر فيما يكون إليه أمرنا بعد أبي، فإذا براكب يسوق النساء بكعب رمحه و قد أخذ ما عليهن من أخمرة و أسورة و هن يصحن: وا جدّاه وا أبتاه وا عليّاه وا قلّة ناصرتاه أما من مجير يجيرنا، فضربني بكعب الرمح فسقطت على وجهي فخرم أذني و أخذ قرطي و مقنعتي و ترك الدماء تسيل على خدّي و إذا بعمّتي تبكي و تقول: قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات و أخيك العليل، فقلت:

يا عمّتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظّارة؟

فقالت: و عمّتك مثلك فرأيت رأسها مكشوفا و ظهرها أسود من الضرب فما رجعت إلى الخيمة إلّا و هي قد نهبت و ما فيها و أخي عليّ بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش و الأسقام، فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا. و جاء عمر بن سعد فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهنّ ليسترن به فقال: من أخذ من متاعهم فليردّه فو اللّه ما ردّ أحد منهم شيئا، ثمّ إنّ ابن سعد سرح برأس الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم إلى ابن زياد ثمّ أمر برؤوس الباقين من أهل بيته و أصحابه فقطعت و سرح بها مع شمر إلى الكوفة و أقام يومه ذلك، فجمع قتلاه و صلّى عليهم و دفنهم و ترك الحسين و أصحابه على التراب.

فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد فصلّوا عليهم و دفنوهم و كانوا يجدون لأكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضاء، و كانت رؤوسهم ثمانية و سبعين رأسا و اقتسمتها القبائل ليقربوا بها إلى يزيد و ابن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا و صاحبهم قيس بن الأشعث، و جاءت هوازن باثنى عشر رأسا و صاحبهم شمر لعنه اللّه و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و جاءت بنو أسد بستّة عشر رأسا، و صاحبهم مدحج بسبعة رؤوس، و جاءت سائر الناس بثلاثة رؤوس‏ .

و عن محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) قال: قتل مع الحسين (عليه السّلام) سبعة عشر إنسانا كلّهم ارتكض في بطن فاطمة يعني بنت أسد أمّ عليّ (عليه السّلام)‏ .

و روى الشيخ في المصباح عن عبد اللّه بن سنان قال: دخلت على الصادق (عليه السّلام) يوم عاشوراء فلقيته حزينا باكيا فسألته فقال: هذا اليوم الذي أصيب فيه الحسين فقلت: ما تقول في صومه؟

فقال: صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت و لا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه و في الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم يعزّ على رسول اللّه مصرعهم، و لو كان في الدّنيا حيّا لكان هو المعزّى بهم.

ثمّ قال: لمّا خلق اللّه النور خلقه يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان و خلق الظلمة يوم الأربعاء يوم عاشوراء .

و عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال الحسين (عليه السّلام) لأصحابه قبل أن يقتل: إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) قال لي: يا بني إنّك ستساق إلى العراق و تستشهد بها و معك جماعة لا يجدون ألم مسّ الحديد و تلى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى‏ إِبْراهِيمَ‏، يكون الحرب بردا و سلاما عليك و عليهم، فابشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا ثمّ أمكث ما شاء اللّه فأكون أوّل من تنشقّ الأرض عنه فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين و قيام قائمنا و حياة رسول‏ اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و لينزلن محمّد و عليّ و جميع من منّ اللّه علينا على جمال من نور لم يركبها مخلوق و لينزلنّ إلى جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و جنود من الملائكة ثمّ ليدفعن محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) لواءه و سيفه إلى قائمنا ثمّ نمكث ما شاء اللّه ثمّ تخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن و عينا من ماء و عينا من لبن ثمّ يدفع أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلي سيف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و يبعثني إلى المشرق و المغرب، فلا أتى عدوّ للّه إلّا أهرقت دمه و لا صنما إلّا أحرقته حتّى أفتح الهند و إنّ دانيال و يوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين و يبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم و يبعث بعثا إلى الروم فيفتح اللّه لهم، ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرّم اللّه لحمها حتّى لا يكون على وجه الأرض إلّا الطيب و أخير اليهود و النصارى و أهل الملل بين الإسلام و السيف، و لا يبقى أحد من شيعتنا إلّا بعث اللّه إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب و يعرّفه أزواجه و منزلته في الجنّة و لا يبقى على وجه الأرض أعمى و لا مقعد و لا مبتلى إلّا كشف اللّه عنه بنا أهل البيت و لتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء، ثمّ إنّ اللّه ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شي‏ء في الأرض و ما كان فيها حتّى أنّ الرجل يريد أن يعلم علمه أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون‏ .

و في كتاب الأمالي عن فاطمة بنت الحسين (عليه السّلام) قالت: دخلت العامّة علينا و أنا جارية صغيرة و في رجلي خلخالان من ذهب، فجعل رجل يفضّ الخلخالين من رجلي و هو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا عدوّ اللّه؟

فقال: كيف لا أبكي و أنا أسلب بنت رسول اللّه، قلت: فلا تسلبني.

قال: أخاف أن يجي‏ء غيري فيسلبه، و انتهبوا ما في الأبنية حتّى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا.

و عن محمّد بن عليّ (عليهما السّلام) قال: لمّا همّ الحسين (عليه السّلام) بالخروج من المدينة اجتمعت نساء بني عبد المطّلب للنياحة فمنعهنّ الحسين (عليه السّلام) فقلن له: فلمن نستبقي النياحة و البكاء، فهو عندنا كيوم مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و علي و فاطمة، و قالت له بعض عمّاته: يا حسين سمعت الجنّ ناحت لنوحك شعر:

إنّ قتيل الطفّ من آل هاشم‏                أذلّ رقابا من قريش فذلّت‏

و روي عن عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) قال: خرجنا مع الحسين (عليه السّلام) فما نزل منزلا و لا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريا و قتله و قال يوما: و من هوان الدّنيا على اللّه عزّ و جلّ أنّ رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل‏ .

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.