1- هو قطع النطق عند آخر الكلمة، ويقابله الابتداء الذى هو عمل. فالوقف استراحة عن ذلك العمل. ويتفرّع عن قصد الاستراحة فى الوقف ثلاثة مقاصد: فيكون، لتمام الغرض من الكلام، ولتمام النظم في الشعر، ولتمام السجع في النثر.
وهو إما اختيارىّ (بالياء المثناة من تحت): أى قُصِد لذاته، أو اضطرارىّ عند قطع النَّفَس. أو اختبارىّ (بالموحدة)، أى قُصِد لاختبار شخص هل يحسن الوقف على نحو بِمَ و "ألا يا سجدوا" و {أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} أولا؟ والأول: إما استثباتى، وهو ما وقع فى الاستثبات، والسؤال المقصود به تعيين مبهم، نحو مَنُو، وأيُّونْ؟ لمن قال: جاءنى رجل أو قوم. وإما إنكارىّ لزيادة مدة الإنكار فيه، وهو الواقع فى سؤال مقصود به إنكار خبر، أو كون الأمر على خلاف ما ذُكِر. وحينئذ فإِن كانت الكلمة منونة كسر التنوين، وتعينت الياء مدة، نحو أزَيدُنِيه بضم الدال، وأزيدَنِيه بفتحها، وأزيدِنِيه بكسرها، وكسر النون فى الجميع، لمن قال: جاء زيدٌ، أو رأيتُ زيدًا، أو مررت بزيد. وإن لم تكن منونة أتى بالمدّ من جنس حركة آخر الكلمة، نحو أعُمَرُوه وأعَمرُوه وأعمرَاه، وأحَذَامِيه، لمن قال جاء عُمَرُ، ورأيتُ عُمَر، ومررت بحَذَامِ.
وإما تذكُّرِىّ، وهو المقصود به تذكر باقى اللفظ، فيؤتى فى آخر الكلمة بَمّدة مجانسة لحركة آخرها، كقالا، ويقولوُا، وفى الدَّارِى.
وإما ترنمىُّ كالوقف فى قول جرير:
أقّلى اللّوْمَ عاذِلَ والعتابَنْ
وإما غير ذلك وهو المقصود هنا.
2- والتغييرات الشائعة فى الوقف سبعة أنواع، نظمها بعضهم فقال:
نَقْل وَحَذْفٌ وَإسْكانٌ وَيَتْبَعُهَا التـ ـضعيف وَالرَّوْمُ وَالإشْمَامُ وَالْبَدَلُ
فيُبدّل تنوين الاسم بعد فتحه ألفا، كرأيتُ زيدًا، وفَتى، ونحو ويْهَا وَإيْهَا بكسر الهمزة، وكذلك تبدل نون التوكيد الخفيفة ألفًا، وَيُّرَدُّ ما حُذِفَ لأجلها فى الوقف كما
ص137
تقدّم، وشبَّهُوا "إذنْ" بالمنوَّن، فأبدلوا نونها ألفا فى الوقف مطلقًا، وبعضهم يقف عليها بالنون مطلقًا، لشبهها بأنْ ولنْ، وبعضهم يقف عليها بالألف إن ألْغِيت، وبالنون إن أعْمِلت.
ويُوقَف بعد غير الفتحة بحذف التنوين، وإسكان الآخر، كهذا زيدْ، ومررت بزيدْ، ومطلقا عند ربيعة. وأما الأزد فتقلبه واوًا بعد الضم، وياء بعد الكسر، فيقولون: جاء زيدُو، ومررت بزيدِى. وإن وقف على هاء الضمير حذفت صلته، أى مَدَّته، بعد غير الفتح، نحو به وله، إلا فى الضرورة كقول رُؤبة:
وَمَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أرْجَاوُهُ كأنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ
بخلاف نحو: بِهَا ومنْها، فتبقى الصلة، وقد تحذف على قلة، كقوله: "وبالكرامة ذات أكرمكم الله يَهْ".
أراد: بِها، فحذف الألف، وسكَّن الهاءَ، بعد نقل حركتها إلى ما قبلها.
وَإِذا وُقف على المنقوص ثبتت ياؤه إذا كان محذوف الفاء، كما إذا سَميت بمضارع نحو: وَفَى: تقول: هذا يَفى، أو كان محذوف العين، كما إذا سميت باسم الفاعل مِن: رأى، فإنك تقول هذا مُرِى؛ إذ لو حذفت اللام منهما لكان إِجحافًا، وكان إذا كان منصوبًا منوَّنا نحو: {رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً}، أو غير منوّن مقرونًا بأل، نحو {كَلاَّ إذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِىَ} فإن كان غير منصوب جاز الإثبات والحذف، ولكن يترجح فى المنوّن الحذف، نحو هذا قاض، ومررت بقاض، وقرأ ابن كثير: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دونِهِ مِن وَالِى} وفى غير المنوّن يترجَّح الإثبات، كهذا القاضِى، ومررت بالمنادِى، وقرأ الجمهور: {الكَبِيرُ المُتَعَالُ}.
ويوقف على هاء التأنيث بالسكون، نحو فاطمة، وعلى غيرها من المتحرك بالسكون فقط، أو مع الرَّوم، وهو إخفاء الصوت بالحركة، والإشارة إليها ولو فتحة، بصوت خفىّ، ومنعه الفَرَّاءُ فيها، أو الإشمام، وهو ضَمُّ الشَفَتين، والإشارة بهما إلى الحركة بدون صوت، ويختص بالمضموم، ولا يُدركه إلا البصير؛ أو التضعيف، نحو هذا خالدّ، وهو يضربّ، بتشديد الحرف الأخير، وهى لغة سَعْدية.
وشرط الوقف بالتضعيف ألاّ يكون الموقوف عليه همزة كرِشاء، ولا ياء كالراعى, ولا واواً كيغزو، ولا ألفًا كيخشى، ولا واقعًا إثر سكون كزيد وبكر، أو مع نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله، كقراءة بعضهم: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، بكسر الباء، وسكون
ص138
الراء، بشرط أن يكون ما قبل الآخر ساكنا غير متعذر، ولا مستثقل تحريكه، وألاّ تكون الحركة فتحة، وألا يؤدَّىَ النقل إلى عدم النظير. فخرج نحو جعفر، لتحرك ما قبله، ونحو إنسان ويشدّ، لأن الألف والمدغم لا يقبلان الحركة، ويقولٌ ويبيعُ، لاستثقال الضمة إثر كسرة أو ضمة، ونحو هذا عِلْم؛ لأنه لا يوجد فِعُل بكسر فضم فى العربية. والشرطان الأخيران مختصان بغير المهموز، فيجوز النقل فى نحو {يُخْرجُ الخَبَء} وإِن كانت الحركة فتحة، وفى نحو: هذه رِدُءْ، وإن أدى إلى عدم النظير؛ لأنهم يغتفرون فى الهمزة مالا يغتفرون في غيرها.
ويوقف على ياء التأنيث بدون تغيير إن كانت فى حرف: كَثُمَّتْ وَرُبَّتْ، أو فى فعل: كقامت، أو اسم وقبلها ساكان صحيح: كأخْتْ وبِنْتْ. وجاز إبقاؤها على حالها وقلبها هاء، إن كان قبلها حركة كَثَمَرَةْ وَشَجَرَةْ، أو ساكن معتلّ، كصلاةْ ومسلماتْ، ويترجح إبقاؤها فى الجمع وما سمى به منه، تحقيقًا أو تقديرًا، وفى اسمه كمسلمات وَأذْرِعاتْ وهيْهَآتْ، فإنها فى التقدير جمع هَيْهَيَةٍ كقَلْقَلَة، سمَّى بها الفعل، ونحو أولاتْ. ومن الوقف بالإبدال قولهم: كيف الإخوةُ والأخواهْ، وقولهم: "دَفْنُ البناهْ، من المكْرُماهْ" وقُرِئَ {هَيْهَاهْ} هَيْهَاهْ. ومن الوقف بتركه وقف بعضهم بالتاء فى قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتْ} وقولِه:
كانَت نُفوس القومِ عنْدَ الغَلْصَمَتْ وكادتِ الْحُرَّةُ أنْ تُدْعى أمَت
وَيُوقف بهاء السكت جَوازًا على الفعل المعلّ لاماً بحذف آخره، نحو لم يَغْزُهْ ولم تَرْمِهْ، ولم يَخْشَهْ. وتجب الهاء إن بقى على حرف واحد، نحو قِهْ، وعِهْ، وقال بعضهم: وكذا إذا بقى على حرفين أحدهما زائد، نحو لم يَقِهْ، ولم يعِهْ. ورُدَّ بلَمْ أكْ، ومَنْ تَقْ، بدون هاء عند إرادة الوقف. ويترجح الوقف بها على ما الاستفهامية المجرورة بالحرف، نحو لِمَهْ، وَعَمَّهْ. ويجب إن جرَّتْ باسم، نحو: مَجِئَ مَه. وعلى كلٍّ فيجب حذف ألفها فى الجر مطلقًا. وأما قولُ حسان رضى الله عنه:
عَلَى ما قامَ يَشْتُمُنِى لَئِيمٌ كخِنْزِيرٍ تمَرّغَ في تُرَابِ
بإثبات الألف، فضرورة.
وقال الشاطبىّ: حذف الألف ليس بلازم، فيما جرت باسم، فيجوز مَجِئ: بِمَا جِئْتَ؟ ولكن الأجود الحذف.
ص139
وكذا يُوقَفُ بها على كلّ كلمة مبنية على حركة بناء لازمًا، وليست فعلاً ماضياً، نحو هُوَ وهِىَ وياء المتكلم عند من فتحهن فى الوصل، وكيفَ، وثَمّ، ولحاقها لهذا النوع جائز مستحسن. فلا تلحَق اسم "لا" ولا المنادىِ المضموم، ولا ما قُطِع لفظه عن الإضافة، كقبلُ وبعدُ؛ ولا العددَ المركَّبَ كخمسةَ عشر، لشبه حركاتها بحركات الإعراب، لعُروضها عند المقتضى، وزوالها عند عدمه، فيقال فى الوقف على هُوَ: هُوَهْ، قال حسان:
إذَا مَا تَرَعْرَعَ فِينَا الْغُلامُ فَما إنْ يُقَالُ لَهُ مَنْ هُوَهْ
وفى هِىَ: هِيَهْ؛ ومنه قوله تعالى: {وَمَا أدْرَاكَ مَاهِيَهْ} وفى كيفَ وثُمَّ: كيفَه، وثمَّهْ. وفى غلامىَ وكتابىَ: غلاميَهْ، وكتابيَهْ. قال تعالى: {فَأمَّا مَنْ أوتىَ كِتَابهُ بِيَمِيِنِه فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}. والله أعلم.