1-أفْعَلَ
تأتى لعدَّة معان:
الأول: التَّعدية، وهى تصيير الفاعل بالهمزة مفعولاً، كأقمت زيداً، وأقعدته وأقرأته. الأصل: قام زيد وقعد وقرأ، فلما دخلت عليه الهمزة صار زيد مُقاما مُقْعَداً مُقْرَأ، فإذا كان الفعل لازمًا صار بها متعديًا لواحد، وإذا كان متعدياً لواحد صار بها متعدياً لاثنين، وإذا كان متعديًا لاثنين، صار بها متعديًا لثلاثة. ولم يُوجد فى اللغة ما هو متعدّ لاثنين، وصار بالهمزة متعديًا لثلاثة، إلاّ رَأى وَعَلِم، كرأى وعلم زيدٌ بكراً قائمًا، تقول: أرَيْتُ أو أعلمتُ زيدًا بكرًا قائمًا.
الثانى: صيرورة شئٍ ذا شئٍ: كألبنَ الرجلُ وأتمرَ وأفلسَ: صار ذا لبَن وتمْر وفُلُوس.
الثالث: الدخول فى شئ: مكانًا كان أو زمانًا، كأشأم وأعرقَ وأصبحَ وأمسى، أى دخل فى الشأم، والعراق، والصباح، والمساء.
الرابع: السَّلْب والإزالة: كأَقذيتُ عينَ فلان، وأعجمتُ الكتابَ: أى أزلتُ القَذَى عن عينه، وأزلتُ عجْمة الكتاب بنقطه.
الخامس: مصادفة الشئ على صفة: كأحمدت زيدًا: وأكرمته، وأبخلته: أي صادفته محمودًا، أو كريمًا أو بخيلاً.
السادس: بالاستحقاق، كأحصَدَ الزرع، وأزْوَجَتْ هند؛ أى استحق الزرع الحَصاد، وهند الزَّواج.
السابع: التعريض، كأرهنت المتاع وأبَعْتُهُ؛ أى عرّضته للرهن والبيع.
الثامن: أن يكون بمعنى استفعل، كأعظمته؛ أى استعظمته.
التاسع: أن يكون مطاوعًا لفعّل بالتشديد، نحو: فطَّرته فأفطر. وبشَّرْته فأبشر.
ص30
العاشر: التمكين، كأحفرته النهر؛ أى مكنته من حَفْره.
وربما جاء المهموز كاصله: كسَرَى وأسْرَى، أو أعنى عن أصله لعدم وروده، كأفلح: أى فاز. وندر مجئ الفعل متعديًا بلا همزة، ولازمًا بها، كنَسَلْتُ ريش الطائر، وأنسلَ الريشُ، وعرَضْتُ الشئ: أظهرته، وأعرض الشئُ: ظهر، وكَبَبْتُ زيدًا على وجهه، وأكبَّ زيد على وجهه، وقَشَعَتِ الريحُ السحاب، وأقشعَ السحابُ، قال الشاعر:
كما أَبْرَقَتْ قوْمًا عِطاشًا غَمامةٌ فلما رأوْها أَقْشَعَتْ وَتجَلَّتِ
2- فَاعَلَ
يكثر استعماله فى معنيين:
أحدهما: التشارُك بين اثنين فأكثر، وهو أن يفعل أحدهما بصاحبه فعلاً، فيقابله الآخر بمثله، وحينئذ فيُنْسَب للبادئ نسبة الفاعلية، وللمقابل نسبة المفعولية. فإذا كان أصل الفعل لازمًا صار بهذه الصيغة متعديًا، نحو ماشيته والأصل: مَشَيت ومشى.
وفى هذه الصيغة معنى المغالبة، ويُدَلُّ على غَلَبة أحدهما، بصيغة فَعَل من باب نَصَر، ما لم يكن واوىّ الفاء، أو يائى العين أو اللام، فإِنه يُدَلّ على الغلبة من باب ضَرَب كما تقدم، ومتى كان "فعَلَ" للدلالة على الغلبة كان متعديًا، وإن كان أصله لازمًا، وكان من باب نصر أو ضرب على ما تقدم من أىّ باب كان.
وثانيهما: المُوالاة، فيكون بمعنى أفعل المتعدّى، كـ"واليت" الصوم وتابعته، بمعنى أوليتُ، وأتبعتُ بعضَه بعضًا.
وربما كان بمعنى فعَّلَ المضعف للتكثير، كضاعفت الشئ وضعَّفته.
وبمعنى فعَلَ، كدافع ودَفع، وسافر وسفَر.
وربما كانت المفاعلة بتنزيل غير الفعل منزلته، كـ{يُخادعون الله}، جعلت معاملتهم لله بما انطوت عليه نفوسهم من إخفاء الكفر، وإظهار الإسلام، ومجازاته لهم، مخادعة.
3- فَعَّلَ
يكثر استعمالها فى ثمانيةٍ معانٍ، تُشارك أفْعَلَ فى اثنين منها، وهما التعدية، كقوَّمتُ زيدا وقعَّدته، والإزالة، كجَرَّبتُ البعيرَ وقشَّرْتُ الفاكهة، أى أزلت جَربه، وأزلت قشره.
ص31
وتنفرد بستة:
أولها: التكثير فى الفعل، كجَوَّل، وطَوَّف: أكثر الجَولان والطَّوَفان، أو فى المفعول، كـ{غلِّقَتِ الأبواب}، أو فى الفاعل، كمّوتَتِ الإِبلُ وبرَّكَتْ.
وثانيها: صيرورة شئ شبه شئٍ، كقوَّس زيدٌ، وحَجَّر الطين؛ أى صار شبه القوس فى الانحناء والحجر فى الجمود.
وثالثها: نسبة الشئ إلى أصل الفعل، كفسَّقْت زيدًا، أو كفَّرْته: نسبته إلى الفسق، أو الكفر.
ورابعها: التوجُّه إلى الشئ، كشرَّقْتُ، أو غرَّبت: توجهت إلى الشرق، أو الغرب.
وخامسها: اختصار حكاية الشئ، كهلُّل وسبَّح ولَبّى وأَمَّن: إذا قال لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولَبّيْك، وآمين.
وسادسها: قبول الشئ، كشفَّعت زيدًا: قبلت شفاعته.
وربما ورد بمعنى أصله، أو بمعنى تفعّل، كولىَّ وتوَلَّى وفكَّر وتفكَّر. وربما أغنى عن أصله لعدم وروده، كعَيَّره إذا عابه، وعجّزت المرأة: بلغت السن العالية.
4-انْفَعَلَ
يأتى لمعنى واحد، وهو المطاوعة، ولهذا لا يكون إلا لازمًا، ولا يكون إلا فى الأفعال العلاجية. ويأتى لمطاوعة الثلاثى كثيراً، كقطعته فانقطع، وكسرته فانكسر؛ ولمطاوعة غيره قليلا، كأطلقته فانطلق، وعدّلته - بالتضعيف - فانعدل، ولكونه مختصاً بالعِلاجيات، لا يقال: علَّمته فانعلم، ولا فهّمته فانفهم.
والمطاوعة: هى قبول تأثير الغير.
5- افتعل
اشتهر فى ستة معانٍ:
أحدها: الاتخاذ، كاختتم زيد، واختدم: اتخذ له خاتمًا، وخادمًا.
وثانيهما: الاجتهاد والطلب، كاكتسب، واكتتب، أى اجتهد وطلب الكسب والكتابة.
ص32
وثالثها: التشارك، كاختصم زيد وعمرو: اختلفا.
ورابعها: الإظهار، كاعتذر واعتظم، أى أظهر العُذر، والعَظَمة.
وخامسها: المبالغة فى معنى الفعل، كاقتدر وارتدّ، أى بالغ فى القدرة والرِّدة.
وسادسها: مطاوعة الثلاثىّ كثيرًا، كَعَدَلته فاعتدل، وَجَمعته فاجتمع.
وربما أتى مطاوعًا للمضعَّف ومهموز الثلاثى، كقرَّبته فاقترب، وأنصفته فانتصف. وقد يجئ بمعنى أصله، لعدم وروده، كارتجل الخطبة، واشتمل الثوب.
6-افْعَلَّ
يأتى غالبًا المعنى واحد، وهو قوة اللون أو العيب، ولا يكون إلا لازمًا، كاحمرَّ وابيضَّ واعورّ واعمشّ: قويت حمرته وبياضُه وعَوَرُه وعَمَشُه.
7- تَفَعّل
تأتى لخمسة معان:
أولها: مطاوعة فعَّل مضعف العين، كنبَّهته فتنبه، وكسَّرته فتكَسّر.
وثانيها: الاتخاذ، كتوسّد ثوبه: اتخذه وسادة.
وثالثها: التكلف، كتصبّر وتحلّم: تكلَّف الصبر والحلم.
ورابعها: التجنُّب، كتحرّج وتهجّد: تجنب الحَرَج والهُجود، أى النوم.
وخامسها: التدريج، كتجرّعت الماء، وتحفَّظت العلم؛ أى شربت الماء جرْعة بعد أخرى، وحفظت العلم مسألة بعد أخرى. وربما أغنت هذه الصيغة عن الثلاثىّ، لعدم وروده، كتكلّمَ وَتصدَّى.
8- تَفَاعَلَ
اشتهرت فى أربعة معان:
أولها: التشريك بين اثنين فأكثر، فيكون كل منهما فاعلاً فى اللفظ مفعولاً فى المعنى، بخلاف فاعَلَ المتقدم، ولذلك إذا كان فاعَلَ المتقدم متعديًا لاثنين، صار بهذه الصيغة متعديًا لواحد، كجاذب زيد عَمرًا ثوبًا، وتجاذب زيد وعمرو ثوبًا. وإذا كان متعديًا لواحد صار بها لازمًا، كخاصم زيد عمرا وتخاصم زيد وعمرو.
ص33
وثانيها: التظاهر بالفعل دون حقيقته، كتَنَاوَمَ وتغافل وتعامى؛ أى أظهر النوم والغفلة والعمى، وهى منتفية عنه، وقال الشاعر:
ليسَ الغَبِىُّ بسيِّدٍ فى قومِهِ لكنّ سيِّدَ قَوْمِهِ المتغابي
وقال الحريري:
ولما تَعامَى الدهرُ وهو أبو الوَرَى عن الرُّشْدِ فى أنحائِهِ ومقاصدِهِ
تعامَيْتُ حتى قِيلَ إنى أخو عَمَى ولا غَرْوَ أن يَحْذُو الفتَى حَذْوُ وَالِده
وثالثها: حصول الشئ تدريجًا، كتزايد النيلُ، وتواردت الإبل؛ أى حصلت الزيادة والورود بالتدريج شيئًا فشيئًا.
ورابعها: مطاوعة فاعَلَ، كباعدته فتباعد.
9-اسْتَفْعَلَ
كثر استعمالها فى ستة معان:
أحدها: الطلب حقيقة كاستغفرت الله: أى طلبت مغفرته، أو مجازًا كاستخرجت الذهب من المعدن، سُمِّيت الممارسة فى إخراجه، والاجتهاد فى الحصول عليه طلبًا، حيث لا يمكن الطلب الحقيقى.
وثانيها: الصَّيْروة حقيقة، كاستحجر الطين، واستحصن المُهْرُ: أى صار حَجَرا وَحِصانا، أو مجازًا كما فى المَثَل: "إن البُغاثَ بِأرْضِنا يَسْتَنْسِرُ".
أى يصير كالنِّسر فى القوة. والبُغَاث: طائر ضعيف الطيران، ومعناه: إن الضعيف بأرضنا يصير قويا، لاستعانته بنا.
وثالثها: اعتقاد صفة الشئ، كاستحسنتُ كذا واستصوبته، أى اعتقدت حسنه وصوابه.
ورابعها: اختصار حكاية الشئ كاسترجع، إذا قال: {إنا لله وإنا إليه راجعون}.
وخامسها: القوة، كاسْتُهتِرَ واستكبر: أى قوى هِتْرُه وكبره.
وسادسها: المصادفة، كاستكرمت زيدًا أو استبخلته: أى صادفته كريمًا أو بخيلاً.
وربما كان بمعنى أفعَلَ، كأجاب واستجاب، ولمطاوعته كأحكمته فاستحكم،
ص34
وأقمته فاستقام.
ثم إنّ باقى الصيغ تدل على قوة المعنى زيادةً عن أصله، فمثلاً اعشَوْشَب المكانُ يدل على زيادة عُشْبه أكثر من عَشب، واخشوشَنَ يدلّ على قوة الخشونة أكثر من خَشُن، واحمارّ يدل على قوة اللون، أكثر من حَمِر واحمرَّ، وهكذا.
ص35