أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2017
3048
التاريخ: 18-10-2015
4153
التاريخ: 2024-05-08
967
التاريخ: 2024-06-11
765
|
لابد هنا من فهم مقتضب لمعاني الفداء والتضحية والايثار، وادراك دلالاتها التأريخية والشرعية والفلسفية. وبدون ذلك، فاننا قد لا نستطيع تقييم حجم تلك الفضيلة التي رافقت علياً (عليه السلام) خلال مراحل حياته وحتى استشهاده.
1- الفداء: الدليل اللغوي
معنى الفِداء والفَدى. قال الجوهري: «الفِداء اذا كسر اول يمدّ ويقصر، واذا فتح فهو مقصور. يُقال: قُم فدىً لك ابي... وفَدَاهُ بنفسه، وفَدَّاه تَفديَةً اذا قال له: جُعلت فداءك». فيكون المراد بالفداء: التعظيم والاكبار، لان الانسان لا يفدي الا من يعظمه فيبذل نفسه له.
وقال الراغب الاصفهاني: «حفظ الانسان عن النائبة بما يبذله عنه... يقال فديته بمال وفديته بنفسي وفاديته بكذا» وهو اقامة شيء في دفع المكروه، وكان امير المؤمنين (عليه السلام) يعرف مقام النبي (صلى الله عليه واله) فكان يفديه بنفسه في المبيت. وبتعبير آخر، فان فدى علي (عليه السلام) نفسه لرسول الله (صلى الله عليه واله) كان بدافع التعظيم والاكبار الذي كان يكنّه له (صلى الله عليه واله) ولرسالته السماوية.
2- الاحتجاج على الفقهاء: استدلال مدرسة المأمون
استدل علماء السنة على فضل ابي بكر بن ابي قحافة بمصاحبته النبي (صلى الله عليه واله) في الهجرة ؛ نستفيد ذلك في الاحتجاج الذي جرى بين المأمون العباسي والفقهاء من بقية الذاهب في عصره. ولكن الخليفة العباسي يحاجج هنا احدفقهاء المذاهب بنوم علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه واله) ليلة الهجرة كدليل على افضلية الامام (عليه السلام) على من سواه.
قال اسحاق بن إبراهيم: وان لابي بكر فضلاً.
قال الخليفة العباسي: أجل. لولا ان له فضلاً لما قيل: ان علياً افضل منه، فما فضله الذي قصدت اليه الساعة؟
قلت: قول الله عزّ وجلّ: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] فَنَسَبتهُ الى صحبته.
قال: يا اسحاق، اما اني لا احملك على الوعر من طريقك، اني وجدت الله تعالى نسب الى صحبته من رضيه ورضي عنه كافراً وهو قوله: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } [الكهف: 37، 38].
قلت: ان ذلك صاحبٌ كان كافراً، وابو بكر مؤمن.
قال: فاذا جاز ان ينسب الى صحبة من رضيه كافراً جاز ان ينسب الى صحبة نبيه مؤمناً، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث.
قلت: يا امير المؤمنين ان قدر الآية عظيم ان الله يقول: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
قال: يا اسحاق تأبى الآن الا ان اخرجك الى الاستقصاء عليك، اخبرني عن حزن ابي بكر، أكان رضىً ام سخطاً؟
قلت: ان ابا بكر انما حزن من اجل رسول الله (صلى الله عليه واله) خوفاً عليه، وغمّاً ان يصل الى رسول الله شيء من المكروه.
قال: ليس هذا جوابي، انما كان جوابي ان تقول: رضى ام سخط؟
قلت: بل رضى لله.
قال: فكأن الله جل ذكره بعث الينا رسولاً ينهى عن رضى الله عزّ وجلّ وعن طاعته.
قلت: أعوذ بالله.
قال: او ليس قد زعمت ان حزن ابي بكر رضىً لله؟
قلت: بلى.
قال: او لم تجد أن القرآن يشهد ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال له: {... لَا تَحْزَنْ ..} [التوبة: 40] نهياً له عن الحزن.
قلت: أعوذ بالله.
قال: يا اسحاق، ان مذهبي الرفقُ بك لعلّ الله يردّك الى الحق ويعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به. وحدثني عن قول الله{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة: 40] من عنى بذلك: رسول الله ام ابا بكر؟
قلت: بل رسول الله.
قال: صدَقت. فحدثني عن قول الله عزّ وجلّ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25] إلى قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 26] اتعلم مَن المؤمنون الذين اراد الله في هذا الموضع؟
قلت: لا ادري يا أمير المؤمنين.
قال: الناس جميعاً انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه واله) الا سبعة نفر من بني هاشم: علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله)، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله، والخمسة محدقون به خوفاً من ان يناله من جراح القوم شيء، حتى اعطى الله لرسوله الظفر، فالمؤمنون في هذا الموضع علي (عليه السلام) خاصّة، ثم من حضره من بني هاشم. قال: فمن افضل: من كان مع رسول الله (صلى الله عليه واله) في ذلك الوقت، ام من انهزم عنه ولم يره الله موضعاً لينـزلها عليه؟
قلت: بل ما انزلت عليه السكينة؟
قال: يا اسحاق من افضل: من كان معه في الغار، ام من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتى تم لرسول الله (صلى الله عليه واله) ما اراد من الهجرة؟ ان الله تبارك وتعالى امر رسوله ان يأمر علياً بالنوم على فراشه وان يقي رسول الله (صلى الله عليه واله) بنفسه، فأمره رسول الله (صلى الله عليه واله) بذلك فبكى علي (رضي الله عنه) فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله): ما يبكيك يا علي، أجزعاً من الموت؟ قال: لا، والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ولكن خوفاً عليك. أفتسلم يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: سمعاً وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله. ثم أتى مضجعه واضطجع وتسجّى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفّوا به، لا يشكون انه رسول الله (صلى الله عليه واله). وقد اجمعوا ان يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطناً بدمه. وعليٌّ يسمع ما القوم فيه من تلَف نفسه ولم يدعه ذلك الى الجزع كما جزع صاحبه في الغار، ولم يزل عليٌّ صابراً محتسباً فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح، فلما اصبح قام، فنظر القوم اليه فقالوا: اين محمد؟ قال: وما علمي بمحمد اين هو؟ قالوا: فلا نراك الا كنت مغرّراً بنفسك منذ ليلتنا. فلم يزل على افضل ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله اليه».
الاستنتاج:
هذه الرواية التأريخية! ارادت اثبات اربعة امور، كانت مدار حديث الساعة في زمن المأمون، وهي:
1 _ ان الصحبة يمكن ان تُنسب للمؤمن ولغير المؤمن، فلا يمكن الاستدلال بها على الافضلية.
2 _ ان الذي صحب رسول الله (صلى الله عليه واله) في الغار قد انهزم في حُنين من المعركة.
3 _ ان حُزن ابي بكر لم يكن في محله، لان رسول الله (صلى الله عليه واله) نهاه عن ذلك.
4 _ ان موقف علي (عليه السلام) يوم حُنين دفاعاً عن رسول الله (صلى الله عليه واله) وحمايته له وللرسالة، حيث انهزم من انهزم، هو الذي يجعله (عليه السلام) افضل من بقية المسلمين. وكذلك موقفه (عليه السلام) ليلة الهجرة ومبيته في فراش رسول الله (صلى الله عليه واله)، هو الذي حدد افضليته.
ولكن الذي يضعّف هذا العرض من جانب المأمون، هو قضية بكاء علي (عليه السلام) ليلة الهجرة خوفاً على رسول الله (صلى الله عليه واله). وهو لا يختلف كثيراً عن حزن ابي بكر خوفاً عليه (صلى الله عليه واله) وغمّاً ان يصل اليه (صلى الله عليه واله) شيءٌ مكروه. فكلاهما يعبران عن عدم يقين بالله سبحانه. وقد لمسنا في البحوث السابقة ان علياً (عليه السلام) كان على اعلى درجات اليقين. فكيف نقبل ذلك التناقض؟
وبالاجمال، فان احتجاج المأمون على افضلية علي (عليه السلام) ومبيته في فراش رسول الله (صلى الله عليه واله) احتجاجٌ سليم وقوي، عدا ما اُقحم من قضية بُكاء علي (عليه السلام). فاننا، وبلحاظ المنهج العلمي، نرفضها قطعاً. لانها متناقضة مع الخط الفكري والايماني للامام (عليه السلام).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|