أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2014
1530
التاريخ: 13-02-2015
1586
التاريخ: 25-11-2014
2279
التاريخ: 5-10-2014
1960
|
إنّ العناصر التي تحقّق مفهوم الاُمّة وتكوّن واقعها الخارجيّ ـ في نظر الحقوقيّين ـ وتميّز جماعة عن اُخرى هي عبارة عن وحدة أفراد تلك الجماعة في إحدى هذه الاُمور أو جميعها :
1. الأرض .
2. الدم والعنصر ( أو الجنس والأصل).
3. اللغة.
4. التاريخ.
5. المصلحة المشتركة (1).
فهذه العناصر كلّها أو بعضها إذا توفّرت لدى جماعة ، كانوا بذلك ( اُمّة ) خاصّة تختلف عن الاُمم الاُخرى ، وقد بنى دعاة القوميّة أساس دعوتهم على هذه الوحدات ، وميّزوا بها شعوبهم عن غيرها.
ولكنّ هذه العناصر ، التي اعتبرها بعض الحقوقيّين ملاكات لتحقيق مفهوم الاُمّة ووجودها ، وإن كان لها بعض التأثير في تمييز جماعة بشريّة عن اُخرى إلاّ أنّها لا يمكن أن تكون صانعة لمفهوم الاُمّة ، وواقعها الخارجيّ. لأنّها عناصر خارجة عن إرادة الإنسان وحدود اختياره. ومن المعلوم أنّ الاجتماع الحاصل عن ملاكات خارجة عن إطار الاختيار والإرادة لا تشكّل اجتماعاً حقيقيّاً يستحقّ صفة الاُمّة.
إنّ هذه العناصر وإن كانت تجمع جماعة من الناس ، فإنّ هناك اُموراً اختياريّة تفرّقهم ، وتبدّل هذا الاجتماع إلى الفرقة فلا تتحقّق ـ عندئذ ـ الاُمّة التي تعني وحدة الجماعة على اُسس جامعة لا تقبل تفكّكاً ولا تنالها أيدي التمزيق.
إنّ ( الاُمّة ) هي الجماعة التي يلتقي أفرادها على رابطة جامعة حقيقيّة وهي لا تكوّن إلاّ ما يشترك فيه الأفراد اشتراكاً اختيارياً اراديّاً ، ويكون قادراً على جمعهم حول محور واحد ، ودفعهم في مسير واحد بحيث يحسّ البعض بإحساس الآخر ويتألم لتألمّه ، ويطلب للغير ما يطلبه لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه وهذا لا يحصل بالاتّحاد في المولد أو الاشتراك في الدم أو اللغة أو التاريخ وهم لا يشتركون في تلك الرابطة الجامعة الحقيقيّة.
وبتعبير آخر : انّ المجتمع الذي ينطوي على تباين في الاُسس الفكريّة ، واختلاف في الاتجاهات المسلكيّة ، وتنوّع في الآمال والمطاليب كيف يمكن أن يجتمع أفراده في وحدة متماسكة ، وتكون مجموعة بشريّة خاصّة تستحقّ إطلاق صفة الاُمّة عليها ؟
لا شكّ أنّ مثل هذه الاُمّة المختلفة في آرائها ، وأهوائها تؤول ـ لا محالة ـ إلى التفرّق ، وينتهي آخر أمرها إلى التفكّك إذ لا جامع حقيقيّ يجمعهم ، ولا رابط واقعي يربط بينهم.
إنّ مجرد الاتحاد والوحدة في الاُمور الخارجة عن الاختيار والإرادة كالملاكات التي ذكرها بعض الحقوقيّين لتكوّن مفهوم الاُمّة مع وجود الاختلاف والتباين في الآراء والأهواء ، وفي النظريّات والعقائد التي يقدسها الأفراد ويعتبرونها أعزّ الأشياء ويضحّون في سبيلها بالغالي والرخيص ، لا يجدي نفعاً في تشكيل الاُمّة الواحدة ، وتكوين الجماعة المتميّزة عن غيرها إلى درجة تستحقّ إطلاق الاُمّة عليها.
لنفترض مواطنين ولدا على أرض واحدة أو يعيشان عليها ، وينتميان إلى عرق واحد ، ويشتركان في اللغة والتاريخ ، ولكنّهما يختلفان في العقيدة والمسلك فيعتقد أحدهما بأصالة الفرد ، ويرى إعطاءه الحريّة المطلقة في كلّ المجالات ، بحجّة أنّ ما هو الموجود والمؤثّر حقيقة هو الفرد وليس للمجتمع حقيقة وراء الأفراد ... فلا بدّ أن تضمن مصالح الفرد فقط ويجوز للفرد بسبب ذلك أن يفعل ما يريد لتحقيق غاياته الماديّة فيشعل نيران الحروب لكي يبيع على المتحاربين أسلحته ومعداته ، وقع ما وقع من المآسي والويلات !!.
بينما يعتقد المواطن الآخر نقيض هذا الرأي فيرى بحكم اعتقاده بأصالة المجتمع إعطاء الأولويّة للمجتمع ومصالحه ومسائله باعتبار أنّ بقاء الفرد ببقاء المجتمع فلا بدّ أن يخضع الفرد للمجتمع خضوعاً كاملاً ويضحّي بكلّ مصالحه في سبيل مصالح المجتمع ، فلا يأخذ من نتاج يده إلاّ ما يسدّ رمقه ... لينتعش المجتمع ، وتأمن مصالحه.
لنفترض هذين المواطنين المختلفين في الرأي والمسلك ، هل يمكن أن توحّدهم رابطة الدم أو التاريخ أو اللغة أو الميلاد على أرض واحدة ؟
وهل يكمن أن يتكوّن منهما ـ والحال هذه ـ اُمّة ذات طابع خاصّ ، ووحدة متميّزة ، وضمير واحد وإحساس واحد وعلاقة واحدة.
إنّ العناصر التي ذكرها الحقوقيّون وإن كان لها تأثير ما في تجميع الأفراد على صعيد واحد ، إلاّ أنّها ما لم تنضم إليها العوامل الإراديّة الاختياريّة لا يؤول توفّرها في جماعة إلى تكوّن الاُمّة بحقيقتها وجوهرها. فإنّ هذه العناصر ما لم تنضمّ إلى عامل الوحدة العقائديّة الاختياريّ ، الذي بإمكانه أن يهدم فقدانه أيّة وحدة ناشئة من الدم أو اللغة أو التاريخ أو الأرض ، لا تحقّق ( الاُمّة ) ولو تحقّقت لا تتجاوز حقيقتها عن اجتماع الأبدان مع التفرّق في الأهواء.
من هنا لا يكون ما جاء في البند الأوّل من وثيقة حقوق الإنسان من أنّ ( ابناء الإنسان إخوة من دون أي تمييز حتّى في الدين ) وجيهاً فكيف يكون رجلان إخوة وبينهما غاية التباعد والتباين في المسلك والفكر ، أم كيف يمكن أن تحصل الاُخوّة والحال هذه ؟
إنّ وحدة الأفراد وتحقيق مفهوم الاُمّة الواحدة رهن بأن يكون الأفراد مختارين في انتخاب ( شركاء ) حياتهم ، ومن يتّحدون معه وهو أمر لا يحصل إلاّ إذا كان بين الشريكين وحدة الفكر ، فماذا تجدي وحدة الأرض أو اللغة وفي مقدور ( الاختلاف الفكري ) أن ينسف تلك الوحدة الناشئة من الأرض أو اللغة في أي لحظة من اللحظات ؟ ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم يقيّم الاخّوة على أساس الإيمان فيصف المؤمنين بالإخوة قائلاً : { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ( الحجرات : 10).
فاتّحاد الفكر والإيمان وحده هو القادر على جمع الأفراد ، لا وحدة الأرض مع اختلاف الرأي ، ولا وحدة اللغة مع اختلاف العقيدة ولا وحدة الدم مع اختلاف الاتّجاه.
فقد نقل أنّه كان أوّل من طرح فكرة بناء الاُمّة على العناصر والروابط المذكورة الخارجة عن نطاق الاختيار هو « جوبينو » حيث طرح وحدة العنصر أساساً للقوميّة الواحدة وجعل الاتحاد في العنصر مقوّماً من مقوّمات الاُمّة الواحدة ذات الصفة الخاصّة ، ولقد صارت هذه النظريّة أساساً للسياسات الخشنة التي تبنّاها موسوليني وهتلر ، وكانت أبرز عامل لوقوع الحرب العالميّة الاُوّلى التي جرّت على البشريّة أسوء الويلات.
_____________________
(1) راجع الاُمّة والعوامل المكوّنة لها لمحمّد المبارك.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|