أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2019
2080
التاريخ: 17-1-2020
8693
التاريخ: 13-11-2019
2148
التاريخ: 1-12-2016
1609
|
« الخوارج المارقين »
الملل والنحل : كذلك الخلاف بينه وبين الشُراة المارقين بالنهروان عقدا وقولا ، ونصب القتال معه فعلا ، ظاهر معروف ، وبالجملة كان عليّ مع الحق والحق معه (1) .
الشريعة : قال محمد بن الحسين : لم يختلف العلماء قديما وحديثا ان الخوارج قوم سوء عُصاة لله عزوجل ولرسوله « صلى الله عليه وآله » وان صلّوا وصاموا واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، وان أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم ، لأنهم قوم يتأوّلون القرآن على ما يهوون ويُموّهون على المسلمين ، وقد حذّرنا الله عزوجل منهم وحذّرنا النبيّ « صلى الله عليه وآله » وحذّرناهم الخلفاء الراشدون بعده وحذّرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم . والخوارج هم الشُراة الانجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج (2) .
تاريخ الطبري: ثم قال لهم من زعيمكم ؟ قالوا : ابن الكّوّاء . قال عليّ : فما أخرجكم علينا ؟ قالوا : حكومتكم يوم صفّين . قال : أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم الى كتاب الله ، قلت لكم : إني أعلم بالقوم منكم ، أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني صحبتهم وعرفتهم اطفالا ورجالا ، فكانوا شرّ اطفال وشرّ رجال ، امضوا على حقكم وصدقكم ، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودَهنا ومكيدة ، فرددتم عليّ رأيي وقلتم لإبل نقبل منهم . فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ومعصيتكم ايّاي ، فلما أبيتم إلا الكتابَ اشترطت على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن وأن يُميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بما في القرآن ، وان أبيا فنحن من حكمهما براء . قالوا له : فخبّرنا أتُراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال : إنا لسنا حكّمنا الرجال إنما حكّمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق ، إنما يتكلّم به الرجال . قالوا فخبّرنا عن الأجل لِمَ جعلته فيما بينك وبينهم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويتثبّت العالم ، ولعل الله عزوجل يُصلح في هذه الهُدنة هذه الأمة ، ادخلوا مصركم رحمكم الله فدخلوا من عند آخرهم (3) .
ويروى ايضا : ان عليا (عليه السلام) قال لأهل النهر : يا هؤلاء انّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها ، وسألتموها وأنا لها كاره ، وأنبأتكم ان القوم سألوكموها مكيدة ودهنا ، فأبيتم عليّ اباء المخالفين وعدلتم عنّي عدول النكداء العاصين ، حتى صرفت رأيي الى رأيكم ، وأنتم والله معاشر أخفّاء الهام سفهاء الأحلام فلم آتِ لكم لا أبالكم حراما ، والله ما خبلتكم عن اموركم ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ولا أوطأتكم عُشوة ولا دنيت لكم الضرّاء ، وان كان امرنا لأمر المسلمين ظاهرا ، فاجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما ان يحكما بما في القرآن ولا يعدواه ، فتاها وتركا الحق وهما يُبصرانه ، وكان الجور هواهما ، وقد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل ، والصدّ للحق بسوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ وأتيا بما لا يعرف ، فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا والخروج من جماعتنا ، ان اختار الناس رجلين أن تضعوا اسيافكم على عواتقكم ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماءهم انّ هذا لهو الخسران المبين ، والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها ، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام (4) .
أقول : الناكد : الشديد وقليل الخير . الأخفّاء : جمع خفيف . الهام : جمع هامة وهي الرأس . خبله : أفسده . أوطأه الأرض : جعله يطأه ووافقه . والعُشوة : الالتباس والحيرة . والاسيثاق : اخذ الوثيقة .
روايات في الخوارج :
وقد أشار رسول الله « صلى الله عليه وآله » في كلماته الى هذه الطائفة ، وانهم قوم متعبّدون متزهّدون ، لم يدخل نور المعرفة وروح الحقيقة في قلوبهم ، ولم يعرفوا من الاسلام إلا ظواهر منه ، وهم يحسبون انهم مهتدون ، الا أنهم هم الجاهلون المستكبرون .
مسند أحمد : عن أبي كثير مولى الأنصار قال : كنت مع سيّدي عليّ بن أبي طالب « عليه السلام » حيث قُتل اهل النهروان ، فكان الناس في أنفسهم من قتلهم . فقال عليّ «عليه السلام»: يا ايها الناس ان رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد حّدثنا بأقوام يَمرقون من الدين كما يَمرق السهم من الرميّة ثم لا يرجعون فيه ابدا حتى يرجع السهم على فوقه ، وان آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مُخدج اليد أحد ثدييه كثدي المرأة ... الخ (5) .
مسند أحمد : عن أبي سعيد الخدري قال : أن ابا بكر جاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله اني مررت بوادي كذا وكذا ، فاذا رجل متخشّع حسن الهيئة يصلي ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): اذهب اليه فاقتله ، قال ، فذهب اليه ابوبكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله فرجع الى رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعمر اذهب فأقلته ، فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه ابوبكر ، قال ، فكره أن يقتله ، قال فرجع فقال : يا رسول الله اني رأيته يصلي متخشّعا فكرهت أن أقتله . قال يا عليّ : اذهب فاقتله ، قال فذهب عليّ فلم يره ، فرجع فقال : يا رسول الله انه لم يره ، قال ، النبي (صلى الله عليه وآله): ان هذا واصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يَمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فُوقه ، فاقتلوهم هم شر البرية (6) .
البخاري : باسناده قال ابو سعيد الخدري : بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقسم قسما اذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله اعدل ! فقال : ويلك ومن يعدل اذا لم أعدل ، قد خبتُ وخسرتُ ان لم أكن أعدل ، فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال : دعه فإن له اصحابا يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمّية ، ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر الى رصافه فلا يوجد فيه شيء ... آيتهم رجل اسود احدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر در ويخرجون على حين فرقة من الناس . قال أبوسعيد : فاشهد اني سمعت هذا الحديث من رسو لالله (صلى الله عليه وآله) واشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأُتي به حتى نظرت اليه على نعت النبي (صلى الله عليه وآله)الذي نعته (7) .
وفي مسند أحمد : ما يقرب منها (8) .
ويروى البخاري أيضا : باسناده يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمّية ينظر في السهم فلا يرى شيئا (9) .
ويروى باسناده : عن عبدالله بن عمر ، ذكر الحروريّة فقال : قال النبي (صلى الله عليه وآله): يمرقون من الاسلام مروق السهم من الرمّية (10) .
ويروى أيضا : جاء عبدالله بن ذي الخويصره التميميّ فقال : اعدل يا رسول الله ! فقال : ويلك من يعدل اذا لم أعدل ... الرواية .
ويروى أيضا : باسناده : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول في الخوارج شيئا ؟ قال : سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق ، يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام مروق السهم من الرّمية .
ويروى مسلم : روايات بهذه المضامين ، وفيها أنه سيخرج من ضضيء هذا قوم يتلون كتاب الله ليّنا رطبا ، لئن ادركتُهم لأقتلنّهم قتل ثمود (11) .
ويروى : باسناده انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : تمرق ما رقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق (12) .
ويروى أيضا باسناده : سيماهم التحالق ، قال : هم شرّ الخلق ، يقتلهم أدنى الطائفتين الى الحقّ .
ويروى أيضا باسناده : قال عليّ عليه السلام : أيها الناس إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يخرج قومن من أمّتي يقرؤون القرآن ليس قرائتم الى قرائتهم بشيء ولا صلاتكم الى صلاتهم بشيء ولا صيامكم الى صيامهم بشيء ، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يَمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمّية ، لو يعلم الجيش الذين يُصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم (صلى الله عليه وآله) لاتكلوا عن العمل ، وآيةُ ذلك ان فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض ، فتذهبون الى معاوية واهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم واموالكم ، والله اني لأرجو ان يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله ! قال سلمة بن كهيل : فنزّلني زيد بن وهب الراسبي منزلا حتى قال : مررنا على قنطرة فلما التقينا ، وعلى الخوارج يومئذ عبدالله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلّوا سيوفكم من جفونها فإني أخاف ان يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء ، فرجعوا فوحّشوا برماحهم وسلّوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم ، قال : وقُتل بعضهم على بعض وما أُصيب من الناس إلا رجلان ، فقال عليّ عليه السلام : التمسوا فيهم المُخدّج (13) فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسا قد قُتل بعضهم على بعض ، قال أخّروهم فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبّر ثم قال : صدق الله وبلّغ رسوله ، قال : فقام اليه عبيدة السلماني فقال : يا امير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال : اي والله الذي لا إلا هو . حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له (14) .
وفي مسند أحمد : ما يقرب منها (15) .
ويروى مسلم أيضا : باسناد أنّ الحروريّة لما خرجت وهو مع عليّ بن أبي طالب « عليه السلام » قالوا لا حكم إلا لله ، قال عليّ كلمة حق أريد بها باطل ، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصف ناسا اني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ( واشار الى حلقه ) من أبغض خلق الله اليه ، منهم اسود احدى يديه طُبى شاة أو حَلَمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب « عليه السلام » قال انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كُذبت مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول عليّ فيهم (16) .
ابن ماجة : باسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : الخوارج كلاب النار (17) .
ويروى : روايات اخر بمضامين ما روى في البخاري ومسلم .
السيرة النبوية : جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ... قريبا من البخاري ج 2 ص 172 (18) .
سنن النسائي : فاقبل رجل غائر العينين ناتئ الوجنتين كثُّ اللحية محلوق الرأس فقال : يا محمد اتق الله . قال : من يطع الله اذا عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ، فسأل رجل من القول قتله فمنعه ، فلما ولّى قال : ان من ضضيء هذا قوما يخرجون يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد (19) .
ثم يروى روايات أخر قريبة من المضامين السابقة .
مقالات الاسلاميين : فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف ، وبما أشار به عليه عمرو بن العاص ففعلوا ذلك ، فاضطرب اهل العراق على عليّ « عليه السلام » وابوا عليه إلا التحكيم ، وأن يبعث عليّ حكما ويبعث معاوية حكما ، فأجابهم عليّ الى ذلك بعد امتناع اهل العراق عليه غلا يجيبهم إليه ، فلما أجاب عليّ الى ذلك ، وبعث معاوية وأهل الشام عمرو بن العاص حكما وبعث عليّ واهل العراق أبا موسى حكما ، وأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق : اختلف اصحاب عليّ عليه وقالوا : قال الله تعالى فقاتِلوا التي تبغي حتى تَفيء الى امر الله ، ولم يقل وحاكموهم وهم البُغاة ، فإن عدتَ الى قتالهم واقررت على نفسك بالكفر اذ أجبتَهم الى التحكيم ، وإلا نابذناك وقاتلناك ، فقال عليّ « عليه السلام » : قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا اجابتهم الى ما سألوا فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق ، وليس يسوغ لنا الغدر . فأبوا إلا خلعه واكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه ، فسُمّوا خوارج (20) .
سنن أبي داود : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تمرق ما رقة عند فرقة من المسلمين يقتلها ولّى الطائفتين بالحق (21) .
ويروى : عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يُحسنون القيل ويُسيئون الفعل ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة ، لا يرجعون حتى يرتدّ على فوقه ، هم شرّ الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم (22) .
ويروى أيضا : مثل ما في مسلم ص 115 .
الإحتجاج معهم :
خصائص النسائي : يروى روايات كما في البخاري ومسلم (23) .
ويروى أيضا : عن ابن عباس قال : لما خرجت الحروريّة اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعليّ عليه السلام : يا امير المؤمنين ابرد بالظهر لعلّي آتي هؤلاء القوم فاكلّمهم قال : إني أخاف عليك ، قلت : كلا ، قال : فقمت وخرجت ودخلت عليهم في نصف النهار وهم قائلون ، فسلمت عليهم فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس فما جاء بك ؟ قلت لهم : أتيتكم من عند أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وصهره ، عليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد ، لأبلّغكم ما يقولون وتُخبرون بما تقولون ! قلت : أخبروني ماذا نقمتم على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن عمّه ؟ قالوا : ثلاث . قلت : ماهنّ ؟ قالوا : اما احداهنّ فإنه حكّم الرجال في أمر الله وقال الله تعالى أن الحكم إلا لله ، ما شأن الرجال والحكم ، فقلت : هذه واحدة ، قالوا : وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسلب ولم يغنم فإن كانوا كفارا سلبهم وان كانوا مؤمنين ما أحلّ قتالهم ، قلت : هذه اثنان فما الثالثة ؟ قالوا إنه محى نفسه عن امير المؤمنين فهو أمير الكافرين .
قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت : أرأيتم ان قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنّة نبيه (صلى الله عليه وآله) ما يردّ قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم . قلت: أما قولكم حكّم الرجال في أمر الله : فأنا آقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صيّر الله حكمه الى الرجال في ثمن ربع درهم فأمر الله الرجال أن يحكموا فيه قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 95] ، فنشدتكم بالله تعالى أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد افضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم وأنتم تعلمون ان الله لو شاء لحكم ولم يُصيّر ذلك الى الرجال ، قالوا : بل هذا أفضل ، وفي المرأة وزوجها : قال الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرً} [النساء: 35] ، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة ؟ أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم . قلت وأما قولكم قاتلَ ولم يسلب ولم يَغنم : أفتسلبون أمكم عائشة وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ؟ فإن قلتم إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم ، ولإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم ، لانّ الله تعالى يقول : {لنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6] ، فأنتم تدورون بين ضلالتين فأتوا منها بمَخرج ! قلت : فخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم . وأما قولكم محى اسمه من امير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون ، وأراكم قد سمعتم ان النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الحُديبية صالح المشركين فقال لعليّ أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك ، فاكتب يا محمد بن عبدالله . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): امحُ يا علي رسول الله ، اللهم انك تعلم أني رسولك امحُ يا علي واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله ، فوالله رسول الله خير من عليّ وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك يَمحاه من النبوّة أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم . فرجع منهم الفان، وخرج سائرهم فقُتلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار (24) .
المستدرك : قال : لما خرجت الحروريّة ... فخرجتُ اليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، قال ابو زميل : كان ابن عباس جميلا جهيزا ، قال ابن عباس : فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون ، فسلّمت عليهم ، فقالوا مرحبا بك يا ابن عباس فما هذه الحلة ؟ قال : قلت ما تعيبون عليّ لقد رأيت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحسن ما يكون من الحلل ، ونزلت قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق ، قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) من المهاجرين والأنصار لأبلّغكم ... قالوا : وأما الأخرى فإنه قاتل ولم يسلب ولم يغنم ، ... كما في الخصائص باختلاف يسير (25) .
ويروى : عن عبدالله بن شدّاد قال : قدمت على عائشة ... قالت : فحدّثني عن قصّتهم ؟ قلت : ان عليا لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين ، خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس ، فنزلوا أرضا من جانب الكوفة يقال لها حروراء ، وأنهم أنكروا عليه ... فلما أن بلغ عليّاً ما عتوا عليه وفارقوه ، أُمر فأذّن مؤذّن لا يدخلنّ على امير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن ، فلما ان امتلأ الدار من القرّاء دعا بمصحفٍ عظيم فوضعه عليّ بين يديه فطفق يصكّه بيده ويقول أيها المصحف حدِّث الناس فناداه الناس فقالوا : يا امير المؤمنين ما تسأله عنه انما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بما رأينا منه فماذا تريد ظ قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله ، يقول الله عزوجل في امرأة ورجل ... ( كما في الخصائص ) يقول الله في كتابه لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة ، فبعثه اليهم عليّ بن أبي طالب ، فخرجت معهم حتى اذا توسّطنا عسكرهم قام ابن الكّوّاء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن انّ هذا عبدالله بن عباس ... فواضعوه على كتاب الله ثلاثة ايام فرجع منهم اربعة آلاف كلهم تائب بينهم ابن الكّوّاء حتى أدخلهم على عليّ ، فبعث عليّ الى بقيّتهم ، فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم حتى يجتمع امة محمد (صلى الله عليه وآله)... فقالت له عائشة : يا ابن شدّاد فقد قتلهم ؟ فقال : والله ما بعث اليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء بغير حق الله وقتلوا ابن خباب واستحلّوا اهل الذمة فقالت : الله ؟ قلت : الله الذي لا إله إلا هو . قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدّثون به يقولون ذو الثدي ذو الثدي ؟ فقلت : قد رأيته ووقفت عليه مع عليّ في القتلى ، فدعا الناس فقال : هل تعرفون هذا ... قالت : فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم اهل العراق ؟ قلت سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : وهل سمعته أنت منه قال غير ذلك ؟ قلت : اللهم لا ، قالت : أجل صدق الله ورسوله (26) .
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
مسند أحمد : نظيرها (27) .
عقد الفريد : ان عليا لما اختلف عليه اهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس ، ونزلوا قرية يقال لها حروراء ، وذلك بعد وقعة الجمل ، فرجع اليهم عليّ بن أبي طالب فقال لهم : يا هؤلاء من زعيمكم ؟ قالوا : ابن الكوّاء . قال : فليبرز اليّ ! فخرج اليه ابن الكوّاء ، فقال له عليّ : يا ابن الكوّاء ما أخرجكم علينا بعد رضاكم بالحكمين ومُقامكم بالكوفة ؟ قال : قاتلت بنا عدوا لانشكّ في علينا بعد رضاكم بالحكمين ومُقامكم بالكوفة ؟ قال : قاتلت بنا عدوا لانشك في جهاده فزعمت ان قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ، فبينما نحن كذلك اذ أرسلتَ منافقا وحكّمت كافرا ، وكان مما شكّك في أمر الله أن قلت للقوم حين دعوتهم : كتابُ الله بيني وبينكم فإن قضى عليّ بايعتكم وان قضى عليكم بايعتموني ، فلولا شكّك لم تفعل هذا والحق في يدك . فقال عليّ : يا ابن الكوّاء انما الجواب بعد الفراغ أفرغت فأجيبك ؟ قال : نعم . قال عليّ : أما قتالك معي عدوّا لا نشك في جهاده ، فصدقتَ ولو شككتُ فيهم لم أقاتلهم . وأما قتلانا وقتلاهم : فقد قال الله في ذلك ما يُستغنى به عن قولي . وأما ارسالي المنافق وتحكيمي الكافر : فأنت ارسلت ابا موسى مبرنسا ، ومعاوية حكّم عمرا ، أتيت بأبي موسى مبرنسا فقلت لا نرضى إلا أبا موسى فهلا قام إليّ رجل منكم ، فقال : يا عليّ لاُ نعطي هذه الدّنية فإنها ضلالة ! وأما قولي لمعاوية : ان جرّني اليك كتاب الله تبعتك وان جرّك اليّ تبعتني : زعمت اني لم أُعط ذلك إلا من شك ، فقد علمتُ ان اوثق ما في يدك هذا الأمر فحدّثني ويحك عن اليهودي والنصراني ومشركي العرب أهم اقرب الى كتاب الله أم معاوية وأهل الشام ؟ قال : بل معاوية وأهل الشام اقرب . قال عليّ : أفرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أوثق بما في يديه من كتاب الله أو أنا ؟ قال : بل رسول الله . قال : افرأيت الله تبارك وتعالى حين يقول : قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين . أما كان رسول الله يعلم أنه لا يؤتى بكتاب هو أهدى مما في يديه ؟ قال : بلى . قال : فلِمَ أعطى رسول الله القوم ما أعطاهم ؟ قال : انصافا وحجة . قال : فإني أعطيت القوم ما أعطاهم رسول الله . قال ابن الكوّاء : فإني أخطأت ، هذه واحدة ، زدني ! قال عليّ : فما أعظم ما نقمتم عليّ ؟ قال : تحكيم الحكمين ، نظرنا في أمرنا فوجدنا تحكيمهما شكا وتبذيرا . قال عليّ : فمتى سُمّي أبو موسى حكما ؟ حين أرسل أو حين حكم ؟ قال : حين أرسل . قال : أليس قد سار وهو مسلم وأنت ترجو أن يحكم بما أنزل الله ؟ قال : نعم . قال عليّ : فلا أرى الضلال في ارساله . فقال ابن الكوّاء : سمي حكما حين حكّم . قال : نعم ، اذا فأرساله كان عدلا . أرأيت يا ابن الكواء لو أن رسول الله بعثت مؤمنا الى قوم مشركين يدعوهم الى كتاب الله ، فارتدّ على عقبه كافرا ، كان يضرّ نبيّ الله شيئا ؟ قال : لا ، قال عليّ : فما كان ذنبي ان كان أبو موسى ضلّ ، هل رضيت حكومته حين حكم أو قوله اذ قال ؟ قال ابن الكوّاء : لا ، ولكنّك جعلت مسلما وكافرا يحكمان في كتاب الله . قال عليّ : ويلك يا ابن الكوّاء هل بعثت عمرا غيرُ معاوية ، وكيف أحكّمه وحُكمه على ضرب عنقي ! انما رضي به صاحبه كما رضيت انت بصاحبك ، وقد يجتمع المؤمن والكفر يحكمان في الله . أرأيت لو أن رجلا مؤمنا تزوّج يهودية أو نصرانية فخافا شقاق بينهما ، ففزع الناس الى كتاب الله ، وفي كتابه : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . فجاء رجل من اليهود أو رجل من النصارى ورجل من المسلمين الذين يجوز لهما أن يحكما في كتاب الله ، فحكما . قال ابن الكوّاء : وهذه أيضا ، أمهِلنا حتى ننظر . فانصرف عنهم عليّ (28) .
الامامة والسياسة : لما خرج جميع الخوارج وتوافوا الى النهروان ، قام عليّ بالكوفة على المنبر : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإن معصية العالم الناصح تورث الحسرة وتُعقّب الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة بأمري فأبيتم إلا ما أردتم ، فأحييا ما أمات القرآن وأماتا ما أحيى القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما هواه يحكم بغير حجة ولا سنة ظاهرة ، واختلفا في أمرهما وحكمهما ، فكلاهما لم يُرشد الله ، فبريء الله منهما ورسوله وصالحو المؤمنين . فاستعدّوا للجهاد (29) .
أقول : فنشير الى جملات من أحاديث هذه الفتنة بالترتيب ليعتبر من اعتبر وينكشف الحق .
1 ـ كان علي مع الحق والحق معه .
2 ـ ان الخوارج قوم عُصاة لله ولرسوله .
3- الخوارج هم الشُراة الأنجاس . انّ أنفسكم سوّلت لكم فراقَ هذه الحكومة . هم شرّ البرية ، هم شرّ الخلق . الخوارج كلاب النار .
انهم يتأوّلون القرآن على ما يَهوون . بماذا تستحلّون قتالنا والخروج من جماعتنا ، يمرقون من الدين . يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم . لا تجاوز صلاتهم تراقيهم . فإنهم قد سفكوا الدم الحرام . حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدما بغير حق .
4 ـ فرددتم عليّ رأيي وقلتم لا . أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره . فأبيتم عليّ إباء المخالفين . فقلت لا نرضى إلا أبا موسى . فإن معصية العالم النّاصح تورث الحسرة . فأبيتم إلا ما أردتم .
5 ـ اشترطت على الحَكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن . إنا لسنا حكّمنا الرجال إنما حكّمنا القرآن ، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه فتاها وتركا وان أبيا فنحن من حكمهما بُرآء .
6 ـ فتاها وتركا الحق وهما يَبصرانه وكان الجور هواهما . فأحييا ما أمات القرآن وأماتا ما أحيى القرآن واتبع كل واحد منهما هواه يحكم بغير حجة ولا سنة .
7 ـ قال النبي (صلى الله عليه وآله): فاقتلوهم هم شرّ البرية . وقال : يمرقون من الاسلام مروق السهم . وقال: لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود. وقال: فيلي قتلهم اولى الطائفتين بالحق. وقال: لئن أنا أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد. وقال: طوبى لمن قتلهم .
________________
(1) الملل والنحل ج 1 ص 23 .
(2) الشريعة ص 21 .
(3) تاريخ الطبري ج 6 ص 37 .
(4) نفس المصدر ص 48 .
(5) مسند أحمد ج 1 ص 88 .
(6) نفس المصدر ج 3 ص 15 .
(7) البخاري ج 2 ص 172 .
(8) مسند أحمد ج 3 ص 65 .
(9) البخاري ج 3 ص 147 .
(10) البخاري ج 4 ص 122 .
(11) مسلم ج 3 ص 111 .
(12) نفس المصدر ص 113 .
(13) بصيغة المفعول : الناقص الخلق .
(14) نفس المصدر السابق ص 115 .
(15) مسند أحمد ج 1 ص 92 .
(16) مسلم ج 3 ص 116 .
(17) ابن ماجة ج 1 ص 74 .
(18) السيرة النبوية ج 4 ص 139 .
(19) سنن النسائي ج 7 ص 118 .
(20) مقالات الاسلاميين ج 1 ص 63 .
(21) سنن أبي داود ج 2 ص 286 .
(22) سنن أبي داود ج 2 ص 300 .
(23) خصائص النسائي ص 31 ـ 34 .
(24) خصائص النسائي ص 35 .
(25) مستدرك الحاكم ج 2 ص 150 .
(26) مستدرك الحاكم ج 2 ص 152 .
(27) مسند أحمد ج 4 ص 86 .
(28) عقد الفريد ج 4 ص 351 .
(29) الإمامة والسياسة ج 1 ص 119 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|