أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2019
1592
التاريخ: 3-3-2020
13568
التاريخ: 14-5-2021
2076
التاريخ: 20-2-2020
2237
|
القاسطون:
ولم يكد يفرغ الامام (عليه السلام) من حرب الناكثين كما اسماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى جعل يتأهب لحرب القاسطين الذين اسماهم النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك ، وراى الامام ان يغادر البصرة الى الكوفة ليستعد لحرب عدو عنيف هو معاوية بن ابي سفيان الذي حارب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابلى في حربه أشد البلاء وأقواه، ولم يكن معاوية باقل تنكرا للاسلام وبغضا لأهله من أبيه، وكان المسلمون الاولون ينظرون إليهما نظرة ريبة وشك في اسلامهما، وقد استطاع بمكره ودهائه أن يغزو قلب الخليفة الثاني، ويحتل المكانة المرموقة في نفسه فجعله واليا على الشام، وظل يبالغ في تسديده وتأييده، وبعد وفاته أقره عثمان وزاد في رقعة سلطانه، وظل معاوية في الشام يعمل عمل من يريد الملك والسلطان فأحاط نفسه بالقوة واشترى الضمائر، وسخر اقتصاد بلاده في تدعيم سلطانه، وبعد الاحداث التي ارتكبها عثمان علم معاوية أنه مقتول لا محالة، فاستغاث به عثمان حينما حوصر فأبطأ في نصره، وظل متربصا حتى قتل ليتخذ من قميصه ودمه وسيلة للتشبث بالملك، وقد دفعه الى ذلك حرب الجمل التي كان شعارها المطالبة بدم عثمان، فاتخذه خير وسيلة للتذرع لنيل الملك ويقول المؤرخون انه استعظم قتل عثمان وهول أمره ، وراح يبني ملكه على المطالبة بدمه .
وكان الامام (عليه السلام) محتاطا في دينه كاشد ما يكون الاحتياط فلم يصانع، ولم يحاب، وانما سار على الطريق الواضح، فامتنع أن يستعمل معاوية على الشام لحظة واحدة لان في اقراره على منصبه تدعيهما للظلم وتركيزا للجور.
وعلى اي حال فان الامام بعد حرب الجمل قد غادر البصرة مع قواته المسلحة، واتجه الى الكوفة ليتخذها عاصمة ومقرا له، واتجه فور قدومه إليها يعمل على تهياة وسائل الحرب لمناهضة عدوه العنيف الذي يتمتع بقوى عسكرية هائلة اجمعت على حبه ونصرته، وكان الشني يحرض الامام ويحفزه على حرب اهل الشام، بعد ما أحرزه من النصر في وقعة الجمل وقد قال له :
قل لهذا الامام قد خبت الحر *** ب وتـــمت بذلك النعمـــــــاء
وفرغنـا من حرب من نكث *** العهــد وبالشـــام حيــة صماء
تنفث الســم مــا لمن نهشتـه *** فارمها قبل ان تعض - شفاء (1)
ايفاد جرير :
وقبل أن يعلن الامام الحرب على غول الشام أوفد للقياه جرير بن عبد الله البجلي يدعوه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون من مبايعته وقد زوده برسالة (2) دعاه فيها الى الحق من اقصر سبيله، وبأوضح اساليبه، وفيها الحكمة الهادية لمن اراد الهداية، وشرح الله صدره، وفجر في فؤاده ينبوع النور، وانتهى جرير الى معاوية فسلمه رسالة الامام ، والح عليه في الوعظ والنصيحة، وكان معاوية يسمع منه ولا يقول له شيئا ، وانما اخذ يطاوله ويسرف في مطاولته، لا يجد لنفسه مهربا سوى الامهال والتسويف .
معاوية مع ابن العاص :
وراى معاوية انه لن يستطيع التغلب على الاحداث الا اذا انضم إليه داهية العرب عمرو بن العاص فيستعين به على تدبير الحيل، ووضع المخططات التي تؤدي الى نجاحه في سياسته فراسله طالبا منه الحضور الى دمشق، وكان ابن العاص فيما يقول المؤرخون:
قد وجد على عثمان حينما عزله عن مصر، فكان يؤلب الناس عليه، ويحرضهم على الوقيعة به، وهو ممن مهد للفتنة والثورة عليه، ولما ايقن بحدوث الانقلاب عليه خرج الى ارض كان يملكها بفلسطين فاقام فيها، وجعل يتطلع الاخبار عن قتله .
ولما انتهت رسالة معاوية الى ابن العاص تحير في أمره فاستشار ولديه عبد الله ومحمدا أما عبد الله فكان رجل صدق وصلاح فاشار عليه ان يعتزل الناس ولا يجيب معاوية الى شئ حتى تجتمع الكلمة ويدخل فيما دخل فيه المسلمون واما ابنه محمد فقد طمع فيما يطمع فيه فتيان قريش من السعة والتقدم، وذيوع الاسم، فقد اشار عليه بان يلحق بمعاوية لينال من دنياه.
فقال عمرو لولده عبد الله ! أما انت فامرتني بما هو خير لي في ديني، وقال لولده محمد :
أما انت فامرتني بما هو خير لي في دنياي ، واتفق ليله ساهرا يفكر في الامر هل يلتحق بعلي فيكون رجلا كسائر المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم من دون ان ينال شيئا من دنياه، ولكنه يضمن امر آخرته او يكون مع معاوية فيظفر بتحقيق ما يصبو إليه في الدنيا من الثراء العريض، وهو لم ينس ولاية مصر فكان يحن إليها حنينا متصلا، وقد أثر عنه تلك الليلة من الشعر ما يدل على الصراع النفسي الذي خامره تلك الليلة .
ولم يسفر الصبح حتى آثر الدنيا على الاخرة فاستقر رايه على الالتحاق بمعاوية، فارتحل الى دمشق ومعه ابناه فلما بلغها جعل يبكي امام اهل الشام كما تبكي المراة وهو يقول:
" وا عثماناه انعى الحياء والدين " (3).
قاتلك الله يا بن العاص أأنت تبكي على عثمان وانت الذي اوغرت عليه الصدور واثرت عليه الاحقاد، وكنت تلفي الراعي فتحرضه عليه سفك دمه الصدور واثرت عليه الاحقاد، وكنت تلفي الراعي فتحرضه عليه حتى سفك دمه لقد بلغ التهالك على السلطة في ذلك العصر مبلغا انسى الناس دينهم فاقترفوا في سبيل ذلك كل ما حرمه الله .
ولما التقى ابن العاص بمعاوية فتح معه الحديث في حربه مع الامام فقال ابن العاص :
" أما علي فو الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شئ من الاشياء وان له في الحرب لحظا ما هو لاحد من قريش إلا ان تظلمه " .
واندفع معاوية يبين دوافعه في حربه للامام قائلا :
" صدقت ولكنا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قتلة عثمان " .
واندفع ابن العاص ساخرا منه قائلا :
- وا سوأتاه ان أحق الناس أن لا يذكر عثمان انت ! ! - ولم ويحك؟ ! ! - أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار اليه وأما أنا فتركته عيانا وهربت الى فلسطين...(4).
واستيقن معاوية ان ابن العاص لا يخلص له، وراى ان من الحكمة أن يستخلصه ويعطيه جزاءه من الدنيا، فصارحه قائلا :
- أتحبني يا عمرو ؟ - لماذا ؟ للاخرة فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا.
فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها .
- أنت شريكي فيها ؟
- اكتب لي مصر وكورها .
- لك ما تريد .
فسجل له ولاية مصر، وجعلها ثمنا لانضمامه إليه (5) في مناهضته لوصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ظفر بداهية من دواهي العرب وبشيخ من شيوخ قريش قد درس أحوال الناس، وعرف كيف يتغلب على الاحداث .
رد جرير :
ولما اجتمع لمعاوية أمره واحكم وضعه رد جرير، وأرسل معه الى الامام رسالة حمله فيها المسؤولية في اراقة دم عثمان، وعرفه بأجماع أهل الشام على حربه إن لم يدفع له قتلة عثمان، ويجعل الامر شورى بين المسلمين .
وارتحل جرير الى الكوفة فأنبأ عليا بامتناع معاوية عليه، وعظم له أمر أهل الشام، وراى الامام ان يقيم عليه الحجة مرة أخرى فبعث له سفراء آخرين يدعونه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون إلا أن ذلك لم يجد شيئا فقد أصر معاوية على غيه وعناده حينما أيقن ان له القدرة على مناجزة الامام ومناهضته .
قميص عثمان :
وألهب معاوية بمكره وخداعه قلوب السذج والبسطاء من أهل الشام حزنا واسى على عثمان فكان ينشر قيمصه الملطخ بدمائه على المنبر فيضجون بالبكاء والعويل، واستخدم الوعاظ فجعلوا يهولون أمره، ويدعون الناس الى الاخذ بثاره، وكان كلما فتر حزنهم عليه يقول له ابن العاص بسخرية واستهزاء :
" حرك لها حوارها تحن.." .
فيخرج إليهم قميص عثمان فيعود لهم حزنهم، وقد أقسموا أن لا يمسهم الماء إلا من الاحتلام، ولا ياتون النساء، ولا ينامون على الفراش حتى يقتلوا قتلة عثمان (6) وكانت قلوبهم تتحرق شوقا الى الحرب للاخذ بثاره، وقد شحن معاوية أذهانهم بان عليا هو المسؤول عن اراقة دمه ، وانه قد آوى قتلته، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب، ويستعجلونه أكثر منه .
زحف معاوية لصفين :
وعلم معاوية أنه لابد من الحرب لان الامام لا يحاب ولا يداهن في دينه، فلا يقره على ولاية الشام، ولا يسند له أي منصب من مناصب الدولة، وانما يقصيه عن جميع أجهزة الحكم لما يعرفه عنه من الالتواء في دينه وسار معاوية في جموع أهل الشام، وقدم بين يديه الطلائع، وقد أنزل أصحابه أحسن منزل، وأقربه إلى شريعة الفرات، وقد احتل الفرات وعد هذا أول الفتح لانه حبس الماء على عدوه، وبقيت جيوشه رابضة هناك تصلح أمرها، وتنضم قواها استعدادا للحرب .
زحف الامام للحرب :
وتهيا الامام للحرب وقام الخطباء في الكوفة يحفزون الناس للجهاد ويحثونهم على مناجزة معاوية بعدما احرزوه من النصر الكبير في معركة الجمل، وقد خطب فيهم الامام الحسين (عليه السلام) خطابا رائعا ومثيرا، قال فيه بعد حمد الله والثناء عليه :
" يا أهل الكوفة أنتم الاحبة الكرماء، والشعار دون الدثار جدوا في اطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل ما توعر عليكم إلا أن الحرب شرها ذريع ، وطعمها فظيع فمن أخذلها اهبتها واستعد لها عدتها، ولم يالم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن ألا ينفع قومه، وان يهلك نفسه نسال الله بقوته ان يدعمكم بالفيئة" (7) وحفل هذا الخطاب بالدعوة الى استعجال الحرب والاستعداد الشام لها، والامعان في وسائلها فان ذلك من موجبات النصر، ومن وسائل التغلب على الاعداء، وان اهمال ذلك، وعدم الاعتناء به مما يوجب الهزيمة والاندحار، ودل هذا الخطاب على خبرة الامام الواسعة في الشؤون العسكرية والحربية .
وتهيا الناس بعد خطاب سبط النبي (صلى الله عليه وآله) الى الحرب وأخذوا يجدون في تنظيم قواهم، ولما تمت عدتهم زحف بهم الامام أمير المؤمنين لحرب ابن أبي سفيان، وقد قدم طلائعه، وأمرهم ان لا يبداوا أهل الشام بقتال حتى يدركهم .
وزحف كتائب الجيش العراقي كانها السيل، وهي على يقين أنها انما تحارب القوى الباغية على الاسلام، والمعادية لاهدافه، وقد جرت في أثناء مسيرة الامام أحدث كثيرة .
احتلال الفرات :
ولم يجد أصحاب الامام شريعة على الفرات يستقون منها الماء الا وهي محاطة بالقوى المكثفة من جيش معاوية يمنعونهم أشد المنع من الاستسقاء من الماء ولما راى الامام ذلك أوفد رسله الى معاوية يطلبون منه أن يخلي بينهم وبين الماء ليشربوا منه، فلم تسفر مباحثهم معه أى شئ، وانما وجدوا منه اصرارا على المنع يريد أن يحرمهم منه كما حرموا عثمان من الماء ، وأضر الظمأ باصحاب الامام، وأنبرى الاشعث بن قيس يطلب الاذن من الامام أن يفتح باب الحرب، يقهر القوى المعادية على التخلي عن الفرات فلم يجد الامام بدا من ذلك فاذن له، فاقتتل الفريقان كاشد ما يكون القتال وكتب النصر لقوات الامام فاحتلت الفرات، وأراد أصحاب الامام أن يقابلوهم بالمثل فيحرمونهم منه، كما صنعوا ذلك معهم، ولكن الامام لم يسمح لهم بذلك، وعمل معهم عمل المحسن الكريم فخلى بينهم وبين الماء .
لقد كان اللؤم والخبث من عناصر الامويين وذاتياتهم فقد أعادوا على صعيد كربلاء ما اقترفوه من الجريمة في صفين فحالوا بين الامام الحسين وبين الماء وتركوا عقائل الوحي ومخدرات الرسالة، وصبية أهل البيت قد صرعهم العطش، ومزق الظمأ قلوبهم، فلم يستجيبوا لأية نزعة انسانية ، ولم ترق قلوبهم فيعطفوا عليهم بقليل من الماء .
رسل السلام :
وكان الامام متحرجا كاشد ما يكون التحرج في سفك دماء المسلمين فقد جهد على نشر السلام والوئام فأوفد إلى معاوية عدي بن حائم، وشبث ابن ربعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن حفصة يدعونه الى حقن دماء المسلمين، ويذكرونه الدار الاخرة، ويحذرونه أن ينزل به ما نزل باصحاب الجمل، ولكن ابن هند لم يستجب لذلك وأصر على الغي والتمرد، وقد حمل الامام المسؤولية في قتل عثمان بن عفان، وقد دفعه الى العصيان ما يتمتع به من القوى العسكرية واتفاق كلمتها واصرارها على الطلب بدم عثمان .
ورجعت رسل السلام وقد اخفقت في سفارتهم، واستبان لها أن معاوية مصمم على الحرب، ولا رغبة له في الصلح، وأحاطوا الامام (عليه السلام) علما بذلك فجعل يتهيأ للحرب، ويدعو الناس إلى القتال .
الحرب :
وعبا الامام أصحابه على راياتهم، واستعد للقتال، وقد أمر أصحابه أن لا يبدؤوهم بقتال كما عهد لهم في حرب الجمل، وان لا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح، ولا يمثلوا بقتيل، ولا يهيجوا امراة الى غير ذلك من الوصايا التي تمثل شرف القيادة العسكرية في الاسلام .
وجعلت فرق من جيش الامام تخرج الى فرق من جيش معاوية فيقتتل الفريقان نهارا كاملا أو طرفا منه، ثم يتحاجزان من دون أن تقع حرب عامة بينهما وقد رجا الامام بذلك أن يثوب معاوية الى الصلح وحقن الدماء، ودام الامر على هذا حفنة من الايام من شهر ذي الحجة فلما أطل شهر الحرام، وهو من الاشهر التي يحرم فيها القتال في الجاهلية والاسلام ، توادعوا شهرهم كله، واتيح للفريقين أن يقتلوا آمنين، وقد آمن بعضهم بعضا ولم تقع بينهم أي حرب، وقد سعت بينهم سفراء السلم إلا أنها أخفقت في سعيها، وقد احتدم الجدال بين الفريقين فأهل العراق يدعون أهل الشام الى جمع الكلمة وحقن الدماء، ومبايعة وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدخول فيما دخل فيه المسلمون، وأهل الشام يدعون العراقيين الى الطلب بدم عثمان ورفض بيعة الامام، واعادة الامر شورى بين المسلمين .
ولما انقضى شهر محرم مضى القوم على الحرب، ولكنها لم تكن عامة وانما كانت منقطعة تخرج الكتيبة للكتيبة، والفرقة للفرقة .
وسئم الفريقان هذه الحرب المتقطعة، وتعجلوا الحرب العامة فعبا الامام جيوشه تعباء عامة، وكذلك فعل معاوية، والتحم الجيشان التحاما رهيبا، واقتتلوا أبرح قتال وأعنفه، وانكشفت ميمنة جيش الامام انكشافا بلغ الهزيمة فقاتل الامام ومعه الحسن والحسين (8) وانحاز الامام الى ميسرة جيشه من ربيعة، فاستماتت ربيعة دون الامام، وكان قائلهم يقول:
لا عذر لكم بعد اليوم عند العرب إن اصيب أمير المؤمنين وهو فيكم، وتحالفت ربيعة على الموت، وصمدت في الحرب، ورجعت ميمنة الامام الى حالها بفضل الزعيم مالك الاشتر، واستمرت الحرب باعنف ما يتصور وقد ظهر الضعف وبان الانكسار في جيش معاوية، وهم معاوية بالفرار لو لا أنه تذكر قول ابن الاطنابة :
أبت لــي همتـــي وأبى بلائي *** وأقدمي علـى البطل المشيح
واعطائي على المكروه مالي *** واخذي الحمد بالثمن الربيح
وقـولي كلما جشات وجـاشت *** مكانك تحمـدي أو تستريحي
وقد رده هذا الشعر الى الصبر والثبات، كما كان يتحدث بذلك أيام الملك والسلطان .
منع الحسنين من الحرب :
ومنع الامام أمير المؤمنين سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الاشتراك في عمليات الحروب، فقال (عليه السلام):
" املكوا عني هذين الغلامين - يعني الحسن والحسين - لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)" (9).
لقد حرص الامام (عليه السلام) على ريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لان بهما امتدادا لنسله وابقاء لذريته .
مصرع عمار :
وعمار بن ياسر من ألمع أصحاب النبي وأكثرهم جهادا وبلاءا في الاسلام، وقد شايع عليا ولازمه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقد أيقن أنه مع الحق والحق معه كما قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله) وكان في أيام صفين شيخا قد نيف على التسعين عاما، ولكن قلبه وبصيرته كانت بمامن من الشيخوخة فقد كان في تلك المعركة كانه في ريعان الشباب، وكان يحارب راية ابن العاص، وهو يشير اليها قائلا :
" والله إن هذا الراية قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بارشدهن " وكان يقول لاصحابه لما راى انكشافهم في المعركة :
والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفان هجر لعلمنا أنا على الحق، وانهم على الباطل .
ويقول الرواة :
إنه جلس مبكرا في يوم من ايام صفين، وقد ازداد قلبه شوقا الى ملاقاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وملاقاة أبويه، فخف الى الامام مسرعا يطلب منه الاذن في أن يلج الحرب لعله يرزق الشهادة فلم يسمح له الامام بذلك، وظل يعاود الامام مستأذنا، فلم تطب نفس الامام بذلك وراح يلح عليه فأذن له، وأجهش الامام بالبكاء حزنا وموجدة عليه .
وانطلق عمار الى ساحات الحرب وهو موفور القوى، قد استرد نشاطه وهو جذلان فرح بما يصير اليه من الشهادة، وقد رفع صوته عاليا :
" اليوم القى الاحبة محمدا وحزبه.
" وكان صاحب الراية في الكتيبة التى يقاتل فيها عمار هو هاشم بن عتبة المرقال وكان من فرسان المسلمين وخيارهم وأحبهم للامام وأخلصهم له وكان أعور، فاتجه نحوه عمار فجعل تارة يدفعه بعنف الى الحرب ويقول له :
تقدم يا أعور، وأخرى يرفق به أشد الرفق ويقول له :
احمل فداك أبي وأمي، وهاشم يقول له :
رحمك الله يا أبا اليقظان انك رجل تستخف الحرب، واني انما ازحف لعلي أبلغ ما اريد، وضجر هاشم فحمل وهو يرتجز :
قد اكثروا لومي وما أقلا *** إني شريت النفس لن اعتلا
أعــور يبغي نفسه محلا *** لابــد أن يفـــل أو يفــــــــلا
قد عالج الحياة حتى ملا *** أشلهـــم بذي الكعــوب شلا
وقد دال هذا الرجل على تصميمه على الموت، وسئمه من الحياة ، وجال في ميدان القتال، وعمار معه يقاتل ويرتجز :
نحن ضربنـا كم على تنزيله *** واليوم نضربكم على تاويله
ضربا يزبل الهام عن مقيله *** ويذهــل الخليل عــن خليله
أو يرجع الحق الى سبيله
لقد قاتل عمار بايمان واخلاص المشركين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناضل كاشد ما يكون النضال دفاعا عن كلمة التوحيد، وقاتل أعنف القتال مع أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفاعا عن تأويل القران ودفاعا عن امام المسلمين فما أعظم عائدة عمار وألطافه على الاسلام .
والتحم عمار مع القوى الغادرة التحاما رهيبا، وحمل عليه رجس من أرجاس البشرية يسمى أبو الغادية فطعنه برمحه طعنة قاتلة، فهوى الى الارض ذلك الصرح الشامخ من العقيدة والايمان يتخبط بدمائه الزكية ، وقد أضر به العطش فبادرت اليه امراة بلبن، فلما راه تبسم، وأيقن بدنو أجله، وراح يقول بنبرات هادئة مطمئنة :
قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن وتقتلك الفئة الباغية .
ولم يلبث قليلا حتى لفظ انفاسه الاخيرة، وانطوت بموته أروع صفحة مشرقة من الايمان والجهاد، وارتفع ذلك العملاق الذي أضاء الحياة الفكرية باخلاصه واندفاعه نحو الحق .
وكان الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) برحا لم يقر له قرار حينما برز عمار الى ساحة الجهاد، فكان يقول :
فتشوا لي عن ابن سمية، وانطلقت فصيلة من الجند تبحث عنه، فوجدوه قتيلا مضمخا بدم الشهادة فانبروا مسرعين الى الامام فاخبروه بشهادته، فانهد ركته، وانهارت قواه، وسرت موجات من الالم القاسي في محياه، فقد غاب عنه الناصر والاخ، ومشى الامام لمصرعه كئيبا حزينا، وعيناه تفيضان دموعا، وسار معه قادة الجيش وقد أخذتهم المائقة حزنا على البطل العظيم، ولما انتهى اليه القى بنفسه عليه وجعل يوسعه تقبيلا، وقد انفجر بالبكاء، وجعل يؤبنه بحرارة قائلا :
" إن امرا من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر وتدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد .
- رحم الله عمارا يوم أسلم .
رحم الله عمارا يوم قتل .
رحم الله عمارا يوم يبعث حيا .
لقد رايت عمارا وما يذكر من أصحاب رسول الله أربعة إلا كان رابعا، ولا خمسة إلا كان خامسا، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين فهنيئا لعمار بالجنة..." .
وأخذ الامام راسه فجعله في حجره ودموعه تتبلور على خديه .
وانبرى الامام الحسن وغيره فابنوا الشهيد العظيم بقلوب مذابة من الحزن، ثم قام الامام فواراه في مقره الاخير، ويقول المؤرخون :
ان الفتنة وقعت في جيش معاوية حينما اذبع مقتل عمار فقد سمعوا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في فضل عمار ان الفئة الباغية تقتله، وقد اتضح لهم انه الفئة الباغية التي عناها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكن ابن العاص استطاع أن يزيل الخلاف فقال لهم :
ان الذى أخرج عمارا هو الذي قتله، واذعن بسطاء أهل الشام لما قاله ابن العاص .
واشتد القتال باعنفه بعد مقتل عمار، وقد تفللت جميع قوى معاوية وبان الضعف في جيشه .
مكيدة ابن العاص :
لعل أبشع مهازل التاريخ البشري في جميع فترات التاريخ هي مكيدة ابن العاص في رفع المصاحف، وقد وصفها (راو حوست ميلر) بانها من أشنع المهازل وأسوئها في التاريخ البشري (10) وأكاد أعتقد أنه هذه المكيدة لم تكن وليدة المصادقة أو المفاجئة، فقد حيكت اصولها ووضعت مخططاتها قبل هذا الوقت فقد كان ابن العاص على اتصال دائم احيط بكثير من الكتمان مع جماعة من قادة الجيش العراقي في طليعتهم الاشعث بن قيس، فهما اللذان دبرا هذا الامر وقد ذهب الى هذا الراي الدكتور طه حسين قال :
" فما استبعد أن يكون الاشعث بن قيس وهو ماكر أهل العراق وداهيتهم قد اتصل بعمرو بن العاص ماكر أهل الشام وداهيتهم ، ودبرا هذا الامر بينهم تدبيرا، ودبروا أن يقتتل القوم فان ظهر أهل الشام فذاك، وان خافوا الهزيمة أو أشرفوا عليها رفعوا المصاحف فاوقعوا الفرقة بين أصحاب علي وجعلوا باسهم بينهم شديدا " (11) .
وعلى أي حال فان الهزيمة لما بدت باهل الشام، وتفللت جميع قواعدهم فزع معاوية الى ابن العاص يطلب منه الراي فاشار عليه يرفع المصاحف فامر بالوقت يرفعها فرفعت زهاء خمسمائة مصحف على أطراف الرماح فتعالت الاصوات من أهل الشام بلهجة واحدة .
" هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته الى خاتمته، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟ ومن لجهاد الروم ؟ ومن للترك ؟ ومن للكفار ؟.
" وكانت هذه الدعوى كالصاعقة على رؤوس الجيش العراقي فقد انقلب راسا على عقب، فتدافعوا كالموج نحو الامام وهم ينادون :
" لقد أعطاك معاوية الحق، دعاك الى كتاب الله فاقبل منه..." .
ودلهم الامام على زيف هذه الحيلة، وانها جاءت نتيجة فشلهم في العمليات العسكرية، وانها لم يقصد بها إلا خداعهم وانهم رفعوا المصاحف لا إيمانا بها وانما هو من الخداع والمكر ومما يؤسف له انهم لم يقرروا حق مصيرهم، ومصير الامة في تلك الفترات الحاسمة من تاريخهم التي اشرفوا فيها على الفتح والنصر، ولم يبق من دك حصون الظلم ونسف قواعد الجور إلا لحظات .
يا للمصيبة والاسف لقد أصروا على التمرد، والعناد، فانحاز منهم اثنا عشر ألفا وهم أهل الجباه السود، فخاطبوا الامام باسمه الصريح قائلين :
" يا علي :
اجب القوم الى كتاب الله إذ دعيت له، وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم..." .
فكلمهم الامام برقة ولطف ليقلع روح التمرد منهم الا ان كلام الامام ذهب هباء وراح القوم في غيهم يعمهون، وهم يصرون على ارغام الامام على ايقاف القتال، وكان الاشعث بن قيس هو الذي يدفعهم الى ذلك وينادي باعلى صوته بالرضاء والقبول لدعوة أهل الشام .
ولم ير الامام بدا من اجابتهم، فاصدر أوامره بايقاف عمليات الحروب، وقلبه الشريف يتقطع ألما وحزنا، فقد أيقن أن الباطل قد انتصر على الحق، وان جميع متاعبه ودماء جيشه قد ذهبت سدى .
وأصر المتمردون على الامام بسحب مالك الاشتر من ساحة الحرب وكان قد أشرف على الانتصار، ولم يبق بينه وبين الفتح إلا حلبة شاة ، فارسل إليه الامام بالقدوم إليه فلم يعن بما امر به، وقال لرسول الامام :
" قل لسيدي :
ليست هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي اني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني..." ورجع الرسول فاخبر الامام بمقالة القائد العظيم فارتفعت أصوات اولئك الوحوش بالانكار على الامام قائلين :
" والله ما نراك إلا أمرته ان يقاتل..." وامتحن الامام في أمرهم كاشد ما تكون المحنة فقال لهم:
" أرايتموني ساررت رسولي (اليه)؟ أليس انما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون؟ " .
وأصروا على الغي قائلين :
" فابعث إليه فلياتيك، والا فوالله اعتزلناك.." .
وأجمعوا على الشر، وأوشكوا أن يفتكوا بالامام فاصدر أوامره المشددة بانسحاب مالك من ساحة الحرب، واستجاب الاشتر لامر الامام فقفل راجعا وقد تحطمت قواه، وقال ليزيد الذي كان رسول الامام :
" ألرفع هذه المصاحف - يعني حدثت هذه الفتنة - ؟ " نعم " .
وعرف الاشتر مكيدة ابن العاص فقال :
" أما والله لقد ظننت انها حين رقعت ستوقع اختلافا وفرقة انها مشورة ابن العاهرة " .
ألا ترى الى الفتح، الا ترى الى ما يلقون ؟ الا ترى الى الذي يصنع الله لنا، أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ ! ! " .
وأحاطه يزيد علما بحراجة الموقف والاخطار الهائلة التي تحف بالامام قائلا :
" أتحب انك ان ظفرت هاهنا، وان أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه؟".
فقال الاشتر مقالة المؤمن :
" سبحان الله، لا والله ما أحب ذلك ! ! " .
" فانهم قالوا :
لترسلن الى الاشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا ابن عفان، أو لنسلمنك الى عدوك.." .
وقفل الاشتر راجعا قد استولى الحزن على اهابه، فقد ذهبت اماله ادراج الرياح فتوجه نحوهم يلومهم ويعنفهم، ويطلب منهم أن يخلوا بينه وبين عدوهم فقد أشرف على النصر والفتح .
ولم يذعن أولئك الممسوخون لمقالة الاشتر فقد اصروا على الذل والوهن قائلين له :
" لا لا " .
" امهلوني عدوة فرس فاني قد طمعت في النصر.
" " اذن ندخل معك في خطيئتك.." .
وانبرى الاشتر يحاججهم وينقد ما ذهبوا اليه قائلا :
" حدثوني عنكم - وقد قتل اماثلكم وبقي ارذالكم - متى كنتم محقين احين كنتم تقتلون أهل الشام، فانتم الان حين امسكتم عن القتال مبطلون، أم أنتم الان في امساككم عن القتال محقون ؟ فقتلاكم اذن الذين لا تنكرون فضلهم، وكانوا خيرا منكم في النار " .
ولم يجد معهم هذا الكلام المشرق فقالوا له :
" دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله، إنا لستا نطيعك فاجتنبنا " .
ورد عليهم الاشتر بعنف حينما يئس من اصلاحهم وأخذ يحذرهم من مغية هذه الفتنة وأنهم لا يرون بعدها عزا أبدا .
وحقا انهم لم يروا عزا، فقد أفلت من افقهم دولة الحق، وآل أمرهم الى معاوية فاخذ يسومهم سوء العذاب .
وطلب مالك من الامام أن يناجزهم الحرب فابى لان المعارضين كانوا يمثلون الاكثرية الساحقة في جيشه وفتح باب الحرب يؤدي الى أقطع النتائج فان الامة تقع فريسة سائغة بأيدي الامويين .
واطرق الامام براسه، وقد طاقت يه موجات من الالام، وأخذ يطيل التفكير في العاقبة المرة التي جرها هؤلاء العصاة للامة ويقول المؤرخون انهم قد اتخذوا سكوته رضى منه بالتحكيم فهتفوا .
" ان عليا أمير المؤمنين قد رضي الحكومة، ورضي بحكم القران " .
والامام غارق في الهموم، فقد أفلت منه الامر، وتمرد عليه جيشه وليس باستطاعته ان يعمل شيئا، وقد أدلى (عليه السلام) بما مني به، بقوله :
" لقد كنت أمس أميرا، فاصبحت اليوم مأمورا، وكنت أمس ناهيا فاصبحت اليوم منهيا.." .
التحكيم :
ولم تقف محنة الامام وبلاؤه في جيشه المتمرد الى هذا الحد من العصيان والخذلان وانما تجاوز الامر الى أكثر من هذا، فقد أصر المتمردون بقيادة الاشعث بن قيس على انتخاب أبي موسى الاشعري الذي هو من ألد اعداء الامام وأكثر هم حقدا عليه، وانما ألحوا على انتخابه لعلمهم بانه سيعزل الامام عن الحكم وينتخب غيره ممن يحقق أطماعهم، وقد احتف هؤلاء العصاة بالامام، وهم يهتفون :
" إنا رضينا بابي موسى الاشعري " .
وزجرهم الامام، ونهاهم عن انتخابه قائلا :
" انكم قد عصيتموني في أول الامر، فلا تعصوني الان، إني لا أرى أن أولي أبا موسى " .
وأصروا على غيهم وعنادهم قائلين :
" لا نرضى الا به، فما كان يحذرنا وقعنا فيه " .
وأخذ الامام يدلي عليهم واقع أبي موسى وانحرافه عنه قائلا :
" إنه ليس لي بثقة، قد فارقني وخذل الناس عني، ثم هرب عني حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس توليه.
" وامتنعوا من ترشيح ابن عباس، فارشدهم ثانيا الى انتخاب مالك الاشتر فرفضوه وأصروا على انتخاب الاشعري، ولم يجد الامام بعد هذا بدا من الرضا والاذعان .
وثيقة التحكيم :
واتفق الفريقان على أن يحكموا ابن العاص من قبل أهل الشام ، وأبا موسى الاشعري من قبل العراقيين، وقد كتبوا صحيفة سجلوا فيها ما اتفقوا عليه من الاخذ بما يتفق عليه الحكمان وهذا نصها كما رواها الطبري :
" بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان، قاضي علي على أهل الكوفة، ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وان كتاب الله عز وجل من فاتحته الى خاتمته نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل، وهما أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص القرشي عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة، وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس انهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والامة لهما انصار على الذي يتقاضيان عليه ، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه، العمل على ما في هذه الصحيفة، وان قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فان الامن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم، وغائبهم، وعلى عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ان يحكما بين هذه الامة، ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيها، وأجل القضاء الى رمضان، وان أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما، وإن توفي أحد الحكمين فان أمير الشيعة يختار مكانه، ولا يالوا من أهل المعدلة والقسط، وان مكان قضيتهم الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل للكوفة وأهل الشام، وان رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أردا، ويأخذ الحكمان من أرادا من الشهود ثم يكتبان شهادتهم على ما في هذه الصحيفة، وهم أنصار على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيه إلحادا وظلما اللهم انا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة " (12).
ووقع عليها طائفة من الفريقين، وأصبحت نافذة المفعول، وقد حققت آمال معاوية وأنفذته من الاخطار التي كادت ان تطوي حياته، وتقضي على أتباعه .
والشئ المهم في هذه الوثيقة انها اهملت المطالبة بدم عثمان فلم تعرض لا بقليل ولا بكثير وانما كانت تنشد ايقاف الحرب، ونشر السلم والعافية بين الفريقين، وفيما اعتقد انها كتبت ولم يكن للامام فيها أي راي، فقد خلى بين جيشه وبين ما يريدون .
رجوع الامام للكوفة :
وغادر الامام صفين متجها الى الكوفة، ولا اعتقد أن يلم كاتب بتصوير المحنة الكبرى التي المت بالامام، فقد رجع مثقلا بالهموم يرى باطل معاوية قد استحكم وأمره قد تم، وينظر الى جيشه اصبح متمردا يدعوه فلا يستجيب، ويأمره فلا يطيع قد مزقت الفتنة جميع كتائبه، فقد كانوا فيما يقول المؤرخون يتشاتمون، ويتضاربون بالسياط، وينبغي بعضهم على بعض، واخطر ما حدث فيه انبثاق الفكرة الحرورية التي سنتحدث عنها فانها كانت سوسة تنخر في المعسكر العراقي واهم من اي خطر داهم عليه ، فقد اخذت تعمل على تفلل وحدة جيش الامام وتذيع الفتنة والخوف بين صفوفه .
ودخل الامام الكوفة فرأى لوعة وبكاءا قد سادت في جميع ارجائها حزنا على من قتل منها في صفين فان قتلى صفين بالقياس الى قتلى الجمل كانوا اضعافا اضعافا .
___________
(1) الاخبار الطوال (ص 145) .
(2) الرسالة في وقعة صفين (ص 34)
(3) تاريخ ابن الاثير 3 / 129.
(4) تاريخ اليعقوبي 2 / 162 .
(5) العقد الفريد 3 / 113.
(6) تاريخ ابن الاثير 3 / 141.
(7) شرح النهج 3 / 186.
(8) أنساب الاشراف ج 1 ق 1.
(9) نهج البلاغة.
(10) العقيدة والشريعة في الاسلام (ص 190).
(11) الفتنة الكبرى 2 / 89.
(12) تاريخ الطبري 6 / 30.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|