المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

أبوبكر الشلطيشي
2024-05-11
الشيخ موسى بن علي بن محمد العاملي الجبعي
12-2-2018
الشيخ آقا رضا ابن الشيخ محمد هادي الهمذاني
17-8-2017
حكم الصلاة لو وقع بعضها خارج الوقت.
11-1-2016
امتصاص ومصير الكولسترول
17-1-2021
التعاون في اعمال الخير
28-3-2020


مدرسة جمال الدين الأفغاني، وأدب المقالة  
  
3797   03:36 مساءً   التاريخ: 5-8-2018
المؤلف : عمر الدسوقي
الكتاب أو المصدر : نشأة النثر الحديث و تطوره
الجزء والصفحة : ص :57-61
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-09-2015 17942
التاريخ: 8-10-2015 9088
التاريخ: 5-7-2019 6976
التاريخ: 8-4-2021 2780


كانت الصحافة حتى مجيء جمال الدين الأفغاني إلى مصر في مارس 1871 لا تجرؤ عن الخوض في المشكلات السياسية إلا بقدر ولا تمشي إلا بحذر، متجنبة ما يغضب الأمير أو يثير الوزير، قانعة بالأخبار التي تنشرها الصحف الأجنبية، وتنقلها عنها بعد أن تمر على رقيب صارم لا يرحم، فرضه إسماعيل سوطًا لاذع الضربات على الصحافة في عهده، وكانت تكتفي بنشر المعلومات عن دول الغرب، ومجتمعاتها دون أن تتعرض لمساوئ المجتمع العربي بمصر، وغيرها وما فيه من أوضار، وفروق شاسعة في مستوى الحياة بين سكانها، وكيف كان الفقر والجهل، والمرض تفتك كلها بجمهرة أبنائها، وكيف كان المال يتدفق غزيرًا على موائد السفه بين أنامل القلة الضئيلة من قطانها، وكيف كان الأجانب يستمتعون بخيراتنا، ولا يتركون لنا سوى الفتات، ويستأثرون بثرواتنا، ونحن عندهم عبيد غير مأجورين، وخدام غير مشكورين نحس بالغربة في وطننا، ولا نجد ملجأ نلوذ به من الظلم الفادح، والضرائب المرهقة التي جعلت الفلاح يترك أرضه هربًا من فداحتها، وعجزه عن أدائها.

أغمضت الصحافة المصرية، وغير المصرية عيونها عن كل هذه الآفات، والمفارقات خوفًا من بطش الحكام، ويصور لنا الشيخ محمد عبده ماذا عساه يلقاه هؤلاء الذين يتجرأون على مناقشة الحكام، أو مخالفة آرائهم بقوله: "ولو حدث إنسانًا فكره السليم بأن هناك وجهة خير غير التي يوجهها إليه الحاكم لما أمكنه ذلك، فإن بجانب كل لفظ نفيًا عن الوطن، أو إزهاقًا للروح، أو تجريدًا من المال".
وكان الأدب صدى لهذه الحياة البئيسة التي تقبر فيها الحريات، وتغل العقول يتغنى بما قام به هذا الحاكم الظالم من أفعال وضيعة، يصور سيئاته حسنات. وسخافاته آيات، وحماقاته معجزات، ومن يريد من الأدباء أن يربأ بقلبه عن هذه الوضاعة لجأ إلى مقامه متخيلة، أو رسالة إخوانية من تهنئة وتعزية، ورجاء ورثاء يظهر فيها مقدرته الفنية، ويشبع غريزته الأدبية.
جاء جمال الدين إلى مصر بعد أن طوف في عديد من الممالك الإسلامية عله يجد بلدا يصلح أن يكون نواة يلتف حولها المسلمون، ليستعيدوا سالف قوتهم، وغابر مجدهم، ووجد في مصر تلك التربة الممرعة الخصيبة، فألقى بها عصا تسياره، ولم يكن قد اشتهر بآرائه السياسية، وإنما عرف عنه أنه عالم ديني ومصلح اجتماعي، فلما وجد الأمور بمصر تزداد كل يوم سوءا من سفه إسماعيل وطيشه، وبعثرته المال ذات اليمين، وذات الشمال على ملذاته وشهواته، ومصر تئن تحت الديون الباهظة، والأجانب ولا سيما إنجلترا وفرسنا يتلمظون عليها، اضطر للاشتغال بالسياسة، وانغمس فيها حتى قمة رأسه.
ولا أريد في هذا المقام أن أترجم له، وأتتبع مراحل حياته، إنما الذي يعنينا هنا ذلك التطور الكبير الذي نماه في نفوس طائفة من الشباب الذي إلتف حوله، وتشبع بتعاليمه ووجد فيهم الروح المتوثبة والهمة الناهضة، نلمس هذا التطور في أمرين:
أولهما: الموضوعات التي طرقها الكتاب، واتخذوا من الصحافة منبرًا يذيع آراءهم، وأفكارهم على الرغم من صرامة الرقيب وشدة وطأته، تمثلت هذه الموضوعات في الدفاع عن الشعوب المظلومة التي آذها حكامها عسفًا، وإرهاقًا ولم تكن تجرؤ على مراجعتهم في أمر أبرموه، ولو كان ظلما، ولا كيف تثور وتشكو وتئن وتتوجع، فناقشت هؤلاء الحكام في مدى سلطتهم، وحق الشعب في الحياة، وأن الحاكم يخطئ ويصيب، وأن مقدرات الأمة رهن يديه، فإن كان عادلًا عالمًا مصلحًا خيرًا سار بها في طريق الرشاد، وإلا ساقها إلى الهاوية، ونسمع من جمال الدين قوله يحرض الفلاح على الثورة ضد من يمتصون دمه، ويستغلون مجهوده: "أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت منها ما تسد به الرمق، وتقوم بأود العيال، فلماذا لا تشق قلب ظالمك، لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك"، ويصرخ في المصريين جميعًا بقوله: "انظروا أهرام مصر، وهياكل ممفيس وآثار طيبة، ومشاهد سوية، وحصون دمياط، فهي شاهدة بمنعة آبائكم وعزة أجدادكم هبوا من غفلتكم اصحوا من سكرتكم، وعيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء".
ويدعو جمال الدين إلى الأخذ بنظام الشورى، حتى لا يستبد الحكام بالأمر دون شعوبهم، وحتى لا يتخذ الأجانب سفه هؤلاء الحكام ذريعة يتدخلون بها في شئون مصر، ولكن النفوس لم تكن قد تهيأت بعد لتنقض غبار القرون الطويلة التي رزحت تحتها، وهي تئن من الظلم، وتستنيم إلى الاستبداد.
وأخذ هذا النثر الحديث يحارب الاستعمار في شتى صوره، ولا سيما بعد أن أخفقت الثورة العربية، ومنيت مصر بالاحتلال البريطاني، وتونس بالاحتلال الفرنسي، ثم الحث على إصلاح المفاسد الاجتماعية المتفشية في هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، والتي تعاني منها الجمهرة الغالبة حتى تمت فيها صفات رديئة على مر السنين كالنفاق، والرشوة والكذب، والخداع والتراخي في العمل إلى آخر هذا الثبت الشنيع من نقائص الأمم التي منيت بالاستعمار قرونًا طويلة، فماتت فيها روح الكرامة والعزة، لذلك عمد الكتاب في هذه الحقبة إلى التشنيع على هذه الرذائل، وتبشيعها لدى أفراد الشعب كي يقلعوا عنها.

وجد جمال الدين بمصر طائفة من المستنيرين قل ان وجدت حينذاك في أمة عربية إسلامية، ووجد الثقافة فيها خطت خطوات واسعة، واتصلت اتصالًا قويًا بالتيار الغربي، فتشجع هؤلاء الشباب الذين أعجبوا به وبآرائه -لأنها وجدت صدى قويًا في نفوسهم- على إنشاء الصحف وعلى الكتابة، والتعبير عن آرائهم لتكوين رأي عام حتى يمكن الإصلاح، وكان -على الرغم من أنه لم يكن عربي القلم واللسان بالنشأة- يكتب في هذه الصحف بإمضاء مستعار هو "مظهر بن وضاح"، وكان من أثر دعوته هذه أن أنشأ أديب إسحق جريدتيه مصر والتجارة، وأنشأ يعقوب بن صنوع جريدته "أبا نضارة"، وتدخل في تحرير الوقائع حين ولى أمرها الشيخ محمد عبده، فطلب إلى الكتاب أن يخوضوا في موضوعات معينة تمس حياة الأمة في صميمها.
وثاني مظاهر هذا التطور تكوين جيل من الكتاب، متمكن من اللغة قدير على الإسهاب، وشرح المعضلات السياسية والاجتماعية، عن دراية ومعرفة وعاطفة جياشة، من غير لجوء إلى المحسنات والزخارف، خبير بتفتيق المعاني وتوليد الأفكار، ولنستمع إلى الشيخ محمد عبده يشيد بأستاذه جمال الدين، وكيف كان أثره في تطور الأسلوب النثري أداء ومعنى:
"
كان أرباب العلم في الديار المصرية القادرون على الإجادة في المواضيع المختلفة، منحصرين في عدد قليل، وما كنا نعرف منهم إلا عبد الله "باشا" فكري وخيري "باشا"، ومحمد "باشا" سيد أحمد على ضعف فيه، ومصطفى "باشا"، وهي على تخصص فيه، ومن عدا هؤلاء فإما ساجعون في المراسلات الخاصة، وإما مصنفون في بعض الفنون العربية أو الفقهية وما شاكلها.
ومنذ عشر سنوات نرى كتبة في القطر المصري لا يشق غبارهم، ولا يوطأ مضمارهم، وأغلبهم أحداث في السن، شيوخ في الصنعة وما منهم إلا أخذ عنه، أو عن أحد تلاميذه أو قلد المتصلين به".
ويقول عن اقتداره على تفتيق المعاني، وخوضه في كل مشكلة تطرح أمامه خوض الخبير العالم: "كانت له سلطة على دقائق المعاني وتحديدها، وإبرازها في الصورة اللائقة بها، كأن كل معنى قد خلق له، وله قوة في حل ما يعضل منها كأنه سلطان شديد البطش، فنظرة منه تفكك عقدها، وكل موضوع يلقى إليه يدخل للبحث فيه كأنه صنع يديه، فيأتي على أطرافه، ويحيط بجميع أكنافه، ويكشف ستر الغموض عنه، فيظهر المستور منه، وإذا تكلم في الفنون حكم فيها حكم الواضعين لها، ثم له في باب الشعريات قدرة على الاختراع، كأن ذهنه عالم الصنع والإبداع".
أفاد جمال الدين النثر فائدة جليلة بإرشاد تلاميذه إلى التحرر من القيود الثقيلة التي كانت ترسف فيها الكتابة الإنشائية، مما أفسد المعنى، وستر الأفكار عن الموضوع والجلاء، كما أرشدهم إلى تجنب المقدمات الطويلة التي ترهق الكاتب، والقارئ بدون طائل، وطبعي أن يصرفهم إلى الاهتمام بالمعاني؛ لأن النثر المقيد لا يتسع لهذه المعاني الجديدة العميقة، ولا يستطيع الإفصاح عنها بوضوح.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.