أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-12-2021
1815
التاريخ: 23-12-2021
1747
التاريخ: 18-9-2016
4580
التاريخ: 2024-07-30
369
|
إن قاعدة السلطنة من القواعد العقلائية قبل أن تكون قاعدة فقهية, وقد شاع الاستدلال بها في جل أبواب المعاملات, وإنها من القواعد المسلّمة لدى الفقهاء, وان المستفاد من قاعدة السلطنة هو التصرف لكل مالك بماله كيف شاء, إلا ما خرج منها بالدليل المعتبر الذي يخالف الحدود الشرعية, فله حرية تامة في التصرف إلا ما يُستثنى منها.
معنى السلطنة لغة:
السلطنة بمعنى الملك والتحكم والتمكن من التصرف (1).
معنى السلطنة اصطلاحاً :
ذهب بعض الفقهاء بأن السلطنة بمعنى الملكية والإحاطة, وهي من الأمور الاعتبارية العقلائية لا وجود لها في الخارج, وقد ذُكرت السلطنة في مبحث تعريف البيع (2).
مدرك القاعدة :
اولا : القران الكريم: قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
يستفاد منها أنه لا يجوز مزاحمة أي إنسان في ماله إلا من طرق معينة وردت في الشرع. دلت على عدم جواز أكل أموال الناس إلا من طرق خاصة مشروعة, تبتني على رضا الطرفين, وجعل حرمة المال كحرمة قتل الأنفس وكأنه إلى هذا ينظر الحديث المعروف: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه)(3).
قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2] .
وهذا دليل على أن الإنسان لو لم يكن قادراً على حفظ أمواله لا بد أن تحفظ من طريق من يقدر على ذلك, وأن الولي يجب عليه كمال الاحتياط فيه, وإلا أرتكب إثماً عظيماً.
والتعبير بأموالكم وأموالهم دليل واضح على الملكية الخاصة في هذه الأموال لا ملكية المجتمع.
قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] .
دلت على أنه لا يجوز التصرف في شيء من أموالهم الحاصلة من طريق الصداق إلاّ بأذنهن ورضاهن.
ثانيا : السنة الشريفة:
قال: (الناس مسلطون على أموالهم).
ذكر فقهاء الإمامية هذا الحديث في كتبهم الفقهية من غير سند روائي ولكن قد عمل به المشهور, بل أرسله الفقهاء في كتبهم الاستدلالية إرسال المسلمات, حتى جعلوا مفاده من القواعد الفقهية المسلمة, ويلتجئون إليها في موارد شتى, ولإذن هذا يكون عملهم هذا جابر لوهن الخبر وضعفه (4).
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء مادام حياً إن شاء وهبه وإن شاء تصدق به, وإن شاء تركة إلى أن يأتيه الموت) (5).
إن ذكر الهبة والصدقة من باب المثال لما وقع التصريح فيها بأن له أن يصنع بماله ما شاء, وليست السلطة على المال غير هذا.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شيء من الروح يضعه حيث يشاء)(6).
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (الإنسان أحق بماله ما دام الروح في بدنه)(7). فإطلاق الروايات قوله (أولى) و(أحق) يشمل أنواع التصرفات الناقلة وغير الناقلة. وتقيد روايات الوصية بالثلث كتخصيص هذه الاطلاقات بغير مرض الموت بناء على كون منجزات المريض من الثلث لا من الأصل, لا يضر بالمقصود فإن إطلاق السلطنة على المال كسائر الاطلاقات يقبل التقييد مهما ورد دليل عليه.
ثالثا : الإجماع: فإن الإجماع ظاهر كلمات القوم حيث إرسالها إرسال المسلمات
رابعاً : دليل العقل وبناء العقلاء:
هذه القاعدة عقلائية قبل أن تكون شرعية بل هي من القواعد الفطرية فإن لها أصولاً وجذوراً في فطرة الإنسان, فإن الناس جميعاً لا ينكروها فإن أنكروها لفظاً فلا ينكروها عملاً, فإن كل أحد إذا ظفر بمال احتفظ به ولا أحد يزاحمه فيه, ويرى في نفسه السلطنة عليه بجميع أنواع التسلط بل حتى الحيوانات تشترك في هذه القاعدة, فيكون حكم الشرع بها قبيل إمضاء ما عند العقلاء لا تأسيساً.
ومعلوم أن الإسلام جعل مالكية كل إنسان من طرق كسبه المشروع, ونفوذ تصرفاته المشروعة, وعدم جواز مزاحمته بغير إذنه.
ورد عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم: (إن حرمة مال المسلم كحرمة دمه)(7) و(وأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه)(8).
أقسام السلطنة:
أولاً: سلطنة الفرد:
إن لكل إنسان سلطة على أمواله يفعل فيها ما يشاء ويقلبها كيف يريد, ولكن هذا المعنى لا ينافي تحديدها بحدود شرعية وقيود أخلاقية, بل لا ينافي الاستثناءات الكثيرة الواردة عليها من طريق بناء العقلاء وطبقاً لأحكام الشرع.
نعم حددها الكتاب العزيز والسنة الشريفة من حيث متعلقها تارة ومن ناحية طرق كسبها أخرى وكيفية مصرفها ثالثة والحقوق المتعلقة بها رابعة وغير ذلك.
أ: ناحية المتعلق:
فقد حرّم الشرع كل ما فيه وجه من وجوه الفساد, مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ولحوم السباع والخمر, وكل شيء من وجوه النجس, وكل منهي عنه ما يتقرب به لغير الله عز وجل كالأصنام وكل بيع ملهو به كآلات القمار وآلات اللهو وكل ما يقوى به الكفر والشرك مثل كتب الضلال وما أشبه ذلك.
ب: طرق كسبها وتحصيلها:
فلا يجوز تحصيل ما يباح ملكه من طريق معونة الظالمين وأخذ الرشوة والغش والخيانة والسحر والشعوذة والقمار وتعليم ما يحرم تعليمه والفحشاء واللعب بآلات اللهو وغير ذلك مما يحرم فعله فإن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه, وأشترط في طرق كسبها الحلال أن تكون تجارة عن تراضٍ دون أكراه ولا إجبار, وصدور العقد عن البالغ العاقل المتمكن شرعاً من التصرف في أمواله, وكون المعاملة غير غررية ولا ربوية, وغير ذلك من الشروط. كما أن تسلط على المال أن لا يكون موجبا للضرر على المسلمين.
جـ: مصرف المال:
ليس مصرف المال مطلقاً في الإسلام بل لا بد أن لا يكون فيه إسراف ولا تبذير ولا أن يصرف في وجوه المعاصي وطرق الفساد, ولا الإضرار بالغير ولا بالأنفس إجمالاً. كما لم يثبت تسلط الإنسان على ماله بإتلافه أو إحراقه أو إفساده.
والحاصل: إن كون الإنسان مسلطاً على أمواله يتقلب فيه كيف يشاء لا ينافي تقييده بقيود مختلفة من شتى الجهات, بل أحكام أبواب المعاملات على سعتها إنما شرعت لبيان تلك القيود.
اعتراض وجوب:
إن عموم قاعدة السلطنة أو التسلط لا ينافيها تعلق حق الفقراء وغيرهم مثل أبواب الزكاة والخمس وغيرهما, فهي قاعدة عامة ما لم يرد على تخصيصها وتقيدها دليل خاص, فهي حجة في جميع أبواب المعاملات ما لم يوجد دليل خاص يخالفها.
شمول قاعدة السلطنة للحقوق:
ورد في الأخبار الشريفة سلطنة الناس على أموالهم ولم يرد تسلطهم على حقوقهم ولكن الفقهاء استدلوا على التسلط الناس على حقوقهم بما يلي:
1. بناء العقلاء وقبولهم سلطنة كل ذي حق على حقوقه بعد عدم ردع الشارع عنه.
2. التمسك بقياس الأولية فإن الإنسان إذا كان مسلطاً على أمواله كان مسلطاً على حقوقه من باب أولى.
قاعدة السلطنة على الأنفس:
إن الإنسان متسلط في إرادته على نفسه في طاعة الله وفعل ما يجوز له فعله بحسب حكم الشرع, بل قد يعبّر عن هذه السلطة بالملكية كما ورد في قوله تعالى حكاية عن النبي موسى عليه السلام عند عصيان بني إسرائيل وخروجهم عن أمره قال عز من قائل: [قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ](9) ولتسلط الإنسان على نفسه في الشريعة الإسلام بحدود وقيود:
أولاً: إن الإنسان قادر على أن يتسلط على نفسه بإجارتها, فيجوز أن يكون أجيراً على كل أمر مشروع أراده, لأن أفعال الإنسان الحر وإن لم تكن أموالاً بالفعل ولكنها أموال بالقوة.
ثانياً: إن الإنسان متسلط على نفسه في عقد نكاحه وعدم الإكراه والإجبار.
ثالثا: لم يتسلط الإنسان على نفسه في قتلها من دون أي مبرر أو إلقائها في التهلكة في غير ما أهم منه, وكذلك لم يتسلط في نقص أعضائه والضرر بها على جسمه وعقله, فإن أي شيء من ذلك غير جائز وهذا التسلط لم يثبت لأحد على نفسه.
ثانياً: سلطنة المجتمع:
هي سلطنة الناس جميعاً على المال العام, مثل الجبال والمياه وأمثالها, ولا يسمح لفرد من الأفراد أو جهة معينة بالسلطنة عليه, لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] , فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (لا يحل منع الملح والنار)(10), وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاثة: في الماء والكلأ والنار)(11).
ويحكم العقل بعدم الإمكان لفرد من الأفراد أن يختص بسلطنة على الموارد الطبيعية, أو جهة معينة, فإنه يلزم منه اختلال النظام الاقتصادي للمجتمع والدولة.
ثالثاً: سلطنة الدولة:
إن سلطنة الدولة هي سلطة الدولة وهي ليست سلطة مطلقة, كما إنها ليست مستمدة من ذات الدولة؛ لأن الدولة بمثابة مؤسسة قانونية لا تمنح لنفسها السلطة, كما أن وظيفتها لا تقتضي هذه السلطة بالإطلاق, وإنما مرتبطة بالجهة المانحة من حيث السعة والضيق ومتصلة بالأمانة والرعاية الموكلة للدولة ومنوطة بالمسؤوليات التي على عاتقها فضلاً إلى أن السلطة ليست دائمة.
قاعدة السلطنة وقاعدة الضرر:
هنالك خلاف بين الفقهاء في قاعدة السلطنة عند معارضتها لقاعدة لا ضرر في مسألة جواز تصرف المالك في ملكه عند تضرر جاره فاحشاً كحفر بلوعة عند بئر جاره, أو جعل داره مدبغة أو مطحنة, وقد أوضح السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض بأن قاعدة السلطنة مقدمة للأحاديث لان قاعدة لا ضرر تكون معارضة فيما لو قصد الأضرار.
والإنصاف هنالك عدة صور في تعارض عموم قاعدة السلطنة وقاعدة لا ضرر وهي :
1. إذا لزم من ترك تصرف المالك في ملكه ضرر عليه يعتد به.
2. إذا لزم من تركه التصرف ضرر ولكن يفوت بعض منافعه.
3. إذا لم يلزم شيء من ضرر عليه ولا يفوت بعض منافعه بل يعتبر التصرف عبثاً أو لبعض المنافع الجزئية التي لا يعتد بها.
4. إذا كان قصده من التصرف في ملكه الإضرار بالغير فقط من دون ان ينتفع به.
لا ريب في عدم جواز التصرف في الصورة الرابعة لعموم قاعدة لا ضرر فقط, أما الصور الباقية فإن تعارض ضرر المالك والجار فيما لا يخرج تصرف المالك في ملكه عن الحدود العقلائية, وكذلك إذا لزم من ترك تصرفه فوت منفعه منه, من دون ورود ضرر عليه.
نسبة قاعدة التسلط مع الواجبات المالية:
إن ما دل على وجوب الزكاة والخمس في أموال الناس وما دل على ثبوت الثلث في المال للميت إذا أوصى به, وكذا ما دل على حجر المفلّس بحكم الحاكم وغيرها على قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [الأنفال: 41] .
وقال: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). وقوله عليه السلام : (لو ان الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير)(12) فلا شك أنّ أدلة تعلق هذه الواجبات المالية حاكمة على قاعدة السلطنة فلا يبقى شك في تخصيصها بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب/ ابن منظور: ج2/ ص1866.
(2) مصباح الفقاهة/ السيد الخوئي ج2/ ص51؛ حاشية المكاسب/ محمد حسين الإصفهاني ج1/ ص111.
(3) الوسائل/ الحر العاملي/ ج12/ ص281.
(4) مصباح الفقاهة/ الخوئي: ج2/ ص119.
(5) القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج2/ ص22.
(6) الوسائل/ الحر العاملي/ ج19/ ص298.
(7) الوسائل/ الحر العاملي/ ج19/ ص299.
(8) القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج2/ ص31.
(9) المصدر نفسه.
(10) بحار الأنوار/ المجلسي/ ج101/ ص253.
(11) نيل الأوطار/ الشوكاني: ج6/ ص49.
(12) الكافي/ الكليني/ ج3/ ص497؛ القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج2/ ص41.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يصدرُ مجموعةَ أبحاثٍ علميَّةٍ محكَّمةٍ في مجلَّة الذِّكرِ
|
|
|