أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-4-2018
![]()
التاريخ: 20-2-2019
![]()
التاريخ: 25-4-2018
![]()
التاريخ: 30-4-2018
![]() |
المكونات التحتية لحروف الجر
عبد المجيد الجحفة
مدخل الى الدلالة الحديثة
ص117- 120
بعد تحديدنا للإطار الذي تتدرج فيه معالجة هذه الطبقة من الالفاظ، وجب تحديد كيفية رصد ذلك. من المؤكد ان معرفة هذا الجزء من المعلومات الذي ترمز اللغة ( وهي المعلومات القضائية ) لا يمكن ان يتم الا داخل نظرية لمعاني الالفاظ. وعلى هذه النظرية ان تمدنا، الى جانب ذلك، بتصور عام عن المعلومات التي تفيدها الوحدات المعجمية ( وحروف الجر منها، بالطبع ). ان المعجم هو الكفيل بإعطائنا معاني الالفاظ والتأويلات الدلالية التي تسند اليها. ونفترض ان هذا المعجم (الذهني) مستوى ومطرد، ولا يختلف عن المعرفة النحوية التي ينبغي ان تكون المتكلم اللغة
ص118
من الاقتراحات الدالة في رصد البنية التحتية للعبارات الفضائية واتساقها ما قدمه غروبر (1965)(1). ينطلق غروبر، كما اوضحنا في الفصل الثالث، من افتراض بنيات قبل – معجمية للمداخل المعجمية والحروف لها ايضا بنياتها قبل – المعجمية التي تفسر الاختلاف السطحي المتجلي فيما تفيده هذه الحروف. ولهذه البنيات ثوابت معينة تسمح للحروف بأن تستعمل لوصف العلاقات الفضائية عموما، كما نجد عناصر متقابلة تنتج الدلالة الفضائية لكل حرف على حدة. وعلاوة على هذا، فإننا نجد تسلسلا من حيث البساطة والتعقيد في بنيات هذه الحروف.
لقد كان التصور القديم لحروف الجر مبنيا على تصور تصنيفي يقدم كل حرف على حدة من غير ربطه في الغالب، بالحروف الاخرى. والدراسات القديمة، وان ربطت بين الحروف وبعض معانيها، فإنها لم تكن تقدم طرحا عاما يفسر التعالق بين المعاني في اطار نظرة شمولية لما يمكن ان يدل عليه حرف الجر بوجه عام. وقد جمعت حروف الجر تركيبا ودلاليا. ويرى التجميع التركيبي انها حروف اضافة لأنها تضيف ما بعدها الى ما قبلها، وانها حروف جر لان مفعولها يكون مجرورا. اما التجمع الدلالي فكان يشكو من بعض النقص، وخصوصا على مستوى ربط العلائق الدالة، سواء بين استعمالات الحرف الواحد وتأويلاته، او على مستوى ما يوحد تأويلا بين حروف متعددة(2).
تعبر حروف الجر في اصل معناها عن علاقات فضائية. ومن هذه العلاقات ما يفيد الحلول، ومنها ما يفيد الابتعاد عن الحلول، ومنها ما يفيد الاقتراب من الحلول. تسمى العلاقة الاولى علاقة المكان، ونمثل لها بالحرف " في " و "الباء" و "مع " و"علي ". وتسمى العلاقة الثانية انتهاء الغاية، ونمثل لها بحروف من قبيل " الى " و "اللام " و "حتى ". وتسمى العلاقة الثالثة ابتداء الغاية، ونمثل لها بحروف من قبيل " من " و " عن ". والجمل(6-8) تقدم كل نوع، على التوالي:
(6) أ- نمت في الفندق.
ب- كنت مع صديقي
جـ - اقطن بالدار البيضاء
ص118
(7) أ – جئت من مراكش
ب – رحلت عن مراكش
(8) ذهبت الى فاس
الملاحظ ان هناك تجانسا بين الجملتين (7) والجملة (8)، اذ تصف هذه الجمل كلها مسافة معينة، او انتقالا في الفضاء، اما الجمل (6) فتصف حلولا في الفضاء. الا انه ليس معنى هذا انه لا يوجد ارتباط بين الجمل (7-8) من جهة، والجمل (6) من جهة اخرى. فالجمل (7-8) تتضمن بالضرورة ما تتضمنه الجمل (6). فالجملة (8) تفيد انني انتقلت ( من مكان ما ) الى فاس ؛ وهذا معناه انه حصلت حركة وانتهت في فاس ؛ ففاس حلولا تلا الحركة. ولهذا، فان الحرف "الى " يتضمن، في جزء منه، ما يفيده "في"، اي الحلول. ولذلك نسمي النوع الذي ينتمي اليه "الى" الاقتراب من الحلول. الا ان الجملتين (7) لا تفيدان الاقتراب من الحلول، وانما تفيدان الابتعاد منه. فهاتان الجملتان تعنيان انني غادرت مراكش. ولهذا، فهاتان الجملتان لا تتضمنان الحلول، وانما نفيه ,. فاذا كانت عبارات الاقتراب من الحلول تتضمن المسار والحلول، فان عبارات الابتعاد من الحلول تتضمن المسار ونفي الحلول.
(9) أ - الاقتراب ( = اتجاه + هدف ): مسار + في
ب – الابتعاد ( = اتجاه – هدف): مسار + لا في
واذا كانت الصياغة (9أ) تركز على الهدف الذي يتم الحلول فيه بعد قطع مسار معين، فان (9 ب ) تركز على المصدر الذي انطلقنا منه في الاتجاه غير المحدد.
نستخلص، اذن، ان هناك علاقة واضحة بين العبارات الاتجاهية ( الاقترابية و الابتعادية ) والعبارات الحلولية. فالاقتراب يثبت الحلول، والابتعاد ينفيه. واذا كانت علاقة الاتجاه بالحلول علاقة ( تضمن الهدف او تضمن نفيه ) فان علاقة الاقتراب بالابتعاد هي النفي. لاحظ الفرق بين (10) و (11):
(10) ذهب زيد من المدرسة
(11) ذهب زيد الى المدرسة
ان المسافة التي يصفها المركب "من المدرسة" تنفي المسافة التي يصفها المركب " الى المدرسة ". وهذا التعارض واضح في كل الاستعمالات الفضائية الموجودة في اللغات الطبيعية.
ونشير الى ان النفي الذي يبين الحرف "من" داخليا (اي تحتيا) لا علاقة له بالنفي الذي يدخل على الجملة، مثلا. فنفي الجملة التي تتضمن " الى " لا يعطينا عادة المعنى الذي تفيده "من":
ص119
(12) لم يذهب زيد الى المدرسة.
فالجملة(12)، التي تعتبر نقيا للجملة(11)، لا تنفي المسافة " الى المدرسة ". وبذلك لا يمكن ان نتصور علاقة ترادف ما بين (12) و(10)، لان نفي الجملة المتضمنة "الى " لا يؤدي الى معنى "من".
ويتجلى هذا النفي المقترن بالحرف "من" في سياقات لا يمكن ان يكون معناها الا النفي. ولذلك يرتبط "من" بأفعال تفيد المنع والحرمان، فنقول مثلا " منعته من الشيء " او "حرمته منه "، ولا نقول "منعته اليه" ولا "حرمته اليه" ولا "منعته الشيء ". ولننظر، اضافة الى هذا، الى الفرق الدلالي بين "رغب الطفل في الطعام" و " رغب الطفل عن الطعام ": يعني التركيب الاول ان الطفل يريد الطعام، ويعني التركيب الثاني ان الطفل لا يريد الطعام. وهذا النفي الذي يعنيه التركيب الثاني إنما مرده الى " من ". ألا ترى أن التركيبين يتماثلان في كل شيء سوى في ورود " في " مقابل " من ". ولذلك، فالحرف " من " يتضمن النفي في بنيته قبل – المعجمية.
يدل " في " على الحلول، ويدل الاقتراب على الحلول، ويدل الابتعاد على نفي الحلول. ومعنى هذا أن " في " عنصر نووي في كل هذه البنيات. ولعل هذا التضمن هو السبب في نفي (من) للحرف (الى)، إذ يرجع ذلك، بالأساس، الى كون (الى) يتضمن (في)، وفي كون (من) يتضمن (لا في). واعتبارا لهذا، يمكن أن نقول ان العنصر التحتي البسيط [في] يتحقق في الحلول والمسار. غير أن المسار أعقد من الحلول، لأنه إما أن يمثل له بالعنصر التحتي [الى [في]]، أو بالعنصر التحتي [الى [لا[في]]].
إن ما يشترك فيه (في) و (الباء) و (مع) و (على) أنها تدل كلها على الحلول، غير أنها تختلف في شيء أساسي: إن (في) هي أبسط تعبير عن الفضاء. فالحرف (على)، مثلا يتضمن (في) عمقا:
(13) الكتاب على الطاولة.
إن (الكتاب) يضيف سمة الاستعلاء الى (في). أما (الباء)، فهي، وإن شاركت الحرف (في) في دلالته على الحلول، فإن بنيتها أعقد من بنية (في) نظرا الى غنى التراكيب التي تظهر فيها، ونظرا الى تنوعها، بحيث تظهر في تراكيب الاداة والمكان المصاحبة،.. إلخ. والحرف (مع) شبيه، من هذه الناحية، بالباء.
إذا كانت هذه الملاحظات صحيحة، فإنه من المفترض أن تعكس البنية النووية التي نملكها في تصور الفضاء بوجه عام. وسنرى أن هذه البنية تؤطر حقولا أخرى غير فضائية بحيث تُعامل معاملة الفضاء جزئيا.
ص120
_______________
(1) البنيات التحتية المقترحة يمكن اعتبارها جزءا من البنية التحتية للافعال والافعال لا يمكن ان تخرج عن الدلالة على الحركة او الاستقرار. ولذلك اعتبر هذان العنصران من العناصر الاولية في التمثيل الدلالي للافعال. وسنبين علاقة هذا بنية حروف الجر وتأويلاتها. وانظر الفاسي الفهري(1986) وجاكندوف (1983).
(2) لا يمكن ان ننكر عدد من الملاحظات الدقيقة التي قدمها سيبويه في باب حروف الجر. ومن هذه الملاحظات اقتراحه ان لكل حرف جر معنى اصليا، وكل معاني الحرف الاخرى ترتبط بهذا المعنى الاصلي. وقد تبعه في ذلك كل النحاة اللذين بحثوا في حروف المعاني، ومنهم الزجاجي وابن هشام والمرادي، وغيرهم. غير اننا لا نجد عندهم معالجة واضحة لهذا "الاشتقاق" الدلالي.
|
|
هل يمكن أن تكون الطماطم مفتاح الوقاية من السرطان؟
|
|
|
|
|
اكتشاف عرائس"غريبة" عمرها 2400 عام على قمة هرم بالسلفادور
|
|
|
|
|
رئيس هيأة التربية والتعليم يطَّلع على سير الأعمال في المبنى الجديد لجامعة العميد
|
|
|