خطبة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في وصف الشيعة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص90-92
2025-11-30
48
جاء في كتاب «كنز الفوائد» للكراجُكيّ بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، عن رجل من قومه اسمه يحيى بن امّ طويل، عن نوف البكالي أنَّه قال: «عرضت لي إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حاجة فاستتبعتُ إليه جُندب بن زُهير، والربيع بن خُثيم، وابن أخيه همّام بن عُبادة بن خُثَيمْ، وكان من أصحاب البرانس. فأقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فألفيناه حين خرج يؤمُّ المسجدِ فأفضى ونحن معه إلى نفر مبدَّنين قد أفاضوا في الأحدوثات تفكّهاً، وبعضهم يلهي بعضاً. فلمّا أشرف لهم أمير المؤمنين عليه السلام أسرعوا إليه قياماً فسلموا، فردّ التحيّة، ثمّ قال: من القوم؟ قالوا: اناسٌ من شيعتك
يا أمير المؤمنين، فقال لهم خيراً، ثمّ قال: يا هؤلاء؛ ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبّتنا أهل البيت؟ فأمسك القوم حياءً.
قال نوف البكالي: فأقبل عليه جندب والربيع فقالا: ما سمةُ شيعتكم وصفتهم يا أمير المؤمنين! فتثاقل عن جوابهما، وقال: اتّقيا الله أيّها الرجلان وأحسنا فإنَّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون.
فقال همّام بن عبادة وكان عابداً مجتهداً: أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصّكم وحباكم، وفضّلكم تفضيلًا إلّا أنبأتنا بصفة شيعتكم. فقال: لا تُقسم، فسأنبئكم جميعاً. وأخذ بيد همّام، فدخل المسجد، فسبّح ركعتين أوجزهما وأكملهما وجلس وأقبل علينا. وحفّ القوم به. فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ، ثمّ قال: أمّا بعد. فإنَّ الله جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، خلق خلقه فألزمهم عبادته، وكلّفهم طاعته، وقسّم بينهم معايشهم، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم، وهو في ذلك غنيّ عنهم، لا تنفعه طاعةُ من أطاعه، ولا تضرّه معصيةُ من عصاه منهم ...
ويواصل نوف سرده لكلام الإمام، إلى أن يقول: ثمّ وضع أمير المؤمنين صلوات الله عليه يده على منكب همام، فقال: ألا من سأل عن شيعة أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم في كتابه مع نبيّه تطهيراً، فهم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل والفواضل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع ... وواصل الإمام كلامه في تعداد صفاتهم واحدة بعد الاخرى بالتفصيل وذكر حالاتهم الروحيّة، وملكاتهم النفسيّة ومشاهداتهم الغيبيّة، إلى أن قال عليه السّلام: «اولَئِكَ عُمّالُ اللهِ، ومَطايَا أمْرِهِ وطَاعَتِهِ، وسُرُجُ أرْضِهِ وبَرِيَّتِهِ، اولَئِكَ شِيعَتُنَا وأحِبَّتُنا ومِنّا ومَعَنا، ألَا اه شَوقاً إليهِمْ». فصاح همّام صيحةً وقع مغشيّاً عليه فحرّكوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمة الله عليه، فاستعبر الربيع بن خثيم عمّه باكياً وقال: لأسرع ما أودت موعظتك يا أمير المؤمنين بابن أخي، ولوددتُ لو أنَّي بمكانه. فقال الإمام: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها. أما والله، لقد كنتُ أخافها عليه.
فقال له قائل: فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: ويحك، إنَّ لكلّ واحد أجلًا لن يعدوه، وسبباً لن يجاوزه، فمهلًا لا تعُدْ لها، فإنَّما نَفَثَها على لسانك الشيطانُ.
قال نوف: فصلّى عليه أميرُ المؤمنين عليه السلام عشيّة ذلك اليوم وشهد جنازته ونحن معه.
قال الراوي عن نوف: فصرتُ إلى الربيع بن خثيم فذكرتُ له ما حدّثني نوف. فبكى الربيع حتى كادت نفسه أن تفيض، وقال: صدق أخي لا جرم أنَّ موعظة أمير المؤمنين وكلامه ذلك منّي بمرأى ومسمع. وما ذكرتُ ما كان من همّام يومئذٍ وأنا في بلهنية[1] إلّا كدّرها، ولا شدّة إلّا فرّجها[2].
[1] «بحار الأنوار» ج 15، كتاب الإيمان، ص 153.
[2] «المصدر السابق» ج 15، كتاب الإيمان. ص 149.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة