الأسباب القانونية للفساد الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص142-150
2025-11-03
47
تلعب الأسباب القانونية دوراً هاماً في انتشار ظاهرة الفساد الإداري مثل: نقص التشريعات أو غموضها أو تعارضها، أو الثغرات القانونية التي يتسلل منها الفساد الإداري وتضفى عليه الشرعية القانونية ويسمى (الفساد المشرعن)، ويرتبط الفساد الإداري في أغلب الأحوال بجمود القوانين وقدمها وكثرتها وعجزها عن مسايرة ظروف العصر الحديث والتغيرات التي طرأت على الحياة الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، فقد بينت إحدى الدراسات الميدانية في مصر ذلك بالإضافة الى أسباب أخرى مثل عدم التنسيق بين الهيئات التشريعية والإدارية وتضارب القوانين ووجود أخطاء في النصوص والتفسير الشخصي لبعض أحكام القوانين من قبل الموظفين وعدم فهم القوانين من قبل الأفراد، وأن هذه الأسباب ليست مستقلة عن بعضها، وإنما مترابطة ومتداخلة (1). كما بينت دراسة أخرى أن وجود قوانين لا تجسد الصالح العام، وتخدم فئات وجماعات معينة، وكثرة القوانين وغموضها والثنائية في تفسيرها من أسباب الفساد الإداري(2). ونتناول فيما يأتي أهم الأسباب القانونية :
أولاً: ضعف الإطار التشريعي العام
يقصد بالإطار التشريعي، مجموعة القوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات الإدارية التي تنظم سلوك الموظفين اتجاه الإدارة واتجاه المواطنين، وكذلك الأفراد فيما بينهم، وبما أن سن القوانين من اختصاص السلطة التشريعية، والتشريع الفرعي - الأنظمة والتعليمات - من اختصاص السلطة التنفيذية، فيترتب على ذلك إذا كانت السلطة التشريعية فعالة ومنتخبة وتعبر تعبيراً صادقاً عن مصالح وأهداف الأفراد والمنظمات وتحظى بالتأييد وتتسم بالنزاهة فأن السلطة التنفيذية تكون هي الأخرى كذلك، ويحظى موظفوها بالاحترام، والعكس صحيح (3)
ولكن في حقيقة الأمر أن غالبية السلطات التشريعية في الدول النامية تعترضها كثير من العقبات التي تعوق فاعليتها وتقيد سلطاتها، فقد أكدت أحدى الدراسات أن هذه السلطات ليست سوى سلطات شكلية (4)، يتم تعيين أعضائها من أشخاص لا تتجاوز صلاحياتهم دور وضع الأختام وبذلك تنعدم الرقابة الشعبية على تلك السلطات (5). وبهذا يمكن القول أن هناك بعض التشريعات التي تقوم بإعدادها السلطة التنفيذية وتقرها السلطة التشريعية في الدول النامية قد تكون لصالح فئات معينة، خاصة أصحاب المناصب السياسية والإدارية العليا (6). وقد بينت أحدى الدراسات عن الرشوة في مجتمعات جنوب آسيا أن من أسباب الرشوة هو أن الإجراءات القانونية العقابية لا تسمح في ردع كبار مقترفي الرشوة من الطبقات العليا حيث أنها لا تستطيع الوصول إليهم بما لديهم من وعي بالثغرات القانونية التي ينفذون من خلالها دون التعرض لأي عقاب، إضافة إلى أن الإجراءات القانونية لا يمكنها المساس بأعضاء الطبقة العليا بالقدر الذي يمكن أن تطبق به على أعضاء الطبقات الوسطى والدنيا (7).
وهذا ما نلاحظه الآن في العراق من ضعف في الإطار التشريعي مثل: نقص القوانين التي تكافح الفساد والقوانين التي تقيد حرية كبار المسؤولين في التصرف بالمال العام، وكذلك كثرة التشريعات السابقة والتي لم تعدل أو تلغى، ويتمثل ضعف الإطار التشريعي في الحالات الآتية:
1. نقص القوانين أو (الفراغ التشريعي): الأمر الذي يؤدي إلى استغلال هذا النقص في اختلاس الأموال العامة وأخذ العمولات والرشوة والتواطؤ، وخير مثال على ذلك عدم وجود قانون خاص بمكافحة الفساد الإداري يحدد بوضوح صوره وأنواعه وطرق الوقاية منها وعلاجها، أنما هناك نصوص متفرقة في بعض القوانين، وندعو الى تشريع هذا القانون لما فيه من توحيد لهذه النصوص.
2. غموض التشريعات إن غموض التشريعات يوفر فرصة لانتشار آليات الفساد وهو ما يسمى بالثغرات القانونية( فقد يكون القانون جزءاً من المشكلة عندما تكون صياغته ضعيفة وإجراءاته معقدة فهو يجعل الناس تدور حول أنفسهم) (8) ، وقد أكدت دراسة للبنك الدولي بأن غموض القوانين وعدم وضوحها من أسباب الفساد(9). فالفساد الإداري يقوى عند غياب الشفافية أي أن مصدر قوته في الغموض وعدم الوضوح فالرشوة والسرقة والخداع وغيرها من مظاهر الفساد الإداري لا تتم أمام الأعين وفي وضح النهار وإنما تتم خلف الستار وفي الظلام (10). والشفافية Transparency مفهوم أنتشر حديثاً ويقصد به الوضوح والعلانية وحرية الوصول الى المعلومات من أجل تقليل حالات الفساد التي غالباً ما تتم في السرو خلف الأبواب المغلقة، ومن هنا فأن غموض التشريعات تكون نتائجه سلبية أي أنه يساعد على الفساد(11).
3. اختلاف التشريعات والتعارض فيما بينها إن اختلاف التشريعات في دولة واحدة وخاصة (الدول الفدرالية) قد يكون سبباً لاستشراء الفساد، فاختلاف تشريعات الولايات عن تشريعات الحكومة المركزية يعطي لتلك الأحكام المتباينة فرصة تجعل الرشوة مسألة يصعب تجنبها (12) . فقد ذكرت دراسة للبنك الدولي، أن أحد أصحاب المشاريع في البرازيل تلقى زيارة من مفتشين تابعين لحكومة الولاية والحكومة الفدرالية في الوقت نفسه للتأكد من ضبط الشركة وهي تنتهك واحداً من قوانين الحكومتين، إن مثل هذه الممارسات تمكن سلطات تنفيذ القانون أن يطلبوا مدفوعات للتغاضي عن الانتهاكات أو لإنقاص الجزاءات المترتبة مما يجعل آلية الفساد منتشرة في مثل هكذا ممارسات (13) . ونشير هنا الى المادة (115) من دستور /2005 التي نصت على أولوية قوانين الأقاليم على القوانين الاتحادية في الصلاحيات المشتركة في حالة الخلاف بينهما، فهذا النص وحسب رأي الكثيرين - ونحن منهم - يؤدي الى التغاضي عن الكثير من حالات الفساد في الأقاليم اذا ما أرادت الحكومة الاتحادية الكشف عنها أو معالجتها من خلال القوانين الاتحادية. كذلك الاختلاف بين تشريعات الدول غالباً ما يؤدي الى الفساد، ففي مجال تشريعات مكافحة غسل الأموال، توجد الكثير من الثغرات القانونية الخطيرة من أمثلتها ما تم تشريعه في جزر سيشل أواخر التسعينيات وهو (قانون التنمية الاقتصادية) الذي يبدو بريء المظهر، إلا أنه يقدم للمستثمرين الأجانب الذين يستثمرون أكثر من (10ملايين دولار) حصانة من الملاحقة القضائية المترتبة على جميع المخالفات الجنائية بل أن لغته تكفل عدم إمكانية تغييره إلا من خلال استفتاء وطني وتعديل دستوري (14) أن هذا القانون يشكل ثغرة قانونية تمثل دعوة علنية رسمية للمشتغلين بغسيل الأموال، بالذهاب إلى جزر سيشل مع المال القذر، مما يهيئ لهذا المال أن يزدهر مستغلاً ثغرات القانون ويشكل بيئة مهيأة لانتشار الفساد (15).
4. كثرة التشريعات التي تنظم موضوعاً واحداً وهنا يحصل الإرباك في التعامل مع الكم الكبير الذي ينظم موضوعاً واحداً، فقد تكثر التفسيرات الخاطئة والمتباينة، ومثال ذلك في العراق كثرة التشريعات التي تنظم الخدمة المدنية، فمن المعروف أن القانون النافذ حالياً هو قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960، وقد صدرت عدة قوانين معدلة له وقرارات لمجلس قيادة الثورة المنحل وأنظمة وتعليمات متعلقة به، وكذلك لوائح وأوامر سلطة الائتلاف المؤقتة (16) وكذلك الأمر مع قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. إن كثرة التشريعات المتعلقة بموضوع واحد تتطلب الإلمام بها من جانب الموظف المختص وهذا أمر فيه صعوبة فالموظف بشر ومعرض للنسيان أو السهو، وربما يعمد الى إخفاء البعض منها عن المواطنين أو الموظفين أصحاب الحاجة وخاصة في المجتمعات التي لا يتوفر فيها الوعي القانوني، وليس فيها شفافية في التعامل ويستغل ذلك في ابتزازهم أو الانتفاع من خلالهم.
5. السلطة التقديرية للإدارة تمنح السلطة التقديرية للموظف لمواجهة حالات معينة مثل إصدار عقوبة بحق الموظف المخالف، حيث أن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 على سبيل المثال قد ترك تحديد المخالفة للشخص المخول بفرض العقوبة استنادا الى مبدأ (لا عقوبة الا بنص)، وهنا يمكن استغلال هذه السلطة في فرض العقوبة على أسس غير موضوعية ولأسباب شخصية يمكن أن تكون المصلحة الخاصة من ورائها، وقد يصل الأمر أحياناً الى إصدار قرار إداري تحت غطاء المصلحة العامة لكنه في الواقع عقوبة إدارية، فقد بينت إحدى الدراسات أن مثل هذه القرارات الإدارية تعتبر (عقوبات مقنعة) يجوز الطعن بها والاعتراض عليها (17).
وكذلك ما ورد في قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 الذي منح موظفي دائرة الضريبة سلطة تقدير دخل المكلفين لغرض فرض الضريبة (18) ، أو ما موجود في التعليمات الخاصة بالتعاقد مع الإدارة من أن الدائرة غير ملزمة بقبول أوطأ العطاءات (19) . إن هذه السلطة التقديرية تفتح المجال للموظف لأن يساوم إذا لم يكن نزيهاً مستغلاً إياها لمصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة.
ومثال آخر هو ما نص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل حول عدم إحالة الموظف إلى المحكمة إلا بموافقة الوزير (20) . وهذا ما دفع رئيس هيئة النزاهة إلى القول بأن ملاحقة الوزراء وكبار الموظفين المتهمين بالفساد تتعثر لعدة أسباب أبرزها وجود نصوص تتيح للسلطة التنفيذية التدخل في أعمال السلطة القضائية، فعلى سبيل المثال لا يمكن إحالة الموظف الفاسد إلى المحكمة إلا بموافقة الوزير، فإذا كان الأخير مشاركاً في الفساد فأنه لا يوافق وأن لم يكن فأنه يرفض أيضاً لأنه يعتقد أن الكشف الفساد في وزارته يؤثر في سمعته، وأضاف بالقول كما أن القانون (21) ، اشترط إجراء تحقيق إداري في أية قضية فساد تحال إلى القضاء قبل بدء المحاكمة وأي مسؤول كبير أو وزير لا يسمح بذلك، وأنه بسبب هذا القانون فأن ملفات قضايا الفساد تصل إلى الإدارات القانونية للوزارات قبل بدء المحاكمة وهو ما مكن وزراء من الفرار قبل المحاكمة لأنهم أبلغوا من قبل موظفيهم بأمر الملاحقة القضائية(22). يتضح مما تقدم أن ضعف الإطار التشريعي الذي يظهر من خلال الثغرات القانونية والتباين في القوانين وغموضها، يساعد على نمو الفساد، حيث يلاحظ أن هناك بعض القوانين تكافح الفساد أو تمنع الموظف العام من ابتزاز الأفراد إلا أنها قوانين تحتفظ بها الحكومة في سجلاتها فحسب، وتصبح حقوق الاعتراض على ممارسات الفساد وبالاً على المعترضين بسبب كون نصوص القانون غير ذات أهمية تجاه استغلال السلطة وضعف التغيرات القانونية (23) .
وقد أظهرت التجربة في هونغ كونغ أن التعليمات غير الدقيقة تعطي سلطة تقديرية أكبر للموظف وتوفر له مزيداً من فرص الفساد ، ولذلك يتضح أن السياسة والتشريع وحدهما لا يضمنان الالتزام بالإجراءات الرسمية وإنما لا بد أن يتبع ذلك إصدار تعليمات تنظيم هذه الإجراءات تتسم بالوضوح لسد كل ثغرة يمكن أن يمر عبرها الفساد، وبناءً على ذلك لكي تأخذ التشريعات بعدها الصحيح يشترط أن يكون البناء القانوني لوسائل مواجهة الفساد متميزاً بالعبارات الدقيقة التي تحدد الأفعال محل التجريم تحديداً دقيقاً والابتعاد عن الغموض في التشريع الذي يصعب معه تحديد المعنى(24).
ولكي تكون التشريعات فعالة يجب أن تكون حديثة وخاضعة للمراجعة الدورية وتفسر وتنفذ بشكل واضح وحازم وعادل يمنع معها أن يحوز الموظف سلطة اتخاذ القرار الذي يقوم ببيعه إذا ما انعدمت نزاهته إلى مستفيد متواطئ معه بغية شراء القرار الإداري والسياسي لمصلحة خاصة تتحقق معها آلية الفساد الذي يبلغ حداً لتجاهل القوانين وعدم تنفيذها مما يسبب هدر واختلاس المال العام وتدميراً للمجتمع وإحلال شريعة الغاب محل شريعة الدستور والقانون(25).
ثانياً: عدم تطبيق القانون : من البديهي القول أن عدم تطبيق القانون يؤدي حتماً الى الفساد، فلو طبق القانون على الجميع دون استثناء لما حدث الفساد، ولكن من هو المعني بتطبيق القانون؟، الواقع أن المعني بتطبيق القانون هو المجتمع بأسره سلطة وأفراداً ، ولكن عدم التطبيق الذي يؤدي الى الفساد هو الذي يحصل من قبل الموظفين المختصين، فاذا لم يطبق رجل الشرطة القانون، عندئذ لم يحاسب المسيء وقد قيل (من أمن العقاب أساء التصرف) وكذلك القاضي حينما يهمل تطبيق القانون على المتهم، وأيضاً المسؤول الإداري في تعامله مع مرؤوسيه.
إن عدم تطبيق القانون هو إهدار للغاية منه وتعطيل تطبيق العدالة والنظام، وقد نص قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 في م 329 على معاقبة الموظف أو المكلف بخدمة عامة ويستغل وظيفته في تعطيل تنفيذ الأوامر التي تصدر من الحكومة أو أحكام القوانين والأنظمة.
إن هذا الأمر مرتبط بأسباب كثيرة، منها غياب الرقابة، فلو كانت هناك رقابة فاعلة لما تعطل القانون وبذلك يحدث التفاعل بين هذه الأسباب فأحدهما يكمل الآخر، وصحيح أن الخلق والأمانة الوظيفية تقضيان بعدم جواز إهمال القانون ولكن يبقى للجانب الرقابي الدور الرئيس في هذا المجال، إذ إن الرقابة الذاتية لا تنفع في جميع الحالات خاصة في المجتمعات غير المستقرة وفي ظل ظروف تساعد على الفساد من مغريات وحاجات لم يستطع الموظف الحصول عليها بالطرق العادية، وتؤثر العلاقة بين الموظف والدولة على تطبيق القانون فكلما كانت العلاقة بينهما جيدة كان احترامه للقوانين جيد والعكس صحيح، لذلك يلعب الولاء للوطن واحترام السلطة الدور الرئيس في تطبيق القانون.
ثالثاً: التشريعات التي تسبب الفساد: هناك تشريعات تسبب الفساد الإداري بصورة مباشرة رغم أن الدافع اليها قد يكون مشروعاً أو حتى إنسانياً، ومن هذه التشريعات:
1. قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 225 الصادر في 2002/10/20(26)، الذي أخلى سبيل جميع المحكومين والموقوفين بغض النظر عن نوع الجريمة ومدة الحكم، وهذا في الواقع قرار خطير لأنه دفع الى الشارع بالكثير من المجرمين والفاسدين الذين لم يستفيدوا من فترة الحكم وربما تعلموا الإجرام والفساد بطرق جديدة، كما أن هذا القرار قد ألغى الحكمة من العقوبة والمتمثلة بالردع العام والخاص، فلم يعد هناك ردع بل حافز للجريمة، واذا كان الدافع الى العفو هو إنساني فكان على المشرع أن يميز بين أنواع الجرائم كما كان يفعل في قرارات العفو السابقة عندما كان يستثنى بعض الجرائم التي يسميها خطيرة (27). أو يكون العفو على اساس فترة انقضاء المحكومية كما كان يحدث في حالات كثيرة ، فقرار العفو هذا لم يتوخ العدالة
لأنه شمل من أمضى في السجن عدة سنوات ومن أمضى عدة أيام بل حتى من كان في دور التحقيق. لقد ساهم هذا القرار مساهمة مباشرة في حالات السرقة والنهب والتدمير والفساد فيما بعد لقصر المدة بين صدوره وسقوط النظام السابق، فلم يكف الوقت لاندماج بعض المعفو عنهم من المجرمين في المجتمع، بل ما زالو يحملون في داخلهم الحقد والكره له وللكثير من مظاهر الحياة الطبيعية.
والغريب أنك لن تصادف بعد ذلك التاريخ أي شخص مؤشراً بأنه كان سجيناً عن جريمة معينة أو أنه من أصحاب السوابق، لأن الجميع أصبحوا سجناء سياسيين لما وفرته لهم الفوضى السياسية والإدارية والقانونية والاجتماعية من غطاء على تزوير الحقائق وما وفره لهم قانون إعادة المفصولين السياسيين من غطاء شرعي لإعادتهم الى وظائفهم (28) ، أو تعيينهم على أنهم ( من المضطهدين السياسيين).
2. الفقرة رابعاً من المادة /18 من دستور / 2005 التي نصت على أن: (يجوز تعدد الجنسية للعراقي وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً أن يتخلى عن أية جنسية أخرى مكتسبة وينظم ذلك بقانون).
إن النص أعلاه واضح وملزم ، ولكننا لم نر أحداً من الذين تولوا هذه المناصب قد تخلى عن جنسيته، وكان يفترض أن يكون النص ( عدم تولي العراقي الذي يحمل جنسية مكتسبة أخرى أي منصب....... إلا بعد أن يتخلى عن جنسيته المكتسبة).
وتشير الوقائع الى هروب الكثير من المسؤولين والوزراء المتهمين بجرائم فساد إداري الى البلدان التي اكتسبوا جنسيتها (29)، بل أن هذه البلدان قد أضفت الحماية على المتجنس، لأن هذه الجنسية الأخيرة قد اكتسبت بالولاء على عكس الجنسية العراقية التي اكتسبت على أساس رابطة الدم أو الولادة، ولذلك فهم يمنحون الولاء للبلد الذي يكتسبون جنسيته. كما أشارت نفس الفقرة الى تنظيم ذلك بقانون والقانون يشرعه مجلس النواب الذي يحمل معظم أعضائه جنسيات أخرى ويقيمون في البلاد التي اكتسبوا جنسيتها، وبالتأكيد أنهم يفكرون بالعودة الى هناك بعد انقضاء الدورة التشريعية وحصولهم على الراتب التقاعدي المجزي، لذلك فهم لا يناقشون هكذا قانون، ولو كان القانون في صالحهم كما هو الحال مع قانون رواتبهم ومخصصاتهم وتقاعدهم والامتيازات الأخرى لما تأخروا في تشريعه (30).
إن ازدواج الجنسية لأعضاء البرلمان مسألة اثيرت في بعض الدول فقد حكمت المحكمة العليا للقضاء الاداري في مصر ببطلان عضوية النائب (رامي لكح ) بسبب حمله جنسية فرنسية الى جانب جنسيته المصرية(31).
رابعاً: غياب الوعي القانوني: وهذه في الواقع مشكلة تعاني منها معظم بلدان العالم الثالث، والسبب يعود الى الأنظمة السياسية في هذه الدول لأن أكثرها أنظمة شمولية، وغالباً ما تأتي عن طريق الانقلابات العسكرية لذلك فالوعي ، القانوني ليس في صالحها خوفاً من المطالبة بالديمقراطية أو الحقوق السياسية والمدنية، لهذا نرى أن هذه الدول تقع في أسفل جداول منظمة الشفافية العالمية (32). في حين تأتي الدول الديمقراطية في المقدمة، حيث جاءت أول خمس دول هي الدانمارك وفنلندا والسويد ونيوزيلندا وأيسلندا في جدول 1998، و جاءت نفس الدول ما عدا سنغافورة حلت محل السويد في جدول 2005(33).
ولا يعني هذا أن الدول الديمقراطية أو دول الغرب خالية من الفساد لكنها بنسب أقل من الدول الأخرى كما رأينا، لأنه من المفترض أن الديمقراطية تساهم في مكافحة الفساد والحد من انتشاره على عكس الديكتاتورية، لهذا أصبح الفساد ظاهرة متفشية بدرجة واسعة في دول العالم الثالث (34).
واذا كانت هناك أسباب أخرى لهذا التباين مثل الانتعاش الاقتصادي والاستقرار السياسي وغير ذلك، لكن من حيث الوعي القانوني الذي يرتبط بما ذكرناه في أعلاه له الأثر الكبير في تفشي ظاهرة الفساد. ولغياب الوعي القانوني في بعض الدول عدة أسباب منها: عدم نشر التشريعات رغم أن معظم الدساتير تنص على نشرها (35)، وعدم السماح للمواطنين بمناقشة شؤونهم وحاجاتهم وعدم وجود أي تمثيل حقيقي لهم في المجالس التشريعية والمحلية، وكذلك انتشار الأمية والجهل والتخلف والاستبداد (36). إن آثار الأنظمة غير الديمقراطية سلبية دائماً، الأمر الذي يؤدي الى انشغال المواطنين بهمومهم ومشاكلهم اليومية مثل السعي للحصول على عمل أو خدمة عامة، ويترتب على ذلك عدم اهتمامه بالقوانين، كما أن حياته الصعبة تفقده الثقة بالقوانين، فهو ينظر اليها على أنها مجرد نصوص لا تطبق أو تطبق لصالح البعض، وحتى النقاش حولها يصبح مثار سخرية وينطبق عليه المثل القائل (كلام جرائد)(37).
بالإضافة الى أن بعض الموظفين البيروقراطيين يخفون التشريعات من قوانين وأنظمة وتعليمات عن الآخرين، ويمارسون ما يسمى " احتكار المعلومة " ولا يزودوها للآخرين كي يستطيعو التصرف وفق ما يريدون، وهذا هو غياب الشفافية الذي يعتبر أحد أسباب الفساد الإداري.
وفي الواقع أن القانون مرتبط بصورة مباشرة بكل جوانب الحياة اليومية للإنسان منذ ولادته وحتى وفاته فكل أحواله المدنية والشخصية وتصرفاته المشروعة وغير المشروعة ينظمها القانون، لذلك يجب أن يكون المواطن على علم تام بالقوانين التي تصدر، ونقترح تدريس مادة مبادئ القانون في المدارس الابتدائية والثانوية وحتى الجامعية بالإضافة الى بعض القوانين ذات التماس المباشر بحياة المواطن مثل القانون المدني، قانون الأحوال الشخصية.. الخ. فقد رأينا أن هناك مواد تدرس لا يستفيد منها الطالب بعد تخصصه وأقل أهمية من القانون مثل: الفيزياء الكيمياء، الأحياء فبعد أن يتخصص في موضوع آخر تبقى هذه المواد شيئاً من التاريخ.
__________
1- أنظر : د. عبد الرحمن محمد العيسوي، سيكلوجية الإدارة – الدار الجامعة الإسكندرية 1999 ، ص 203 و 241.
2- انظر: د. عبد الرضا فرج بدراوي، الفساد الإداري في العراق، الأسباب ووسائل المعالجة كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة البصرة، 2004 ، ص 19.
3- انظر: د. أحمد محمد عبد الهادي، الانحراف الإداري في الدول النامية، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، 1997، ص103.
4- أنظر على سبيل المثال المادة / 53 من قانون المجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995 التي نصت على أن لرئيس الجمهورية أن يطلب من المجلس الوطني مناقشة مبادئ مشروع اي قانون والتصويت عليه بالرفض أو القبول دون مناقشة مواده .
5- د. عمر إبراهيم الخطيب الجوانب الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية في الفكر العربي مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد الثاني عشر، 1989، ص18. 19.
6- أنظر ف أ من المادة 42 من دستور 1970 الملغى التي نصت على أن لمجلس قيادة الثورة إصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون.
7- انظر شادية على قناوي ظاهرة الرشوة في المجتمع المصري، دراسة اجتماعية ميدانية رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1976 ، ص125
8- انظر: 9.Robert Williams pop.cit حيث يضيف قائلاً أن هناك تأثيرا جانبياً قد يحصل فعندما تغطي القوانين الفساد سوف تحصل الجريمة المنظمة.
9- أنظر www.worldbank.org.
10- أنظر الفساد الإداري وغياب الشفافية مقال منشور على الموقع: http://www.alhayat.j.com/details .
11- للمزيد من التفصيل عن الشفافية إنظر الموقع: www.transparency.org .
12- أنظر عماد صلاح عبد الرزاق الشيخ ،داود الفساد والإصلاح منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003 ، ص139.
13- انظر: سوزان روز ،اکرمان مصدر سابق، ص 58 - 59
14- أنظر: عماد صلاح عبد الرزاق الشيخ ،داود الفساد والإصلاح منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003 ، ص138. 139.
15- أنظر باتريك جلين تعولم الفساد، محرر كمبرلي أن اليوت، الفساد والإقتصاد العالمي، ط1 ترجمة محمد جمال امام مركز الاهرام للترجمة والنشر القاهرة 2000 ، ص44.
16- هناك ( 55 ) قانوناً معدلاً لقانون الخدمة المدنية منذ صدوره وحتى عام 1999 ، و (152) قراراً لمجلس قيادة الثورة المنحل، و (90) نظاماً، وأكثر من (150) تعليمات أنظر - قاعدة التشريعات والتنظيمات العراقية إعداد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
17- للمزيد من التفصيل عن العقوبات المقنعه أنظر عبد المحسن السالم، العقوبات المقنعة بين المشروعية وتعسف الإدارة، دراسة مقارنة، ط1، بغداد، 1986.
18- للمزيد :أنظر قيصر يحيى جعفر السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل في القانون العراقي، رسالة دكتوراه، كلية القانون جامعة ،بغداد ،2004، ص 243 وما بعدها.
19- أنظر تعليمات تنفيذ ومتابعة مشاريع وأعمال خطط التنمية القومية لسنة 1988.
20- م / 136 ف / ب التي نصت على أن ( فيما عدا المخالفات المعاقب عليها بموجب قانون المرور رقم 48 لسنة 1971 المعدل والبيانات الصادرة بموجبه لا تجوز إحالة المتهم على المحاكمة في جريمة ارتكبت أثناء تأدية وظيفته الرسمية أو بسببها إلا بأذن من الوزير التابع له مع مراعاة ما تنص عليه القوانين ).
21- المقصود كما نعتقد هو قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 الذي اشترط في م/ 10 تشكيل لجنة تحقيقية.
22- أنظر - صحيفة الصباح ، العدد 878، 5 تموز 2006.
23- انظر: عماد صلاح عبد الرزاق الشيخ ،داود الفساد والإصلاح منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003، ص104.
24- أنظر:- د. فتحي سرور، العولمة والفساد والجريمة المنظمة مجلة الأهرام الاقتصادي، العدد 1600 في 1999/9/9.
25- أنظر د محمود عبد الفضيل من الفساد الأصغر إلى الفساد الأكبر مجلة السفير، 29 آذار 2000.
26- منشور في الوقائع العدد /2954 في 10/28 / 2002.
27- أنظر على سبيل المثال القرار رقم 152 في 2002/8/5 الذي استثنى المحكومين عن "جرائم المخدرات والتجسس والسرقة المقترنة بالقتل".
28- أنظر الفقرة ب من المادة / 1 من قانون إعادة المفصولين السياسيين رقم / 24 لسنة 2006 التي نصت على "من اعتقل أو احتجز أو تم توقيفة من قبل سلطات النظام السابق " وكان المفروض أن ينص على سبب الاعتقال أو الحجز أو التوقيف.
29- منهم وزير الكهرباء الأسبق " أيهم السامرائي "، ووزير الدفاع السابق " حازم الشعلان "، ووزير النقل الأسبق " لؤي العرس، وآخرون.
30- أنظر: طلال بركات، ازدواج الجنسية والمواقع السيادية مقال منشور على الموقع: www.alarabnews.com
31- جريدة الشرق الأوسط العدد 10679 في 28 آب 2001.
32- أنظر جدول عام 1998 المنشور على الموقع www.transparency.org/policy حيث أن آخر خمس دول هي نيجيريا تنزانيا هندوراس بورغواي الكاميرون، وآخر خمس دول في جدول 2005 هي :- هاييتي ،مانیمار، ترکمانستان بنغلادش، تشاد.
33- وقد حافظت معظم هذه الدول من الصنفين على نفس المراكز تقريباً للأعوام المحصورة بين 1998 و 2005 للمزيد من التفصيل أنظر الموقع : http://www.icgg.org
34- انظر: د. أحمد فارس عبد المنعم الديمقراطية ومكافحة الفساد، محرر د. مصطفى كامل السيد ود. صلاح سالم زرنوقة، الفساد والتنمية القاهرة، 1999، ص 329
35- أنظر المادة / 67 من دستور 1970 الملغى التي نصت على " تنشر القوانين في الجريدة الرسمية ويعمل بها من تاريخ نشرها الا اذا نص فيها على خلاف ذلك ".
36- أنظر الموقع www.alwadah.net/index
37- أنظر الموقع: www.alseyassah.com/news
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة