تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
معنى تشخص الوجود لا هو إلا هو
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج2/ ص187-201
2025-07-27
62
قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ (على لسان النبيّ يوسف على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام مخاطباً صاحبَيه في السجن): يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ، ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً (بلا مسمّى ولا أصالة ولا واقعيّة) سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. (الآيتان 39 و40، من السورة 12: يوسف).
تفسير العلّامة الطباطبائي لآية: أَأرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
قال سماحة العلّامة في تفسير هاتين الآيتين ما يلي:
قوله تعالى: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ. لفظة خَيْرٌ بحسب الوزن صفة من قولهم: خَارَ يَخِيرُ خِيَرَةً: إذَا انْتَخبَ واخْتَارَ أحَدَ شَيْئَيْنِ يَتَردَّدُ بَينَهُمَا، مِنْ حَيْثُ الفِعْلِ أوْ مِنْ حَيْثُ الأخْذِ بِوَجْهٍ.
فالخير منهما هو الذي يفضل على الآخر في صفة المطلوبيّة فيتعيّن الأخذ به. فخَيْرُ الفِعْلَيْنِ هو المطلوب منهما الذي يتعيّن القيام به، وخَيْرُ الشَّيْئَينِ هو المطلوب منهما من جهة الأخذ به كخَيْرِ المَالَيْنِ من جهة التمتّع به وخَيْرِ الدَّارَيْنِ من جهة سكناهما وخَيْرِ الإنْسَانَيْنِ من جهة مصاحبته، وخَيْرِ الرَّأيَيْنِ من جهة الأخذ به، وخَيْرِ الإلَهَيْنِ من جهة عبادته.
ومن هنا ذكر أهل الأدب أن الخير في الأصل «أخْيَر» أفعل تفضيل، والحقيقة أنّه صفة مشبّهة تفيد بحسب المادّة ما يفيده أفعل التفضيل من الفضل في القياس.... [1]
وبما مرّ يتبيّن أن قوله: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ- إلى آخره، مسوق لبيان الحجّة على تعيينه تعالى للعبادة إذا فُرض تردّد الأمر بينه وبين سائر الأرباب التي تُدعى من دون الله، لا لبيان أنّه تعالى هو الحقّ الموجود دون غيره من الأرباب، أو أنّه تعالى هو الإله الذي تنتهي إليه الأشياء بدءاً وعوداً دونها، أو غير ذلك.
فإنّ الشيء إنّما يسمّى خيراً من جهة طلبه وتعيينه بالأخذ به بنحو، فقوله: أهو خير أم سائر الأرباب، يريد به السؤال عن تعيّن أحد الطرفين من جهة الأخذ به، والأخذ بالربّ هو عبادته.
ثمّ إنّه سمّى آلهتهم أرباباً متفرّقين، لأنّهم كانوا يعبدون الملائكة وهم عندهم صفات الله سبحانه أو تعيّنات ذاته المقدّسة التي تستند إليها جهات الخير والسعادة في العالم، فيفرّقون بين الصفات بتنظيمها طولًا وعرضاً ويعبدون كلًّا بما يخصّه من الشأن، فهناك إله العلم وإله القدرة وإله السماء، وإله الأرض وإله الحُسن وإله الحبّ وإله الأمن والخصب وغير ذلك، ويعبدون الجنّ وهم مبادئ الشرّ في العالم، كالموت والفناء والفقر والقبح والألم والغمّ وغير ذلك، ويعبدون أفراداً، كالكمّلين من الأولياء وغيرهم، والجبابرة من السلاطين والملوك، وهم جميعاً متفرّقون من حيث أعيانهم ومن حيث أصنامهم والتماثيل المتّخذة لهم المنصوبة للتوجّه بها إليهم.
و قابل الأرباب المتفرّقين بذكر الله عزّ اسمه ووصفه بالواحد القهّار، حيث قال: أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.
فالكلمة تفيد بحسب المعنى خلاف ما يفيده قوله: أأرباب متفرّقون، لضرورة التقابل بين طرفي التردّد.
فالله علم بالغلبة يراد به الذات المقدّسة الإلهيّة التي هي حقيقة لا سبيل للبطلان إليه، ووجود لا يتطرّق الفناء والعدم إليه.
والوجود الذي هذا شأنه لا يمكن أن يُفرض له حدّ محدود ولا أمد ممدود، لأنّ كلّ محدود فهو معدوم وراء حدّه، والممدود باطل بعد أمده، فهو تعالى ذات غير محدود، ووجود غير متناه بحدّ، وإذا كان كذلك لم يمكن أن يُفرض له صفة خارجة عن ذاته مباينة لنفسه كما هو الحال في صفاته لتأدية هذه المغايرة إلى كونه تعالى محدوداً غير موجود في ظرف الصفة وفاقراً لا يجد الصفة في ذاته ولم يمكن أيضاً فرض المغايرة والبينونة بين صفاته الذاتيّة، كالحياة والعلم والقدرة، لأنّ ذلك يؤدّي إلى وجود حدود في داخل الذات لا يوجد ما في داخل حدّ في خارجه، فيتغاير الذات والصفات ويتكثّر جميعاً ويُحدّ.
وهذا كلّه ممّا اعترفت به الوثنيّة على ما بأيدينا من معارفهم.
فممّا لا يتطرّق إليه الشكّ عند المثبتين لوجود الإله سبحانه لو تفطّنوا أنّ اللهَ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ في نَفْسِهِ ثَابِتٌ بِذَاتِهِ لَا مَوْجُودٌ بِهَذَا النَّعْتِ غَيْرُهُ، وأنّ ما له من صفات الكمال فهو عينه غير زائد عليه، ولا بعض صفات كماله صفات زائدة على بعض.
فهو علم وقدرة وحياة بعينه.
فهو تعالى إحدى الذات والصفات اي أنّه واحد في وجوده بذاته، ليس قباله شيء إلّا موجوداً به لا مستقلًّا بالوجود، وواحد في صفاته، اي ليس هناك صفة له حقيقيّة إلّا أن تكون عين الذات فهو الذي يقهر كل شيء لا يقهره شيء.
والإشارة إلى هذا كلّه هي التي دعته أن يصف الله سبحانه بالواحد القهّار، حيث قال: أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ، اي أنّه تعالى واحد لكن لا واحد عدديّ إذا اضيف إليه آخر صار اثنين، بل واحد لا يمكن أن يُفرض قباله ذات إلّا وهي موجودة به لا بنفسها، ولا أن يُفرض قباله صفة له إلّا وهي عينه وإلّا صارت باطلة، كلّ ذلك لأنّه بحتٌ غير محدود بحدّ ولا منته إلى نهاية.
وقد تمّت الحجّة على الخصم منه في هذا السؤال بما وصف الأرباب بكونهم متفرّقين وإيّاه تعالى بالواحد القهّار، لأنّ كون ذاته المتعالية واحداً قهّاراً يبطل التفرقة- اي تفرقة مفروضة- بين الذات والصفات، فالذات عين الصفات والصفات بعضها عين بعض، فمن عبد الذات عبد الذات والصفات، ومن عبد علمه فقد عبد ذاته، وإن عبد علمه ولم يعبد ذاته فلم يعبد لا علمه ولا ذاته، وعلى هذا القياس.
فإذا فُرض تردّد العبادة بين أرباب متفرّقين وبين الله الواحد القهّار تعالى وتقدّس تعيّنت عبادته دونهم، إذ لا يمكن فرض أرباب متفرّقين ولا تفرقة في العبادة.
نعم، يبقى هناك شيء وهو الذي يعتمد عليه عامّة الوثنيّة من أن الله سبحانه أجلّ وأرفع ذاتاً من أن تحيط به عقولنا أو تناله أفهامنا، فلا يمكننا التوجّه إليه بعبادته، ولا يسعنا التقرب منه بعبوديّته والخضوع له.
والذي يسعنا هو أن نتقرّب بالعبادة إلى بعض مخلوقاته الشريفة التي هي مؤثّرات في تدبير النظام العالميّ، حتى يقرّبونا منه ويشفعوا لنا عنده، فأشار عليه السلام في الشطر الثاني من كلامه، أعني قوله: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، إلى دفعه.
تفسير العلّامة لآية: إن الحكْمُ إلَّا لِلَّهِ أمَرَ ألَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ
وعقّب على الآية: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ:
بدأ بخطاب صاحبيه في السجن أوّلًا ثمّ عمّم الخطاب للجميع، لأنّ الحكم مشترك بينهما وبين غيرهما من عبدة الأوثان.
ونفي العبادة إلّا عن الأسماء، كناية عن أنّه لا مسمّيات وراء هذه الأسماء، فتقع العبادة في مقابل الأسماء كلفظة إله السماء، وإله الأرض، وإله البحر، وإله البرّ، والأب، والامّ، وابن الإله، ونظائر ذلك.
وقد أكّد كون هذه الأسماء ليس وراءها مسمّيات بقوله: أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ، فإنّه في معنى الحصر، اي لم يضع هذه الأسامي أحد غيركم، بل أنتم وآباؤكم وضعتموها، ثمّ أكّده ثانياً بقوله: ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ.
والسلطان هو البرهان لتسلّطه على العقول، اي ما أنزل الله بهذه الأسماء أو بهذه التسمية من برهان يدلّ على أنّ لها مسمّيات وراءها، وحينئذٍ كان يثبت لها الالوهيّة، اي المعبوديّة، فصحّت عبادتكم لها.
ومن الجائز أن يكون ضمير (بها) عائداً إلى العبادة، اي ما أنزل الله حجّة على عبادتها بأن يثبت لها شفاعة واستقلالًا في التأثير حتى تصحّ عبادتها والتوجّه إليها، فإنّ الأمر إلى الله على كلّ حال. وإليه أشار بقوله بعده: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ.
وهو أعني قوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، ممّا لا ريب فيه البتة، إذ الحكم في أمر ما لا يستقيم إلّا ممّن يملك تمام التصرّف، ولا مالك للتصرّف والتدبير في امور العالم وتربية العباد حقيقة إلّا للّه سبحانه، فلا حكم بحقيقة المعنى إلّا له.
وهو أعني قوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، مفيد فيما قبله وما بعده صالح لتعليلهما معاً؛ أمّا فائدته في قوله قبل: ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، فقد ظهرت آنفاً؛ وأمّا فائدته في قوله بعد: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، فلأنّه متضمّن لجانب إثبات الحكم، كما أنّ قوله قبل: ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، متضمّن لجانب السلب.
وحكمه تعالى نافذ في الجانبين معاً، فكأنّه لمّا قيل: ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، قيل: فما ذا حكم به في أمر العبادة؟ فقيل: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ولذلك جيء بالفعل.
ومعنى الآية والله أعلم: ما تعبدون من دون الله إلّا أسماء خالية عن المسمّيات لم يضعها إلّا أنتم وآباؤكم من غير أن ينزل الله سبحانه من عنده برهاناً يدلّ على أنّ لها شفاعة عند الله أو شيئاً من الاستقلال في التأثير حتى يصحّ لكم دعوى عبادتها لنيل شفاعتها، أو طمعاً في خيرها أو خوفاً من شرّها.
وأما قوله: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، فيشير به إلى ما ذكره من توحيد الله ونفي الشريك عنه، والقيّم هو القائم بالأمر القويّ على تدبيره أو القائم على ساقه غير المتزلزل والمتضعضع، والمعنى أنّ دين التوحيد وحده هو القويّ على إدارة المجتمع وسَوْقِه إلى منزل السعادة، والدين المحكم غير المتزلزل الذي فيه الرشد من غير غيّ، والحقّيّة من غير بطلان، ولكنّ أكثر الناس لأنسهم بالحسّ والمحسوس وانهماكهم في زخارف الدنيا الفانية حرموا سلامة القلب واستقامة العقل، لا يعلمون ذلك، وإنّما يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة معرضون.
أمّا أنّ التوحيد دين فيه الرشد ومطابقة الواقع فيكفي في بيانه ما أقامه عليه السلام من البرهان.
وأمّا أنّه هو القويّ على إرادة المجتمع الإنسانيّ، فلأنّ هذا النوع إنما يسعد في مسير حياته إذا بنى سنن حياته وأحكام معاشه على مبنى حقّ مطابق للواقع فسار عليها، لا إذا بناها على مبنى باطل خرافيّ لا يعتمد على أصل ثابت.
فقد بان من جميع ما تقدّم أنّ الآيتين جميعاً، أعني قوله: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ إلى قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، برهان واحد على توحيد العبادة.
محصله أنّ عبادة المعبود إن كانت لُالوهيّته في نفسه ووجوب وجوده بذاته، فالله سبحانه في وجوده واحد قهّار لا يُتصوّر له ثانٍ ولا مع تأثيره مؤثّر آخر، فلا معنى لتعدّد الآلهة.
وإن كانت لكون آلهة غير الله شركاء له شفعاء عنده، فلا دليل على ثبوت الشفاعة لهم من قبل الله سبحانه، بل الدليل على خلافه، فإنّ الله حكم من طريق العقل وبلسان أنبيائه أن لا يُعبد إلّا هو.
ردّ «الميزان» على تفسيرَي «الكشّاف» و«البيضاويّ»
وبذلك يظهر فساد ما أورده البيضاويّ في تفسيره تبعاً لـ «الكشّاف» أنّ الآيتين تتضمّنان دليلين على التوحيد، فما في الاولى وهو قوله: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ، دليل خطابيّ وما في الثانية، وهو قوله: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها- إلى آخره، برهان تامّ.
قال البيضاويّ: وهذا من التدرّج في الدعوة وإلزام الحجّة بيّن لهم أوّلًا رجحان التوحيد على اتّخاذ الآلهة على طريق الخطابة، ثم برهن على أنّ ما يسمّونها آلهة ويعبدونها لا تستحقّ الإلهيّة، فإنّ استحقاق العبادة إمّا بالذات وإمّا بالغير، وكلا القسمين منتفٍ عنهما، ثمّ نصّ على ما هو الحقّ القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه- انتهي.
ولعلّ الذي حداه إلى ذلك ما في الآية الاولى من لفظة الخير فاستظهر منه الرجحان الخطابيّ وقد فاته ما فيها من قيد الْواحِدُ الْقَهَّارُ وقد عرفت تقرير ما تتضمّنه الآيتان من البرهان وأنّ الذي ذكره من معنى الآية الثانية هو مدلول مجموع الآيتين دون الثانية فحسب.
وربّما يقرّر مدلول الآيتين برهانين على التوحيد بوجه آخر، ملخّصه أنّ الله الواحد الذي يقهر بقدرته الأسباب المتفرّقة التي تفعل بالكون ويسوقها على تلائم آثارها المتفرّقة المتنوّعة بعضها مع بعض حتى ينتظم منها نظام واحد غير متناقض الأطراف، كما هو المشهود من وحدة النظام وتوافق الأسباب خير من أرباب متفرّقين تترشّح منها لتفرّقها ومضادّتها أنظمة مختلفة وتدابير متضادّة تؤدّي إلى انفصام وحدة النظام الكونيّ وفساد التدبير الواحد العموميّ.
ثمّ الآلهة المعبودة من دون الله أسماء لا دليل على وجود مسمّياتها في الخارج بتسميتكم، لا من جانب العقل ولا من جانب النقل، لأنّ العقل لا يدلّ إلّا على التوحيد، والأنبياء لم يؤمروا من جهة الوحي إلّا بأن لا يُعبد إلّا الله وحده- انتهى.
وهذا التقرير- كما ترى- ينزل الآية الاولى على معنى قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا[2]، ويعمّم الآية الثانية على نفي الوهيّة آلهة إلّا الله بذاتها، ونفي الوهيّتها من جهة إذن الله في شفاعتها.
ويرد عليه:
أوّلًا: أنّ فيه تقييداً لإطلاق قوله: القهّار، من غير مُقيّد، فإنّ الله سبحانه كما يقهر الأسباب في تأثيرها، يقهر كلّ شيء في ذاته وصفته وآثاره، فلا ثاني له في وجوده، ولا ثاني له في استقلاله في نفسه وفي تأثيره، فلا يتأتّى مع وحدته القاهرة على الإطلاق أن يُفرض شيء يستقلّ عنه في وجوده، ولا أمر يستقلّ عنه في أمره.
والإله الذي يُفرض دونه إمّا مستقلّ عنه في ذاته وآثار ذاته جميعاً، وإمّا مستقلّ عنه في آثار ذاته فحسب، وكلام الأمرين محال، كما ظهر.
وثانياً: أنّ فيه تعميماً لخصوص الآية الثانية من غير معمّم، فإنّ الآية كما عرفت تنيط كونها آلهة بإذن الله وحكمه، كما ظاهر قوله: ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ- إلى آخره.
ومن الواضح أنّ هذه الالوهيّة المنوطة بإذنه تعالى وحكمه الوهيّة شفاعة لا الوهيّة ذاتيّة، اي الوهيّة بالغير، لا ما هو أعمّ من الالوهيّة بالذات وبالغير جميعاً.[3]
نعم، فإنّ مسألة التوحيد في الوجود في وقتنا الحاضر أضحت من المسائل الشرعيّة المتقنة، والفلسفيّة المحكمة، والمسلّم بها بالمشاهدة القلبيّة. وتدور معظم بحوث القرآن حول هذا المحور. وقد قال الحقير يوماً لسماحة الاستاذ العلّامة قدّس الله سرّه: يبدو أنّ أغلب آيات القرآن قد ركّزت بحثها في موضوع وحدة وجود ساحة الحقّ تعالى ومسألة توحيده! فقال: ليس أغلبها؛ بل جميع آيات القرآن تستند على هذا الأساس؛ أنّ قوام القرآن هو أصالة الحقّ والوجود والتوحيد وكلّ الامور تهتدي بهذا المبدأ.
ولكن بالطبع فإنّ تصوّر هذه الحقيقة أمر صعب؛ وما لم نكن متبحّرين في علم التفسير والحكمة وعلم العرفان الروحيّ، كما هو الحال مع استاذنا الفقيد سماحة العلّامة أرواحنا فداه، فلن نستطيع الاهتداء إلى سرّ ذلك. وسنطوي صفحات العمر مع التخيّلات وأوهام النفس، ونقضي أيّامنا مقطوعي العلائق مع الله الواحد القهّار، القاهر في وحدته، والذي أفنت أحديّته كلّ الذوات فيه، فأضحى أحديّ الذات، ونَقبُرُ مسرّات القلب والروح والنفس الناطقة في غيابة أجداث الجهالة بيد تراب العدم.
وكانت المواضيع المهمّة لمحيي الدين بن عربي في كيفيّة وحدة الذات المقدّسة للحقّ تعالى شأنه على درجة من التعمّق بحيث غدا علاء الدولة السمنانيّ عاجزاً عن إدراكها؛ وبعد أن قارنها مع حاله (أفكاره)، وألصق به مختلف التهم كالحلول والاتحاد، حتى اتّهمه في النهاية بالظلم وأمره بالتوبة.
أصبحت صبغة التوحيد في الوجود بصورة برهان بظهور محيي الدين
وقد أوردنا في كتاب «الروح المجرّد» في ذكرى الموحّد العظيم والعارف الكبير الحاج السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد أفاض الله علينا من تربته، نبذة مختصرة من اعتراض علاء الدولة على محيي الدين وجواب الاعتراض،[4] ورأينا من المناسب أن ندخل هذا البحث بشيء من الإطناب: يقول جناب الفاضل نجيب مايل الهَرَويّ حول علاقة علاء الدولة بابن عربي:
اكتست مسألة وحدة الوجود- وهي من أهمّ عقائد جمهور الصوفيّة- بصبغة متميّزة؛ وذلك مع ظهور ابن عربي (المتوفّى سنة 638 ه-) في القرن السابع الهجريّ بشكل غدت معه المحور الرئيسيّ لآرائه. وقد سعى جاهداً في إرساء اسسها، حتى أنّه قام بوضع مصطلحات جديدة في هذا المجال، إلى درجة اعتبر كلامه في باب تجلّي الصانع في المصنوع رمزاً واستعارة، ووقف الكثيرين أمامه عاجزين عن فهمه، فعمدوا إلى التفتيش عن ثغرات في كلامه لإلصاق تهمة الحلول والاتّحاد به، والسعي إلى تكفيره.
فكان علاء الدولة السمنانيّ أحد هؤلاء الذين وقفوا بوجه ابن عربي بشدّة وعنف، بل وقيل إنّه كفّره شفهيّاً وتحريريّاً.[5] وقد وسّع مفهوم اصطلاح «وحدة الشهود» في مقابل فكرة وحدة الوجود لابن عربي وأسهب.
وجدير بالذكر أنّه بسبب ما كان لابن عربي من شغف وولع بمسألة حبّ الله فقد أضفى جاذبيّة على مسألة وحدة الأديان كذلك والتي كانت من المواضيع المهمّة لدى الصوفيّة قبل ذلك. وسعى إلى إماطة الستار الصوريّ عن الوحي؛ وتأمّل كنهه وسبر غوره وبحث عن القاسم المشترك للمضامين الباطنيّة لجميع الأديان، في حين ركّز علاء الدولة جهوده، من خلال مواهبه في السير والسلوك والمعاملات الصوفيّة، على أن يكون مرشداً لأصحابه ومريديه في تكفير أصحاب المذاهب والفرق الأخرى والتشنيع بهم والتنديد بآرائهم.
والواقع أنّ علاء الدولة ظلّ حتى أواخر حياته وبسبب مقتضيات عصره، يتعامل مع الوحي في صورته الظاهريّة، ولا شكّ أنّ هذه الحالة كانت السبب في عدم قدرته على الوصول إلى كنه حقيقة كلام ابن عربي؛ ممّا حدا به إلى أن يستنبط من كلام الوحدة الوجوديّة لابن عربي معنى الاتّحاد والحلول. ولهذا السبب أقدم على التنديد به، وخصّص الفصل الرابع من كتاب «العروة» في الردّ عليه. وكان يمنع أتباعه من الخوض في كلام ابن عربي في المجالس التي كان يقيمها، في حين أنّه:
أوّلًا: أنّ فكرة وحدة الشهود المقابلة لوحدة الوجود، والتي سعى علاء الدولة إلى أن يُضفي عليها رونقاً وبهاءً؛ إنّما هي في الواقع ترادف التوحيد الإلهيّ عن طريق الكشف والشهود العرفانيّينِ. ولا يمكن لهذا المعنى بحال من الأحوال أن ينافي وحدة الوجود أو يناقضها.
ثانياً: هناك فارق بين الوحدة، والاتّحاد والحلول،[6] في حين أنّ علاء الدولة وبدل أن يحمل كلام ابن عربي على محمل وحدة الوجود، فقد حمله على محمل الاتّحاد والحلول في كتابه «العروة».
ثالثاً: وكما قال جامي: لقد غفل عن حقيقة أنّ الوجود قائم على ثلاثة اعتبارات: أوّلها الوجود بشرط الشيء، وهو الوجود المقيّد، وثانيها الوجود بشرط لا شيء، وهو الوجود العامّ، وثالثها الوجود لا بشرط[7] شيء، وهو الوجود المطلق. وأنّ ما بحثه ابن عربي من الوجود المطلق إنّما كان ذلك على أساس الشرط الثالث، في حين حمل علاء الدولة كلام ابن عربي على أنّه محمول على الوجود العامّ، ولهذا بالغ في ردّ ذلك واستنكاره له.[8]
[1] نرى في أغلب الكتب أنّ كلمة خَيْر كانت في الأصل أخْيَر على وزن أفعل من أوزان التفضيل، وهو غير صحيح. فكلمة خير صفة مشبّهة وليست من أفعل التفضيل. ويصرّ سماحة استاذنا العلّامة على هذا المعنى، كما نلاحظ هنا من خلال بحوثه. وقد بيّن أكثر من هذا في تفسيره للآية 26، من سورة 3: آل عمران في« الميزان» ج 3، ص 132 إلى 134، بشكل مفصّل، ورأينا أنّه من الأجدر إيراده هنا؛ قال في تفسير قوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: الأصل في معنى الخير هو الانتخاب، وإنّما نسمّي الشيء خيراً لأنّا نقيسه إلى شيء آخر نريد أن نختار أحدهما فننتخبه فهو خير، ولا نختاره إلّا لكونه متضمّناً لما نريده ونقصده، فما نريده هو الخير في الحقيقة، وإن كنّا أردناه أيضاً لشيء آخر فذلك الآخر هو الخير بالحقيقة، وغيره خير من جهته، فالخير في الحقيقة هو المطلوب لنفسه، يسمّى خيراً لكونه هو المطلوب إذا قيس إلى غيره، وهو المنتخب من بين الأشياء إذا أردنا واحداً منها وتردّدنا في اختياره من بينها. فالشيء كما عرفت إنّما يسمّى خيراً لكونه منتخباً إذا قيس إلى شيء آخر مؤثّراً بالنسبة إلى ذلك الآخر، ففي معناه نسبة إلى الغير، ولذا قيل: إنّه صيغة التفضيل وأصله أخْيَر. وليس بأفعل التفضيل، وإنّما يقبل انطباق معنى التفضيل على مورده فيتعلّق بغيره كما يتعلّق أفعل التفضيل؛ يُقال: زَيْدٌ أفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو، وزَيْدٌ أفْضَلُهُمَا. يُقال: زَيْدٌ خَيْرٌ مِنْ عَمْرٍو، وزَيْدٌ خَيْرُهْمَا.- وأخيار وخيرات، كما يقال شيخ وشيخة وأشياخ وشيخات، فهو صفة مشبّهة.
و ممّا يؤيّده استعماله في موارد لا يستقيم معنى أفعل التفضيل كقوله تعالى: قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ( الآية 11، من السورة 62: الجمعة)، فلا خير في اللهو حتى يستقيم معنى أفعل، وقد اعتذروا عنه وعن أمثاله بأنّه منسلخ فيها عن معنى التفضيل، وهو كما ترى. فالحقّ أنّ الخير إنّما يفيد معنى الانتخاب، واشتمال ما يقابله من المقيس عليه على شيء من الخير من الخصوصيّات الغالبة في الموارد.
و يظهر ممّا تقدّم أنّ الله سبحانه هو الخير على الإطلاق، لأنّه الذي ينتهي إليه كلّ شيء ويرجع إليه كلّ شيء، ويطلبه ويقصده كلّ شيء، لكنّ القرآن الكريم لا يطلق عليه سبحانه الخير إطلاق الاسم كسائر أسمائه الحسنى جلّت أسمائه، وإنّما يطلقه عليه إطلاق التوصيف، كقوله تعالى: واللَّهُ خَيْرٌ وأَبْقى.( الآية 73 من السورة 20: طه)، وكقوله تعالى: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.( الآية 39 من السورة 12: يوسف).
نعم، وقع الإطلاق على نحو التسمية بالإضافة، كقوله تعالى: واللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.( الآية 11، من السورة 62: الجمعة)، وقوله: وهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.( الآية 87، من السورة 7: الأعراف)، وقوله: وهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ.( الآية 57، من السورة 6: الأنعام)، وقوله: وهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ.( الآية 150، من السورة 3: آل عمران)، وقوله: واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.( الآية 54، من السورة 3: آل عمران)، وقوله: وأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ.( الآية 89، من السورة 7: الأعراف)، وقوله: وأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ.( الآية 155، من السورة 7: الأعراف)، وقوله: وأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.( الآية 89، من السورة 21: الأنبياء)، وقوله: وأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.( الآية 29، من السورة 23: المؤمنون)، وقوله: وأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.( الآية 109، من السورة 23: المؤمنون).
و لعلّ الوجه في جميع ذلك اعتبار ما في مادّة الخير من معنى الانتخاب، فلم يطلق إطلاق الاسم عليه تعالى صوناً لساحته تعالى أن يقاس إلى غيره بنحو الإطلاق وقد عنت الوجوه لجنابه؛ وأمّا التسمية عند الإضافة والنسبة، وكذا التوصيف في الموارد المقتضية لذلك فلا محذور فيه. والجملة، أعني قوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، تدلّ على حصر الخير فيه تعالى لمكان اللام وتقديم الظرف الذي هو الخبر؛ والمعنى أنّ أمر كلّ خير مطلوب إليك، وأنت المعطي المفيض إيّاه.
تمّ إلى هنا ما أردنا نقله من كلام سماحة الاستاذ أرواحنا فداه. والحقّ أنّه كان بحثاً علميّاً ووثائقيّاً، وأنّه لمن الضروريّ فهم مثل هذه الامور الدقيقة من قبل مفسّري القرآن. وقد أورد استاذ العربيّة على الإطلاق: جار الله الشيخ محمود الزمخشريّ في كتاب« أساس البلاغة» في مادّة« خير»، ما نصّه: خ ي ر- كان ذلك خِيَرَةً من الله، ورسولُ الله خِيَرَتُه من خَلْقِه. واخترتُ الشَّيءَ وتَخيَّرتُه واسْتَخَرْتُه واستخرْتُ اللهَ في ذلك فَخار لي، اي طَلبتُ منه خيرَ الأمرينِ فاختارَه لي. قال أبو زبيد:
نِعْمَ الكِرَامُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ *** رَهْطُ امْرِئٍ خَارَهُ لِلدِّينِ مُخْتَارُ
و يُقال: أنتَ على المُتَخَيَّرِ، اي تَخيَّرْ ما شِئتَ، ولستَ على المُتَخيَّرِ. قال الفَرزدَق:
فَلَو كَانَ حَرِّيّ بْنُ ضَمْرَةَ فيَكُمُو *** لَقَالَ لَكُمْ لَسْتُمْ على المُتَخيَّرِ
و هو مِن أهل الخَير والخيرِ وهو الكَرَم. وهو كريم الخير والخِيم وهو الطَّبيعة. وما أخْيرَ فلاناً. وهو رجلٌ خَيْرٌ، وهو من خيار النَّاس وأخيارهم وأخايرهم. وخَيّره بَين الأمرين فتخيَّر. وخَايره في الخَطِّ مخايرةً، وتَخايروا في الخَطِّ وغيره إلى حَكَم. وخايرتُه فَخُرْتُهُ، اي كنتُ خيراً منه.
[2] صدر الآية 22، من السورة 21: الأنبياء.
[3] «الميزان في تفسير القرآن» ج 11، ص 177 إلى 180.
[4] «الروح المجرّد» ص 345 و346، الطبعة الاولي.
[5] أورد ابن حجر العسقلانيّ في كتاب« الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» تحقيق محمّد سيّد جاد الحقّ، ج 1، ص 266، برقم 663، ترجمته« أي علاء الدولة» قائلًا: وَ كَانَ يَحُطُّ عَلَى ابْنِ العَرَبِيّ ويُكَفِّرُهُ، وكَانَ مَلِيحَ الشَّكْلِ حَسَنَ الخُلْقِ غَزِيرَ الفُتُوَّةِ كَثِيرَ البِرِّ. يَحْصلُ لَهُ مِنْ أملَاكِهِ في العَامِ نَحْوُ تِسْعِينَ ألْفاً، فَيُنْفِقُهَا في القُربِ ... وكَانَ أوَّلًا قَدْ دَاخَلَ التَّتَارَ ثُمَّ رَجَعَ وسَكَنَ تَبْرِيزَ وبَغْدَادَ. ومَاتَ في رَجَبٍ لَيْلَةَ الجُمعَةِ سَنَةَ 736.
[6] راجع كتاب:« التصوّف في الإسلام» ص 175؛ و« ابن عربي، حياته ومذهبه» ص 251 والصفحات اللاحقة،( التعليقة).
[7] حسينى طهرانى، سيد محمد حسين، معرفة الله، 3جلد، دار المحجة البيضاء - بيروت - لبنان، چاپ: 1، 1420 ه.ق.
[8] راجع كتاب:« نفحات الانس» ص 554؛ و« طرائق الحقائق» ج 1، ص 324،( التعليقة).
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
