مشاهدة السالك آثار وأحكام الأسماء والصفات الإلهيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص188-191
2025-07-13
592
يمكن معرفة الله بصفاته، إلّا أنّه لا يمكن معرفة ذاته. وهنا يتبادر لنا سؤال، وهو: لِمَ لا يمكن التعرّف على ذات الله؟ لا بدّ أن جواب هذا السؤال هو: لمّا كان الله تعالى لا متناهٍ، لذا، فقد كانت الإحاطة اللازمة للمعرفة والتعرّف من المقيّد المحدود المتناهي إلى الذات اللامتناهية محالة. ثمّة سؤال آخر: لمّا كانت الإحاطة بالذات اللامتناهية محالة، والإحاطة بالصفات غير المتناهية محالة كذلك، وجب أن تكون معرفة الله بالصفات محالة أيضاً.
فإذا كانت الإجابة على السؤال كما يلي: أن معرفة الله تحصل بالصفات والآثار المتناهية التي له، لا الصفات الكلّيّة العامّة اللازمة للذات غير المتناهية، فسوف يكون هناك سؤال آخر هو: أن الأمر سيّان من جهة الذات كذلك، فهم يسيرون وراء الوجود الجزئيّ والذات الجزئيّة المترشّحة عن ذاته هو، لا وراء الذات الكلّيّة والوجود المجرّد البسيط اللامتناهي له. إذن فما وجه الاستحالة في ذلك؟ فإذا كان الجواب: نعم، فمحال كذلك معرفة الله بصفاته غير المتناهية، كما هي الحال في استحالة معرفة ذاته، إلّا أنّه يمكن معرفة الله بالصفات، وذلك بواسطة الفَناء في الصفات، ولا معنى للحدّ والقيود والتناهي في حالة الفَناء. أن السالك والسائر في طريق الله لا أثر ولا وجود له في صفاته غير المتناهية، فهو يفنى فيها. يكون الجواب إذن: أن الأمر هو كذلك في الذات، فإنّ معرفة ذات الله تتحقّق بالفَناء في تلك الذات. لذا فليس هناك خيار غير السلوك في الذات، حتى تتمّ له معرفة الله، فذلكم هو الله الذي يعرف الله. كذلك الحال في الصفات، ذلك أنّه لن يبقى للسالك عنوان ولا اسم في مقام الفَناء المحض في الصفات الكلّيّة للحقّ تعالى، حتى يتمّ له التعرّف الكامل على صفاته، وهنا لا أحد يمكنه معرفة صفات الله إلّا الله وحده. ولكن لا إشكال في العلم والمعرفة في ما يتعلّق بالصفات الجزئيّة والذات الجزئيّة أيضاً. فإذا قيل: إنّ الله لا يمتلك ذاتاً جزئيّة، وأنّ الموجودات تعبّر عن طلوع وظهور وجوده. قلنا: إن الله لا يملك صفات جزئيّة، بل أن صفات الموجودات تعبّر عن طلوع صفاته وظهورها.
و عموماً فإن كان المقصود بقولنا بإمكان معرفة الله تعالى بواسطة الصفات وليس الذات والصفات الكلّيّة، فهو أيضاً غير ممكن، وأمّا إذا كان المراد هو الصفات الجزئيّة، فلا فرق بين الذات والصفات، فكما أن الفَناء والاستحالة في صفاته جلّ وعلا ممكنان، فإنّهما في ذاته ممكنان أيضاً.
يقول الشيخ بهاء الدين العامليّ قدّس سرّه: «وَ قالَ لِلْمَلِكِ لَمَّا أرَادَ قَتْلَهُ: أن سُقْرَاطَ في حُبٍّ، والمَلِكُ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى كَسْرِ الحُبِّ. فَالحُبُّ يُكْسَرُ ويَرْجِعُ المَاءُ إلى البَحْرِ!»[1]
و روي أيضاً عن كتاب «التلويحات»، أن أفلاطون الربّانيّ قال: «في أحيان كثيرة، وحين التريّض كنت أختلي بنفسي، وأتأمّل في أحوال الموجودات المجرّدة المادّيّة، وكنت أستلقي وكأنّي قد تعرّيت من لباس الطبيعة، أتفكّر في كلّ ذرّة من ذرّاتي، وقد خرجت من كلّ شيء، ولا أرى غير ذاتي.
و كان يغمرني في تلك الحال إحساس نورانيّ عجيب وأخّاذ، واحلّق في عالم من المحاسن الغريبة التي تأسر القلب، وامسي مبهوتاً وحائراً، واوقن بأنّي جزء عظيم وشريف في العالم العلويّ الروحانيّ، وأتمتّع بحياة نشطة وفعّالة، وأشرع بعد ذلك بالسموّ الفكريّ، واحلّق نحو العوالم الإلهيّة سابحاً في الجلال الربّانيّ، وبهذه الطريقة، كنت أرتقي، وأستقرّ في ذلك العالم النورانيّ وأتعلّق به وأرتبط. وأجد نفسي شاهداً هذا الموقف الشريف، وهذا الموقف من الجلال والبهاء والنورانيّة، بحيث يعجز اي لسان عن وصفه، وأيّ ذهن عن تصوّر رسمه ولأنّ هذا العالم يسحرني ببهائه ونوره، وأغرق في بحر روحانيّته، ولا أقوى على الصبر والمقاومة، فعندها أفتح باب الفكر والتأمّل، وأغوص في أعماقه، فيحجب هذا الفكر ذلك النور عنّي وهو ما يدخل الحيرة في نفسي، فكيف خرجت من ذلك العالم، مفعماً بالنور الذي رأيت، وكلّ هذا يحصل وبدني ونفسي على هيئتهما لم يتغيّرا.
في تلك اللحظات النورانيّة، كنت أستذكر قول مطريوس الذي كان يحثّني على الطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة، والارتقاء والسمو إلى ذلك العالم العقليّ».[2]
[1] «كشكول البهائيّ» الطبعة الحجريّة: ص 361؛ وطبعة مصر، دار إحياء الكتب العربيّة: ج 2، ص 265.
[2] «الكشكول» للشيخ البهائيّ، ص 271، الطبعة الحجريّة: وطبعة مصر: ج 2، ص 55 و56؛ ونقل أفلوطين ما يشبه هذه الحادثة في كتاب «أثولوجيا» ص 32 منسوباً إليه. وقال جورج جرداق في مقدّمة كتابه «على وحقوق البشر» وهو الجزء الأوّل من كتاب «صوت العدالة الإنسانيّة» في ص 18 و19 ما مفهومه: «أن تأريخنا من وجهة النظر تلك والتي تُشكّل فصلًا من التأريخ بأكمله يُدرك إلى حدّ ما مثل هذه المَظالِم. فعلى سبيل المثال، كان ديونوس[ ديونيسوس] حاكم سيراكوس والدكتاتور الخسيس والدنيء قد أمر ببيع أفلاطون في سوق النخاسة كأيّ عبد آخر. حتى أتاح له القدَر أحد أصدقائه فاشتراه وحرّره ثانية. فلمّا تسلّم ديونوس الصغير الحكم بعد أبيه عمد هو الآخر إلى إيذاء أفلاطون والإساءة إليه، لكن في كلّ مرّة كان الحكيم يتخلّص من مكائده وينجو منها. ففكّر أخيراً في قتله، وعاد القَدَر لينقذه من هذه التهلكة أيضاً وذلك بمساعدة أحد تلاميذه».
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة