تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
إنَّ الطُّرُقَ المُخْتَلِفَةَ فِي مَعْرِفَةِ الله غَيْرُ طَرِيقِ لِقَاءِ اللهِ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج2/ ص77-147
2025-07-16
45
قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. (الآية 15، من السورة 10: يونس).
وجاء في الآيات التي تسبق هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها والَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ، أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
وكذلك وردت الآية 11 بعد ذكر الآيتين السابقتين: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ (جزاءً لأعمالهم)[1] اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
نعم، نرى في هذه الآيات الثلاث وقد ورد في كلّ منها كلام حول لقاء الله تعالى، وعن الذين لا رجاء لهم في ذلك ولا يفكّرون فيه، وبالنتيجة فهم الذين رضوا بأحطّ الحياة وقنعوا بعيش البهائم، والذين هم غافلون عن آيات الله التي هي علائم ومرآة الله، والتائهون المتحيّرون في خضمّ الغفلة والشهوة، اولئك يهيمون في شكّ وريب وتردّد. فأحياناً يقولون: لا نريد هذا القرآن الذي يحوي على آيات اللقاء والقيامة، ائتنا بقرآن غير هذا أو بدّل هذه الآيات وغيّرها! وأحياناً يغوصون في أوهام ويعتقدون أن هذه الحياة الدنيا هي الأصل فيركنون إليها، فيحيط بهم الموت ويُخلّدون في النار بما كسبت أيديهم، وأحياناً أخرى يسيرون في الأرض في حيرة وضلال كبيرَين ويتّبعون مصالحهم الضيّقة، ويتقلّبون في الغفلة والجهالة، فلو اريد التعجيل بعذابهم نتيجة أعمالهم لماتوا جميعاً ولأحاط بهم العذاب الإلهيّ ولتعرّضوا للدمار والهلاك.
والواقع أنّ هذه الحالات لا تتحقّق جزئيّاً لهم وحسب، بل إنّها تتحقّق بصورة مجتمعة، وقد تتداخل هذه الألفاظ وكلمة «أحياناً» فتشملهم بأجمعها.
تفسير العلّامة الطباطبائيّ للآيات الثلاث في سورة يونس في لقاء الله
وقال حضرة استاذنا الأعظم العلّامة الطباطبائيّ قدس الله نفسه في بيانه عند تفسير هذه الآيات الواردة في أوّل سورة يونس: السورة- كما يلوح من آياتها- مكّيّة من السور النازلة في أوائل البعثة وقد نزلت دفعة للاتّصال الظاهر بين كرائم آياتها ...
وغرض السورة وهو الذي انزلت لأجل بيانه هو تأكيد القول في التوحيد من طريق الإنذار والتبشير كأنّها انزلت عقيب إنكار المشركين الوحي النازل على النبيّ صلى الله عليه وآله وتسميتهم القرآن بالسحر، فردّ الله سبحانه عليهم ببيان أنّ القرآن كتاب سماويّ نازل بعلمه تعالى، وأنّ الذي يتضمّنه من معارف التوحيد كوحدانيّته بأعمالهم التي سيجزون بها خيراً أو شرّاً كلّ ذلك ممّا تدلّ عليه آيات السماء والأرض ويهتدي إليه العقل السليم، فهي معان حقّة ولا يدلّ على مثلها إلّا كلام حكيم لا سحر مزوّق باطل.
وفي تفسير الآية الثالثة: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ (عالم المشيئة والإرادة) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ.
قال العلّامة: لمّا ذكر في الآية السابقة عجبهم من نزول الوحي وهو القرآن على النبيّ صلى الله عليه وآله، وتكذيبهم له برميه بالسحر، شرع تعالى في بيان ما كذّبوا به من الجهتين، أعني من جهة أنّ ما كذّبوا به من المعارف المشتمل عليها القرآن حقّ لا ريب فيه، ومن جهة أنّ القرآن الذي رموه بالسحر كتاب إلهيّ حقّ وليس من السحر الباطل في شيء.
فقوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ إلى آخره، شروع في بيان الجهة الاولى وهي أنّ ما يدعوكم إليه النبيّ صلى الله عليه وآله ممّا يعلمكم القرآن حقّ لا ريب فيه ويجب عليكم أن تتّبعوه.
والمعنى معاشر الناس! أنّ ربّكم هو الله الذي خلق هذا العالم المشهود كلّه- سماواته وأرضه- في ستّة أيّام، ثمّ استوى على عرش قدرته وقام مقام التدبير الذي إليه ينتهي كلّ تدبير وإدارة، فشرع يدبّر أمر العالم، وإذا انتهى إليه كلّ تدبير من دون الاستعانة بمعين أو الاعتضاد بإعضاد، لم يكن لشيء من الأشياء أن يتوسّط في تدبير أمر من الامور- وهو الشفاعة إلّا من بعد إذنه تعالى، فهو سبحانه السبب الأصليّ الذي لا سبب بالأصالة دونه، ومن دونه من الأسباب أسباب بتسبيبه وشفعاء من بعد إذنه.
وإذا كان كذلك كان الله تعالى هو ربّكم الذي يدبّر أمركم لا غيره ممّا اتّخذتموها أرباباً من دون الله وشفعاء عنده، وهو المراد بقوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ.
أي هلّا انتقلتم انتقالًا فكريّاً إلى ما يستنير به أنّ الله هو ربّكم لا ربّ غيره، بالتأمّل في معنى الالوهيّة والخلقة والتدبير.
وقد تقدّم الكلام في معنى العرش والشفاعة والإذن وغير ذلك في ذيل قوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ (الأعراف: 54، في الجزء الثامن من الكتاب).
ويقول في تفسيره لكلام الباري تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا:
تذكير بالمعاد بعد التذكير بالمبدأ، وقوله: وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا من قيام المفعول المطلق مقام فعله، والمعنى: وعده الله وعداً حقّاً.
والحقّ هو الخبر الذي لا أصل في الواقع يطابق الخبر، فكون وعده تعالى بالمعاد حقّاً معناه كون الخلقة الإلهيّة بنحو لا تتمّ خلقة إلّا برجوع الأشياء- ومن جملتها الإنسان- إليه تعالى، وذلك كالحجر الهابط من السماء، فإنّه يعدّ بحركته السقوط على الأرض، فإنّ حركته سنخ أمر لا يتمّ إلّا بالاقتراب التدريجيّ من الأرض والسقوط والاستقرار عليها.
والأشياء على حال كدح إلى ربّها حتى تلاقيه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ.
الانشقاق: 6. فافهم ذلك!
كلام العلّامة: المعاد قائم على برهانين: سنّة الخلقة والعدل الالهيّ
وفي تفسيره لكلام الباري تعالى: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ- إلى آخره، يقول: تأكيداً لقوله: إليه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وتفصيل لإجمال ما يتضمّنه من[2] معنى الرجوع والمعاد.
ويمكن أن يكون في مقام التعليل لما تقدّمه من قوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ- إلى آخره، اشير به إلى حجّتين من الحجج المستعملة في القرآن لإثبات المعاد: أمّا قوله: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فلأنّ الجاري من سنّة الله سبحانه أنّه يفيض الوجود على ما يخلقه من شيء ويمدّه من رحمته بما تتمّ له به الخلقة فيوجد ويعيش ويتنعّم برحمة منه تعالى ما دام موجوداً حتى ينتهي إلى أجل معدود.
وليس انتهاؤه إلى أجله المعدود المضروب له فناء منه وبطلاناً للرحمة الإلهيّة التي كان بها وجوده وبقاؤه وسائر ما يلحق بذلك من حياة وقدرة وعلم ونحو ذلك، بل بقبضه تعالى ما بسطه عليه من الرحمة، فإنّ ما أفاضه الله عليه من عنده هو وجهه تعالى ولن يهلك وجهه.
فنفاد وجود الأشياء وانتهاؤها إلى أجلها ليس فناء منها وبطلاناً لها على ما نتوهّمه، بل رجوعاً وعوداً منها إلى عنده، وقد كانت نزلت من عنده؛ ومَا عِندَ اللهِ بَاقٍ، فلم يكن إلّا بسطاً ثمّ قبضاً، فالله سبحانه يبدئ الأشياء ببسط الرحمة، ويعيدها إليه بقبضها، وهو المعاد الموعود.
وأمّا قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ إلى آخره، فإنّ الحجّة فيه أنّ العدل والقسط الإلهيّ- وهو من صفات فعله- يأبى أن يستوي عنده من خضع له بالإيمان به وعمل صالحاً ومن استكبر عليه وكفر به وبآياته.
والطائفتان لا يحسّ بينهما بفرق في الدنيا، فإنّما السيطرة فيها للأسباب الكونيّة بحسب ما تنفع وتضرّ بإذن الله.
فلا يبقى إلّا أن يفرّق الله بينهما بعدله بعد إرجاعهما إليه فيجزي المؤمنين المحسنين جزاءً حسناً والكفّار المسيئين جزاءً سيّئاً من جهة ما يتلذّذون به أو يتألّمون.
فالحجّة معتمدة على تمايز الفريقين بالإيمان والعمل الصالح وبالكفر وعلى قوله: بِالْقِسْطِ هذا، وقوله: لِيَجْزِيَ متعلّق بقوله: إليه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا على ظاهر التقرير.
ويمكن أن يكون قوله: لِيَجْزِيَ- إلى آخره، متعلّقاً بقوله: ثُمَّ يُعِيدُهُ، ويكون الكلام مسوقاً للتعليل وإشارة إلى حجّة واحدة، وهي الحجة الثانية المذكورة، والأقرب من جهة اللفظ هو الأخير.
أساس الدين والشريعة ينهار بإنكار لقاء الله عزّ وجلّ
وفي تفسيره لكلام الباري تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها... حتى نهاية الآيتين فيقول: هو شروع في بيان ما يتفرّع على الدعوة السابقة المذكورة بقوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، من حيث عاقبة الأمر في استجابته وردّه وطاعته ومعصيته.
فبدأ سبحانه بالكافرين بهذا الأمر، فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها والَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ، فوصفهم أوّلًا بعدم رجائهم لقائه، وهو الرجوع إلى الله بالبعث يوم القيامة، وقد تقدّم الكلام في وجه تسميته بِلِقَاءَ اللهِ في مواضع من هذا الكتاب ومنها ما في تفسير آية الرؤية من سورة الأعراف، فهؤلاء هم المنكرون ليوم الجزاء، وبإنكاره يسقط الحساب والجزاء فالوعد والوعيد والأمر والنهي، وبسقوطها يبطل الوحي والنبوّة وما يتفرّع عليه من الدين السماويّ.
وبإنكار البعث والمعاد ينعطف همّ الإنسان على الحياة الدنيا، فإنّ الإنسان وكذا كلّ موجودٍ ذي حياة له همّ فطريّ ضروريّ في بقائه وطلب لسعادة تلك الحياة، فإن كان مؤمناً بحياة دائمة تسع الحياة الدنيويّة
والاخرويّة معاً فهو، وإن لم يذعن إلّا بهذه الحياة المحدودة الدنيويّة علقت همّته الفطريّة بها، ورضي بها وسكن بسببها عن طلب الآخرة، وهو المراد بقوله: ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها.
ومن هنا، يظهر أنّ الوصف الثاني، أعني قوله: ورَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأَنُّوا بِها من لوازم الوصف الأوّل، أعني قوله: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وهو بمنزلة المفسّر بالنسبة إليه، وأنّ الباء في قوله: واطْمَأَنُّوا بِها للسببيّة، اي: سكنوا بسببها عن طلب اللقاء وهو الآخرة.
وقوله: والَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ في محلّ التفسير لما تقدّمه من الوصف لمكان ما بينهما من التلازم، فإنّ نسيان الآخرة وذكر الدنيا لا ينفكّ عن الغفلة عن آيات الله.
والآية قريبة المضمون من قوله تعالى فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا، ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى. (الآية 30، من سورة النجم).
حيث دلّ على أنّ الإعراض عن ذكر الله- وهو الغفلة عن آياته- يوجب قصر علم الإنسان في الحياة الدنيا وشئونها فلا يريد إلّا الحياة الدنيا، وهو الضلال عن سبيل الله. وقد عرّف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ. (الآية 26، من سورة ص).
فقد تبيّن أنّ إنكار اللقاء ونسيان يوم الحساب يوجب رضى الإنسان بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها من الآخرة وقصر العلم عليه وانحصار الطلب فيه، وإذ كان المدار على حقيقة الذكر والطلب لم يكن فرق بين إنكاره والرضى بالحياة الدنيا قولًا وفعلًا أو فعلًا مع القول الخالي به.
وتبيّن أيضاً أنّ الاعتقاد بالمعاد أحد الاصول التي يتقوّم بها الدين، إذ بسقوطه يسقط الأمر والنهي والوعد والوعيد والنبوّة والوحي، وهو بطلان الدين الإلهيّ من رأس.
وقوله: أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بيان لجزائهم بالنار الخالدة قبال أعمالهم التي كسبوها.
شأن ومنزلة أولياء الله تعالى وإفاضة الله عليهم
وفي تفسيره لكلام الله تعالى: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ،[3] قال: أوّل ما يكرّم به الله سبحانه أولياءه- وهم الذين ليس في قلوبهم إلّا الله ولا مدبّر لهم لأمرهم غيره- أنّه يطهّر قلوبهم عن محبّة غيره، فلا يحبّون إلّا الله، ولا يتعلّقون بشيء إلا لله وفي الله سبحانه، فهم ينزِّهونه عن كلّ شريك يجذب قلوبهم إلى نفسه عن ذكر الله سبحانه، وعن اي شاغل يشغلهم عن ربّهم.
وهذا تنزيه منهم لربّهم عن كلّ ما لا يليق بساحة قدسه من شريك في الاسم أو في المعنى أو نقص أو عدم؛ وتسبيح منهم له لا في القول واللفظ فقط، بل قولًا وفعلًا ولساناً وجناناً، وما دون ذلك فإنّ له شوباً من الشرك، وقد قال تعالى: وما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهُمْ مُشْرِكُونَ. (الآية 106، من سورة يوسف).
وهؤلاء الذين طهّر الله قلوبهم عن قذارة حبّ غيره الشاغلة عن ذكره وملأها بحبّه فلا يريدون إلّا إيّاه، وهو سبحانه الخير الذي لا شرّ معه؛ قال: واللَّهُ خَيْرٌ. (الآية 73، من سورة طه).
فلا يواجهون بقلوبهم التي هي ملآى بالخير والسلام أحداً إلّا بخير وسلام، اللهم إلّا أن يكون الذي واجهوه بقلوبهم هو الذي يبدّل الخير والسلام شرّاً وضرّاً، كما أنّ القرآن شفاء لمن استشفى به لكنّه لا يزيد الظالمين إلّا خساراً.
ثمّ أنّ هذه القلوب الطاهرة لا تواجه شيئاً من الأشياء إلّا وهي تجده وتشاهده نعمة للّه سبحانه، حاكية لصفات جماله ومعاني كماله، واصفة لعظمته وجلاله، فكلّما وصفوا شيئاً من الأشياء وهم يرونه نعمة من نعم الله ويشاهدون فيه جماله تعالى في أسمائه وصفاته ولا يغفلون ولا يسهون عن ربّهم في شيء، كان وصفهم لذلك الشيء وصفاً منهم لربّهم بالجميل من أفعاله وصفاته، فيكون ثناء منهم عليه وحمداً منهم له.
فَلَيْسَ الحَمْدُ إلَّا الثَّنَاءُ عَلَى الجَمِيلِ مِنَ الفِعْلِ الاخْتِيَارِيّ.
فهذا شأن أوليائه تعالى وهم قاطنون في دار العمل يجتهدون في يومهم لغد، فإذا لقوا ربّهم فوفى لهم بوعده وأدخلهم في رحمته وأسكنهم دار كرامته، أتمّ لهم نورهم الذي كان خصّهم به في الدنيا، كما قال تعالى: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا. (الآية 8، من سورة التحريم).
فسقاهم ربّهم شراباً طهوراً يطهّر به سرائرهم من كلّ شرك جليّ وخفيّ، وغشيهم بنور العلم واليقين، وأجرى من قلوبهم على ألسنتهم عيون التوحيد فنزّهوا الله وسبّحوه أوّلًا، وسلّموا على رفقائهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، ثمّ حمدوا الله سبحانه وأثنوا عليه بأبلغ الحمد وأحسن الثناء.
وهذا هو الذي يقبل الانطباق عليه- والله أعلم- قوله في الآيتين: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وفيه ذكر جنّة الولاية وتطهير قلوبهم، و: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، وفيه تنزيه الله تعالى وتسبيحه عن كلّ نقص وحاجة وشريك تنزيهاً على وجه الحضور، لأنّهم غير محجوبين عن ربّهم وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وهو توسيم اللقاء بالأمن المطلق، ولا يوجد في غيرها من الأمن إلّا اليسير النسبيّ.
وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وفيه ذكر ثنائهم على الله بالجميل بعد تسبيحهم له وتنزيههم، وهذا آخر ما ينتهي إليه أهل الجنّة في كمال العلم.
وقد قدّمنا في تفسير قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الآية 2، من سورة الحمد). أنّ الحمد توصيف، ولا يسع وصفه تعالى لأحد من خلقه إلّا للمخلَصين من عباده الذين أخلصهم لنفسه وخصّهم بكرامة من القرب، لا واسطة فيها بينهم وبينه، قال تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. (الآية 160، من سورة الصافّات).
ولذلك لم يحك في كلامه حمده إلّا عن آحاد من كرام أنبيائه كنوح وإبراهيم ومحمّد وداود وسليمان عليهم السلام، كقوله فيما أمر له نوحاً: فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. (الآية 28، من سورة المؤمنون). وقوله حكاية عن إبراهيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ. (الآية 39، من سورة إبراهيم). وقوله فيما أمر به محمد صلى الله عليه وآله في عدّة مواضع: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. (الآية 93، من سورة النمل). وقوله حكاية عن داود وسليمان: وقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ. (الآية 15، من سورة النمل).
وقد حكى سبحانه حمده عن أهل الجنّة في عدّة مواضع من كلامه كقوله: وقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا، (الآية 43، من سورة الأعراف)، وقوله أيضاً: وقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. (الآية 34، من سورة فاطر)، وقوله أيضاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ. (الآية 74، من سورة الزمر)، وقوله في الآية السابقة: وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. (الآية 10، من سورة يونس).
والآية تدل على أن الله سبحانه يلحق أهل الجنة من المؤمنين بالآخرة بعباده المخلصين، ففيها وعد جميل وبشارة عظيمة للمؤمنين.
وفي تفسيره لكلام الله تعالى: ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ- إلى آخره، قال: تعجيل الشيء الإتيان به بسرعة وعجلة، والاستعجال بالشيء طلب حصوله بسرعة وعجلة، والعمه شدّة الحيرة.
ومعنى الآية: ولو يعجل الله للناس الشر- وهو العذاب- كما يستعجلون بالخير- كالنعمة لأنزل عليهم العذاب بقضاء أجلهم، لكنه تعالى لا يعجل لهم الشر، فيذر هؤلاء المنكرين للمعاد المارقين عن ربقة الدين يتحيرون في طغيانهم أشد التحير.
وتوضيحه أنّ الإنسان عجول بحسب طبعه، يستعجل بما فيه خيره ونفعه، اي أنّه يطلب من الأسباب أن تسرع في إنتاج ما يبتغيه ويريده، فهو في الحقيقة يطلب الإسراع المذكور من الله سبحانه، لأنّه السبب في ذلك بالحقيقة، فهذه سنّة الإنسان وهي مبنيّة على الأهواء النفسانيّة، فإنّ الأسباب الواقعة ليست في نظامها تابعة لهوى الإنسان، بل العالم الإنسانيّ هو التابع الجاري على ما يجريه عليه نظام الأسباب اضطراراً، أحبّ ذلك أو كرهه.
ولو أنّ السنّة الإلهيّة في خلق الأشياء والإتيان بالمسبّبات عقيب أسبابها اتّبعت أو شابهت هذه السنّة الإنسانيّة المبنيّة على الجهل فعجّلت المسبّبات والآثار عقيب أسبابها لأسرع الشرّ- وهو الهلاك بالعذاب- إلى الإنسان، فإنّ سببه قائم معه- وهو الكفر بعدم رجاء لقاء الله والطغيان في الحياة الدنيا- لكنّه تعالى لا يعجّل الشرّ لهم كاستعجالهم بالخير، لأنّ سنّته مبنيّة على الحكمة، بخلاف سنّتهم المبنيّة على الجهالة يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.[4]
فانظر كيف بيّن الله سبحانه وجلّ شأنه وتعالى مجده في هذه الآيات القليلة والقصيرة الهدف من الخلق، وطريق السعادة والشقاء، وانتفاع بني آدم من الحياة، ونظام الوجود على أساس من العدل والكمال، والوصول إلى أعلى درجات الإنسانيّة، وتسنّم أرقى مراتب الآدميّة، واعتبار لقاء الله هو الهدف والمقصود، وجعل اليائسين من ذلك في حيرة وضلال هائمين في وادي الغفلة والشهوات النفسانيّة.
وعدّ لقاء الله والفناء في ذاته بعد ملاحظة الآيات والبيّنات الإلهيّة في عداد السير في مدارج الكمال ومعارجه!
بيان: لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ! أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
ذلك السير الذي يُختم بالفناء المحض والانصهار الصرف في بقاء الحقّ جلّ وعلا ووجوده، هناك حيث لا يحويه اسم ولا يُحيطه وصف، إذ يرقى على كلّ فكر ويسمو على اي تصوّر. حيث لا يبلغه وصف الواصفين ولا حمد الحامدين ولا تسبيح المسبّحين ولا تهليل المهلّلين ولا تكبير المكبّرين ولا تمجيد الممجّدين، إذ تضمحلّ عنده وتتلاشى وتفنى قبل وصولها إليه. هناك حيث يتربّع رسوله الأعظم ونبيّه الأكرم خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّد السفراء المكرّمين وأفضل خلق الله أجمعين: محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله أبد الآبدين، وقد خلع نعليه معلناً بكلمته المشهورة: لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ! أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.[5]
وقد أعلن إلى الأبد عظمة ذاته اللامتناهية، وأظهر بجلاء من خلال تلك الكلمة تفاهة الخلائق أجمعين في مقابل عظمته.
آنجا كه عقاب پر بريزد *** از پشه لاغرى چه خيزد[6]
وقد تطرّق الشيخ نجم الدين الرازيّ في كتاب «مرصاد العباد» إلى مسألة بدء التكوين، حيث عرض هذه الحقيقة بأسلوب جميل. فقد قال (ما ترجمته): «و على هذا فقد أحاطوا ملكوت أرواحه بتلك اللطيفة القائمة من صفة المحبّة المحمّديّة، ثمّ إجتازوها من خلال بوّابة الجوهر على صورة المُلك والملكوت وصفتهما، حتى لا تبقى ذرّة من ذرّات المُلك والملكوت لَم تُكَنَّ فيه بشكل سرٍّ من أسرار المحبّة، وحتى لا تبقى أيّة ذرة من محبّة الخالق خالية وخاوية بحسب استعدادها فتشرع بلسان حالها تقديم الحمد والثناء إلى ربّ العزّة.
وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.[7]
گر عرض دهند عاشقانت را *** هر ذرّه كه هست در شمار آيد
طاوس ومگس به يك محلّ باشد *** چون بازِ غم تو در شكار آيد[8]
يا أيّتها الملائكة! لا تفخروا ولا تَغترّوا، ولا تُبيّنوا أنفسكم على مَسرح الوُجود، مُرَدِّدين: ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ.[9]
فمن ذا الذي لا يُسبِّحه جلّت عظمته؟!
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.[10]
فالله، جلّت قدرته، أعزّ وأعظم من أن يستطيع أحدنا أداء حقّ حمده وثنائه.
إن كلّ ما نراه من تسبيح أو تقديس لأهل السماوات والأرض ونشهده في كلّ ذرّة من الكائنات، هو من شعاع الثناء لربّنا (و خالقنا) ونوره على سيّدنا (و مولانا)، إذ: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ.[11]
وبسبب من واسطة مرآة الروح المحمّديّة التي أسدَلتْ ظلالها على ذرّات الكائنات فقد أضحتْ كلّها مسبِّحة ومقدّسة. وكلٌّ ظنّ أنّ ذلك الثناء إنّما هو من خاصّيّة عبوديّته؛ ولم يتبيّنوا مصدر هذا الحمد ومنشأه. وما إن جاء دور خلاصة الموجودات وأحاط بالملك والملكوت في التربية والسلوك، وأضحى ثمرة في أعلى شجرة الخلق (و التكوين) إذ تمثَّل ب- قَابَ قَوْسَيْنِ واتّسع مدى ناظريه المبصرتينِ بالحقّ، ناداه ربّ العزّة أن: يا محمّد! إثْنِ على! (مثلما تفعل ذلك كلّ الموجودات والملائكة)! فعَلِمَ صلى الله عليه وآله أنّ ما حصَّلته كلّ الكائنات من إطراء الثناء (على الله عزّ وجلّ) كان عارية، وأنّ شريعته تقتضي كون: العَارِيَةُ مَرْدُودَةٌ، فردّ الأمانة بمقتضى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها[12] فقال: وهل يصحُّ الثناء على ذات القديم بلسان الحدوث الألكن؟ لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنّ الثناء لذاتك يصحّ من صفاتك أنت؛ أنْتَ كَمَا
أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.[13]
فليست الملائكة الذين هم متعلِّمين مبتدئين في مدرسة آدم وحدهم يجهلون أسماءهم يا آدم أنبئهم بأسمآئهم،[14] بل أنّ آدم نفسه وذرّيّته جميعاً هم تحت راية إطراء الثناء من قِبَل محمّد صلى الله عليه وآله آدَمُ ومَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ ولَا فَخْرَ، وبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ ولَا فَخْرَ.
ومن هنا يتّضح أنّ محمّد صلى الله عليه وآله هو بِزرة الخليقة (و التكوين)، وهو الثمرة كذلك، وأنّ شجرة الخليقة (و التكوين) هي في الحقيقة الوجود المحمّديّ.
الحقّ شگرف مرغى كز تو دو كون پر شد *** نه بال باز كرده نه ز آشيان پريده[15]
وتصوَّر أنّ كلّ ما موجود من الملكوتيّات هو جذر تلك الشجرة وأنّ الجسمانيّات كلّها إنّما هي جذع الشجرة، وأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أغصانها، والمَلَك أوراقها، ولا يمكن بيان ثمرة تلك الشجرة من خلال العبارات أو كتابتها بلسان قلم ثنائيّ اللغة.
قصّهها مىنوشت خاقانى *** قلم اينجا رسيد سر بشكست[16]»
ويقول شهاب الدين أبو القاسم السمعانيّ في هذا الباب: هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ أفْصَحَ مِنْ دَبٍّ ودَرْجٍ، وأمْلَحَ مِنْ دَخْلٍ وخَرْجٍ، يَقُولُ بَعْدَ مَا مَدَّ طَنَابٌ في مَدْحِ الجَلَالِ ووَصْفِ الجَمَالِ: لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ!
احتارت العقول في إدراك جلاله، وانكدرت أمواه وجوه الأعزّة مقابل ماء جماله، وانشده لباب أرباب الألباب في فهم نعوته وصفاته، وتلاشت خواطر أصحاب العلوم في حواشي عزّه. وغرق أرباب البصر والبصيرة والذكاء والفطنة وخواطر الخُطّار والحكمة في قطرة من بحار عظمته، واحترقت أسرار الأبرار بنار الانس بجلاله؛ فمسَّ قلوبهم الملتهبة وكأنّي بالعاشقين جميعاً يحملون مشاعل بأيديهم. واستحيت ألسن أهل الفصاحة من مدح جلاله ووصف جماله فكلَّت وعَيَت، فترى آلاف القتلى والجرحى والشهداء والصبّين منثورين هنا وهناك.[17]
تدلّ الفقرة الاولى من هذا الحديث المبارك على أنّه يستحيل للبشر أن يحيط بجميع صفات الواحد الأحد وذاته المقدّسة ما دامت فيه شائبة من الأنانيّة، ذلك أنّ ال- «أنا» ضمير وإشارة إلى حدود ماهويّة وإنّيّة يفيد التقييد ويعني التحديد، في حين أنّ الذات المقدّسة للحقّ تعالى، وصفات وأسماء جلاله وجماله لا تحدّها حدود، لأنّه تعالى «لم يزل» و «لا يزال» و «لا متناه»، ذاتاً ووجوداً وصفةً واسماً. وعلى هذا، فإنّ الإحاطة بذاته وعدّ صفاته وإحصاءها من المحال. وهذا يعني أنّ إحاطة الضمير «أنا» الذي هو محدود بالضمير «هو» الذي هو بالفرض غير محدود وخارج عن دائرة العدّ والحدّ غير ممكنة.
وتدلّ الفقرة الثانية من هذا الحديث على أنّ الله غير متناه وسرمديّ بالنسبة لوجود العالم، ولذلك فهو وحده بإمكانه أن يعرف ذاته وصفاته العليا وأسماءه الحسنى. وكذا عبد الله فإنّه مثل النبيّ إذا وصل مقام الفناء في الله، ولم يبق فيه أثر من بقايا الوجود سواء في عالم الحسّ أم في عالم المثال والملكوت الأسفل وسواء في عالم العقل والملكوت الأعلى، فإنّه هناك لن يكون له وجود متعيّن أو كيان محدود وذلك حتى يكون عالماً ومدركاً فيعرف الله ويمجّد صفاته ويحمده، فهناك يوجد الله وحده لا غير، ومحال وجود شيء غيره.
وعلى هذا، فلا أحد يعرف الله غير الله. و «أنْتَ» في كلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، إشارة إلى هو الهويّة المطلقة ومنبع الأنوار الماهويّة وإنّيّة الحقّ تعالى وتقدّس، المحيط بجميع عوالم الصفات والأسماء الكلّيّة والجزئيّة، وهو أعلى من حسّ كلّ ذي حسّ وفهم كلّ صاحب شعور وإدراك كلّ ذي فهم وإدراك وأرقى منه.
اعرفوا الله بالله
ومن هنا تأتي دلالة العين الفيّاضة للأحاديث والروايات على أنّه يجب معرفة الله بالله: اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ.
روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ بسند متّصل عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام حيث قال: قَالَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ: اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ! والرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ واولِي الأمْرِ بِالأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والعَدْلِ والإحْسَانِ[18].
وروى كذلك بسنده عن علي بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قَالَ: سُئِلَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟! قَالَ: بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسَهُ! قِيلَ: وكَيْفَ عَرَّفَكَ نَفْسَهُ؟! قَالَ: لَا يُشْبِهُهُ صُورَةٌ ولَا يُحَسُّ بِالحَوَاسِّ ولَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ. قَرِيبٌ في بُعْدِهِ بَعِيدٌ في قُرْبِهِ. فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ ولَا يُقَالُ: شَيءٌ فَوْقَهُ، أمَامَ كُلِّ شَيءٍ ولَا يُقَالُ: لَهُ أمَامٌ.
دَاخِلٌ في الأشْيَاءِ لَا كَشَيءٍ دَاخِلٍ في شَيءٍ؛ وخَارِجٌ مِنَ الأشْيَاءِ لَا كَشَيءٍ خَارِجٍ مِنْ شَيءٍ.
سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هَكَذَا ولَا هَكَذَا غَيْرُهُ ولِكُلِّ شَيءٍ مُبْتَدئٌ[19].
وروى بسنده أيضاً عن منصور بن حازم أنّه قال:
قُلْتُ لأبِي عبد الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنِّي نَاظَرْتُ قَوْماً فَقُلْتُ لَهُمْ: أنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ أجَلُّ وأعَزُّ وأكْرَمُ مِنْ أن يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ، بَلِ العِبَادُ يُعْرَفُونَ بِاللهِ.
فَقَالَ: رَحِمَكَ اللهُ[20].
كلام أمير المؤمنين عليه السلام: لَمْ أكُ بِالَّذِي أعْبُدُ مَنْ لَمْ أرَهُ
وروى الشيخ هادي كاشف الغطاء قائلًا: سَألَهُ سَائِلٌ فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين! خَبِّرْنِي عَنِ اللهِ تعالى؛ أ رَأيْتَهُ حِينَ عَبَدْتَهُ؟! فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين: لَمْ أكُ بِالَّذِي أعْبُدُ مَنْ لَمْ أرَهُ! فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ رَأيْتَهُ حِينَ رَأيْتَهُ؟! فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَيْحَكَ! لَمْ تَرَهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ، ولَكِنْ رَأتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ. مَعْرُوفٌ بِالدِّلَالاتِ، مَنْعُوتٌ بِالعَلَامَاتِ، لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ ولَا تُدْرِكُهُ الحَوَاسُّ.[21]
وروى الكلينيّ هذا المضمون بسند متّصل عن سنان أنّه قال: حضرتُ أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر! اي شيءٍ تَعْبُدُ؟! قال: اللهَ تعالى.
قال (الخارجيّ): رَأيْتَهُ؟! قَالَ: بَلْ لَمْ تَرَهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ، ولَكِنْ رَأتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ. لَا يُعْرَفُ بِالقِيَاسِ ولَا يُدْرَكُ بِالحَوَاسِّ ولَا يُشْبَهُ بِالنَّاسِ.
مَوْصُوفٌ بِالآيَاتِ، مَعْرُوفٌ بِالعَلَامَاتِ، لَا يَجُورُ في حُكْمِهِ؛ ذَلِكَ اللهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.
قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ وهُوَ يَقُولُ: «اللهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ».[22]
ورأيتُ في بعض الكتب إضافة ما يلي في ذيل هذه الرواية: أنّ الله لا يجور في حكمه. ذلك الله لا معبود إلّا هو.
يقول الشيخ نجم الدين الرازيّ: وأمّا الطائفة التي تنأى بوجهها عن الأغراض البشريّة والمقاصد النفسانيّة وتقع في حبائل جذبات الالوهيّة وتصل إلى عالم الربوبيّة خلال سيرها في طريق العبوديّة فتكون مستعدّة لقبول الفيض دون واسطة فهي على صنفين:
الأوّل هو الذي كان في الصفّ الأوّل في عالم الأرواح من صفوف الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فأصبح مستعدّاً لتقبّل فيض الالوهيّة دون واسطة، والأنبياء عليهم السلام هم من هذا الصنف فهم مستقلّون هنا في قبول نور الهداية.
وأمّا الصنف الثاني فيمثّل أرواح الأولياء الذين كانوا هناك مستعدّين لقبول فيض الحقّ من سماء أرواح الأنبياء عليهم السلام، وهم مستعدّون لتقبّل ذلك الفيض هنا كذلك في ظلّ اتّباعهم عليهم السلام، ولأنّه رَشّ على طينة روحانيّتهم خميرته، ثُمَّ رَشَّ عليهم مِنْ نُورِهِ، فلمّا أعرضوا بوجههم عن الزخارف الدنيويّة بفعل حبائل الجذبة، فهم هنا كذلك يشاهدون ذلك النور من وراء آلاف الحُجُب من حجب عزّة جمال الوحدانيّة، كما قال أمير المؤمنين على رضوان الله عليه: لَا أعبُدُ رَبّاً لَمْ أرَهُ، وهنا تكمن مبادئ الحبّ.
اصل همه عاشقى ز ديدار افتد *** چون ديده بديد آنگهى كار افتد[23]
خطبة أمير المؤمنين في وصف الله تعالى في جواب ذعلب
روى الشيخ الصدوق بسند متّصل عن عبد الله بن يونس، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: بَيْنَا أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ، إذْ قَامَ إليه رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ذِعْلَبٌ، ذَرِبُ اللِسَانِ بَلِيغٌ في الخِطَابِ شُجَاعُ القَلْبِ، فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين! هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟! فَقَالَ: وَيْلَكَ يَا ذِعْلَبُ! مَا كُنْتُ أعْبُدُ رَبّاً لَمْ أرَهُ! قَالَ: يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ! كَيْفَ رَأيْتَهُ؟! قَالَ: وَيْلَكَ يَا ذِعْلَبُ! لَمْ تَرَهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ، ولَكِنْ رَأتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ. وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ! أنَّ رَبِّي لَطِيفُ اللطَافَةِ فَلَا يُوصَفُ بِاللُّطْفِ، عَظِيمُ العَظَمَةِ لَا يُوصَفُ بِالعِظَمِ، كَبِيرُ الكِبْرِيَاءِ لَا يُوصَفُ بِالكِبَرِ، جَلِيلُ الجَلَالَةِ لَا يُوصَفُ بِالغِلَظِ.
قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ فَلَا يُقَالُ: شَيءٌ قَبْلَهُ؛ وبَعْدَ كُلِّ شَيءٍ فَلَا يُقَالُ: شَيءٌ بَعْدَهُ. شَائِي الأشْيَاءِ لَا بِهِمَّةٍ، دَرَّاكٌ لَا بِخَدِيعَةٍ. هُوَ في الأشْيَاءِ كُلِّهَا غَيْرُ مُتَمَازِجٍ بِهَا ولَا بَائِنٍ عَنْهَا. ظَاهِرٌ لَا بِتَأوِيلِ المُبَاشَرَةِ، مُتَجَلٍّ لَا بِاسْتِهْلَالِ رُؤْيَةٍ، بَائِنٌ لَا بِمَسَافَةٍ، قَرِيبٌ لَا بِمُدَانَاةٍ، لَطِيفٌ لَا بِتَجَسُّمٍ، مَوْجُودٌ لَا بَعْدَ عَدَمٍ، فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَارٍ، مُقَدِّرٌ لَا بِحَرَكَةٍ، مُرِيدٌ لَا بِهَمَامَةٍ، سَمِيعٌ لَا بِآلَةٍ، بَصِيرٌ لَا بِأدَاةٍ.
لَا تَحْوِيهِ الأمَاكِنُ، ولَا تَصْحَبُهُ الأوْقَاتُ، ولَا تَحُدُّهُ الصِّفَاتُ، ولَا تَأخُذُهُ السِّنَاتُ. سَبَقَ الأوْقَاتَ كَوْنُهُ، والعَدَمَ وُجُودُهُ، والابْتِدَاءَ أزَلُهُ.
بِتَشْعِيرِهِ المَشَاعِرَ عُرِفَ أن لَا مَشْعَرَ لَهُ، وبِتَجْهِيرِهِ الجَوَاهِرَ عُرِفَ أن لَا جَوْهَرَ لَهُ، وبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الأشْيَاءِ عُرِفَ أن لَا ضِدَّ لَهُ، وبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الأشْيَاءِ عُرِفَ أن لَا قَرِينَ لَهُ.
ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ، والجَسْوَ بِالبَلَلِ، والصَّرْدَ بِالحَرُورِ.
مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا، دَالَّةً بِتَفْرِيقِهَا عَلَى مُفَرِّقِهَا، وبِتَألِيفِهَا عَلَى مُؤَلِّفِهَا؛ وذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: «وَ مِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».[24]
فَفَرَّقَ بِهَا بَيْنَ قَبْلٍ وبَعْدٍ؛ لِيُعْلَمَ أن لَا قَبْلَ لَهُ ولَا بَعْدَ، شَاهِدَةً بِغَرَائِزِهَا عَلَى أن لَا غَرِيزَةَ لِمُغَرِّزِهَا، مُخْبِرَةً بِتَوْقِيتِهَا أن لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا.
حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ؛ لِيُعْلَمَ أن لَا حِجَابَ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَلْقِهِ غَيْرُ خَلْقِهِ.
كَانَ رَبّاً إذْ لَا مَرْبُوبٌ، وإلَهاً إذْ لَا مَألُوهٌ، وعَالِماً إذْ لَا مَعْلُومٌ، وسَمِيعاً إذْ لَا مَسْمُوعٌ.
ثُمَّ أنْشَأ يَقُولُ:
وَ لَمْ يَزَلْ سَيِّدِي بِالحَمْدِ مَعْرُوفَا *** ولَمْ يَزَلْ سَيِّدِي بِالجُودِ مَوْصُوفَا
وَ كُنْتَ[25] إذْ لَيْسَ نُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ *** ولَا ظَلَامٌ على الآفَاقِ مَعْكُوفَا
وَ رَبُّنَا بِخِلَافِ الخَلْقِ كُلِّهِمُ *** وكُلِّ مَا كَانَ في الأوْهَامِ مَوْصُوفَا
فَمَنْ يُرِدْهُ عَلَى التَّشْبِيهِ مُمْتَثِلًا *** يَرْجِعْ أخَا حَصَرٍ بِالعَجْزِ مَكْتُوفَا
وَ في المَعَارِجِ يَلْقَي مَوْجُ قُدْرَتِهِ *** مَوْجاً يُعَارِضُ طَرْفَ الرُّوحِ مَكْفُوفَا
فَاتْرُكْ أخَا جَدَلٍ في الدِّينِ مُنْعَمِقاً *** قَدْ بَاشَرَ الشَّكُّ فِيهِ الرَّأيَ مَأوُوفَا
وَ اصْحَبْ أخَا ثِقَةٍ حُبَّاً لِسَيِّدِهِ *** وبِالكَرَامَاتِ مِنْ مَوْلَاهُ مَحْفُوفَا
أمْسَى دَلِيلَ الهدى في الأرْضِ مُنْتَشِراً *** وفي السَّمَاءِ جَمِيلَ الحَالِ مَعْرُوفَا
قَالَ: فَخَرَّ ذِعْلَبٌ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ ثُمَّ أفَاقَ، وقَالَ: مَا سَمِعْتُ بِهَذَا الكَلَامِ، ولَا أعُودُ إلى شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الكِتَابِ: في هَذَا الخَبَرِ ألفَاظٌ قَدْ ذَكَرَها الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ في خُطْبَتِهِ،[26] وهَذَا تَصْدِيقُ قَوْلِنَا في الأئِمَّةِ عليهم السَّلَامُ: أنَّ عِلْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَأخُوذٌ عَنْ أبِيهِ حتى يَتَّصِلَ ذَلِكَ بِالنَّبِيّ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّمَ.[27]
نعم، فمضافاً إلى أنّ هذه الحديث المبارك يدلّ على أنّ رؤية الله بعين القلب أمر ممكن بل ولازم، فإنّه كذلك وبعد التمحيص جيّداً في عباراته يمكن أن نتحسّس من خلاله وحدة وجود الحقّ تعالى بشكل واضح ومبرهن، وخصوصاً تلك العبارة التي يقول فيها: حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه غير خلقه.
فإذا كان المقصود من هذه العبارة أنّ العلّة في حجب بعض الخلائق عن بعضها هي أن يُعلَم أن لا حجاب بينه وبين مخلوقاته، فعبارة غَيْرُ خَلْقِهِ تبدو زائدة، لأنّه كما قال: بتشعيره المشاعر (للخلق) عُرف أنّ الله لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عُرف أن لا جوهر له، وخلق الغرائز شاهدة على أن لا غريزة للّه (بِتَشْعِيرِهِ المَشَاعِرَ عُرِفَ أن لَا مَشْعَرَ لَهُ، وبَتَجْهِيرِهِ الجَوَاهِرَ عُرِفَ أن لَا جَوْهَرَ لَهُ. ... شَاهِدَةً بِغَرَائِزِهَا عَلَى أن لَا غَرِيزَةَ لِمُغَرِّزِهَا)، فكان لزاماً أن يقول هنا كذلك: حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ لِيُعْلَمَ أن لَا حِجَابَ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَلْقِهِ.
إلّا أنّنا نشاهد هنا أنّه أضاف عقيب تلك الكلمة قائلًا: غَيْرُ خَلْقِهِ، والغرض من ذلك تفهيم السامع أنّه لا توجد بين الحقّ المتعال وبين مخلوقاته فاصلة أو بعد أو حجاب غير نفس تعيّن المخلوقات. فإذا أزلت التعيّن من وجود المتعيّن فلن يبقى هنالك شيء غير الوجود المطلق، وهو عبارة عن وجود الحقّ سبحانه وتعالى.
ولأنّ مرجع التعيّن أمر عدميّ واعتباريّ لهذا: لَيْسَ في العَالَمِ إلَّا الوُجُودُ المُطْلَقُ والبَسِيطُ والبَحْتُ والصِّرْفُ وهُوَ الحَقُّ تعالى شَأنُهُ وعَلَا مَجْدُهُ.
وجود اندر همه اشياء سارى است *** تعيّنها امور اعتبارى است[28]
أبيات الملّا الروميّ في عظمة لقاء أمير المؤمنين للّه تعالى
وقد بيّن الملّا الرومي مسألة رؤية أمير المؤمنين عليه السلام للّه تعالى ومشاهدته بعين الوحدانيّة والفناء في ذاته واسمه وصفته والنظر إلى جميع العوالم باعتبارها ظهوراً له تعالى من خلال قصّة مشوقّة موضّحاً حقيقة ذلك.
فمن خلال عرض الملّا الروميّ لبيان توحيد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يقوم بوصف حالة إشهاره السيف بوجه الكافر لقتله، وقيام الكافر بالبصق على وجهه وإعراضه عليه السلام عن قتله في تلك اللحظة، وسؤال الكافر عن علّة ذلك، وإسلامه دونما حاجة إلى السيف والقتال والمبارزة، في الأبيات التالية:
از على آموز اخلاص عمل *** شير حقّ را دان منزّه از دغل
در غزا بر پهلوانى دست يافت *** زود شمشيرى بر آورد وشتافت[29]
او خدو انداخت بر روى عليّ *** افتخار هر نبيّ وهر وليّ
او خدو انداخت بر روئى كه ماه *** سجده آرد پيش او در سجده گاه
در زمان انداخت شمشير آن على *** كرد او اندر غزايش كاهلى
گشت حيران آن مبارز زين عمل *** از نمودن عفو ورحم بى محل
گفت بر من تيغ تيز افراشتى *** از چه افكندى مرا بگذاشتى
آن چه ديدى بهتر از پيكار من *** تا شدى تو سست در اشكار من
آن چه ديدى كه چنين خشمت نشست *** تا چنين برقى نمود وباز جست[30]
آن چه ديدى كه مرا ز آن عكس ديد *** در دل وجان شعلهاى آمد پديد
آن چه ديدى بهتر از كون ومكان *** كه به از جان بود وبخشيديم جان
در شجاعت شير ربّانيستى *** در مروّت خود كه داند كيستى
در مروّت ابر موسائى به تيه *** كامد از وى خوان ونان بى شبيه[31]
ثمّ يواصل الملّا رحمة الله عليه شعره على هذا المنوال، حتى يصل إلى حيث يقول:
اى على كه جمله عقل وديدهاى *** شمّهاى واگو از آن چه ديدهاى
تيغ حلمت جان ما را چاك كرد *** آب علمت خاك ما را پاك كرد
بازگو دانم كه اين اسرار هوست *** زانكه بى شمشير كشتن كار اوست[32]
صانع بى آلت وبى جارحه *** واهب اين هديهها بى رابحه
صد هزاران مىچشاند روح را *** كه خبر نبود دل مجروح را
صد هزاران روح بخشد هوش را *** كه خبر نبود دو چشم وگوش را[33]
عظمة المقام التوحيديّ لأمير المؤمنين عليه السلام
يقول الملّا: سأل الكافر عليّاً: يا على المرتضى! يا أمير المؤمنين! يا من يفيض وجوده بالعقل والدراية، اناشدك أن تبيّن لي قليلًا ممّا حصل وجعلك تعرض عن قتلي، فمنحتني الحياة الخالدة، ومننت على بالإسلام. أنت ذلك الشخص الذي قتل بصبره وحلمه اللذين هما أمضى من السيف البتّار شركي ووثنيّتي وأحييتني على عالم التوحيد واليقين والعرفان ووهبتني حياة جديدة! أنت ذلك الشخص الذي أسجد لنا الملائكة بماء حياته وعلمه ومعرفته، وطهّر طينة خلقتنا من دنس الشرك والجهل وسار بنا نحو النور وضياء العلم ب- عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها منتشلًا إيّانا من دياجير الظلمة وشوائب الجهل! والآن قل لي أ ليس قتل نفسي الأمّارة بالسوء من دون حسام أو سيف هو من عمل الله علّام الغيوب، فهو الذي يُحدث الامور بلا أسباب ووسائل ومقدّمات ومعدّات ولا يحتاج إلى مساعد ومعين ورفيق.
هو الذي يعمل دون آلة أو جوارح، ويسخّر لنا كلّ هذه العطايا والهبات مجّاناً ودون مقابل ولا يبتغي من وراء ذلك منفعة أو فائدة.
هو الذي يسقي أرواحنا آلافاً مؤلّفة من المعاني السامية والمسائل الرفيعة دون أن تطّلع على ذلك قلوبنا ومهجنا التي تمسك الروح بزمامها.
هو الذي يوصل إلى فهمنا وإدراكنا آلافاً من الامور الغامضة والمشاكل المستعصية، والتي لا سبيل إلى إدراكها بحواسّنا الظاهرة من سمع أو بصر، وفمنافذ درك هذه العلوم بوساطة هذه الحواسّ مغلقة.
باز گو اي باز عرش خوش شكار *** تا چه ديدى اين زمان از كردگار
چشم تو ادراك غيب آموخته *** چشمهاى حاضران بر دوخته[34]
آن يكى ماهى همى بيند عيان *** وآن يكى تاريك مىبيند جهان
و آن يكى سه ماه مىبيند بهم *** اين سه كس بنشسته يك موضع نَعَم[35]
چشم هر سه باز وچشم هر سه تيز *** در تو آميزان[36] واز من در گريز
سحر عين است اين عجب لطف خفى است *** بر تو نقش گرگ وبر من يوسفى است
عالم ار هجده هزار است وفزون *** هر نظر را نيست اين هجده زبون[37]
يا عليّ المرتضى، أيّها الباز الصيّاد الماهر الأثير عند عرش الله،
يا مَن أوقع أفضل وأسمى النفوس في حبائل محبّته وفتوّته وعدله، فأخرجها من نفسها الشهوانيّة وأدخلها في عالم الروح المعنويّة والحياة السرمديّة، فأخرجتها من ذاتها وألحقتها بربّها! والآن أخبرني ما الذي رأيتَ من ربّك حتى انصرفت عن قتلي وأخذت بيدي عند ربّي؟! فعينا سرّك وباطنك استقتا علم الغيب في حين أنّ عيون الآخرين قد خيطت وسُدّت.
ببين تفاوت ره از كجاست تا بكجا؟[38] إنّه لأمرٌ عجب، أن يجلس ثلاثة أنفار في مكان واحد: أحدهم موحّد يُبصر الله بالوحدانيّة ويرى جميع العوالم متجلّية في ظهور وطلوع وجهه، والثاني مشرك يعبد الأوثان ويُنكر خالق الأكوان مقضيّاً حياته في عبادة المادّة والانتماء إلى الطبيعة، وثالث يقول بالتثليث (الذات والعلم والروح). ويؤمن ويعتقد بأنّ الأب والابن والروح القدس هم ثلاثة أقانيم. فهؤلاء الثلاثة لهم أعين وبصر حادّ ولكنّ القمر الذي في السماء له شكل مختلف في عين كلّ منهم. الأوّل يعترف بوحدة القمر والثاني ينكره بالمرّة ويراه الثالث بعينه الرمداء ثلاثة، والثلاثة هم في حالة تفاعل مع الحقيقة العلويّة التي تمثّل جوهر الوحدة وفي نفس الوقت يعيشون حالة الفرار من ذاتهم وأنانيّتهم، فعجباً: هل ما حدث كان سحراً وخداعاً أغشى أعين الناظرين أم هو من فعل ألطافه الخفيّة سبحانه عليك يا على إذ كان بإمكانك أن تعاملني معاملة الذئب لفريسته وتقطّعني بسيفك إرباً إرباً، لكن صنيعك هذا معي أنقذني كما انقِذ يوسف من غيابت الجبّ ورُفع إلى القمر، ومنحني سلطان الدنيا والآخرة. يا على! الحقّ أنّك سيفٌ ذو حدّين: حدّه الأوّل غضب وسطوة وطوفان، وحدّه الآخر حياة خالدة وتوحيد وعرفان.
فأيّ شخص أنت! أفعالك إلهيّة يعجز عنها الآخرون، وكلّ عوالم الملك والملكوت هذه مطيعة لك مؤتمرة بأمرك. فعل إيمانك يسخّر له القلوب ويترك آثاره عليها، إنّه سلطان توحيدك وعرفانك الذي تسلّط على قلبي، أنا الكافر القادم لمبارزتك وقتالك، والذي صيّرني مسلماً في لحظة واحدة.
نعم، فالعوالم المادّيّة والمثاليّة والعقليّة كلّها لك مطيعة بحول الله وقوّته، فلو أن عدد العوالم كان ثمانية عشرة ألف أو أكثر فإنّها لا تأتمر بأمر أحد إلّا بأمرك أنت ولا تنقاد إلى رأي إلّا رأيك.
راز بگشا اي على مرتضى *** اي پس از سوءُ القَضا حُسْنُ القَضا
يا تو واگو آنچه عقلت يافته است *** يا بگويم آنچه بر من تافته است
از تو بر من تافت چون دارى نهان *** مىفشانى نور چون مه بى زبان
ليك اگر در گفت آيد قرص ماه *** شبروان را زودتر آرد به راه[39]
از غلط ايمن شوند واز ذهول *** بانگ مه غالب شود بر بانگ غول
ماه بي گفتن چو باشد رهنما *** چون بگويد شد ضيا اندر ضيا
چون تو بابى آن مدينة علم را *** چون شعاعى آفتاب حلم را
باز باش اي باب بر جوياى باب *** تا رسند از تو قُشور اندر لُباب
باز باش اي باب رحمت تا ابد *** بارگاه ما لَهُ كُفْواً أحَدْ[40]
يا علي، أيّها المرتضى، أزح الستار واكشف الأسرار! يا من أبدلت سوء عاقبتي وشركي وهلاكي في سبيل الطاغوت، إلى حسن العاقبة والإيمان والحياة الخالدة في سبيل الله! ويا من استردّ حقّه في الخلافة وأصبح ملاذاً لجميع خلق الله في حسن القضاء الإلهيّ، بعد أن غصبه الخليفة الثالث مقامه ومنزلته! والآن تفضّل على وأخبرني ما الذي تناهى إلى عقلك، وجعلك تنصرف عن قتلي وقتالي، أم هل اخبرك أنا بالذي غمرني من فيض النفحات السبحانيّة والسبحات الرحمانيّة فملأ قلبي بالإيمان وصبّ على روحي اليقين؟! إن هذه الفيوضات القدسيّة والألطاف القدّوسيّة التي اغدقت على كلّها نابعة من قلبك المبارك، فكيف لك والحال هذه أن تكتم كلّ ذلك؟ كالبدر المنير في ليلة تمامه ينير الطريق للناس في ظلمة الليل الحالك دون بيان. فكيف بنا إذا كان هذا البدر يهدي بالبيان مع ما له من نور وضياء، فذاك نور على نور وسيُحيل العالم المظلم إلى دنيا مضيئة بنور الهداية، بفعله وقوله وتكوينه وتشريعه.
«لأنّك باب مدينة العلم، ولأنّك شعاع من شمس الحلم»
يا باب مدينة علم النبيّ، وبوّابة معرفتها. فبحقّ ما لك من المنزلة الرفيعة، وما تتّصف به من حلم رسول الله وصبره وجلده دمتَ ذخراً للباحثين عن العلم وطالبي طريق السلامة والعقل والمعرفة، حتى تنضج الألباب، وتنفذ من القشور إلى اللب والجوهر وينتقل العالم المجرّد والقدرة المحضة إلى الفعليّة الصرفة.
دام باب مدينة علمك مفتوحاً إلى الأبد ولا اغلقت مطلقاً، فأنت الملاذ الذي لا ندّ له ولا نظير، ووحيد معركة الفضيلة والرسالة هذه، وحارس ساحة الواحد الذي لا شريك له فأنت الكفؤ لهذه الحراسة!
تصريح «مولانا» بعدم إمكان الوصول بدون شيخ واستاذ
هر هوا وذرّهاى خود منظرى است *** ناگشاده كى بود كآنجا درى است
تا نبگشايد درى را ديدهبان *** در درون هرگز نجنبد اين گمان[41]
چون گشاده شد درى حيران شود *** مرغ اميّد وطمع پرّان شود
غافلى ناگه به ويران گنج يافت *** سوى هر ويرانه زان پس مىشتافت
تا ز درويشى نيابى تو گهر *** كى گهر جوئى ز درويش دگر
سالها گر ظنّ دود با پاى خويش *** نگذرد ز اشكاف بينيهاى خويش
تا ببينى نايدت از غيب بوى *** غير بينى هيچ مىبينى بگوي[42]
يا علي أيّها المرتضى! أنت شيخ الطريقة! أنت معلّم الامّة ودليلها أنت السيّد والمرشد إلى سبل الله! افتح لقلبي باباً! وخذ بيديّ فإنّي لا استطيع الوقوف على قدمي.
فما أكثر المناظر الخلّابة الموجودة بين السماء والأرض، ولكن أنّى للسجين الذي اوصدت عليه أبواب السجن أن يُمتّع ناظريه بها؟!
فإن لم يفتح السجّان باباً على قلوب الأتقياء فلن يستعر أمل اللقاء ورجاء الوصول في قلوب النجباء، وأمّا إذا فتح وليّ الله والسيّد باباً من الحبّ على قلب السالك، قُدحت في الفؤاد شرارة ونشر طائره جناحيه استعداداً للتحليق نحو عوالم القدس.
فلا يصحّ القول بأنّ البعض قد وصل إلى غايته دونما حاجة إلى معلّم وحاز على كنزه المنشود، هذا ما يقوله الغافلون وينطق به الجاهلون فيكون كمن عثر بالصدفة على كنز في خربة فيقضي عمره كلّه يجول في الخرائب بحثاً عن كنوز أخرى، فهو مسكين لا يعلم أن ليس كلّ خربة تحوي كنزاً.
فلا مناص من اتّخاذ المعلّم وفتح نافذة من فضائله على قلوبنا من عالم الغيب حتى يتيسّر فتح الطريق، كالدراويش والعارفين الذين سلكوا الطريق وغنموا، فإن نهلتَ من منهلهم فتوجّه نحو مسحوقي الفؤاد والدراويش، لتنهل منهم كذلك.
إذا انطلق السالك نحو هدفه سنوات طوال معتمداً فكره وتصوّره واختياره وظنّه، فقد استند على رجليه هو لا رجلي معلّم محنّك. وعلى هذا فهو لا يستطيع التقدّم خطوة أبعد من أنانيّته أو التحرّك خارج نطاق نفسه، ما دمتَ لا ترى إلّا نفسك فلا أثر لعالم الغيب، ولا أمل في حصولك على نفحة منه. ففي هذه الحالة، فإنّك سترى دوماً الأغيار وليس الأخيار، فإن كنت قد وصلت بذلك إلى أحبابك فبيّن لنا ذلك حتى نتّبع طريقتك دونما حاجة إلى إرشاد معلّم أو ولاية شيخ!
واعلم أنّ ما أورده الملّا الروميّ في هذه الأبيات له نفس محتوى ومضمون تلك الرواية التي ذكرناها في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في
جوابه على ذعلب، برواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام والتي رواها الشيخ الصدوق في «التوحيد» بسند متّصل عن عبد الله بن يونس. وقد بدا من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الرواية أنّه لم يشأ أن يقول بأنّي أنا وحدي الذي رأيت ربّي ولهذا أعبده، بل من الواجب أن يكون هذا حال جميع عباد الله. فإذا دقّقنا في عبارة: مَا كُنْتُ أعْبُدُ رَبّاً لَمْ أرَهُ، لظهر جليّاً أنّه عليه السلام إنّما أراد أن يُشعر كلّ العابدين بأنّ هذا هو واجبهم تجاه معبودهم، واستخدامه لفظة مَا كُنْتُ إنّما كان مثالًا رائعاً في بيانه لتلك الحقيقة المسلّم بها.
رواية «كفاية الأثر» في لزوم لقاء الله تعالى برؤية القلب
ودليلنا على أنّ وجوب لقاء الله ورؤيته بعين القلب وحقيقة الإيمان واجب على جميع البشر يقومون بعبادة وتقديس الله، معبودهم، هو رواية جليلة وغنية، التي ذكرها شيخنا الأقدم: الشيخُ السعيد علي بن محمّد بن على الخَزّاز القمّيّ في كتابه القيّم والنفيس الموسوم ب- «كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر» ورواها عنه كذلك العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الأنوار».
فقد رواها المجلسيّ نقلًا عن الكتاب المذكور عن الحسين بن على، عن هارون بن موسى، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام أنّه قال: كنتُ عند الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام فدخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعيَن.
فقال معاوية بن وهب:
يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ! مَا تَقُولُ في الخَبَرِ الذي رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ رَأى رَبَّهُ عَلَى اي صُورَةٍ رَآهُ؟ وعَنِ الحَدِيثِ الذي رَوَوْهُ أنَّ المُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ في الجَنَّةِ عَلَى اي صُورَةٍ يَرَوْنَهُ! فَتَبَسَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ![43] مَا أقْبَحَ بِالرَّجُلِ يَأتِي عَلَيْهِ سَبْعُونَ سَنَةً أوْ ثَمَانُونَ سَنَةً يَعِيشُ في مُلْكِ اللهِ ويَأكُلُ مِنْ نِعَمِهِ، ثُمَّ لَا يَعْرِفُ اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ! ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُعَاوِيَةُ! أنَّ مُحَمَّداً صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ لَمْ يَرَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وتعالى بِمُشَاهَدَةِ العِيَانِ. وأنَّ الرُّؤْيَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: رُؤْيَةُ القَلْبِ ورُؤْيَةُ البَصَرِ؛ فَمَنْ عَنَى بِرُؤْيَةِ القَلْبِ فَهُوَ مُصِيبٌ، ومَنْ عَنَى بِرُؤْيَةِ البَصَرِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ وبِآيَاتِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: مَنْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أبِي عَنْ أبِيهِ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ على، قَالَ: سُئِلَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقِيلَ: يَا أخَا رَسُولِ اللهِ! هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟! فَقَالَ: وكَيْفَ أعْبُدُ مَنْ لَمْ أرَهُ؟! لَمْ تَرَهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ العِيَانِ؛ ولَكِنْ رَأتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ.
فَإذَا كَانَ المُؤْمِنُ يرى رَبَّهُ بِمُشَاهَدَةِ البَصَرِ فَإنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ[44] عَلَيْهِ البَصَرُ والرُّؤْيَةُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، ولَا بُدَّ لِلْمَخْلُوقِ مِنَ الخَالِقِ؛ فَقَدْ جَعَلْتَهُ إذاً مُحْدَثاً مَخْلُوقاً! ومَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللهِ شَرِيكاً.
وَيْلَهُمْ! أ ولَمْ يَسْمَعُوا يَقُولُ اللهُ تعالى: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[45]. وقَوْلَهُ: «لَن تَرَانِي ولَكِنِ انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ ولِلْجَبَلِ جَعَلَهُ ودَكًّا».[46]
وَإنَّمَا طَلَعَ مِنْ نُورِهِ عَلَى الجَبَلِ كَضَوْءٍ يَخْرُجُ مِنْ سَمِّ الخِيَاطِ؛ فَدُكْدِكَتِ الأرْضُ وصَعَقَتِ الجِبَالُ فَخَرَّ موسى صَعِقاً أيْ مَيِّتاً. فَلَمَّا أفَاقَ ورُدَّ عَلَيْهِ رُوحُهُ قَالَ: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إليْكَ مِنْ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أنَّكَ تُرَى، ورَجَعْتُ إلى مَعْرِفَتِي بِكَ أنَّ الأبْصَارَ لَا تُدْرِكُكَ، وأنَا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ وأوَّلُ المُقِرِّينَ بِأنَّكَ ترى ولَا تُرَى، وأنْتَ بِالمَنْظَرِ الأعْلَى!
ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أنَّ أفْضَلَ الفَرَائِضِ وأوْجَبَهَا عَلَى الإنْسَانِ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ والإقْرَارُ لَهُ بِالعُبُودِيَّةِ. وحَدُّ المَعْرِفَةِ أن يَعْرِفَ أنَّهُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ، ولَا شَبِيهَ لَهُ ولَا نَظِيرَ، وأن يَعْرِفَ أنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبِتٌ مَوْجُودٌ[47] غَيْرُ فَقِيدٍ مَوْصُوفٌ مِنْ غَيْرِ شَبِيهٍ ولَا مُبْطَلٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
وَبَعْدَهُ مَعْرِفَةُ الرَّسُولِ والشَّهَادَةُ بِالنُّبُوَّةِ، وأدْنَى مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ الإقْرَارُ بِنُبُوَّتِهِ وأنَّ مَا أتَى بِهِ مِنْ كِتَابٍ أوْ أمْرٍ أوْ نَهْيٍ فَذَلِكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
وَبَعْدَهُ مَعْرِفَةُ الإمَامِ الذي بِهِ تُؤْتَمُّ [يُؤْتَمُ] بِنَعْتِهِ وصِفَتِهِ واسْمِهِ في حَالِ العُسْرِ واليُسْرِ، وأدْنَى مَعْرِفَةِ الإمَامِ أنَّهُ عِدْلُ النَّبِيّ إلَّا دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ، ووَارِثُهُ، وأنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللهِ وطَاعَةُ رَسُولِ اللهِ، والتَّسْلِيمُ لَهُ في كُلِّ أمْرٍ والرَّدُّ إليه، والأخْذُ بِقَوْلِهِ.
وَيَعْلَمَ أنَّ الإمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ علي بن أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وبَعْدَهُ الحَسَنُ ثُمَّ الحُسَيْنُ ثُمَّ علي بن الحُسَيْنِ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ علي ثُمَّ أنَا، ثُمَّ بَعْدِي موسى ابْنِي، وبَعْدَهُ علي ابْنُهُ، وبَعْدَ علي مُحَمَّدٌ ابْنُهُ، وبَعْدَ مُحَمَّدٍ علي ابْنُهُ، وبَعْدَ علي الحَسَنُ ابْنُهُ؛ والحُجَّةُ مِنْ وُلْدِ الحَسَنِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ! جَعَلْتُ لَكَ أصْلًا في هَذَا فَاعْمَلْ عَلَيْهِ، فَلَوْ كُنْتَ تَمُوتُ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ لَكَانَ حَالُكَ أسْوَأ الأحْوَالِ! فَلَا يَغُرَّنَّكَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أنَّ اللهَ تعالى يرى بِالبَصَرِ!
قَالَ: وقَدْ قَالُوا أعْجَبَ مِنْ هَذَا؛ أولَمْ يَنْسِبُوا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى المَكْرُوهِ؟! أولَمْ يَنْسِبُوا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى مَا نَسَبُوهُ؟! أولَمْ يَنْسِبُوا دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى مَا نَسَبُوهُ مِنْ حَدِيثِ الطَّيْرِ؟! أولَمْ يَنْسِبُوا يُوسُفَ الصِّدِّيقَ إلى مَا نَسَبُوهُ مِنْ حَدِيثِ زُلَيْخَا؟! أولَمْ يَنْسِبُوا موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى مَا نَسَبُوهُ مِنَ القَتْلِ؟! أولَمْ يَنْسِبُوا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ إلى مَا نَسَبُوهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ؟! أولَمْ يَنْسِبُوا علي بن أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى مَا نَسَبُوهُ مِنْ حَدِيثِ القَطِيفَةِ؟!
إنَّهُمْ أرَادُوا بِذَلِكَ تَوْبِيخَ الإسْلَامِ لِيَرْجِعُوا عَلَى أعْقَابِهِم! أعْمَى اللهُ أبْصَارَهُمْ كَمَا أعْمَى قُلُوبَهُمْ، تعالى اللهُ عَن ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيراً.[48]
أبيات الشيخ محمود الشبستريّ في حتميّة رؤية الله بالله تعالى
وقد أنشد عالمنا الجليل: المرحوم الشيخ محمود الشبستريّ أعلى الله درجته أبياتاً بهذا الخصوص:
حكيم فلسفى چون هست حيران *** نميبيند ز اشيا غير امكان[49]
ز امكان مىكند اثبات واجب *** وزين حيران شده در ذات واجب
گهى از دور دارد سير معكوس *** گهى اندر تسلسل گشته محبوس
چو عقلش كرد در هستى توغّل *** فرو پيچيد پايش در تسلسل
ظهور جملة اشيا به ضدّ است *** ولى حقّ را نه مانند ونه نِدّ است
چو نبود ذات حقّ را شبه وهمتا *** ندانم تا چگونه داند آن را
ندارد ممكن از واجب نمونه *** چگونه داندش آخر چگونه
زهى نادان كه او خورشيد تابان *** به نور شمع جويد در بيابان
اگر خورشيد بر يك حال بودى *** شعاع او به يك منوال بودى
ندانستى كسى كين پرتو اوست *** نبودى هيچ فرق از مغز تا پوست
جهان جمله فروغ نور حقّ دان *** حق اندر وى ز پيدائيست پنهان
چه نور حقّ ندارد نقل وتحويل *** نيايد اندرو تغيير وتبديل
تو پندارى جهان خود هست دائم *** بذات خويشتن پيوسته قائم
كسى كو عقل دورانديش دارد *** بسى سرگشتگى در پيش دارد
ز دورانديشى عقل فضولى *** يكى شد فلسفى ديگر حلولى
خرد را نيست تاب نور آن روى *** برو از بهر او چشم دگر جوى[50]
شرح الشيخ محمّد اللاهيجيّ لأبيات الشبستريّ في «گلستان راز»
وقد شرح العالم الخبير والعارف البصير الشيخ محمّد اللاهيجيّ هذه الأبيات في «شرح گلشن راز» قائلًا: تلك هي جماعة اختُصّت بالعناية الأزليّة من لدن الله، وانتشلتهم توفيقات الهداية الإلهيّة من حضيض مقام استدلال الأثر بالمؤثّر إلى أوج درجات شهود المؤثّر بالأثر، وذابوا في تجلّي وحدانيّة الذات، وبعد البقاء والإحساس بعين الحقّ رأوا أنّ ما نزل من عالم الغيب إلى مراتب الأسماء والصفات والآثار إنّما هو ذات الواحد المطلق متجلّيةً في كلّ مكان ومظهر بظهور ما، وكلّ الأشياء إنّما هي قائمة بوجود الحقّ تعالى، وأنّ الحقّ القيّوم هو كلّ تلك الأشياء.
گنج پنهانست زير هر طلسم *** پيش عارف شد مسمّى عين اسم
ديدة حقّ بين اگر بودى ترا *** او رخ از هر ذرّه بنمودى ترا[51]
إنّها النخبة الحقيقيّة من العارفين الذين أدركوا كلّ الأشياء من خلال النور الإلهيّ، ورأوا الحقّ متجلّياً في صور المظاهر جميعاً وهم الوارثون للقائل عَرَفْتُ الأشْيَاءَ بِاللهِ[52]، وجماعة أخرى لم تَخْطُ خطوة أبعد من طور التقليد، وبسبب افتقارهم للقابليّة الفطريّة لم يتمكنوا من الوصول إلى مرتبة الشهود الحقيقيّ التي مرّ ذكرها، فهم يحاولون إثبات مبدأ الواحد الذي هو منشأ الكثرات، بالاستدلال؛ ولا يعلمون من الأشياء إلّا (عالم) الإمكان، ويستدلّون على وجود الواجب من خلال وجود الممكنات. ولأنّ برهانهم على إثبات واجب الوجود ممكناً (أي من عالم الإمكان)، فقد قال:
ز امكان مىكند اثبات واجب *** ازين حيران شد اندر ذات واجب[53]
فقد اثبت عن طريق هذا الاستدلال بأنّه يجب أن يكون هناك واجب الوجود، لكنّ المعرفة الحقيقيّة التي هي العلم بحقيقة الحال لم تحصل هنا؛ لأنّ هذا المعنى إنّما يحصل بنفي الغير وليس بالإثبات.
وكلّما أوغلوا في إثبات الموجودات ابتعدوا عن حقيقة التوحيد، فمن أراد معرفة الحقّ بوساطة الأشياء، فهو، في الواقع، يجهل الحقيقة. وأمّا من يعرف الأشياء بالحقّ فهو عارف.
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بِمَا عَرَفْتَ اللهَ؟! قال صلى الله عليه وآله وسلّم: عَرَفْتُ الأشْيَاءَ بِاللهِ. اي عرفتُ الحقّ بالحقّ وعرفتُ الأشياء كذلك بالحقّ.
خويش را عريان كن از فضل اي فضول *** ترك خود كن تا كند رحمت نزول
زيركى ضدّ شكست است ونياز *** زيركى بگذار وبا گولى بساز[54]-[55]
ولأنّه من المستطاع معرفة شيء بشيء، أو بما يشاكله في الذات، أو بما يشاكله في الصفات، فقد قال:
ظهور جملة اشيا به ضدّ است *** ولى حقّ را نه مانند ونه نِدّ است[56]
أي أنّه لا وجود لضدّ ونظير للحقّ في الالوهيّة؛ بل ليس شريك في الوجود، بل لا موجود سواه حتى يكون سبباً لظهور الحقّ بواسطة التضادّ والتماثل؛ بل أنّ نور وجود الواجب قد غمر جميع ذرّات الكائنات، والأجلى والأظهر من كلّ المفاهيم والبديهيّات هو وجود الواحد المطلق، والذي اختفى واستتر من شدّة الظهور والوضوح.
اى تو مخفى در ظهور خويشتن *** وى رخت پنهان به نور خويشتن[57]
وليس هناك غير في الحقيقة فيكون سبباً وواسطة لظهور الحقّ؛ والأشْيَاءُ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِأضْدَادِهَا فلولا وجود الليل، ما استُدِلّ على وجود النهار، ولو لا الفقر ما عُرف الغنى، ولو لا الظلمة ما استبان النور، وقس على ذلك؛ لذا فإنّ عدميّة ذاتنا، هي مرآة وجود الحقّ.
جام گيتى نماى او مائيم *** كه به ما هر چه هست پيدا شد[58]
وعجزنا وافتخارنا هما مرآة قدرة الحقّ وغناه.
هستى اندر نيستى بتوان نمود *** مالداران بر فقير آرند جود
خواجة اشكسته بند آنجا رود *** كه در آنجا پاى اشكسته بود
نقصها آيينه وصف وكمال *** وآن حقارت آينه عزّ وجلال[59]
وقالوا: أنّ الضدّ والشِّبه شريكان في الصفات، والندّ والمثل شريكان في الذات. وقال بعضهم: إنّما الضدّ والندّ والمثل هي ألفاظ مترادفة؛ اي لا شريك للحقّ في الذات والصفات، بل أنّ ذات جميع المخلوقات وصفاتها هي عكس ذاته تعالى وصفاته، والتي تجلّت في مجالات كثرات العالم ومراياه وظهرت فيها.
وَ مَا هي إلَّا أن بَدَتْ بِمَظَاهِرٍ *** فَظَنُّوا سِوَاهَا وهىَ فِيهَا تَجَلَّتِ[60]
مهر رخسار تو مىتابد ز ذرّات جهان *** هر دو عالم پر ز نور وديده نابينا چه سود[61]
فَسُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ لِذَاتِهِ خِفَاءٌ إلَّا الظُّهُورُ، ولَا لِوَجْهِهِ حِجَابٌ إلَّا النُّورُ
وبرهان وجود الحقّ لا يكون إلّا بالحقّ نفسه حيث لا سبيل للكثرة إلى وجوده مطلقاً؛ ولا مفرّ من استنباط البرهان من الوجود.
هم به چشم دوست ديدم چون جمالش جلوهگر *** كافتاب از مشرق هر ذرّه تابان گشته بود[62]
إلى أن قال: ولأنّ عدم وجود الضدّ والندّ للشيء يوجب اختفاء ذلك الشيء وعدم ظهوره فقد قال:
چو نبود ذات حقّ را ضدّ وهمتا *** ندانم تا چگونه دانم او را[63]
أي لا وجود للمشابه والمماثل لذات الحقّ؛ فكلّ ما هو موجود يدلّ عليه، ولا وجود لموجود سواه، والطالب لبرهان على وجود ذات الحقّ، كمن يطلب برهاناً على وجود الماء مع وجود السمك. وقد سئل الشيخ جنيد البغداديّ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ؟! فقال: أغْنَى الصَّبَاحُ عَنِ المِصْبَاحِ!
روز را نيست حاجتى به چراغ *** روز خود دارد از چراغ فراغ[64]
وَهَيْهَاتَ! لا حاجة للبصر إلى الاستدلال بالحاسّة اللامسة في إدراك الألوان (لا حاجة لأثر بعد عين). أ فِي اللهِ شَكٌّ؟[65]
گر دو چشم حقّشناس آمد ترا *** دوست پُر بين عرصة هر دو سرا
غرق دريائيم اگر چه قطرهايم *** جملگى شمسيم اگر چه ذرّهايم[66]
فَسُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ لِذَاتِهِ خِفَاءٌ إلَّا الظُّهُورُ، ولَا لِوَجْهِهِ حِجَابٌ إلَّا النُّورُ.
حجاب روى تو هم روى تست در همه حال *** نهان ز چشم جهانى ز بس كه پيدائي[67]
وقال أيضاً: يقول الخواجة عبد الله الأنصاريّ: اللَهُمَّ تَلَطَّفْتَ بِأوْلِيَائِكَ فَعَرَفُوكَ؛ ولَوْ تَلَطَّفْتَ بِأعْدَائِكَ لَمَا جَحَدُوكَ! ولأنّه لا مشاركة بين ذات الواجب والممكن حتى تصبح وسيلة لمعرفته، فهو يقول:
ندارد ممكن از واجب نمونه *** چگونه دانيش آخر چگونه؟[68]
فواجب الوجود مطلق لكنّ ذات الممكن عدم، ومحال معرفة شيء دون أن يكون له مثال في النفس، ووجود الممكن إنّما هو مجرّد إضافة لا غير، وذات الأشياء وصفاتها وأفعالها كلّها انعكاس للذات الإلهيّة وصفاتها وأفعالها والمتجلّية في مرايا التعيّنات، وكلّ مرآة تتجلّى بلون مختلف في اي مرآة أخرى، وإذا نظرت بعين العيان، فإنّ ما تتصوّره دليلًا هو عين المدلول، وأن يُعزى شيء إلى عين دليل نفسه هو فهو الجهل
بعينه، لأنّه يلزم أن يكون الدليل أجلى وأظهر من المدلول. والعارف الحقّ هو من فني وجوده الإضافيّ والمجازيّ في سطوة نور الوحدة الإلهيّة فناءً مطلقاً، وبقي ببقاء الحقّ، ورأى الحقّ بالحقّ وعرفه، إذ: لَا يرى اللهَ إلَّا اللهُ، ولَا يَعْرِفُ اللهَ إلَّا اللهُ.
عارف آن باشد كه از عين العيان *** هر چه بيند حقّ در وبيند عيان
حقّ چو جان وجمله عالم چون تن است *** همچو خور در كاينات اين روشن است[69]
كلمات بعض العلماء الأعلام في العجز عن إدراك نهاية التوحيد
قال: لمّا لم يكن للممكن مثال وعلامة وأثر من الواجب، فلا يمكن في الحقيقة إذاً معرفة الواجب بالممكن، ذلك أنّ معرفة الشيء تستلزم شيئاً مشتركاً بينهما وإلّا كانت معرفة ذلك الشيء بصفاته السلبيّة، ولن يكون هناك وجود لليقين الذي يوجب المعرفة التامّة. ومن هذا يتبيّن أنّ علم أرباب الاستدلال ليس بالعلم الذي يقود إلى اليقين، ومِنْ هَذَا قَالَ أبُو على عِنْدَ وَفَاتِهِ:
يَمُوتُ ولَيْسَ لَهُ حَاصِلٌ *** سِوَى عِلْمِهِ أنَّهُ مَا عَلِمْ
وَفي هَذَا قَالَ الإمَامُ الرَّازِيّ:
نِهَايَةُ إدْرَاكِ العُقُولِ عِقَالُ *** وغَايَةُ سَعْيِ العَالَمِينَ ضَلَالُ... [70]
مرحى بالجاهل الذي يبحث عن الشمس الساطعة ...
ولأنّ ظهور جميع الأشياء الموجودة إنّما يتمّ بنور وجود الواحد المطلق الحقّ، فهو يقول:
زهى نادان كه او خورشيد تابان *** به نور شمع جويد در بيابان[71]
ذلك أنّ وجود الممكن هو شعاع من نور الشمس المضيئة لذات واجب الوجود، حيث يتجلى ذلك في صورة كلّ فرد من أفراد التعيّنات وذلك بقدر القابليّات والاستعدادات الفطريّة للمظاهر الممكنة، ويظهر في كلّ مكان بما يناسب نوعه وخصوصيّة شأنه، فجميع الأشياء تتّضح وتتبين بنوره تعالى. ومثل من يريد معرفة وجود الواجب بالممكن كمثل من يريد الاستدلال على وجود الشمس المضيئة في البريّة، حيث لا حجاب ولا ستار، بالشمعة، وعلى الأخصّ حين تستمدّ تلك الشمعة أيضاً نورها من تلك الشمس.
همه عالم پر است ازين منظور *** همه آفاق را گرفت اين نور
گنج در پيش چشم وما مفلس *** يار در دستگاه وما مهجور[72]
إلى أن قال:
هر كس به ترانهاى در اين كوى *** دستان تو مىزند بهر روى
انديشه به تو چه ماند آخر *** يا جز تو ترا كه داند آخر
زنهار به حجّت قياسى *** غرّه نشوى به حقشناسى[73]
ذلك أنّ نسبة الإثنينيّة إلى وجود الواجب ووجود الممكن أضحى سبباً لضلال العقل الفضوليّ، فهو يقول:
ز دور انديشى عقل فضولى *** يكى شد فلسفى ديگر حلولي[74]
ومعلوم أنّ طلب المطلوب الحاضر أمام الطالب يقيناً يوجب غياب ذلك المطلوب عن الطالب وابتعاده عنه.
حقّ همى گويد مرا من با توام *** من بهر ره گِرد عالم مىدوم[75]
إدراك التوحيد الحقيقيّ لا يتيسّر إلّا بالكشف والشهود
إنّه لمن بعد نظر العقل الفضوليّ تصوّر وجود الأشياء بمعزل عن وجود الحقّ، والاعتقاد بوجودين جنباً إلى جنب أدّى إلى الاختلاف في الآراء، واستناداً إلى خصوصيّة الأقوال وظروفها، فقد تسمّت كلّ طائفة باسمها الخاصّ؛ فالطائفة التي قالت بعلّيّة وجود الواجب ومعلوليّة وجود الممكن دُعوا بالفلاسفة. ويأتي اشتقاق كلمة فلسفة من فيلا وسوف، وتعني كلمة فيلا مُحبّ، وسوف الحكمة؛ فيكون معنى الكلمة محبّ الحكمة.
وقالت جماعة أنّ الحقّ، بالذات والصفات يحلّ في نشأة الإنسان الكامل، كما قال النصارى في قصّة عيسى عليه السلام وطائفة النصيريّة مع علي المرتضى عليه الصلاة والسلام وبعض جهلاء الصوفيّة الذين يدعون بالحلوليّة.
والحقيقة أنّ السبب في اختلاف هذه المذاهب هو توهم الغيريّة في وجود الواجب والممكن. ولا يتيسّر إدراك التوحيد الحقيقيّ إلّا بالكشف والشهود، ونسبة العقل إلى المكشوفات كنسبة الحواسّ إلى المعقولات؛ فكما أنّ الحواسّ لا يمكنها إدراك المعقولات، فليس بإمكان العقل كذلك إدراك المكشوفات.
اى برتر از آنكه عقل گويد *** بالاتر از آنكه روح جويد
اي آنكه وراى اين وآنى *** كيفيّت خويش را تو دانى
كس واقف تو به هيچ رو نيست *** آنكس كه ترا شناخت او نيست[76]
فمن أراد أن يكون عارفاً بالله بواسطة الأدلّة، لا جرم أنّه سيبتعد عن الحقّ أكثر فأكثر ويزداد في حيرته ويوغل في ضلاله، مهما ازدادت أدلّته وكثرت براهينه.
المولويّ:
ترك اين سَخته كماني[77] گو بگو *** در كمان نه تير وپرّيدن مجو
چونكه حقّ است اقرب از حبل الوريد *** تو فكنده تير فكرت را بعيد
علم تيراندازيت آمد حَجيب *** زانكه مطلوب تو بُد حاضر به جيب
اي كمان تيرها برساخته *** صيد نزديك تو دور انداخته
هر كه دور اندازتر او دورتر *** وز چنين گنج است او مهجورتر[78]
هر كه او دور است دور از روى تو *** كار نايد قوّت بازوى تو
اي بسا علم وذكاها وفطن *** گشته رهرو را چو غول راه زن[79]
ولأنّ العقل عاجز عن إدراك نور الوحدة الحقيقيّة، قال:
خرد را نيست تاب نور آن روى *** برو از بهر او چشمى دگر جوى[80]
مقاطع من شعر الشيخ إبراهيم العراقيّ
وللشيخ العراقيّ: فخر الدين إبراهيم الهمدانيّ مضامين جميلة جدّاً فيما يخصّ هذا الموضوع في إحدى ترجيعاته المؤلّفة من أحد عشر بنداً، حيث نكتفي هنا لمراعاة الاختصار بذكر ثلاثة بنود منها: يقول:
أ كُئُوسٌ تَلألأتْ بِمُدَامْ *** أمْ شُمُوسٌ تَهَلَّلَتْ بِغَمَامْ؟
از صفاى مى ولطافت جام *** در هم آميخت رنگ جام ومدام
همه جام است ونيست گوئى مى *** يا مدام است ونيست گوئى جام[81]
چون هوا رنگ آفتاب گرفت *** هر دو يكسان شدند نور وظلام
روز وشب با هم آشتى كردند *** كار عالم از آن گرفت نظام
گر ندانى كه اين چه روز وشب است *** يا كدام است جام وباده كدام
سريان حيات در عالم *** چون مى وجام فهم كن تو مدام
انكشاف حجاب علم يقين *** چون شب وروز فرض كن وسلام
ور نشد اين بيان ترا روشن *** جمله ز آغاز كار تا انجام
جام گيتى نماى را به كف آر *** تا ببينى به چشم دوست مدام
كه همه اوست هر چه هست يقين *** جان وجانان ودلبر ودل ودين[82]
اى به تو روز وشب جهان روشن *** بى رخت چشم عاشقان روشن
به حديث تو كام دل شيرين *** به جمال تو چشم جان روشن
شد به نور جمالِ روشنِ تو *** عالم تيره ناگهان روشن
آفتاب رخ جهانگيرت *** مىكند دمبدم جهان روشن
ز ابتدا عالم از تو روشن شد *** كز يقين مىشود گمان روشن
مىنمايد ز روى هر ذرّه *** آفتاب رخت عيان روشن
كى توان كرد در خَم زلفت *** خويشتن را ز خود نهان روشن
اي دل تيره، گر نگشت ترا *** سرّ توحيد اين بيان روشن[83]
اندر آئينه جهان بنگر *** تا ببينى همان زمان روشن
كه همه اوست هر چه هست يقين *** جان وجانان ودلبر ودل ودين[84]
يا رب! آن لعل شكّرين چه خوشست *** يا رب! آن روى نازنين چه خوش است
با لبش ذوق هم نفس چه نكوست *** با رخش حُسن هم قرين چه خوش است
از خطِ عنبرين او خواندن *** سخن لعل شكّرين چه خوش است
ور ز من باورت نميافتد *** بوسه زن بر لبش ببين چه خوش است
مهر جانان به چشم جان بنگر *** در ميان گمان يقين چه خوش است[85]
من ز خود گشته غائب، او حاضر *** عشق با يار همچنين چه خوش است
آنكه اندر جهان نميگنجد *** در ميان دل حزين چه خوش است
تا فشاند بر آستان درش *** عاشقى جان در آستين چه خوش است
در جهان غير او نميبينم *** دلم امروز هم برين چه خوش است
كه همه اوست هر چه هست يقين *** جان وجانان ودلبر ودل ودين[86]
تائيّة ابن الفارض المصريّ في حال الفناء التامّ للسالك
والأبيات التالية للعارف القدير: أبي حفص بن أبي الحسن بن المرشد الحمويّ المعروف بابن الفارض المصريّ، في هذا الخصوص، تنعش قلب كلّ قارئ وتبعث النشاط في روحه لما تحويه من حقائق عرفانيّة جليلة، حيث يقول:
وَ إسْرَاءُ سِرِّي عَنْ خُصُوصِ حَقِيقَةٍ *** إلَيّ كَسَيْرِي في عُمُومِ الشَّرِيعَةِ
وَ لَمْ ألْهُ بِاللَّاهُوتِ عَنْ حُكْمِ مَظْهَرِي *** ولَمْ أنْسَ بِالنَّاسُوتِ مَظْهَرَ حِكْمَتِي
فَعَنِّي على النَّفْسِ العُقُودُ تَحَكَّمَتْ *** ومِنِّي عَلَى الحِسِّ الحُدُودُ اقِيمَتِ[87]
وَ قَدْ جَاءَنِي مِنِّي رَسُولٌ عَلَيْهِ مَا *** عَنِتُّ عَزِيزٌ بِي حَرِيصٌ لِرَأفَةِ[88]
فَحُكْمِيَ مِنْ نَفْسِي عَلَيْهَا قَضيَّةٌ *** ولَمَّا تَوَلَّتْ أمْرَهَا مَا تَوَلَّتِ[89]
وَ مِنْ عَهْدِ عَهْدِي قَبْلَ عَصْرِ عَنَاصِرِي *** إلى دَارِ بَعْثٍ قَبْلَ إنْذَارِ بَعْثَةِ[90]
إلَيّ رَسُولًا كُنْتُ مِنِّي مُرْسَلًا *** وذَاتِي بِآيَاتِي عليّ اسْتَدَلَّت
وَ لَمَّا نَقَلْتُ النَّفْسَ مِنْ مِلْكِ أرْضِهَا *** بِحُكْمِ الشِّرَى مِنْهَا إلى مُلْكِ جَنَّةِ
وَ قَدْ جَاهَدَتْ واسْتَشْهَدَتْ في سَبِيلِهَا *** وفَازَتْ بِبُشْرَى بَيْعِهَا حِينَ أوْفَتِ
سَمَتْ بِي لِجَمْعِي عَنْ خُلُودِ سَمَائِهَا *** ولَمْ أرْضَ إخْلَادِي لأرْضِ خَلِيفَتِي[91]
وَ لَا فَلَكٌ إلَّا ومِنْ نُورِ بَاطِنِي *** بِهِ مَلَكٌ يُهْدِي الهدى بِمَشِيئَتِي[92]
وَ لَا قُطْرَ إلَّا حَلَّ مِنْ فَيْضِ ظَاهِرِي *** بِهِ قَطْرَةٌ عَنْهَا السَّحَائِبُ سَحَّتِ
وَ مِنْ مَطْلَعِي النُّورُ البَسِيطُ كَلَمْعَةٍ *** ومِنْ مَشْرَعِي البَحْرُ المُحِيطُ كَقَطْرَةِ[93]
فَكُلِّي لِكُلِّي طَالِبٌ مُتَوَجِّهٌ *** وبَعْضِي لِبَعْضِي جَاذِبٌ بِالأعِنَّةِ[94]
وَ مَنْ كَانَ فَوْقَ التَّحْتِ والفَوْقُ تَحْتَهُ *** إلَي وَجْهِهِ الهَادِي عَنَتْ كُلُّ وِجْهَةِ[95]
فَتَحْتُ الثَّرَى فَوْقَ الأثِيرِ لِرَتْقِ مَا *** فَتَقْتُ وفَتْقُ الرَّتْقِ ظَاهِرُ سُنَّتِي[96]
وَ لَا شُبْهَةٌ والجَمْعُ عَيْنُ تَيَقُّنٍ *** ولَا جِهَةٌ والأيْنُ بَيْنَ تَشَتُّتِي[97]
وَ لَا عِدَّةٌ والعَدُّ كَالحَدِّ قَاطِعٌ *** ولَا مُدَّةٌ والحَدُّ شِرْكُ مُوَقِّتِ[98]
وَ لَا نِدَّ في الدَّارَيْنِ يَقْضِي بِنَقْضِ مَا *** بَنَيْتُ ويَمْضِي أمْرُهُ حُكْمَ إمْرَتِي[99]
وَ لَا ضِدَّ في الكَوْنَيْنِ والخَلْقُ مَا تَرَى *** بِهِمْ لِلتَّسَاوِي مِنْ تَفَاوُتِ خِلْقَتِي[100]
وَ مِنِّي بَدَا لي مَا عليّ لَبَسْتُهُ *** وعَنِّي البَوَادِي بِي إلي اعِيدَتِ[101]
وَ في شَهِدْتُ السَّاجِدِينَ لِمَظْهَرِي *** فَحَقَّقْتُ أنِّي كُنْتُ آدَمَ سَجْدَتِي[102]
وَ عايَنْتُ رُوحَانِيَّةَ الأرَضِينَ في *** مَلَائِكِ عِلِّيِّينَ أكْفَاءَ سَجْدَتِي[103]
ثمرات توضيح ابن الفارض لكيفيّة رؤية الله وعرفان الإنسان الكامل
وعموماً، فإنّ هذه الأبيات هي خلاصة ما نظمه الشاعر وهو يخوض غمار السلوك إلى الله، وهو يشرح كذلك بعضاً من مقامات العارفين الفانين في ذات الله والباقين ببقائه. وباختصار، يمكن القول أنّ كلّ ما كتبه يمكن أن يلخّص في بيت واحد له:
فَلَمْ تَهْوَنِي مَا لَمْ تَكُنْ في فَانِياً *** ولَمْ تَفْنَ مَا لَا تُجْتَلَي[104] فيكَ صورَتي[105]
ومن جملة الأدعية المقروءة في شهر رجب المرجّب (و الذي نحن فيه) دعاء رواه الشيخ الطوسي قدّس سرّه: يَا مَنْ سَمَا في العِزِّ فَفَاتَ خَوَاطِرَ [نَوَاظِرَ- خ ل] الأبْصَارِ؛ ودَنَا في اللُطْفِ فَجَازَ هَوَاجِسَ الأفْكَارِ. يَا مَنْ تَوَحَّدَ بِالمُلْكِ فَلَا نِدَّ لَهُ في مَلَكُوتِ سُلْطَانِهِ، وتَفَرَّدَ بِالآلَاءِ والكِبْرِيَاءِ فَلَا ضِدَّ لَهُ في جَبَرُوتِ شَأنِهِ.
يَا مَنْ حَارَتْ في كِبْرِيَاءِ هَيْبَتِهِ دَقَائِقُ لَطَائِفِ الأوْهَامِ، وانْحَسَرَتْ دُونَ إدْرَاكِ عَظَمَتِهِ خَطَائِفُ أبْصَارِ الأنَامِ.
يَا مَنْ عَنَتِ الوُجُوهُ لِهَيْبَتِهِ، وخَضَعَتِ الرِّقَابُ لِعَظَمَتِهِ، ووَجِلَتِ القُلُوبُ مِنْ خِيفَتِهِ.[106]
يَقُولُونَ لي صِفْهَا فَأنْتَ بِوَصْفِهَا *** خَبِيرٌ أجَلْ عِنْدِي بِأوْصَافِهَا عِلْمُ
صَفَاءٌ ولَا مَاءٌ ولُطْفٌ ولَا هَوا *** ونُورٌ ولَا نَارٌ ورُوحٌ ولَا جِسْمُ
تَقَدَّمَ كُلَّ الكَائِنَاتِ حَدِيثُهَا *** قَدِيماً ولَا شَكْلٌ هُنَاكَ ولَا رَسْمُ
وَ قَامَتْ بِهَا الأشْيَاءُ ثَمَّ لِحِكْمَةٍ *** بِهَا احْتَجَبَتْ عَنْ كُلِّ مَنْ لَا لَهُ فَهْمُ
وَ هَامَتْ بِهَا رُوحِي بِحَيْثُ تَمَازَجَا اتِّ- *** - حَاداً ولَا جِرْمٌ تَخَلَّلَهُ جِرْمُ
فَخَمْرٌ ولَا كَرْمٌ وآدَمُ لي أبٌ *** وكَرْمٌ ولَا خَمْرٌ ولِي امُّهَا امُ
وَ لُطْفُ الأوَانِي في الحَقِيقَةِ تَابِعٌ *** لِلُطْفِ المَعَانِي والمَعَانِي بِهَا تَنْمُو
إلى أن قال في آخره:
فَلَا عَيْشَ في الدُّنْيَا لِمَنْ عَاشَ صَاحِياً *** ومَنْ لَمْ يَمُتْ سُكْراً بِهَا فَاتَهُ الحَزْمُ
عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَبْكِ مَنْ ضَاعَ عُمْرُهُ *** ولَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ ولَا سَهْمُ[107]
[1] وهذا التفسير هو أحد النحوينِ اللذين نحاهما القاضي البيضاويّ في تفسيره، ذيل الآية. والنحو الثاني هو الذي سننقله قريباً عن تفسير« الميزان» للعلّامة قدّس الله سرّه، إن شاء الله تعالى.
[2] حسينى طهرانى، سيد محمد حسين، معرفة الله، 3جلد، دار المحجة البيضاء - بيروت - لبنان، چاپ: 1، 1420 ه.ق.
[3] وهي الآية 10، من السورة 10: يونس؛ أي أنّها تعقب آية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
[4] «الميزان في تفسير القرآن» ج 10، مقتطفات من ص 6 إلى 24.
[5] «الميزان في تفسير القرآن» ج 6، ص 95.
[6] يقول:« ما الذي تستطيع بعوضة صغيرة فعله حيث ينفض النسر ريشه هناك».
[7] جزء من الآية 44، من السورة 17: الإسراء.
[8] يقول:« لو عُرض عشّاقُك لعُدَّت فيهم كلُّ ذرّات الوجود.
و سيكون الطاوس والذبابة في مصافّ بعضهما حين يطير باز عشقك ليصطاد».
[9] الآية 30، من السورة 2: البقرة.
[10] الآية 1، من السورة 57: الحديد.
[11] الآية 180، من السورة 37: الصافّات.
[12] الآية 58، من السورة 4: النساء.
[13] ابتدأ آية الله في زمانه وحكيم عصره المرحوم الحاجّ الشيخ محمّد حسين الكمبانيّ الأصفهانيّ قدّس سرّه منظومته« تحفة الحكيم» بالأبيات المادحة التالية:
يَا مَبْدَأ الكُلِّ إلَيْكَ المُنتَهَى لَكَ الجَلَالُ والجَمَالُ والبَهَاء يَا مُبْدِعَ العُقُولِ والأرْوَاحِ ومُنْشِئَ النُّفُوسِ والأشْبَاحِ كَلَّ لِسَانُ الكُلِّ عَن ثَنَائِكَ وضَلَّ في بَيْدَاءِ كِبْرِيَائِك أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ يَا رَبِّ عَلَى نَفْسِكَ لَا احْصِي ثَنَاءً لَا ولَا
[14] الآية 33، من السورة 2: البقرة.
[15] يقول:« حقّاً ما أعظمك من طائر ملأ أركان الكونينِ، ولمّا يفتح جناحيه بعد أو يطير من العشّ».
[16] «مرصاد العباد» ص 61 إلى 63، طبعة( بنگاه ترجمه ونشر كتاب)، ويقول:« لقد ألّف الخاقانيّ القصص، فلمّا وصل إلى هنا( هذه المسألة) انكسر لُبّ قلمه».
[17] «روح الأرواح في شرح أسماء المَلِك الفتّاح» بتصحيح وشرح نجيب مايل الهرويّ، ص 47.
و قال المعلّق على ذلك في فهرس الأحاديث القدسيّة والنبويّة ص 692 و693 بعد أن اقتبس ستّة مواضيع نقلًا عن هذا الحديث في هذا الكتاب:« حديث نبويّ مشهور جدّاً. وروى في« الموطّأ» كما يلي: اللَهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ... إلى آخره.
و نسب ابن ماجة سلسلة الرواة لهذا الحديث إلى على عليه السلام. راجع:« سنن ابن ماجة» ج 1، ص 373 وج 2، ص 1262؛ و« الجامع الصغير» ج 1، ص 229؛ و« كشف المحجوب» للهجويريّ، ص 355، و« عبهر العاشقين» ص 104؛ و« كاشف الأسرار» للأسفرايينيّ، ص 50؛ و« نقد النصوص» ص 26؛ و« التمهيدات» لعين القضاة الهمدانيّ، ص 124 و200؛ و« مجمع البحرين» للأبرقوهيّ، ص 443، حيث نقله هكذا« لَا اثْنِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ...».
و قال المعلّق كذلك تحت عنوان: أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، في ص 6 و7 و9 من الفهرس بعد أن أتى على ذكر موضعين من الكتاب« حديث نبويّ مشهور». وذُكر في« الجامع الصغير» ج 1، ص 59 هكذا: اللَهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. راجع كذلك:« المصباح» للحمويّة، ص 79، ترجمة« الرسالة القشيريّة» ص 544.
[18] «اصول الكافي» ج 1، ص 85، باب أنّه لا يعرف إلّا به، حديث رقم 1.
[19] «اصول الكافي» ج 1، ص 86، حديث رقم 2.
[20] «اصول الكافي» ج 1، ص 86، حديث رقم 3.
[21] «مستدرك نهج البلاغة» ص 157، الباب الثالث، منشورات مكتبة الأندلس- بيروت، واستند عبد العليّ كارنغ مستشهداً بذلك في كتاب« اثبات وجود خدا»( إثبات وجود الله) في التعليقة في ص 5، خلال ترجمة مقالة:« هل للعالم خالق؟» بقلم الدكتور دمرداش عبد المجيد سرحان أخصّائي العلوم التربويّة.
و ذُكر الحديث أعلاه في« مفاتيح الإعجاز» شرح« گلشن راز» ص 57، طبعة منشورات المحموديّ، على الصورة التالية: سأل ذعلب اليمانيّ الإمام عليّ المرتضى عليه السلام: أ فَرَأيْتَ رَبَّكَ؟! فأجاب: أ فَأعْبُدُ مَا لَا أرَى؟ ثمّ قال: رَأيْتُهُ فَعَرَفْتُهُ فَعَبَدْتُهُ؛ لَمْ أعْبُدْ رَبّاً لَمْ أرَهُ!« فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحاً ولَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَدًا.( الآية الأخيرة، من السورة 18: الكهف).
1-« اصول الكافي» ج 1، ص 97، بابٌ في إبطال الرؤية، الرواية رقم 5. وأمّا الآية التي ذكرها الخارجيّ فهي الآية 124، من السورة 6: الأنعام.
[23] «رسالة عشق وعقل»(/ رسالة العشق والعقل) ص 58 و59، طبعة بنگاه ترجمه ونشر كتاب.
يقول:« أن أساس الحبّ وبدايته تكون من نظرة، فإذا رأت العين واكتسبت تلك النظرة وقع ما هو مُقَدَّرٌ ومكتوب».
[24] الآية 49، من السورة 51، الذاريات.
[25] يقول في التعليقة: جاء في« بحار الأنوار» وفي نسختين من نسخ« التوحيد» للصدوق لفظة« وكَانَ».
[26] كتاب« التوحيد» للصدوق، ص 34 إلى 41، الحديث الثاني من باب التوحيد ونفي التشبيه.
[27] «التوحيد» لابن بابويه، ص 308 و309؛ الباب 43، حديث ذعلب، الخبر رقم 2، منشورات مكتبة الصدوق وروى العلّامة المجلسيّ هذا الخبر في« بحار الأنوار» ج 2، ص 200 و201، طبعة الكمبانيّ، في كتاب جوامع التوحيد، بنفس هذه العبارات عن« التوحيد» للصدوق.
و نقله العلّامة الطباطبائيّ في تفسير« الميزان» ج 6، ص 104 و105، عن« التوحيد» للصدوق.
و روى العلّامة المجلسيّ في« بحار الأنوار» ج 2، ص 120 و121 عن نصّ« الكفاية» بسنده عن هشام أنّه قال: كنتُ عند الإمام جعفر الصادق عليه السلام فدخل عليه معاوية بن وهب وسأل أسئلة تخصّ الرؤية فأجاب الإمام على ذلك قائلًا: يَا مُعَاوِيَةُ! مَا أقْبَحَ بِالرَّجُلِ يَأتِي عَلَيْهِ سَبْعُونَ سَنَةً أوْ ثَمَانُونَ سَنَةً، يَعِيشُ في مِلْكِ اللهِ ويَأكُلُ مِنْ نِعَمِهِ، ثُمَّ لَا يَعْرِفُ اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ.
ثمّ استشهد الإمام برواية عن أبيه، عن الإمام السجّاد، عن الإمام الحسين بحديث أمير المؤمنين عليه السلام: سُئِلَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقِيلَ: يَا أخَا رَسُولِ اللهِ! هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟! فَقَالَ: وكَيْفَ أعْبُدُ مَنْ لَمْ أرَهُ! لَمْ تَرَهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ العِيَانِ، ولَكِنْ رَأتْهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ. وللإمام الصادق عليه السلام هنا بيان مسهب في أن الله لا يرى بالعين الباصرة:
و روى المجلسيّ قدّس سرّه رواية مفصّلة في ج 4، ص 118 و119 من طبعة الكمبانيّ أيضاً في باب: ما تفضّل صلوات الله عليه به على الناس بقوله: سَلُونِي قَبْلَ أن تَفْقِدُونِي، وفِيهِ بَعْضُ جَوَامِعِ العُلُومِ ونَوَادِرِهَا، عن« التوحيد» و« الأمالي» للصدوق بسند آخر عن أصبغ بن نُباتة، حتى يصل إلى سؤال ذعلب وجواب الإمام.
و قد أشار المرحوم المحدّث القمّيّ إلى هذه الاحاديث ومواضعها في« بحار الانوار» وذلك في« سفينة البحار» في ج 1، ص 484، في كلمة: ذعلب، وفي ص 493، في كلمة رؤية.
[28] يقول:« أن الوجود سارٍ في كلّ الأشياء، وأمّا التعيُّنات فهي امور اعتباريّة».
[29] يقول:« تعلَّم الإخلاص في العمل من على الذي عرف ربّه ونزّهه من كلّ دنس.
عليّ هذا ظفر بُمحاربٍ خلال معركة له معه فسارع إلى إخراج سيفه من غمده».
[30] يقول:« فتفل( الملعون) بوجه الإمام على الرغم من كونه فخر كلّ نبيّ ووصيّ.
لقد تفل اللعين على وجهٍ يسجد القمر لجلاله وعظم شأنه.
فأرجع الإمام سيفه إلى غمده على أثر ذلك وكأنّ اللعين قد ألزمه حجّة.
فأحتار ذلك المقاتل من هذا التصرُّف، ورحمة الإمام وعفوه دونما سببٍ يعقله.
فساءله: لِمَ أغمدتّ سيفك البتّار بعد أن شهرته على وكنت في موضع القوّة والسيطرة؟
فما الذي رأيت فكان أفضل من محاربتك لي وصار سبب تراجعكَ عن قتلي؟
و ما الذي رأيتَ حتى سكن غضبك على وسخطكَ تجاهي وخفتا بعد أن كانا كالبرق الخاطف؟».
[31] يقول:« لقد تلظّت النار في قلبي وروحي بفعل عملك هذا؛ أنت حقّاً أسد الله الذي حاز على كلّ مراتب الشجاعة؛ وأنت من انفرد بالمروءة ولم يُشرك معه أحداً؛ مثلك في المروءة كمثل غمامة موسى التي كانت تُغدق النِّعم الكثيرة على قومه».
[32] يقول:« يا على! يا كلّ العقل ومجموع النواظر، حدِّث ولو قليلًا بما رأيتَ.
إن حسام حلمك قطّعنا إرباً إرباً، وطهّرَ ماء علمك هذا ترابنا وطينتنا.
قُل لي! أ كان ذلك من أسرار الله، إذ القتل بدون سيف دأبه وديدنه؟».
[33] يقول:« أعلَم أن الذي وهبك هذا إنّما هو الخالق( لكلّ شيء) دون آلة أو جوارح.
هو الذي يسقي الروح آلاف الكؤوس( من المعاني)، لكن القلوب المجروحة لا تحسّ بذلك.
و هو الذي يمنح الإدراك آلاف الأرواح والمعاني التي تجهلها العين والاذن».
[34] جاء في« لغت نامه دهخدا» ج 22، كتاب« دال»، لفظ« دوخته» ص 329، العمود الأيسر:« بر دوخته» بمعنى الذي خِيط. واستشهد بقول النظاميّ:
دهي چون بهشتي بر افروخته بهشتي صفت حُلّه بر دوخته يقول:« قريةٌ مُضيئة متلألئة كالجنّة، ترفل في حُلّةٍ( جميلة) كأصحاب الجنّة».
[35] يقول في الأبيات:« أخبرني، يا صقر العرش الماهر في الصيد، ما الذي رأته عيناك من الغيب ولم تره عيون الحاضرين.
فلقد تعلّمت عيونك إدراك الطيب، بينما أعين الحاضرين قد خيطت واغلقت.
فمنهم من يري القمر عياناً وباستمرار، ومنهم من يري العالم مظلماً.
و ثالثٌ يري القمر وكأنّه ثلاثة أقمار؛ وكلُّهم جالسون معاً في مكان واحد».
[36] جاء في« لغت نامه دهخدا» ج 2، كتاب« آ» ص 183، العمود الأوسط، لفظ« آويزان»: يعني حال الامتزاج والاختلاط.
[37] جاء في« لغت نامه دهخدا» ج 25، كتاب« زاء» ص 202، العمود الأيمن، لفظ« زبون»: المُطيع المنقاد. وأورد عدّة شواهد، منها بيت شعر للعطّار يقول فيه:
زبون عشق شو تا بر كشندت كه هر گاهى كه كم گشتى فزوني يقول:« كُن مطيعاً للعشق حتى تُقتل، فإن أنت تنزّلتَ رَفَعَك وزادَك( مقاماً)».
كما أورد شاهداً من المولويّ:
ما چو مصنوعيم وصانع نيستيم جز زبون وجز كه قانع نيستيم يقول:« نحن مصنوعون لا صانعون، لذا لسنا إلّا قانعين صاغرين مُنقادين».
كما ذكر شاهداً من الملّا حسين الكاشفيّ:
براي يك دمه شهوت كه خاك بر سر آن زبون زن شدن آئين شير مردان نيست يقول:« أن شِيَمَ اسد الرجال لا ترتضي الخضوع لا مرأة من أجل لحظة شهوة تعيسة!».
يقول في أبيات المتن:« فالثلاثة يمتلكون عيوناً مفتوحة وحادّة النظر، مُحدقين بكَ وفارّين مِنّي.
أ هذا سِحر أم لُطف خفيّ حيث اعطيتَ دَور الذئب واعطيتُ دَورَ يوسف.
و لو كان عدد العوالم ثمانية عشر ألفاً أو أكثر فهي لن تكون مطيعة أو منقادة لرأي أيّ منها؛ لأنّ رأيك وأمرك وحده هو الذي جعلها مُنقادة ومطيعة».
[38] يقول:« انظر إلى البون الشاسع بين هذا وذاك!».
[39] يقول: « اكشف الأسرار يا على المرتضى، يا مَن منَّ بحسن قضائه بعد أن جوبِهَ بسوء القضاء.
فإمّا أن تقول أنت كلّ ما احتواه عقلك وأحاط به، وإمّا أذكر أنا ما حَلّ بي.
فقد سطع من نورك على ما يشبه نور القمر وضياؤه.
و لا يغرّنّكم ذلك فإنّ ضياء القمر هَدي الكثير في ظلمات الليل وأسعفهم بالوصول».
[40] يقول:« فآمنهم( ضياء القمر) من الوقوع في المحذور وطغي سلطانه على بطش الغيلان في جوف الصحراء.
فالقمر هادٍ وقائد مع أنّه لا ينطق، فإذا ما نطق كان نوراً على نور.
فلأنّكَ باب مدينة العلم، ولأنّكَ شعاع شمس الحلم والرأفة.
فلتبقَ مفتوحاً يا باب العلم بوجه مَن يبحثون عن ذلك الباب حتى ينفذون من قشرك إلى لبّك.
و لتبقَ مفتوحاً يا باب الرحمة إلى الأبد؛ يا ملاذاً، ما له كفواً أحد».
[41] يقول:« أن لكلّ ذرّة ونَسمة منظرها الخاصّ وشكلها المُمَيَّز.
فإن لم يُفتَح باب من الأبواب لا يمكن تصوّر ما خلف ذلك الباب أبداً».
[42] يقول:« فإذا فُتح باب من تلك الأبواب تحيّر طائر الأمل وصار يطمع في التحليق والطيران.
و قد وجد غافل كنزاً في خربة، فصار يهرع إلى كلّ خربة يراها( فيفتِّشها).
و إذ لم يتمكّن المرء من اغتنام جوهرة من درويش صادفه، فإنّه بالتأكيد لن يحصل على ذلك من درويش غيره.
و لو سعي الظنّ إلى الجري برجليه سنوات طوال ما خطا أبعد من أنفه.
و لو لم يأتك من الغيب شيء؛ ما كنت تستطيع النظر أبعد من أنفكَ».
« مثنوي معنوي» للملّا محمّد البلخيّ الروميّ، أواخر الجزء الأوّل، ص 96 و97، طبعة علاء الدولة؛ وص 96 و97؛ طبعة الميرزا المحموديّ؛ وص 97 و98، طبعة الميرخاني.
[43] وفي« الكفاية» جاء بلفظ:« يَا فُلانُ».
[44] جاءت في« الكفاية» كلمة حَازَ، با الحاء المهملة.
[45] الآية 103، من السورة 6: الأنعام.
[46] قسم من الآية 143، من السورة 7: الأعراف.
[47] جاء في« الكفاية» مُثْبِتٌ بِوُجُودٍ.
[48] «بحار الأنوار» ج 2، ص 120 و121، باب نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها، طبعة الكمبانيّ وطبعة المكتبة الحيدريّة، ج 4، ص 54 إلى 56؛ و« كفاية الأثر» ص 256 إلى 260، منشورات بيدار.
[49] «ديوان گلشن راز» بخطّ النستعليق للعماد الأردبيليّ ص 9 إلى 11.
يقول:« احتار الحكيم الفيلسوف الذي لا يري من الأشياء إلّا الإمكان».
[50] يقول:« فهو يقوم بإثبات الواجب بالإمكان فاحتار بذلك في ذات الواجب تعالى؛ فتارة يرى الأشياء على عكس ما يجب أن تُرى، وتارة يكون أسيراً للتسلسل؛ فلمّا توغّل عقله في الوجود صار مُقيَّدا في التسلسل؛ أنّ ظهور الأشياء كلّها تكون بمقارنتها بضدّها، لكنّ الحقّ تعالى ليس له نظير أو ندُّ يمكن مقارنته به؛ وعلى هذا فكيف يمكن معرفة الحقّ؛ فمنهم من يبحث عن الشمس الساطعة في الصحراء مستعيناً بضوء شمعة؛ في حين أنّ الشمس لو كانت على حال ثابتة لكان شعاعها على حال ثابت أيضاً؛ واعلم أنّ العالَم بأسره إنّما هو شعاع نور الحقّ تعالى، وهو تعالى ظاهر باحتجابه في ذلك العالَم؛ ولمّا كان نور الحقّ لا يطرأ عليه نقل ولا تحوُّل، فإنّه لا يتعرّض إلى التغيير أو التبديل؛ فهل تظنّ أنّ العالَم قائمٌ ودائمٌ بذاته؟ أنّ من يمتلك عقلًا بعيد الفكرة سيواجه الحيرة والضياع كثيراً؛ فلقد سبّب العقل الفضوليّ بتفكّره الزائد أن يصبح امرؤ فلسفيّاً ويُضحي الآخر حلوليّاً؛ فليس للعقل القدرة على تحمّل نور تلك الطلعة، فابحث له عن عين أخرى( يُبصر بها)».
[51] يقول:« أن الكنز مدفون تحت أيّ طلّسم، وصار الاسم والمسمّى سواء لدي العارف.
فلو نظر المرء إلى الأشياء بعين البصيرة والعقل لرأي وجه الحقّ ونوره من خلال كلّ ذرّة من ذرّات تلك الأشياء».
[52] القائل لهذه العبارة هو الرسول الأكرم، بناء على قول المؤلّف في الصفحة التالية.
[53] مَرَّ شَرحه.
يقول:« تَجَرّد- أيُّها الفضوليّ- عن الفضل وعن ذاتك وأنانيَّتك حتى تنزل عليك الرحمة.
ذلك أن الذكاء والفطنة هما نقيضا الحاجة والعوز، فاترك الذكاء والفطنة وعاشر البُلْه».
[54] «المثنوي» ج 6، ص 608، س 12. طبعة آقا ميرزا المحموديّ، وورد في المعجم اللغويّ« لغت نامه دهخدا» ج 6، ص 571، كتاب حرف« گ»، العمود الأيسر:« گول» بمعنى الأبله والجاهل والأحمق والذي يسهل خداعه.
[55] حسينى طهرانى، سيد محمد حسين، معرفة الله، 3جلد، دار المحجة البيضاء - بيروت - لبنان، چاپ: 1، 1420 ه.ق.
[56] يقول:« تَجَرّد- أيُّها الفضوليّ- عن الفضل وعن ذاتك وأنانيَّتك حتى تنزل عليك الرحمة.
ذلك أن الذكاء والفطنة هما نقيضا الحاجة والعوز، فاترك الذكاء والفطنة وعاشر البُلْه».
1- مرّت ترجمته.
[57] يقول:« يا مَن هو محجوب بظهوره، ويا مَن ستر وجهه بنور ذاته».
[58] يقول:« نحن مرآة وجوده وبنا ظهر كلّ شيء».
[59] «المثنوي»، ج 1، ص 85، من س 2 إلى 6، طبعة آقا ميرزا المحموديّ.
يقول:« لا يمكن العثور على الوجود إلّا بالعدم والفناء كما لا يمكن أن يجود على الفقراء إلّا الأغنياء.
و جابر العظام لا يرتاد إلّا على مَن كُسِرَ له عظم.
فالنقائص والثلمات إنّما هي مرآة الوصف والكمال، وما هذه الحَقارة إلّا مرآة ذلك العِزّ والجلال».
[60] البيت 246 من تائيّة ابن الفارض الكبرى، حيث يليه البيت التالي:
بَدَتْ بِاحْتِجَابٍ واخْتَفَتْ بِمَظَاهِرٍ *** عَلَى صِبَغِ التَّلْوِينِ فِي كُلِّ بَرْزَةِ
***
من طبعة دار العلم للجميع( سنة 1372 ه-، ص 104؛ وطبعة دار صادر، بيروت، سنة 1382 ه-، ص 70؛ وقد وردت بلفظة« ما ذاك» في النسختين.
[61] يقول:« أنّ نور وجهك يشعّ من كلّ ذرّة من ذرّات العالَم، فإذا كان كلا العالمينِ مليء بالنور وكانت العين عمياء، فما الفائدة؟».
[62] يقول:« لقد رأيتُ جماله في عين الحبيب كالشمس المشرقة يشعُّ على كلّ ذرّة».
[63] مرّت ترجمته.
[64] يقول:« لا حاجة للنهار بالضوء، فهو عن نور الضوء غنيّ».
[65] إشارة إلى الآية 10، من السورة 14: إبراهيم: قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ.
[66] يقول:« لو أنّك تسلّحت بنور الحقّ والبصيرة لرأيت وجود مطلوبك ومرادك يملأ وجود العالمينِ.
فنحن هائمون في بحر لُجِّيّ وإن كنّا نشبه القطرة، وكلّنا شموسٌ وإن كنا نشبه الذرّة».
[67] يقول:« أن حجابك يحجبك في كلّ الأحوال، فأنت مستور عن عيون العالَمينَ من شدّة تجلّيك وظهورك».
[68] مرّت ترجمته.
[69] يقول:« إنّما العارف( الحقيقيّ) هو مَن يرى الحقّ تعالى من خلال جميع الأشياء.
فإنّ الحقّ كالروح وكلّ العالم كالجسد، وهو كالشمس التي تسطع على الكائنات، فافهم!».
[70] نقل الشيخ البهائيّ في« الكشكول» ج 1، ص 62، طبعة مصر، عن الزمخشريّ أنّه قال:
العِلْمُ لِلرَّحْمَنِ جَلَّ جَلَالُهُ *** وسِوَاهُ في جَهَلَاتِهِ يَتَغَمْغَمُ
مَا لِلتُّرَابِ ولِلْعُلُومِ وإنَّمَا *** يسعى لِيَعْلَمَ أنَّهُ لَا يَعْلَمُ
( ذكرت هذه الأبيات كذلك منسوبة للزمخشريّ في كتاب« معجم الادباء» ج 19، ص 129).
و يقول الإمام الرازيّ:
نِهَايَةُ إقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ *** وغَايَةُ سَعْي العَالَمِينَ ضَلَالُ
وَ لَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ سَعْيِنَا طُولَ عُمْرِنَا *** سِوَى أنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وقَالُوا
وَ أرْوَاحُنَا مَحْبُوسَةٌ في جُسُومِنَا *** وحَاصِلُ دُنْيَانَا أذى ووَبَالُ
و يقول الخيّام:
اسرار ازل را نه تو دانيّ ونه من *** وين خطّ معمّى نه تو خوانىّ ونه من
هست از پس پرده گفتگوى من وتو *** چون پرده بر افتد نه تو مانيّ ونه من
يقول:« كِلانا لا يعرف أسرار الأزل ولا يستطيع قراءة هذا اللُّغز.
فكلامنا كلّه من وراء ستار، فإن رُفَعَ هذا الستار لن يبقى هناك لا أنت ولا أنا».
و قال أيضاً:
مى خوردن من نه از براى طرب است *** نز بهر نشاط وترك دين وادب است
خواهم كه دمى ز خويشتن باز رهم *** مى خوردن ومست بودنم زين سبب است
***
يقول:« ليس شُربي للخمرة من جهة الطَرب أو للحصول على القوّة والنشاط أو ترك الدين والأدب.
بل أريد بذلك التحرّر من نفسي للحظة، هذا هو السبب وراء شربي الخمر وسكري».
و ذُكرت الرباعيّة التالية من« ديوان الخيّام» ص 97، طبعة برلين:
از جرم حضيض خاك تا اوج زحل *** كردم همه مشكلات گردون را حل
بيرون جستم ز بند هر مكر وحيل *** هر بند گشاده شد مگر بند اجل
يقول:« لقد تمكّنتُ من حلّ المشاكل والمعضلات كلّها.
فخرجتُ بذلك من قيد كلّ مكر وحيلة، وبهذا انفكَّ كلّ قيد إلّا قيد الأجل».
و قيل في« ريحانة الأدب» ج 1، ص 433 في شرح حال الجنيد:« نُقل عن« الخزائن» *** - للنراقيّ أنّ بعضهم قال إنّه رأى الجنيد في منامه بعد وفاته، وسأله عن أحوال الموت وكيفيّة معاملة الله له، فقال: طَارَتْ تِلْكَ الإشَارَاتُ وغَابَتْ تِلْكَ العِبَارَاتُ وفُنِيَتْ تِلْكَ العُلُومُ وانْدَرَسَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ ومَا نَفَعنَا إلَّا رَكَعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا في السَّحَرِ.
و ذُكر فيما ذُكر من أحوال نصير الدين الحلّيّ في« ريحانة الأدب» ج 6، ص 188: وكان يداوم على تدريس العلوم الدينيّة والمعارف اليقينيّة في بغداد والحلّة. وقد أثنى عليه كذلك الشهيد الأوّل ونقل عنه بعض المسائل، وقد بيّن عجزه عن إدراك حقيقة التوحيد بالرغم من تبحّره العلميّ، حيث قال:
غاية ما علمتُ طوال ثمانين سنة من عمري أنّ هذا المصنوع يحتاج إلى صانع وحسب! ومع ذلك فما زال يقين عجائز الكوفة أكثر من يقيني.
و قال ابن سينا:
تا بدانجا رسيد دانش من *** كه بدانم همى كه نادانم
يقول:« لقد وصل علمي إلى حيث علمتُ أنّي ما علمتُ شيئاً».
و يقول الفارابيّ:
اسرار وجود خام وناپخته بماند *** وآن گوهر بس شريف ناسفته بماند
هر كس به دليل عقل چيزى گفتند *** وآن نكته كه اصل بود ناگفته بماند
يقول:« ستظلّ أسرار الوجود مخفيّة ومطويّة، وستظلّ تلك الجوهرة العريقة في الشرف مصونة لم تثقب. فكلّ واحد قال ما أراد كما أملاه عليه عقله، لكن ما زالتْ النكتة الأصليّة غير مطروقة».(« ريحانة الأدب» ج 4، ص 265).
و قال حافظ الشيرازيّ:
افسوس كه مرغ عمر را دانه نماند *** اميّد به هيچ خويش وبيگانه نماند
دردا ودريغا كه در اين مدّت عمر *** از هر كه بگفتيم جز افسانه نماند
يقول:« أسفي على طائر العمر الذي استنفد حَبَّه ولم يَبقَ اي أمل في قريب أو صديق.
و يا أسفي على ما قُلناه طول مدّة عمرنا، حيث أنّ كلّ ما قلناه لم يكن إلّا مجرّد خيال واسطورة».
و قال ابن سينا أيضاً:-
دل گر چه در اين باديه بسيار شتافت *** يك موى ندانست ولى موى شكافت
اندر دل من هزار خورشيد بتافت *** آخر به كمال ذرّهاى راه نيافت
يقول:« بالرغم من سعي قلبي وجهده في هذه الصحراء إلّا أنّه لم يتمكّن من إحراز شيء أبداً. مع أنّه بحث ودقّق النظر.
و لقد أشرقت داخل قلبي ألف شمس لكنّه لم يخطو في طريق الكمال ولا حتى خطوة واحدة».
و لابن سينا كذلك:
كس را به كمال وكنه ذاتت ره نيست *** بر فعل تو مىكنند ذات وقياس
يقول:« لا سبيل لأحد للوصول إلى كمال ذاتكَ وكنهها، فالكلّ يقيس ذاتك حسب ما يراه من فعلك».
و له أيضاً:
در معرفت چه نيك فكرى كردم *** معلومم شد كه هيچ معلوم نشد
يقول:« ما أروع ما توصّلتْ إليه معرفتي؛ حيث علمتُ أنّني لم أعلم شيئاً».
و أيضاً:
معشوق جمال مىنمايد شب وروز *** كو ديده كه تا برخورد از ديدارش
يقول:« أنّ معشوق الجمال في تجلٍّ كلّ صباح ومساء؛ ولكن أين تلك العيون التي تكتحل برؤيته؟».
و لَهُ أيضاً بالعربيّة:
اعْتِصَامُ الوَرَى بِمَعْرِفِتِك *** عَجَزَ الوَاصِفُونَ عَنْ صِفَتِك
تُبْ عَلَينْا فَإنَّنَا بَشَرٌ *** مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِك
(« روضات الجنّات» ج 3، ص 175، طبعة بيروت).
و قال الخيّام أيضاً:
در پرده اسرار كسى را ره نيست *** زين تعبيه جان هيچكس آگه نيست
جز در دل خاك هيچ منزلگه نيست *** مى خور كه چنين فسانهها كوته نيست
يقول:« لا سبيل لأحد للوصول إلى الأسرار، فلا عِلمَ لأحد عن ما تحويه الروح أبداً.
و لا مكان أو ملاذ إلّا جوف الثرى، فاشرب الخمر فهذه الحكايات ليست بقصيرة». وقال أيضاً:
آنان كه محيط فضل وآداب شدند *** در جمع كمال شمع اصحاب شدند
ره زين شب تاريك نبردند برون *** گفتند فسانهايّ ودر خواب شدند
يقول:« أنّ اولئك الذين أضحوا بحراً من الفضل والأدب، صاروا في جمع الكمال شموعاً لجموع الأصحاب.
فقد عجزوا عن إيجاد مخرج من هذا الليل الأدهم، وقالوا: خرافة؛ ثمّ غطّوا في نوم عميق».
و قال أيضاً:
از تن چو برفت جان پاك من وتو *** خشتى دو نهند بر مغاك من وتو
و آنگاه براى خشت گور دگران *** در كالبدى كشند خاك من وتو
يقول:« ما إن تغادر الروح بدنينا، سيضعون بعدها حجرين في حُفرتينا.
و إذا اريدَ وضع حجر في حفرة آخرين غيرنا، فستوزن أجسادنا( التي أضحت تراباً) في القالب لصنع ذلك الحجر».
[71] مرّت ترجمته.
[72] يقول:« أن العالم مليء بهذه الأمثلة والظواهر، وهذا النور قد طغي على الآفاق بشعاعه.
فالكنز ماثل أمام أعيننا ونحن فقراء مفلسون، والحبيب قربنا ونحن وحيدون».
[73] يقول:« كلٌّ يُنشد ويتلو حكايتك.
فما عاقبة التفكير بك والخوض في كنهك، أم من سيتعرَّف عليك في النهاية؟
فحذارِ من إجراء القياس عليه والتشبّث في ذات الحقّ دونما هدي».
[74] مرّت ترجمته.
[75] يقول:« يقول الحقّ تعالى على الدوام إنّي معك وإنّي أهرع لاستقبال كلّ سالك في هذا العالم».
[76] يقول:« يا مَن هو أسمي ممّا يقوله العقل وأغلي ممّا تبحث عنه الروح.
و يا مَن هو وراء هذا وذاك، أنت وحدك تعلم هويّتك وحقيقتك.
فلا أحد عرفك بأيّ وجه من الوجوه؛ أمّا الذي عرفك فإنّه لم يعد« هو»( بل أضحي فانياً فيك)».
[77] جاء في« لغت نامه دهخدا»( وهو معجم لغويّ فارسيّ) ج 26، ص 351، كتاب« سين»، العمود الأوسط: سَختَه بفتح السين والتاء بمعنى الموزون. وفي العمود الأيسر: سَختَه كمان بمعنى سخت كمان.
[78] «المثنوي» ج 6، من طبعة آقا ميرزا المحموديّ، ص 608.
يقول:« اترُك القوس والسهام وفنّ الرمي والمحاججة.
لأنّ الحقّ أقرب إليك من حبل الوريد وأنت تصوّب بذهنك إلى البعيد.
إن فنّك ومهارتك في الرمي حجبا عنك مطلوبك الذي هو في جيبك.
أيّها الماهر في الرمي! صيدك قريب منك وأنت ترمي بسهامك بعيداً.
فاعلم إذاً أن مَن يرمي أبعد هو في الواقع أبعد كذلك عن الحقيقة وأنأي عن الكنز المنشود».
[79] يقول:« واعلم أن الذي تراه بعيداً إنّما هو بعيد عن بصرك ونظرك، ولا يمكن الوصول إليه بقوّة ذراعك وسطوة ساعدك.
فما أكثر من كان يحمل علماً في جنباته وذكاءً وفطنة ومع هذا فقد تاه في صحراء الجهل والحيرة».
[80] «مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز» ص 48 إلى 56، من الطبعة الحجريّة، سنة 1301 ه-، و: ص 63 إلى 76 من الطبعة الحروفيّة، مع مقدّمة لكيوان سميعي. وقد مرّت ترجمة البيت.
[81] يقول:« اختلط لون الخمرة والكأس معاً من صفاء الخمرة ولطافة الكأس.
فكأنّ كلّ ما موجود إنّما هي كؤوس ولا وجود للخمرة فيها؛ أو أن كلّ ما موجود إنّما هو خمرة ولا وجود للكؤوس.».
[82] يقول:« ولأنّ الجوّ اصطبغ بلون الشمس، فقد تساوى الظلام والنور.
و تصالح الليل والنهار واتّخذ الكون نظامه مِن ذلك.
فإن تجهل اي ليل هذا أو اي نهار، أو اشتبه عليك الكأس والخمرة.
فاعلم أنّ جريان الحياة في الكون شأنه شأن الخمرة والكأس.
و افترض أنّ انكشاف حجاب علم اليقين مثله كمثل الليل والنهار.
و إذا لم يتّضح لك هذا الأمر.
فخُذ بيدكَ مرآة سحريّة حتى ترى من خلالها الحبيب على الدوام.
فهو كلّ ما موجود يقيناً، هو الروح والمحبوب والقلب والدين».
[83] يقول:« يا من أضاء الليل والنهار بنوره، وهنيء العاشقون حتى دون رؤية وجهه.
بحديثك يصفو القلب وبجمالك تسعد العين.
صار العالَم المظلِم منيراً بنور جمالك.
يُضئ نور وجهك الوضّاح العالَم باستمرار.
لقد تنوَّر العالَم منذ البدء منك، والشكّ لا يتّضح إلّا باليقين.
و يتجلى نور وجهك الساطع من خلال كلّ ذرّة.
أيّها الوضّاء، متى سيمكن الاختباء منك تحت( ظلّ) استدارة ذؤابتك؟
فيا أيّها القلب المُظلِم! إذا لم يتبيّن لك سرّ التوحيد من هذا البيان».
[84] يقول:« فانظر في مرآة العالَم حتى ترى جليّاً أنّه.
هو كلّ ما موجود يقيناً، هو الروح والمحبوب والقلب والدين».
[85] يقول:
« يا ربّ! ما أحلى هذا الياقوت وما أجمل ذلك المُحَيّا.
و ما أجمل تذوّق مخالطة أنفاسه عند شفتيه، وحُسن مجاورة طلعته( البديعة).
و ما أجمل قراءة الخطّ العنبريّ( في حاجبيه)، وأروع حديث الياقوت السكّريّ( من شفاهه).
و لو لم تصدّق كلامي، فانظر ما أجمل طبع قُبلة على شفتيه!
و انظر إلى طلعة الحبيب بعين الروح، إذ ما أجمل اليقين بين الظنّ والحدس!».
[86] يقول:« لقد تهتُ في غيابة التيه وأنت الحاضر الهادي فما أروع الحبّ مع الحبيب.
الذي لا يسعه العالَم لكنّه كالبلسم في قلب الحزين.
و ما أحلى أن ينثر عاشق على أعتاب بابه روحه التي يحملها على راحة يده!
أنا لا أرى غيره في هذا العالَم، فما أسعدني اليوم بذلك.
كلّ ما هو موجود يقيناً، هو الروح والمحبوب والقلب والدين».
(« كلّيّات عراقي» ص 123 إلى 127، منشورات السنائيّ).
[87] إشارة إلى الآية الشريفة 172، من السورة 7: الأعراف: وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ.
[88] إشارة إلى الآية الشريفة 128، من السورة 9: التوبة: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. والتي مفادها، بلسان تلك الحقيقة المحمّديّة التي أنا ترجمانها،: لقد ظهر بالفعل من صورتي التفصيليّة هذه التي تمثّل العالم، جزء وحصّة على صورة رسول كامل ومكمّل وإنسان كلّيّ وحقيقيّ، وما ذلك إلّا ظهور الصورة العنصريّة المحمّديّة في سائر هذه الأجزاء التفصيليّة لي والتي تمثّل أفراد البشر.
[89] ولمّا جاء دور اكتمال أجزاء صورتي العنصريّة الإنسانيّة الإجماليّة، لم تتّخذ نفسي اللجاجة والعناد سبيلًا بدلًا من الطاعة، ولم تسلك طريق التمرّد والتجرّؤ، وتحقّق مصداق الحديث القائل أسْلَمَ شَيْطَانِي عَلَى يَدَيّ، إشارة إلى الحديث الوارد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله الوارد في موضعين في كتاب« مشارق الدراريّ» بهذا اللفظ، في ص 378 و499.
[90] هذا البيت والبيت الذي يليه يشيران إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وآله كُنْتُ نَبِيَّاً وآدَمُ بَيْنَ المَاءِ والطِّينِ. وهذا المعنى شاهد على كلام رسول الله أنَا والسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ! وأشار إلى السبّابة والوسطى.
[91] وخلّدتها في سماء جنّة آدم المتّصف بالخلود؛ ولهذا فقد صارت أفضل من تلك الجنّة وسمت بي من التعيّنات إلى الإطلاق، ومن التركيب إلى التجرّد، ومن الوحدة إلى الكثرة؛ وتحقّق معراجي نحو علياء الذات والفناء المطلق.
و تشير الأبيات الثلاثة( 8 و9 و10) بمجموعها إلى حكم البيعةi إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَE.( الآية 111، من السورة 9: التوبة).
و تنفيذاً لحكم الآية المذكورةi« فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِE فقد أعطت نفسي الجهاد حقه. وأدّت واجبها في الجهاد الأكبر مع الهوى والشيطان بمقتضى فَيَقْتُلُونَ. وأوفت بعهدها في طريق تحقّق مستلزمات وموجبات السير والسلوك بالانقطاع عن المألوفات، وفناء الذات، وفناء جميع الصفات باستيفائها حقّ الشهادة بشرط السعادة والشرف وذلك بمقتضى ويُقْتَلُونَ.
و خُتمت بختام وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن. ودخلت في ظلi ومَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُE.( الآية 111، من السورة 9: التوبة).
و على هذا الأساس، فقد تجاوزت مقام الخطاب إلى آدم:i وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الْجَنَّةَE( صدر الآية 35، من السورة 2: البقرة)i وأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُE( الآية 108، من السورة 11: هود):i وأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍE.
و قد اتّخذ( الله) آدم خليفة له لجهتين: الاولى، لقوله تعالى:i إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةًE( قسم من الآية 30، من السورة 2: البقرة). والثانية، على لسان النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، منشد أشعاره وترجمانه، وبتقرير منه صلى الله عليه وآله، بأنّ آدم، في حالتَي الدعوة والخلافة، نائبه وخليفته، والأنبياء والرسل جميعاً هم خلفاء هذه الحقيقة ونوّابها.
[92] وعلى هذا فليس هناك من فلك إلا وهو ظاهر ومعين بصورة ملك من النور الباطن والتجلي من ذاتي بحكم أوحى في كل سماء أمرها،( قسم من الآية 12، من السورة 41: فصّلت)، حيث يقوم ذلك الملك بالإشراف هناك على دقائق وحقائق كلّ عمل مأمور بأدائه اي ملك في اي فلك، ويقتصر منتهى علم ذلك الملك وغاية معرفته في إطار إدراكه لذلك الفلك، وينعم على كلّ منهم بالهداية، ويدعوهم إلى غاية كماله.
و قد تحدّث ابن عبّاس عن حقيقة هذا السرّ المكنون واللغز المدفون بقوله:
حتى أنَّ في كُلِّ سَمَاءٍ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلِي.
و على هذا فإنّ حاصل معنى هذا البيت يكون: مع وجود صورة جزئيّة لي في كلّ فلك تستمدّ وجودها من نوري الباطن، وهي على صورة ملك في ذلك الفلك، حيث أنّ سكّانه من الملائكة، وهي مسؤولة عن حقائق ودقائق كلّ منهم، فكيف بي أن أخضع وأنا على هذه الصورة والصفة الكلّيّة التي لي تحت حكم سماء الجنّة؟!
[93] اي أنّ كلّ النور البسيط والذي يشكّل الشمس، والمشعّ على العالم، والحياة، والبقاء، والنشوء، والنماء، إنّما هو وهج من محلّ طلوعي وظهوري وشعلة منه، اي حضرة عالم الوجود، حيث أنّ كلّ الأنوار هي من آثاره، ويستند إليه حكم مبدئيّة وظهور وإظهار وحياة وتقوية كلّ العالم؛ وما هذا البحر المحيط بالمعمورة إلّا كقطرة من مشرب بحر علمي المحيط اللامحدود وغير المتناهي.
[94] فالجميع هو ظاهر صورتي الإجماليّة والتفصيليّة هذه، وصولًا إلى جميع القوى وأجزاء تلك القوى وكلّيّاتها وجزئيّاتها وأعراضها وجواهرها وأجسامها وأسمائها وأوصافها التي هي كلّها طالبة ومتوجّهة لكلّ باطنيّ والذي هو مقام أحديّة الجمع لذاتي. ففي الأحديّة الكلّ يشمل الكلّ وتزول عندها المغايرة والغيريّة. وهذا الظاهر موصوف بهذه الصفة كذلك؛ فكلّ شأن من شئوني وكلّ اسم من أسمائي الباطنة يمسك بزمام كلّ جزء من أجزاء صورتي الظاهرة هذه، وكلّ قوّة من قواها، جاذبة إيّاها إلى ذلك المقام الباطن حتى يصهره في كلّيّته.
فهو يبيّن في هذين البيتين الأخيرين نوعيّة الإحاطة الذاتيّة والحكميّة؛ فالبيت الأوّل يشير إلى الإحاطة الذاتيّة، في حين يشير البيت الثاني إلى الإحاطة الحكميّة.
[95] يشير هذا البيت إلى معنى الإحاطة المذكورة في الآية الشريفة واللهُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ( الآية 20، من السورة 85: البروج). وكذلك يوضّح هذا البيت معنى ومفاد العبارة لَوْ دَلَّيْتُمْ بِحَبْلٍ لَهَبَطَ عَلَى اللهِ، ورد هذا الحديث في ص 31 من هذه السلسلة من« الكلمات المكنونة» للملّا محسن الفيض الكاشانيّ.
و ذلك لأنّ مرتبة المحاط تحت المحيط وأنزل منه. وأنّ كمال كلّ موجود نازل يكمن في ترقّيه حتى يصل إلى مرتبة عالية وأنّ هداية النازل وقيادته إلى مرتبة عالية وإدراك تلك المرتبة لا يتيسّر إلّا بمعونة صاحب المرتبة العالية ذاك؛ وعلى هذا فمن كان سمو مرتبته وإحاطته على هذه الصورة وهو أن يكون سامياً على كلّ تحتيّ وكان كلّ فوقيّ تحته، فيلزم أن يكون كلّ محاط له خاضعاً وخاشعاً له بجميع جهاته.
و هذا هو مفاد الآية الشريفة:i وعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِE.( صدر الآية 111، من السورة 20: طه).
[96] وبناء على هذا، فإنّ ما تحت الثرى والكرة الأرضيّة هو في الأعلى وفوق كرة الأثير، وذلك بسبب رتق وسدّ ما فتقته وفتحته؛ اي قبض ما بسطتُ. وأنّ فتح الأشياء المسدودة والمقفلة هو ظاهر سنّتي ودأبي وديدني.
و ذلك لأنّ جميع عالم المادّة والطبيعة الذي يسمّونه بعالم الكون والفساد، حسبما تفيد به الآية الشريفةi أَ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُماE،( صدر الآية 30، من السورة 21: الأنبياء)، كانتا منضمّتين ومتّصلتين عند بدء خلقتهما على هيئة حقيقة واحدة يسمّونها بالعنصر. ثمّ شكّل الله تعالى من هذه المادّة البسيطة كلّ هذه الصور والأشكال والكيفيّات، وشقّ منها الدخان والنار والتراب وغير ذلك وفصلها عن بعضها، وألبس كلّ واحد منها طبيعته الخاصّة به.
و على هذا، يكون حاصل كلام ابن الفارض هو: لمّا كانت تلك الأجرام المتكاثفة لم تزل في مرحلة الرتق والالتحام، كانت عبارة عن كلًّا واحداً فوق فلك الأثير وتحت الكرة الأرضيّة؛ فلم يكن هناك للفوقيّة والتحتيّة معنى ولا وجود.
و لقد كان هذا الفتق والبسط والتمييز لذلك الموجود المقبوض المجتمع غير المتميّز بناء على حكمتي، حتى يتمّ حصول التمييز والفصل بين أصحاب القبض؛ ويحصل كمال التفصيل، الذي هو تحقيق المطلوب، والقصد الأوّل الذي هو كمال الأسماء المتوقّف عليه. فالتعيّن وتمييز الجهات من فوق ومن تحت إنّما هما نتيجة لفتقي له( أي للعنصر الأعظم). ولا جرم أنّ الجميع، من فوق ومن تحت، يخضع لحكمي، وكلُّ خاضع وخاشع لي، على مبدأ وأساس خضوع وخشوع كلّ جزء لكلّه وكلّ فرع لأصله.
[97] اي لا وجود للشبهة في اي جزء من أجزاء صورتي الإجماليّة والتي هي عنصري أنا، أو في الكلّيّة ونفي الغيريّة وكمال الجمعيّة لمرتبة أحديّة جمعي، لأنّ التأمّل في هذه المرتبة يبعث على اليقين، بل أنّ حقيقة مرتبة الجمع هذه الخاصّة بي هي عين اليقين والمزيلة لجميع الشبهات، فلا جهة مبيَّنة ولا بعد معيّن بالنسبة إلى حقيقتي ومرتبتي، حيث أنّ الفوق والتحت والقرب والبعد هم سواء من منظار الجمع، وأمّا كلمة أين المعيِّنة والمحدِّدة للجهة المكانيّة إنّما هي لاقتضاء الفصل ولزوم التفريق؛ وعلى هذا، فلا محلّ للفظة( مكان) في مرتبة جمعيّتي.
[98] اي لا وجود للعدد عندي ذلك أنّ العدّ قاطع ومميّز كما أنّ الحدّ كذلك بين المحدود وغيره. وعليه وبالمقارنة مع هذا، فإنّ أعداد اثنين وثلاثة وأربعة هي كالعدد( واحد) وذلك في مقام حقيقة جمعيّتي، وبحكم سريان الوحدة الحقيقيّة لذلك وجمعيّته من مقام أحديّة جمعي، وشمول كلّ واحد على الكلّ من المقام المذكور؛ ولا جرم أنّ حكم القطع والفصل والهجر والوصل التي هي في رتبة الأعداد والمعدودات لا يرقى إليّ؛ ولا يشملني في مقامي وحالي هذين حكم الزمان والوقت واللذان يُستدلّان عليهما بكلمة متى.
لأنّ متى والزمان هما في مقامي بمثابة شرك في حقّ من يُعيّن الوقت ويحدّده. ونسبة الزمان إلى تفصلني عمّا هو قبل وبعد.
[99] اي لا مثيل ولا نظير لي في العلمينِ( الدنيا والآخرة) يقوى على هدم ما بنيت؛ أو تنفيذ أمر لي بإذنه.
و إذا كان هناك شريك لي في الجوهر والحكم والمرتبة يوافقني على أحكام الإيجاد أو يخالفني فيها فذلك يوجد الافتقار، فيكون وجود أكثر من واحد غير ممكن، وأنّ الغني الحقيقيّ هو من موجبات ذاته؛ فأنّى للافتقار أن يجد طريقه إليه؟
[100] اي لا ضدّ ولا معاند لي في العالمينِ، الظاهر والباطن، ولا تجد تفاوت في الخلقة بين المخلوقات! مَا ترى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ، اي أنّه مبدئيّاً، لا فرق بين الموجودات في إيجادها ومنحها الوجود. فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ ترى مِن فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وهُوَ حَسِيرٌ،( الآيتان 3 و4، من السورة 67: الملك).
[101] وبان منّي ومن مقام جمعيّتي ما وضعتُ عليّ، وألبستُ وجودي ما خلعتُ عليّ من خلعة ورجعتْ إلى بدايات جميع الامور فكنتُ غاية الأمر ومنتهاه وآخره.
و ظهر عليّ كلّ مظهر وصورة ممّا ألبسته على باطني، وظهرتُ بتلك الصور في مظاهر المثال والحسّ، اي أنّ الصور والمظاهر الحسّيّة هي منّي كذلك، ولا يمكن للمظهر أن يكون إلّا الظاهر. وعاد إلى كلّ ما هو ابتدائي؛ فكنتi هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُE( صدر الآية 3، من السورة 57: الحديد) ومنه بدأ وإليه يعود( مقتبس من الآية 29، من السورة 7: الأعراف:i وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)E.
[102] وشاهدتُ في ذاتي سجود الملائكة لآدم( وهو عنوان مظهري وصورتي الكلّيّة) وخضوعهم وخشوعهم له بمقتضى الآية: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا( الآية 34، من السورة 2: البقرة).
فعلمتُ علم اليقين أنّني أنا آدم، وأنّ سجودهم إنّما كان لي أنا، والساجدون أيضاً هم أنا.
و سجدتُ سجدة صوريّة لصوري الكلّيّة وجمعيّتي وذلك على أساس بعض من صور صفاتي وجزئيّتي، من حيث أنّ المظاهر هي عين الظاهر في شهود وجودي الأتمّ والأكمل ذاك.
[103] وشاهدتُ عياناً ملائكة الأرض الروحانيّين والقوى السفليّة في عين الروحانيّة، ونظرت من على العرش والكرسيّ أنّ ملائكة السماوات وأعلى علّيّين قد تساووا كلّهم معي في الرتبة والمقام، من حيث أنّ الصور والمظاهر ليست إلّا ذاتاً واحدة؛ وهم جميعاً متساوون وأكفّاء على أساس المظهريّة.
« ديوان ابن الفارض المصريّ»، ص 119 إلى 121، من التائيّة الكبرى، 23 بيتاً( من البيت رقم 455 إلى البيت 477)، الطبعة الاولى، دار العلم للجميع؛ ومجموع أبيات التائيّة المذكورة في هذه الطبعة هو 768 بيتاً. والطبعة الثانية، دار صادر- بيروت، ص 89 و90،( من البيت رقم 455 إلى 476) ومجموع أبيات هذه الطبعة هو 761.
و الجدير بالذكر أنّ شرح أبيات ابن الفارض هذه بالعربيّة والفارسيّة قد وردت في كتاب« منتهى المدارك» لسعيد الدين الفرغانيّ، المطبوع في مصر، سنة 1293 ه-، بتصحيح محمّد شكري أوفى. ووردت هذه الأبيات في ج 2، ص 29 إلى 43 منه، من رقم 451 إلى 474.
و قد ورد شرح هذه الأبيات بالفارسيّة في كتاب« مشارق الدراريّ» المطبوع سنة 1398 ه- من قبل منشورات« انجمن فلسفه وعرفان اسلامي»( مجمع الفلسفة والعرفان الإسلامي). وقد تضمّنت الصفحات من 374 إلى 393 شرح هذه الأبيات.
[104] جاء في« أقرب الموارد»: اجْتَلَى الشَّيءَ اجْتلَاءً: نَظَرَ إليْهِ.
[105] البيت 99، من نظم السلوك.
[106] «مصباح المتهجّد» ص 558، الطبعة الحجريّة.
[107] «ديوان ابن الفارض» القصيدة الميميّة، في الطبعة الاولي: ص 43 و44؛ وفي الطبعة الثانية: ص 142 و143.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
