تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
منطق القرآن في الوجود وآثاره
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج2/ ص151-184
2025-07-19
71
قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ. (الآية 84، من السورة 43: الزخرف)
ينفي القرآن الكريم اي نوع من أنواع الذات والأثر الوجوديّين من اي موجود بتمام أنحائه وأقسامه؛ ويحصر صفة الوجود الملازمة للوحدة والوجوب وجميع الآثار والأطوار الوجوديّة في الذات المقدّسة للباري تعالى شأنه العزيز ويجعلها مقتصرة عليه.
وتعني كلمة الإله المعبود والمألوه؛ اي الشيء الذي يُعبد والذي تأله إليه أرواح الموجودات وتعشقه وتسلك الطريق المؤدّية إليه. بمعنى أنّه هو المعبود والمقصود من عالم الخلق كلّه الذي بدأه ويدعوه إليه، وعلى هذا يكون مرجعه وعوده إليه كذلك.
إن عالم الوجود لا يملك في ذاته مثقال ذرّة من الكينونة والوجود المستقلّ، سواء في الذات أم في الصفات أو الأفعال. ولا يمكن للخلق أن يعني إيجاد الوجود والاستقلال في العمل والصفة وذات الوجود؛ وإلّا فسيكون معنى هذه الولادة، اي أن يُخرج الله شيئاً منه، لكنّنا نرى أنّ الآية الشريفة وذلك لأنّنا نعلم أنّ: مفاد الآية والمراد من لَمْ يَلِدْ ليس بمعنى الولادة بالمعنى المتعارف لدينا، اي أن نفرض والعياذ بالله لله بطناً، وأنّ الموجودات تنمو وتترعرع في داخله ثمّ يدفع الله بها إلى الخارج؛ بل أنّ ما هو محقّق وثابت ويمكن اعتباره برهاناً مسلّماً به أنّ هذه الألفاظ إنّما وُضعت للمعنى العامّ ولا تخصّ المصاديق الخارجيّة المتعارفة.
وعلى هذا، يكون معنى الآية لم يلد أن الله سبحانه لم يخلق الموجودات على نحو التولُّد والإيلاد والاستيلاد؛ بل أنّ الموجود الذي يريده ويشاء له أن يكون سيكون بمجرّد تحقّق إرادته ومشيئته القاهرة في الخارج، بحيث تكون معه في جميع مراحل الوجود من ذات الله وصفته واسمه وفعله، ولا انفكاك ولا انفصام بينها وبين ذلك الموجود المخلوق من البداية وحتى النهاية. ولا يمكن أن يكون لهذا معنى ومفهوم غير معنى التجلّي ومفهوم الظهور.
ولا يمكن أن يكون خلق الأشياء- سواء أ كانت الأشياء الخارجيّة المادّيّة الطبيعيّة، أم الموجودات المثاليّة المشكّلة والمصوّرة بصور غير مادّيّة، أم الموجودات العقليّة، وفوق كلّ هذا الحجاب الأعظم والأقرب نفسه، إلّا التجلّي والظهور.
إن الله واحد وأحد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. وفي هذه الحال، تكون الأشياء والخلائق من الملائكة المقرّبين والأرواح الملكوتيّة والنفوس الإنسانيّة والأجنّة ونفوس النباتات والجماد، وبصورة كلّيّة كلّ عالم الخلق، يعني لظهور والتجلّي في القوالب المادّيّة والروحانيّة المختلفة؛ فالعالم كلّه هو مرآة وآية. فإذا تجلّى سبحانه «و هو المبدأ الأوّل» فيها، فإنّه سينعكس من خلالها كلًّا حسب سعته وقابليّته.
وعلى هذا، فإذا افترضنا وجود اي أثر في اي موجود من الموجودات منفصلًا عن وجود الحقّ تعالى وأثره وفعله ووصفه، فإنّنا بذلك سنعتبر الله الوالد، وذلك الموجود مولوده وبنفس المقدار، في حين تنفي الآية الشريفة لم يلد ذلك تماما.
وقد قال الله سبحانه في الآيات الثلاث التي تسبق هذه الآية موضوعة البحث: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ.
ثمّ يقول: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ والْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.
وقال سبحانه بعد ذلك: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا ويَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ.
ثمّ يقول تعالى بعد تلك الآية: وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ وما بَيْنَهُما وعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ.
فكما لاحظنا في الآيات الشريفة المذكورة أنّها تعتبر أصل الوجود والصفات وآثار الوجود سواء من الناحية التكوينيّة أم التشريعيّة مختصّة بالله جلّ وعلا؛ وتعدّ عالم الكون والوجود كلّه فيضاً لوجوده المقدّس.
وعلى هذا الأساس فإنّ أيّة فكرة أو فلسفة أو مذهب أو مدرسة تحمل في طيّاتها معنى يستشفّ منه اعتقاد يُشرك غير الله في الامور أو المسائل الإلهيّة فهو مرفوض؛ سواء في مذهب التثليث، أم مذهب الثنويّة، أو جميع أنواع وأقسام الشرك في الخلقة والعبادة (الشرك في الذات والصفات والأفعال) والطاعة والعبوديّة والتضرّع والخضوع، فإنّ كلّ ذلك مرفوض ومنبوذ، وهو مدان من منظار هذا الكتاب المُنزل، القرآن الكريم.
وفي معرض ردّه على العقيدة المسيحيّة القائلة بوجود ثلاثة مبادئ قديمة أو اصول وهي الأقاليم الثلاثة، يقول القرآن الكريم في سورة المائدة بعد رفضه لمعتقدات اليهود والنصارى وعدم اتّباعهم تعاليم التوراة والإنجيل وانقيادهم وراء الأهواء والوساوس النفسانيّة: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ ويَسْتَغْفِرُونَهُ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً واللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ولا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيراً وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ.
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ.
كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ.[1]
تفسير العلّامة الطباطبائيّ للآيات الواردة في نفي التثليث
قال سماحة آية الله العلّامة واستاذنا العزيز الطباطبائيّ تغمّده الله برضوانه وبحبوحة جنانه ورحمته في تفسير الآية الشريفة: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ: وهذا كالبيان لكون النصارى لم تنفعهم النصرانيّة والانتساب إلى المسيح عليه السلام عن تعلّق الكفر بهم إذ أشركوا بالله ولم يؤمنوا به حقّ إيمانه حيث قالوا: أنّ الله هو المسيح ابن مريم.
والنصارى وإن اختلفوا في كيفيّة اشتمال المسيح ابن مريم على جوهرة الالوهيّة بين قائل باشتقاق اقنوم المسيح وهو العلم من اقنوم الربّ تعالى وهو الحياة، وذلك الابوّة والبنوّة، وقائل بأنّه تعالى صار هو المسيح على نحو الانقلاب، وقائل بأنّه حلّ فيه كما تقدّم بيان ذلك تفصيلًا في الكلام على عيسى ابن مريم عليهما السلام في تفسير سورة آل عمران في الجزء الثالث من الكتاب.
لكنّ الأقوال الثلاثة جميعاً تقبل الانطباق على هذه الكلمة: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، فالظاهر أنّ المراد بالذين تفوّهوا بهذه الكلمة جميع النصارى الغالين في المسيح عليه السلام لا خصوص القائلين منهم بالانقلاب.
وتوصيف المسيح بابن مريم لا يخلو من دلالة أو إشعار بسبب كفرهم وهو نسبة الالوهيّة إلى إنسان ابن إنسان مخلوقين من تراب، وأيْنَ التُّرَابُ ورَبُّ الأرْبَابِ؟
وقال في تفسير الآية الشريفة: وقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ إلى آخر الآية: احتجاج على كفرهم وبطلان قولهم بقول المسيح عليه السلام نفسه؛ فإنّ قوله: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ، يدلّ على أنّه عبد مربوب مثلهم، وقوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، يدلّ على أنّ من يجعل للّه شريكاً في الوهيّته فهو مشرك كافر مُحرّم عليه الجنّة.
وفي قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام: فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ومَأْواهُ النَّارُ وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ، عناية بإبطال ما ينسبونه إلى المسيح من حديث التفدية، وباختياره عليه السلام الصلب فدى بنفسه عنهم فهم مغفور لهم مرفوع عنهم التكاليف الإلهيّة ومصيرهم إلى الجنّة، ولا يمسّون ناراً كما تقدّم نقل ذلك عنهم في تفسير سورة آل عمران في قصة عيسى عليه السلام، فقصّة التفدية والصلب إنّما سيقت لهذا الغرض.
وما تحكيه الآية من قوله عليه السلام موجود في متفرّقات الأبواب من الأناجيل كالأمر بالتوحيد[2]، وإبطال عبادة المشرك[3] والحكم بخلود الظالمين في النار.[4]
وفي تفسير الآية الشريفة لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، قال: أي أحد الثلاثة: الأب والابن والروح، اي هو ينطبق على كلّ واحد من الثلاثة، وهذا لازم قولهم: أنّ الأب إله والابن إله والروح إله، وهو ثلاثة، وهو واحد يضاهئون بذلك نظير قولنا: أنّ زيد بن عمرو إنسان، فهناك امور ثلاثة هي: زيد وابن عمرو والإنسان، وهناك أمر واحد وهو المنعوت بهذه النعوت، وقد غفلوا عن أنّ هذه الكثرة إن كانت حقيقيّة غير اعتباريّة أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة، وأنّ المنعوت إن كان واحداً حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة اعتباريّة غير حقيقيّة، فالجمع بين هذه الكثرة العدديّة والوحدة العدديّة في زيد المنعوت بحسب الحقيقة ممّا يستنكف العقل عن تعقّله، ولذا ربّما ذكر بعض الدعاة من النصارى أنّ مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذاهب الأسلاف التي لا تقبل الحلّ بحسب الموازين العلميّة، ولم يتنبّه أنّ عليه أن يطالب الدليل على كلّ دعوى يقرع سمعه سواء من دعاوى الأسلاف أم من دعاوى الأخلاف.
وفي تفسير الآية وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ إلى آخر الآية، قال: ردّ منه تعالى لقولهم إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، بأنّ الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية الكثرة بوجه من الوجوه، فهو تعالى في ذاته واحد، وإذا اتّصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد ذلك على ذاته الواحدة شيئاً، ولا الصفة إذا اضيفت إلى الصفة أورث ذلك كثرة وتعدداً، فهو تعالى إحدى الذَّاتِ لا ينقسم لا في خارج ولا في وهم ولا في عقل.
فليس الله سبحانه بحيث يتجزّأ في ذاته إلى شيء وشيء قطّ، ولا أنّ ذاته بحيث يجوز أن يضاف إليه شيء فيصير اثنين أو أكثر، كيف؟ وهو تعالى مع هذا الشيء الذي يراد إضافته إليه تعالى في وهم أو فرض أو خارج.
فهو تعالى واحد في ذاته لكن لا بالوحدة العدديّة التي لسائر الأشياء المتكوّن منها الكثرات، ولا منعوت بكثرة في ذات أو اسم، أو صفة، كيف؟ وهذه الوحدة العدديّة والكثرة المتألّفة منها كلتاهما من آثار صنعه، وإيجاده فكيف يتّصف بما هو من صنعه؟
وفي قوله تعالى وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ من التأكيد في إثبات التوحيد ما ليس في غيره حيث سيق الكلام بنحو النفي والاستثناء، ثمّ ادخل «مِنْ» على النفي لإفادة تأكيد الاستغراق، ثمّ جيء بالمستثنى وهو قوله إلَهٌ وَاحِدٌ بالتنكير المفيد للتنويع ولو اورد معرفة كقولنا إلَّا الإلَهُ الوَاحِدُ، «إلَهٌ وَاحِدٌ» لم يفد ما يرام من حقيقة التوحيد.
فالمعنى: ليس في الوجود شيء من جنس الإله أصلًا إلّا إله واحد نوعاً من الوحدة لا يقبل التعدّد أصلًا لا تعدّد الذات ولا تعدّد الصفات، لا خارجاً ولا فرضاً، ولو قيل: وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ، لم يدفع به قول النصارى إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، فإنّهم لا ينكرون الوحدة فيه تعالى، وإنّما يقولون: إنه ذات واحدة لها تعين بصفاتها الثلث.
ولا يندفع ما احتملوه من المعنى إلّا بإثبات وحدة لا تتألّف منه كثرة أصلًا، وهو الذي يتوخّاه القرآن الكريم بقوله وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ.
وهذا من لطائف المعاني التي يلوح إليها الكتاب الإلهيّ في حقيقة معنى التوحيد، وسنغور في البحث المستوفي عنه في بحث قرآنيّ خاصّ ثمّ في بحث عقليّ وآخر نقليّ إيفاء لحقّه.
وقال في تفسيره للآية الشريفة: وإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: تهديد لهم بالعذاب الأليم الاخرويّ الذي هو ظاهر الآية الكريمة.
ولمّا كان القول بالتثليث الذي تتضمّنه كلمة إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ليس في وسع عقول عامّة الناس أن تتعقّله فأغلب النصارى يتلقّونه قولًا مذهبيّاً مسلّماً بلفظه من غير أن يعقلوا معناه، ولا أن يطمعوا في تعقّله كما ليس في وسع العقل السليم أن يعقله عقلًا صحيحاً، وإنّما يتعقّل كتعقّل الفروض المحالة كالإنسان اللاإنسان، والعدد الذي ليس بواحد ولا كثير ولا زوج ولا فرد فلذلك تتسلّمه العامّة تسلّماً من غير بحث عن معناه، وإنّما يعتقدون في النبوّة والابوّة شبه معنى التشريف، فهؤلاء في الحقيقة ليسوا من أهل التثليث وإنّما يمضغون الكلمة مضغاً وينتمون إليها انتماء بخلاف غير العامّة منهم، وهم الذين ينسب الله سبحانه إليهم اختلاف المذاهب ويقرّر أنّ ذلك ببغيهم، كما قال الله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ- إلى أن قال وما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ولَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.[5]
فالكفر الحقيقيّ الذي لا ينتهي إلى استضعاف- وهو الذي فيه إنكار التوحيد والتكذيب بآيات الله- إنّما يتمّ في بعضهم دون كلّهم، وإنّما أوعد الله الذين كفروا وكذّبوا بآيات الله بالخلود بالنار، قال: والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.[6] إلى غير ذلك من الآيات، وقد مرّ الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ.[7]
ولعلّ هذا هو السرّ في التبعيض الظاهر من قوله: لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ.
أو أنّ المراد به أنّ من النصارى من لا يقول بالتثليث، ولا يعتقد في المسيح إلّا أنّه عبد الله ورسوله كما كان على ذلك مسيحيّو الحبشة وغيرها على ما ضبطه التأريخ، فالمعنى: لئن لم ينته النصارى عمّا يقولون (نسبة قول الجماعة إلى جميعهم) ليمسّنّ الذين كفروا منهم- وهم القائلون بالتثليث منهم- عذاب أليم.
وفي معرض تفسيره للآية الشريفة: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ: ردّ لقولهم: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، أو لقولهم هذا وقولهم المحكيّ في الآية السابقة: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، جميعاً ومحصّله اشتمال المسيح على جوهرة الالوهيّة بأنّ المسيح لا يفارق سائر رسل الله الذين توفّاهم الله من قبله كانوا بشراً مرسلين من غير أن يكونوا أرباباً من دون الله سبحانه.
وكذلك امّه مريم كانت صدّيقة تصدّق بآيات الله تعالى، وهي بشر، وقد كان هو وامّه جميعاً يأكلان الطعام وأكل الطعام مع ما يتعقّبه مبني على أساس الحاجة التي هو أوّل أمارة من أمارات الإمكان والمصنوعيّة.
فقد كان المسيح عليه السلام ممكناً متولّداً من ممكن وعبداً ورسولًا مخلوقاً من امّه، كانا يعبدان الله ويجريان في سبيل الحاجة والافتقار من دون أن يكون ربّاً.
وما بِيَدِ القوم من كتب الإنجيل معترفة بذلك تصرّح بكون مريم فتاة كانت تؤمن بالله وتعبده وتصرّح بأنّ عيسى تولّد منها كالإنسان من الإنسان وتصرّح بأنّ عيسى كان رسولًا من الله إلى الناس كسائر الرسل، وتصرّح بأنّ عيسى وامّه مريم كانا يأكلان الطعام.
فهذه امور صرّحت بها الأناجيل وهي حجج على كونه عليه السلام عبداً رسولًا. ويمكن أن تكون الآية مسوقة لنفي الوهيّة المسيح وامّه كليهما على ما يظهر من قوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ،[8] أنّه كان هناك من يقول لُالوهيّتها كالمسيح أو أنّ المراد به اتّخاذها إلهاً، كما يُنسب إلى أهل الكتاب أنّهم اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله وذلك بالخضوع لها ولهم بما لا يُخضع لبشر بمثله.
وكيف كان فالآية على هذا التقدير تنفي عن المسيح وامّه معاً الالوهيّة بأنّ المسيح كان رسولًا كسائر الرسل وامّه كانت صدّيقة وهما معاً كانا يأكلان الطعام وذلك كلّه ينافي الالوهيّة.
وفي قوله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، حيث وصف الرسل بالخلوّ من قبله وهو الموت تأكيد للحجّة لكونه بشراً يجوز عليه الموت والحياة كما جاز على الرسل من قبله.
وقال في تفسيره للآية الشريفة: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وآله وهو في مقام التعجيب، اي التعجّب من كيفيّة بياننا لهم الآيات وهو أوضح بيان لأظهر آية في بطلان دعواهم الوهيّة المسيح وكيفيّة صرفهم عن تعقّل هذه الآيات، فإلى اي غاية يُصرفون عنها ولا تلفت إلى نتيجتها- وهي بطلان دعواهم- عقولهم؟ وقال في تفسيره للآية الشريفة: قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً واللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: كان الخضوع لأمر الربوبيّة إنّما انتشر بين البشر في أقدم عهوده وخاصّة بين العامّة منهم- وعامّتهم كانوا يعبدون الأصنام- طمعاً في أن يدفع الربّ عنهم الشرّ ويوصل إليهم النفع كما يتحصّل من الأبحاث التأريخيّة، وأمّا عبادة الله لأنّه الله عزّ اسمه فلم يكن يعدو الخواصّ منهم كالأنبياء والربّانيّين من اممهم.
فأمر الله سبحانه رسوله أن يخاطبهم خطاب البشر الساذج الجاري على ما تلهمه فطرته الساذجة في عبادة الله كما خاطب الوثنيّين وعبّاد الأصنام بذلك فيذكّرهم أنّ الذي يضطرّ الإنسان بعبادة الربّ هو أنّه يرى أزمّة الخير والشرّ والنفع والضرّ بيده، فيعبده لأنّه يملك الضرّ والنفع طمعاً في أن يدفع عنه الضرّ ويوصل إليه الخير لعبادته له.
وكلّ ما هو دون الله تعالى لا يملك شيئاً من ضرّ ولا نفع لأنّه مملوك للّه محضاً مسلوب عنه القدرة في نفسه، فكيف يسوغ تخصيصه بالعبادة وإشراكه مع ربّه الذي هو المالك له ولغيره؟ وقد كان من الواجب أن يُخصّ هو تعالى بالعبادة ولا يُتعدّى عنه إلى غيره، لأنّه هو الذي يختصّ به السمع والإجابة فيسمع ويجيب المضطرّ إذا دعاه وهو الذي يعلم حوائج عباده ولا يغفل عنها ولا يغلط فيها بخلاف غيره تعالى فإنّه إنّما يملك ما ملّكه الله ويقوى على ما قوّاه الله سبحانه. فقد تبيّن بهذا البيان:
أوّلًا: أنّ الحجّة التي تشتمل عليها هذه الآية غير الحجّة التي تشتمل عليها الآية السابقة، وإن توقّفتا معاً على مقدّمة مشتركة وهي كون المسيح وامّه ممكنين محتاجين، فالآية السابقة حجّتها أنّ المسيح وامّه كانا بشرين محتاجين عبدين مطيعين للّه سبحانه، ومن كان حاله هذا الحال لم يصحّ له أن يكون إلهاً معبوداً.
وحجّة هذه الآية: أن المسيح ممكن محتاج مملوك بنفسه لا يملك ضرا ولا نفعا، ومن كان حاله هذا الحال لم تستقم الوهيته وعبادته من دون الله.
وثانياً: أنّ الحجّة مأخوذة ممّا يدركه الفهم البسيط والعقل الساذج من جهة غرض الإنسان البسيط في عبادته، فإنّه إنّما يتّخذ ربّاً ويعبده ليدفع عنه الضرّ ويجلب إليه النفع، وهذا إنّما يملكه الله تعالى دون غيره، فلا غرض يتعلّق بعبادة غير الله، فمن الواجب أن يرفض عبادته.
وثالثاً: أنّ قوله: ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً، إنّما اخذت فيه لفظة «مَا» دون لفظة «مَنْ» مع أنّ المسيح من اولي العقل، لأنّ الحجّة بعينها هي التي تقام على الوثنيّين وعبدة الأصنام التي لا شعور لها، ولا دخل في كون المسيح عليه السلام من اولي العقل في تمام الحجّة، فهي تامّة في كلّ معبود مفروض دون الله سبحانه.
على أنّ غيره تعالى- وإن كان من اولي العقل والشعور- لا يملكون شيئا من العقل والشعور من عند أنفسهم كسائر ما ينسب إليهم من شئون وجودهم؛ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ.[9]
وكذلك تقديم الضرّ على النفع في قوله؛ ضَرًّا ولا نَفْعاً للجري على وفق ما تدركه وتدعو إليه الفطرة الساذجة كما مرّ، فإنّ الإنسان بحسب الطبع يرى ما تلبّس من النعم الموجودة عنده ما دامت عنده مملوكة لنفسه لا تلتفت نفسه إلى إمكان فقدها ولا تتصوّر ألمه عند فقدها بخلاف المضارّ التي يجدها بالفعل، والنعم التي يفتقدها ويجد ألم فقدها.
فإنّ الفطرة تنبّهها إلى الالتجاء إلى ربّ يدفع عنها الضرّ والضير، ويجلب إليها النعمة المسلوبة، كما قال تعالى: وإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ[10] كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. وقال تعالى: وإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ ونَأى بِجانِبِهِ وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ.[11]
فتحصّل أنّ مسّ الضرّ أبعث للإنسان إلى الخضوع للربّ وعبادته من وجدان النفع، ولذلك قدّم الله سبحانه الضرّ على النفع في قوله: ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً. وكذا في سائر الموارد التي تماثله كقوله: واتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً ولا يَمْلِكُونَ مَوْتاً ولا حَياةً ولا نُشُوراً.[12]
ورابعاً: أنّ مجموع الآية: أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى آخرها حجّة على وجوب قصر العبادة في الله سبحانه من دون إشراك غيره معه وهي مُنْحِلَة إلى حجّتين ملخّصهما: أنّ اتّخاذ الإله وعبادة الربّ إنّما هو لغرض دفع الضرّ وجلب النفع، فيجب أن يكون الإله المعبود مالكاً لذلك، ولا يجوز عبادة من لا يملك شيئاً، والله سبحانه هو السميع المجيب للدعوة العليم بكنه الحاجة من غير جهل دون غيره؛ فوجب عبادته من غير إشراك غيره.
وفي تفسيره الآية الشريفة: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ يقول: خطاب آخر للنبيّ صلى الله عليه وآله بأمره أن يدعو أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم، وأهل الكتاب وخاصّة النصارى مبتلون بذلك. والغالي المتجاوز عن الحدّ بالإفراط، ويقابله القالي في طرف التفريط.
ودين الله الذي يفسّره كتبه المنزلة يأمر بالتوحيد ونفي الشريك وينهى عن اتّخاذ الشركاء للّه سبحانه، وقد ابتُلي بذلك أهل الكتاب عامّة اليهود والنصارى، وإن كان أمر النصارى في ذلك أشنع وأفظع، قال تعالى: وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.[13]
والقول بأنّ عزيراً ابن الله وإن كان غير ظاهر اليوم عند اليهود لكنّ الآية تشهد بأنّهم كانوا يقولون ذلك في عصر النزول.
والظاهر أنّ ذلك كان لقباً تشريفيّاً يلقّبونه به قبال ما خدمهم وأحسن إليهم في إرجاعهم إلى اورْشَلِيم (بيت المقدس) بعد إسارة بابل، وجمع لهم التوراة ثانياً بعد ضياعه في قصّة بخت نصّر، وقد كانوا يعدّون بنوّة الله لقباً تشريفيّاً، كما يتّخذ النصارى اليوم الابوّة كذلك ويسمّون البابوات والبطارقة والقسّيسين بالآباء (الباب والبابا: الأب) وقد قال تعالى: وقالَتِ الْيَهُودُ والنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وأَحِبَّاؤُهُ.[14]
بل الآية الثانية أعني قوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ،[15] تدلّ على ذلك، حيث اقتصر فيها على ذكر المسيح عليه السلام، ولم يذكر عزيراً، فدلّ على دخوله في عموم قوله: أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ، وأنّهم إنّما كانوا يسمّونه ابن الله كما يسمّون أحبارهم أبناء الله، وقد خصّوه بالذكر وحده شكراً لإحسانه إليهم كما تقدّمت الإشارة إليه.
وبالجملة، وضعهم بعض أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم موضع الربوبيّة وخضوعهم لهم بما لا يُخضع بمثله إلّا للّه سبحانه غلوّ منهم في دينهم ينهاهم الله عن ذلك بلسان نبيّه صلى الله عليه وآله.
وتقييد الغلوّ في الدين بغير الحقّ- ولا يكون الغلوّ إلّا كذلك- إنّما هو للتأكيد وتذكير لازم المعنى مع ملزومه لئلّا يذهل عنه السامع وقد ذهل حين غلا أو كان كالذاهل.
وإطلاق الأب على الله سبحانه بتحصيل معناه وتجريده عن وسمة نواقص المادّة الجسمانيّة، اي من بيده الإيجاد والتربية، وكذلك الابن بمعناه المجرّد التحليليّ وإن لم يمنعه العقل لكنّه ممنوع شرعاً لتوقيفيّة أسماء الله سبحانه لما في التوسّع في إطلاق الأسماء المختلفة عليه تعالى من المفاسد، وكفى مفسدة في إطلاق الأب والابن ما لقيته الامّتان: اليهود والنصارى، وخاصّة النصارى، من أولياء الكنيسة خلال قرون متمادية ولن يزال الأمر على ذلك.[16]
«الميزان»: كلام في معنى التوحيد في القرآن
ولسماحة الاستاذ العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه بحث شيّق في معنى التوحيد في القرآن الكريم في أحديّة الحقّ تعالى المطلقة. وما أروع من أن ننقل هنا ذلك البحث بحذافيره، وذلك لاحتوائه مضامين جدّ واسعة وحكم وبراهين استدلاليّة وفلسفيّة تستند في مجموعها إلى اي القرآن الكريم.
كلام في معنى التوحيد في القرآن
لا يرتاب الباحث المتعمّق في المعارف الكلّيّة أنّ مسألة التوحيد من أبعدها غوراً، وأصعبها تصوّراً وإدراكاً، وأعضلها حلًّا لارتفاع كعبها عن المسائل العامّة العامّيّة التي تتناولها الأفهام، والقضايا المتداولة التي تألفها النفوس وتعرفها القلوب.
وما هذا شأنه تختلف العقول في إدراكه والتصديق به للتنوّع الفكريّ الذي فطر عليه الإنسان من اختلاف أفراده من جهة البنية الجسميّة وأداء ذلك إلى اختلاف أعضاء الإدراك في أعمالها، ثمّ تأثير ذلك في الفهم والتعقّل من حيث الحدّة والبلادة، والجودة والرداءة، والاستقامة والانحراف.
فهذا كلّه ممّا لا شكّ فيه، وقد قرّر القرآن هذا الاختلاف في موارد من آياته الكريمة كقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.[17]
و قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا، ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.[18]
وقوله تعالى: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً.[19]
وقوله تعالى: وهي من جملة الآيات التي نحن فيها: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.[20]
ومن أظهر المصاديق هذا الاختلاف الفهميّ، اختلاف أفهام الناس في تلقّي معنى توحّده تعالى، لما في أفهامهم من الاختلاف العظيم والاضطراب الوسيع في تقرير مسألة وجوده تعالى على ما بينهم من الاتّفاق على ما تعطيه الفطرة الإنسانيّة بإلهامها الخفي وإشارتها الدقيقة.
فقد بلغ فهم آحاد من الإنسان في ذلك أن جعل الأوثان المتّخذة، والأصنام المصنوعة من الخشب والحجارة حتى من نحو الإقط والطينة المعمولة من أبوال الغنم شركاء للّه، وقرناء له، يُعبد كما تعبد هؤلاء، ويُسأل كما تسأل هؤلاء، ويخضع له كما يخضع لها، ولم يلبث هذا الإنسان دون أن غلّب هذه الأصنام عليه تعالى بزعمه، وأقبل عليها وتركه، وأمّرها على حوائجه وعزله.
فهذا الإنسان قصارى ما يراه من الوجود له تعالى هو مثل ما يراه لآلهته التي خلقها بيده، أو خلقها إنسان مثله بيده، ولذلك كانوا يثبتون له تعالى من صفة الوحدة مثل ما يصفون به كلّ واحد من أصنامهم، وهي الوحدة العدديّة التي تتألّف منها الأعداد، قال تعالى: وعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ، أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ.[21]
فهؤلاء كانوا يتلقّون الدعوة القرآنيّة إلى التوحيد، دعوة إلى القول بالوحدة العدديّة التي تقابل الكثرة العدديّة، كقوله تعالى: وإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ،[22] وقوله تعالى: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ؛[23] وغير ذلك من الآيات الداعية إلى رفض الآلهة الكثيرة، وتوجيه الوجه للّه الواحد.
وقوله تعالى: وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ،[24] وغيره من الآيات الداعية إلى رفض التفرّق في العبادة للإله، حيث كانت كلّ امّة أو طائفة أو قبيلة تتّخذ إلهاً تختصّ به، ولا تخضع لإله الآخرين.
بيان سماحة العلّامة في شرح الوحدة العدديّة وكيفيّتها
العلّامة: القرآن يصرّح بأنّ وحدة الحقّ تعالى هي وحدة بالصرافة
والقرآن ينفي في عالي تعليمه الوحدة العدديّة عن الإله جلّ ذكره، فإنّ هذه الوحدة لا تتمّ إلّا بتميّز هذا الواحد من ذلك الواحد بالمحدوديّة التي تقهره، والمقدّريّة التي تغلبه.
مثال ذلك ماء الحوض إذا فرقناه في أواني كثيرة، كان ماء كلّ إناء ماء واحداً غير الماء الواحد الذي في الإناء الآخر، وإنّما صار ماء واحداً يتميّز عمّا في الآخر لكون ما في الآخر مسلوباً عنه غير مجتمع معه، ولو لا ذلك لم يأت للإنسانيّة الصادقة على هذا وذاك أن تكون واحدة بالعدد ولا كثيرة بالعدد.
فمحدوديّة الوجود هي التي تقهر الواحد العدديّ على أن يكون واحداً، ثمّ بانسلاب هذه الوحدة من بعض الجهات تتألّف كثرة عدديّة كما عند عروض صفة الاجتماع بوجه.
وكان الله سبحانه قاهراً غير مقهور، وغالباً لا يغلبه شيء البتة، كما يعطيه التعليم القرآنيّ، لم تُتصوّر في حقّه وحدة عدديّة ولا كثرة عدديّة.
قال تعالى: وهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.[25]
وقال: أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ، ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ.[26]
وقال: وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.[27]
وقال: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.[28]
والآيات بسياقها- كما ترى- تنفي كلّ وحدة مضافة إلى كثرة مقابلة لها سواء كانت وحدة عدديّة كالفرد الواحد من النوع الذي لو فرض بإزائه فرد آخر كانا إثنين فإنّ هذا الفرد مقهور بالحدّ الذي يحدّه به الفرد الآخر المسلوب عنه المفروض قباله.
أم كانت وحدة نوعيّة أم جنسيّة أم اي وحدة مضافة إلى كثرة من سنخها، كالإنسان الذي هو نوع واحد مضاف إلى الأنواع الكثيرة الحاصلة منه ومن الفرس والبقر والغنم وغيرها.
فإنّه مقهور بالحدّ الذي يحدّه به ما يناظره من الأنواع الاخر، وإذ كان تعالى لا يقهره شيء في شيء البتة من ذاته ولا صفته ولا فعله وهو القاهر
فوق كلّ شيء، فليس بمحدود في شيء يرجع إليه، فهو موجود لا يشوبه عدم، وحقّ لا يعرضه بطلان، وهو الحيّ لا يخالطه موت، والعليم لا يدبّ إليه جهل، والقادر لا يغلبه عجز، والمالك والملك من غير أن يُملك منه شيء، والعزيز الذي لا ذُلّ له وهكذا.
فله تعالى من كلّ كمالٍ محضه، وإن شئت زيادة تفهّم وتفقّه لهذه الحقيقة القرآنيّة فافرض أمراً متناهياً وآخر غير متناه، تجد غير المتناهي محيطاً بالمتناهي بحيث لا يدفعه المتناهي عن كماله المفروض اي دفع فرضته، بل غير المتناهي مسيطر عليه بحيث لا يفقده المتناهي في شيء من أركان كماله، وغير المتناهي هو القائم على نفسه، الشهيد عليه، المحيط به.
ثمّ انظر في ذلك إلى ما يفيده قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ ولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.[29]
وهذا هو الذي يدلّ عليه عامّة الآيات الواصفة لصفاته تعالى الواقعة في سياق الحصر أو الظاهر؛ كقوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.[30]
وقوله: ويَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ.[31]
وقوله: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.[32]
وقوله: وهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ.[33]
وقوله: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.[34]
وقوله: لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ.[35]
وقوله: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.[36]
وقوله: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.[37]
وقوله: أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ واللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ.[38] إلى غير ذلك من الآيات.
فالآيات- كما ترى- تنادي بأعلى صوتها أنّ كلّ كمال مفروض فهو للّه سبحانه بالأصالة، وليس لغيره شيء إلّا بتمليكه تعالى له ذلك من غير أن ينعزل عمّا يملكه ويملّكه، كما ننعزل نحن معاشر الخليقة عمّا ملّكناه غيرنا.
فكلّما فرضنا شيئاً من الأشياء ذا شيء من الكمال في قباله تعالى ليكون ثانياً له وشريكاً عاد ما بيده من معنى الكمال للّه سبحانه محضاً؛ وهو الحق الذي يملك كل شيء وغيره الباطل الذي لا يملك لنفسه شيئا.
قال تعالى: ولا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً ولا يَمْلِكُونَ مَوْتاً ولا حَياةً ولا نُشُوراً.[39]
وهذا المعنى هو الذي ينفي عنه تعالى الوحدة العدديّة، إذ لو كان واحداً عدديّاً، اي موجوداً محدوداً منعزل الذات عن الإحاطة بغيره من الموجودات، صحّ للعقل أن يفرض مثله الثاني له سواء كان جائز التحقّق في الخارج أم غير جائز التحقّق، وصحّ عند العقل أن يتّصف بالكثرة بالنظر إلى نفسه وإن فرض امتناعه في الواقع، وليس كذلك.
فهو تعالى واحد، بمعنى أنّه من الوجود بحيث لا يحدّ بحدّ حتى يمكن فرض ثاني له فيما وراء ذلك الحدّ، وهذا معنى قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.[40] فإنّ لفظ أحد إنّما يُستعمل استعمالًا يدفع إمكان فرض العدد في قباله يقال: مَا جَاءَنِي أحَدٌ، وينفي به أن يكون قد جاء الواحد، وكذا الأثنان والأكثر.
وقال تعالى: وإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [فَأَجِرْهُ].[41]
فشمل الواحد والاثنين والجماعة ولم يخرج عن حكمه عدد.
وقال تعالى: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ.[42]
فشمل الواحد وما وراءه ولم يشذ منه شاذ.
فاستعمال لفظ أحد في قوله: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. في الإثبات من غير نفي ولا تقييد بإضافة أو وصف يفيد أنّ هويّته تعالى بحيث يدفع فرض مَن يماثله في هويّته بوجه، سواء كان واحداً أم كثيراً، فهو محال بحسب الفرض الصحيح مع قطع النظر عن حاله بحسب الخارج.
ولذلك وصفه تعالى بأنّه صَمَد وهو المُصْمَت الذي لا جوف له ولا مكان خالياً فيه، وثانياً بأنّه لَمْ يَلِدْ، وثالثاً بأنّه لَمْ يُولَد، ورابعاً بأنّه لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
وتستلزم كلّ هذه الأوصاف نوعاً من المحدوديّة والانعزال. وهذا هو السرّ في عدم وقوع توصيفات غيره تعالى عليه حقّ الوقوع والاتّصاف.
قال تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ.[43]
وقال تعالى: ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً.[44]
فإنّ المعاني الكماليّة التي نصفه تعالى بها أوصاف محدودة وجلّت ساحته سبحانه عن الحدّ والقيد، وهو الذي يرومه النبيّ صلى الله عليه وآله في كلمته المشهورة: لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ! أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ! وهذا المعنى من الوحدة هو الذي يدفع به تثليث النصارى، فإنّهم موحّدون في عين التثليث، لكنّ الذي يذعنون به من الوحدة وحدة عدديّة لا تنفي الكثرة من جهة أخرى، فهم يقولون: أنّ أقاليم (الأب، الابن، الروح) (الذات، العلم، الحياة) ثلاثة، وهي واحدة كالإنسان الحيّ العالم، فهو شيء واحد لأنّه إنسان حيّ عالم، وهو ثلاثة، لأنّه إنسان وحياة وعلم.
لكنّ التعليم القرآنيّ ينفي ذلك، لأنّه يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض اي كثرة وتمايز، لا في الذات ولا في الصفات، وكلّ ما فُرض من شيء في هذا الباب كان عين الآخر لعدم الحدّ، فذاته تعالى عين صفاته وكلّ صفة مفرضة له عين الاخرى؛ تعالى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.[45] سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ.[46]
ولذلك ترى أنّ الآيات التي تنعته تعالى بالقهّاريّة تبدأ أوّلًا بنعت الوحدة ثمّ تصفه بالقهّاريّة، لتدلّ على أنّ وحدته لا تدع لفارض مجال أن يفرض له ثانياً مماثلًا بوجه، فضلًا عن أن يظهر في الوجود، وينال الواقعيّة والثبوت.
قال تعالى: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ، ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ.[47]
فوصفه بوحدة قاهرة لكلّ شريك مفروض لا تبقي لغيره تعالى من كلّ معبود مفروض إلّا الاسم فقط.
وقال تعالى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.[48]
قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.[49]
إذ ملكه تعالى المطلق لا يخلي مالكاً مفروضاً غيره دون أن يجعله نفسه وما يملكه ملكاً للّه سبحانه.
وقال تعالى: وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.[50]
وقال تعالى: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.[51]
فرتّب القهّاريّة في جميع الآيات على صفة الوحدة.[52]
وقد بيّن سماحة استاذنا العلّامة قدّس الله سرّه سواء في التفسير أم في الحكمة القواعد الخاصّة للوجود الصرف للذات المقدّسة للحقّ تعالى، وبرهن اسسها على أكمل وجه.
وقد عرضتُ عليه أنا الحقير، بأنّني أنوي تأليف بحث في التوحيد باسم «يكناشناسى[53]» في سلسلة العلوم والمعارف الإسلاميّة. فلم يردّ بشيء، ولكنّه كان واضحاً أنّه لم يُسرّ لذلك.
وبعد ذلك خطر في ذهني أنّ السبب في ذلك قد يعود إلى استخدامي كلمة (يكتا) التي تشير إلى مفهوم الوحدة العدديّة، هذا في الوقت الذي سعى فيه العلّامة دوماً إلى إثبات مفهوم الوحدة الحقّة والحقيقيّة للّه والتي أطلق عليها الوحدة الصِّرفة، وما أكثر ما ألّف من البحوث القيّمة حول ذلك! لهذا، طرأ على بالي أن اسمّيه «يگانهشناسى». ذلك أنّ كلمة (يگانه) تعطي في الحقيقة معنى «أحد» وهي أقرب إليه من غيرها.
وأخيراً توصّلتُ إلى أنّه من الأفضل تسمية الكتاب المذكور ب- «معرفة الله»، وذلك لأنّ لفظ الجلالة (الله) اشتمل على جميع امور الباري عزّ اسمه، وبحثَ شئونه، سواء من حيث الوحدة الحقّة الحقيقيّة أم الأسماء والصفات أم الظهور والأفعال؛ ف- «الله» اسم جامع للساحة الأحديّة بما في ذلك جهات الوحدة والآثار والكثرات.
وعليه استقرّ الرأي بمشيئة الله على هذا الاسم وتمّ تحرير مواضيعه بالاستناد إلى هذه الامور وسيستمرّ ذلك إن شاء الله تعالى.
بحث تاريخيّ لسماحة العلّامة في الاعتقاد بالصانع وتوحيده
وقد أورد سماحة الاستاذ قدّس الله سرّه في تفسيره بحثاً تحت عنوان «بحث تاريخيّ» فيما يلي نصّه: القول بأنّ للعالم صانعاً ثمّ القول بأنّه واحد من أقدم المسائل الدائرة بين متفكّري هذا النوع تهديه إليه فطرته المركوزة فيه، حتى أنّ الوثنيّة المبنيّة على الإشراك، إذا أمعنا في حقيقة معناها وجدناها مبنيّة على أساس توحيد الصانع، وإثبات شفعاء عنده؛ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى.[54] وإن انحرفت بعد عن مجراها، وآل أمرها إلى إعطاء الاستقلال والأصالة لآلهة دون الله.
والفطرة الداعية إلى توحيد الإله وإن كانت تدعو إلى إله واحد غير محدود العظمة والكبرياء ذاتاً وصفة- على ما تقدّم بيانه بالاستفادة من الكتاب العزيز- غير أنّ الفة الإنسان وانسه في ظرف حياته بالآحاد العدديّة من جانب، وبلاء الملّيّين بالوثنيّين والثنويّين وغيرهم لنفي تعدّد الآلهة من جانب آخر سجّل عدديّة الوحدة وجعل حكم الفطرة المذكورة كالمغفول عنه.
ولذلك ترى المأثور من كلمات الفلاسفة الباحثين في مصر القديمة واليونان والإسكندريّة وغيرهم ممّن بعدهم يعطي الوحدة العدديّة حتى صرّح بها مثل الرئيس أبي عليّ ابن سينا في كتاب «الشفاء»، وعلى هذا المجرى يجري كلام غيره، ممّن بعده إلى حدود الألف من الهجرة النبويّة.
وأمّا أهل الكلام من الباحثين فاحتجاجاتهم على التوحيد لا تعطي أزيد من الوحدة العدديّة أيضاً، في عين أنّ هذه الحجج مأخوذة من الكتاب العزيز عامّة؛ فهذا ما يتحصّل من كلمات أهل البحث في هذه المسألة.
فالذي بيّنه القرآن الكريم من معنى التوحيد أوّل خطوة خُطيت في تعليم هذه الحقيقة من المعرفة، غير أنّ أهل التفسير والمتعاطين لعلوم القرآن من الصحابة والتابعين ثمّ الذين يلونهم أهملوا هذا البحث الشريف، فهذه جوامع الحديث وكتب التفسير المأثورة منهم لا ترى فيها أثراً من هذه الحقيقة لا ببيان شارح، ولا بسلوك استدلاليّ.
ولم نجد ما يكشف عنها غطاءها إلّا ما ورد في كلام الإمام على بن أبي طالب عليه أفضل السلام خاصّة.
فإنّ كلامه هو الفاتح لبابها والرافع لسترها وحجابها على أهدى سبيل وأوضح طريق من البرهان، ثمّ ما وقع في كلام الفلاسفة الإسلاميّين بعد الألف الهجريّ، وقد صرّحوا بأنّهم إنّما استفادوه من كلامه عليه السلام.
وهذا هو السرّ في اختصارنا في البحث الروائيّ السابق على نقل نماذج من غرر كلامه عليه السلام الرائق، لأنّ السلوك في هذه المسألة وشرحها من مسلك الاحتجاج البرهانيّ لا يوجد في كلام غيره عليه السلام.
ولهذا بعينه تركنا عقد بحث فلسفيّ مستقلّ لهذه المسألة، فإنّ البراهين الموردة في هذا الغرض مؤلّفة من هذه المقدّمات المبيّنة في كلامه، لا تزيد على ما في كلامه بشيء، والجميع مبنيّة على صرافة الوجود وأحديّة الذات جلّت عظمته. انتهى كلام الاستاذ العلّامة.[55]
وللفيلسوف المسلم الملّا صدر الدين الشيرازيّ بحث تحت عنوان: في أنَّ وَاجِبَ الوُجُودِ تَمَامُ الأشْيَاءِ كُلُّ المَوْجُودَاتِ، وإليه تَرْجِعُ الامُورُ كُلُّهَا.
يقول فيه: هذا من الغوامض الإلهيّة التي يُستصعب إدراكه إلّا على من آتاه الله من لدنه علماً وحكمة، لكنّ البرهان قائم على أنّ كلّ: بَسِيطُ الحَقِيقَةِ كُلُّ الأشْيَاءِ الوُجُودِيَّةِ، إلّا ما يتعلّق بالنقائص والأعدام. والواجب تعالى بسيط الحقيقة، واحد من جميع الوجوه، فهو كلّ الوجود كما أنّ كلّه الوجود.[56]
وقد أثبت سماحة الاستاذ العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه هذه المسألة وبرهن قواعدها، وتعتبر من المسائل البديهيّة والاصوليّة المبرهنة في علم الفلسفة والتوحيد عند تلامذته.
وعلى أساس هذه القاعدة فقد نزّه الذات المقدّسة لساحة الواجب عزّ شأنه من الوحدة العدديّة ووصفه بالوحدة الحقّة الحقيقيّة التي تمثّل الوجود الصرف ووحدته الصرفة، وبهذه الطريقة ردّ على شبهة ابن كمّونة.
شرح العلّامة قدّس سرّه لحقيقة معنى الوحدة بالصرافة
وقد بيّن معنى الوحدة الصرفة بما يلي: المراد من الشيء المتّصف بالوحدة هو ذلك الشيء الذي يكون على نحو من البساطة والمحوضة والصرافة، ويشتمل على جميع معانيها ومفاهيمها ومصاديق محتوياتها، بحيث لو نظرنا إلى اي معنى من معاني ذلك الشيء ومصاديقه، لوجدنا أنّه لا يخرج عنه، بل هو في داخله، ويمكن القول بأنّه: هُوَ هُو، خلافاً للشيء المتّصف بالوحدة العدديّة الذي يمكن تصوّر نظير وشبيه ومثيل له في خارجه.
فمثلا، أنّ حقيقة معنى الإنسان ومفهومه، وهي النفس الناطقة، تحمل معنى الصرافة، لأنّ كلّ ما يمكن أن نتصوّره من هذا المفهوم والمعنى والماهيّة يشير في ذاته إلى معنى الإنسانيّة المفروضة، ولا يوجد شيء خارجه. أنّ ما يمكننا فهمه من معنى الحيوان الناطق، والشيء العاقل المتحرِّك بالإرادة، والشيء المتعجِّب الباكي، وباختصار حقيقة الأفراد كما في زيد وعمرو، عند ما نتصوّر كلًّا منهم بادئ ذي بدء بصورة إنسان، فسوف نرى أنّه تصوّر شامل ومستوعب وبسيط وهو ليس بخارج عن ذلك، فأمّا وحدة زيد فهي وحدة عدديّة. لأنّه يمكن افتراض عمرو وخالد مقابل ذلك سواء كان موجوداً في الخارج أم لم يكن.
صِرفُ الوجود الذي لا أتمّ منه، كلّما فرضتَه ثانياً فإذا نظرت إليه فإذاً هو هو
إن للوجود صرافة، وذلك لأنّ كلّ معنى من معانيه ومصداق من مصاديقه سواء كان شديداً أم ضعيفاً، كبيراً أم صغيراً، مجرّداً أم غير مجرّد متعيّناً أم غير متعيّن، ملكوتيّاً أم مُلكيّاً، عقليّاً أم نفسيّاً أم طبيعيّاً، كلّ ذلك يدخل في معنى صرف الوجود. ولأنّنا أخذنا بنظر الاعتبار الوجود بِمَا هُوَ وُجُودٌ، فقد راعينا جميع تلك الملاحظات، وذلك بإسقاط الحدود الماهويّة.
وهذا هو معنى كلام مؤسّس «حكمة الإشراق» من أنّ: صِرْفُ الوُجُودِ الذي لَا أتَمَّ مِنْهُ، كُلَّمَا فَرَضْتَهُ ثَانِياً فَإذَا نَظَرْتَ إليه فَإذاً هُوَ هُوَ.
وعلى هذا الأساس كان سماحة الاستاذ يقول ب- «تشخّص الوجود». وهذه المسألة أدقّ وأعمق وألطف وأعلى من مسائل وحدة الوجود، في باب توحيد الحقّ تعالى.
كانت هذه مقتطفات من البحوث والدروس الشفهيّة للُاستاذ والتي كنّا نستفيد منها. جزاه الله عن الحقّ خير الجزاء.
وأمّا ما كتبه في تعليقة بحث الملّا صدرا هنا لإثبات بحثه ونظريّته فهو: وملخّص البرهان هو أنّ اي هويّة صحيحة يُسلب شيء منها، فإنّ القضيّة المستحصلة من ذلك هي الإيجاب والسلب. وكلّ ما كان على هذه الشاكلة، لا بدّ أن يكون مركّباً من الإيجاب (ثبوته لنفسه) والسلب (نفي غيره عنه).
وينتج عن هذا الأمر أنّ أيّة هويّة يُسلب شيء منها، هي هويّة مركّبة. والعكس العكس اي: أنّ جميع الذوات البسيطة الحقيقة لا يُسلب منها شيء.
وإن شئت فقل: بَسِيطُ الحَقِيقَةِ كُلُّ الأشْيَاءِ.
ولا يجب أن نغفل بالطبع، من أنّ هذه القضيّة الحمليّة (أي حمل الأشياء على بسيط الحقيقة) هي من قبيل حمل الشائع الصناعيّ. لأنّ الأمر في مسألة حمل الشائع (كقولنا: زيد إنسان، وزيد قائم) محمول يُحمل على موضوعه بوجهيه الإيجابيّ والسلبيّ والمتركّبة ذاته منهما معاً.
وإذا حُمل شيء من الأشياء على بسيط الحقيقة من جهة كونه مركّباً، ففي هذه الصورة يصدق عليه ذلك حتى من جهته السلبيّة. وعلى هذا، سيكون مركّباً في حين أنّنا قد فرضناه بسيط الحقيقة، وهَذَا خُلْفٌ.
ولذا، فعلى المحمول على صرف الوجود أن يمثّل الجهات الوجوديّة للأشياء وحسب، وإن شئت فقل: إنّه مشتمل على جميع الكمالات، أو إنّه مهيمن على جميع الكمالات. وعلى هذا المنوال يكون حمل المشوب على الصرف، والمحدود على المطلق.[57]
وللحكيم المتألّه الحاجّ الملّا هادي السبزواريّ أعلى الله درجته كذلك تعليقة مفصّلة هنا لإثبات هذا المرام، ومن جملة ما قال: لعلّ كلام الشيخ العطّار في «منطق الطير» يشير إلى هذا الأمر:
هم ز جمله پيش هم پيش از همه *** جمله از خود ديده وخويش از همه[58]
صرف الوجود ينفي كلّ غيريّة سواه
وأورد السيّد المحقّق الداماد أعلى الله مقامه في «التقديسات» ما يلي: وَهُوَ كُلُّ الوُجُودِ، وكُلُّهُ الوُجُودُ، وكُلُّ البَهَاءِ والكَمَالِ، وكُلُّهُ البَهَاءُ والكَمَالُ. ومَا سِوَاهُ عَلَى الإطْلَاقِ لَمَعَاتُ نُورِهِ، ورَشَحَاتُ وُجُودِهِ، وظِلَالُ ذَاتِهِ.
وَإذْ كُلُّ هُوِيَّةٍ مِنْ نُورِ هُوِيَّتِهِ فَهُوَ الهُوَ الحَقُّ المُطْلَقُ، ولَا هُوَ عَلَى الإطْلَاقِ إلَّا هُوَ[59].
نعم، وعلى هذا الأساس، يقول محيي الدين بن عربي: سُبْحانَ الذي أظْهَرَ الأشْيَاءَ وهُوَ عَيْنُهَا.
وأنشد الشيخ إبراهيم العراقيّ الهمدانيّ يقول:
غيرتش غير در جهان نگذاشت *** لاجرم عين جمله اشيا شد[60]
والبيت المذكور هو من جملة أبيات البند الثالث من إحدى ترجيعاته المشتملة على أحد عشر بنداً، وجميع البنود المذكورة هي على النحو التالي:
آفتاب رخ تو پيدا شد *** عالم اندر تَفَش هويدا شد
وام كرد از جمال تو نظرى *** حسن رويت بديد وشيدا شد
عاريت بستد از لبت شكرى *** ذوق آن چون بيافت گويا شد[61]
شبنمى بر زمين چكيد سحر *** روى خورشيد ديد ودر وا شد
بر هوا شد بخارى از دريا *** باز چون جمع گشت دريا شد
غيرتش غير در جهان نگذاشت *** لاجرم عين جمله اشيا شد
نسبت اقتدار وفعل به ما *** هم از آن روى بود كو ما شد
جام گيتى نماى او مائيم *** كه به ما هر چه بود پيدا شد
تا به اكنون مرا نبود خبر *** بر من امروز آشكارا شد
كه همه اوست هر چه هست يقين *** جان وجانان ودلبر ودل ودين[62]
[1] الآيات 73 إلى 79، من السورة 5: المائدة.
[2] «إنجيل مرقس» الإصحاح 29: 12،( التعليقة).
[3] «إنجيل متّى» الإصحاح 24: 6،( التعليقة).
[4] «إنجيل متّى» الإصحاح 50: 13، 31: 25 إلى 47،( التعليقة).
[5] الآيتان 13 و14، من السورة 42: الشوري: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ* وما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ولَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ.
[6] الآية 39، من السورة 2: البقرة.
[7] الآية 98، من السورة 4: النساء.
[8] قسم من الآية 116، من السورة 5: المائدة.
[9] الآيتان 194 و195، من السورة 7: الأعراف.
[10] الآية 12، من السورة 10: يونس.
[11] الآية 51، من السورة 41: فصّلت.
[12] الآية 3، من السورة 25: الفرقان.
[13] الآيتان 30 و31، من السورة 9: التوبة.
[14] الآية 18، من السورة 5: المائدة.
[15] صدر الآية 31، من السورة 9: التوبة.
[16] «الميزان في تفسير القرآن» ج 6، مقتطفات من ص 69 إلى 77.
[17] ذيل الآية 9، من السورة 39: الزمر.
[18] الآيتان 29 و30، من السورة 53: النجم.
[19] ذيل الآية 78، من السورة 4: النساء.
[20] ذيل الآية 75، من السورة 5: المائدة.
[21] الآيتان 4 و5، من السورة 38: ص. جاء في« أقرب الموارد»: العُجَابُ بالضمّ: ما جاوز حدَّ العَجَبِ. أمرٌ عَجَبٌ وعُجَابٌ وعُجَّابٌ- بتخفيف الجيمِ وتشديدها- للمبالَغةِ: أي يُتعجَّبُ منه. وعَجَبٌ عُجَابٌ: مُبَالَغةٌ.
[22] صدر الآية 163، من السورة 2: البقرة.
[23] صدر الآية 65، من السورة 40: غافر.
[24] من الآية 46، من السورة 29: العنكبوت.
[25] ذيل الآية 16، من السورة 13: الرعد.
[26] ذيل الآية 39، وصدر الآية 40، من السورة 12: يوسف؛ وتتمّة الآية الأخيرة: ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
[27] ذيل الآية 65، من السورة 38: ص.
[28] الآية 4، من السورة 39: الزمر.
[29] الآيتان 53 و54، من السورة 41: فصّلت.
[30] الآية 8، من السورة 20: طه.
[31] ذيل الآية 25، من السورة 24: النور.
[32] الآية 65، من السورة 40: غافر.
[33] ذيل الآية 54، من السورة 30: الروم.
[34] من الآية 165، من السورة 2: البقرة.
[35] من الآية 1، من السورة 64: التغابن.
[36] من الآية 65، من السورة 10: يونس.
[37] صدر الآية 147، من السورة 2: البقرة.
[38] من الآية 15، من السورة 35: فاطر.
[39] ذيل الآية 3، من السورة 25: الفرقان. وجاء في« أقرب الموارد»: نَشَرَ الثَّوبَ والكتابَ( ن) نشراً: بسطَهُ خِلافُ طَواهُ. و- اللهُ الموتى نَشراً ونُشوراً: أحياهم فكأنّهم خَرجوا ونُشروا بَعدَ ما طُووا. و- الموتى: حَيوا فهم ناشرون؛ لازمٌ متعدٍّ
[40] بضميمة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في مطلعها: تمام السورة 112 من القرآن الكريم.
[41] صدر الآية 6، من السورة 9: التوبة.
[42] من الآية 43، من السورة 4: النساء.
[43] الآيتان 159 و160، من السورة 37: الصافّات؛ وكذلك في الآية 180، من نفس السورة: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ.
[44] ذيل الآية 110، من السورة 20: طه.
[45] ذيل الآية 63، من السورة 27: النمل.
[46] اقتبس الاستاذ من بعض الآيات، لأنّ الآية: سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ هي الآية 100، من السورة 6: الأنعام. والآية 91، من السورة 23: المؤمنون، والآية 159، من السورة 37: الصافّات: هي: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
[47] ذيل الآية 39 وصدر الآية 40، من السورة 12: يوسف.
[48] ذيل الآية 16، من السورة 13: الرعد.
[49] ذيل الآية 16، من السورة 40: غافر.
[50] ذيل الآية 65، من السورة 38: ص.
[51] الآية 4، من السورة 39: الزمر.
[52] «الميزان في تفسير القرآن» ج 6، ص 86 إلى 91.
[53] «معرفة التوحيد»
[54] من الآية 3، من السورة 39: الزمر.
[55] وقد قال الاستاذ في تعليقة على ذلك:
و للناقد البصير والمتدبّر المتعمّق أن يقضي عجباً ممّا صدر من الهفوة من عدّة من العلماء الباحثين حيث ذكروا أنّ هذه الخطب العلويّة الموضوعة في« نهج البلاغة» موضوعة دخيلة. وقد ذكر بعضهم أنّها من وضع الشريف الرضيّ رحمة الله عليه، وقد تقدّم الكلام في أطراف هذه السقطة.
وليت شعري كيف يسع للوضع والدسّ أن يتسرّب إلى موقف علميّ دقيق لم يقو بالوقوف عليه أفهام العلماء حتى بعد ما فتح عليه السلام بابه ورفع ستره قروناً متمادية إلى أن وُفّق لفهمه بعد ما سِير في طريق الفكر المترقّي مسير ألف سنة، ولا أطاق حمله غيره من الصحابة ولا التابعون، بل كلام هؤلاء الرامين بالوضع ينادي بأعلى صوته إنّهم كانوا يظنّون أنّ الحقائق القرآنيّة والاصول العالية العلميّة ليست إلّا مفاهيم مبتذلة عامّيّة وإنّما تتفاضل باللفظ الفصيح والبيان البليغ.(« الميزان في تفسير القرآن» ج 6، ص 103 إلى 105).
[56] «الأسفار الأربعة» ج 6، ص 110، الطبعة الحروفيّة.
[57] «الأسفار الأربعة»، ج 6، ص 110 و111.
[58] يقول:« فهو، على أيّة حال، سابق للجميع من بين الجميع، وهو يري أن الكلّ منه وهو من الكلّ».
[59] «الأسفار الأربعة» ج 6، ص 111؛ وفيما يخصّ ذكر لَا هُوَ إلَّا هُو فإنّه ينقل ذلك في« المنظومة» عن المحقّق الداماد والجديرة بالملاحظة؛ في ص 167، طبعة الناصريّ، إذ يقول:
وَ هَذَا إشَارَةٌ إلى مَسْألَةِ الكَثْرَةِ في الوَحْدَةِ، وأن الوُجُودَ البَسِيطَ كُلُّ الوُجُودَاتِ بِنَحْوٍ أعَلَى. كَمَا قَالَ أرسْطَاطَالِيسُ وأحْيَاهُ وبَرْهَنَ عَلَيْهِ صَدْرُ الحُكَمَاءِ المُتَألِّهِينَ( س). وقَالَ السَّيِّدُ الدَّامَادُ( س) في التَّقْدِيسَاتِ: وهُوَ كُلُّ الوُجُودِ، وكُلُّهُ الوُجُودُ ... إلى آخر ما ذكرناه في النصّ أعلاه.
[60] يقول:« لم تجعل غيريَّته محلًّا للغير في هذا العالم، وقد صار يمثّل بذاته كلّ الأشياء».
[61] «الديوان الكامل للعراقيّ» ص 123، منشورات السنائيّ.
يقول:« بانت شمس محيّاك فاضيء كلّ العالم بوهجها.
و لمّا اقتبس من جمالك نظرة ورأي حسن وجهك، هيّمه حبّك.
و استعار شيئاً من شفاهك العذبة فلمّا تذوّق ذلك انحلّت عقدة لسانه ونطق بالبلاغة».
[62] يقول:« سقطت قطرة من الندي وقت السحر على الأرض، فلمّا رأت الشمس انفلقت.
فأضحت بُخاراً من البحر تصاعد في الهواء، ولمّا جُمِعَت ثانية صارت بحراً.
لم تجعل غَيريَّته محلّا للغير في هذا العالم، وقد صار يمثّل بذاته كلّ الأشياء.
إن نسبة الاقتدار والفعل إلينا كانت بسبب أنّه استحال« نحن».
إنّنا مرآة تجلي عالمه، وبنا تجلّي كلّ ما كان.
لم أكن أعلم حتى الآن شيئاً فاتّضح عندي اليوم كلّ شيء.
كلّ ما هو موجود يقيناً، هو الروح والمحبوب والقلب والدين».
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
