علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
مدى صحّة أحاديث الحاكم وابن حبّان
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 151 ـ 156
2025-05-15
59
وأمّا ما جَمَع أبو عبد الله الحاكم في "المستدرك" ممّا ليس في واحدٍ من "الصحيحين"، وزعَم أنّه على شرط الإمامين قد أخرج عن رجاله في "الصحيحين"، أو على شرط أحدهما، أو أدّى اجتهاده إلى صحَّته، ولم نعلم أنّه على شرط أحدهما، فالأولى أن نتوسّط في أمره، ونقول: ما حكم بصحَّته ووجد لغيره من الحفاظ الحكم بها فصحيحٌ، وإن لم نجد لغيره حكمًا بصحَّتها نظر؛ فإنْ كان فيه علَّة توجب ضعفه في الإسناد أو المتن فضعيف، وإن لم يوجد فنقول: حَسَن يُحتَجُّ به، ويعمل به (1)، ويقاربه "صحيح ابن حبَّان البُستيّ" (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر الحافظ تحريرًا بديعًا لأحاديث "المستدرك" في "نكته" (1/ 314 - 319) فقال: "ينقسم "المستدرك" أقسامًا كل قسم منها يمكن تقسيمه:
الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجًا برواته في "الصحيحين" أو أحدهما على صورة الاجتماع سالمًا من العلل، واحترزنا بقولنا: "على صورة الاجتماع" عما احتجَّا برواته على صورة الانفراد.
كسفيان بن حسين عن الزهري، فإنهما احتجَّا بكل منهما على الانفراد، ولم يحتجَّا برواية سفيان بن حسين عن الزهري، لأن سماعه من الزهري ضعيف دون بقية مشايخه.
فإذا وجد حديث من روايته عن الزهري لا يقال على شرط الشيخين؛ لأنّهما احتجَّا بكل منهما بل لا يكون على شرطهما إلّا إذا احتجَّا بكلّ منهما على صورة الاجتماع، وكذا إذا كان الإِسناد قد احتج كل منهما برجل منه ولم يحتج بآخر منه، كالحديث الذي يروى عن طريق شعبة مثلًا عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فإن مسلمًا احتج بحديث سماك إذا كان من رواية الثقات عنه ولم يحتج بعكرمة، واحتج البخاري بعكرمة دون سماك، فلا يكون الإِسناد والحالة هذه على شرطهما حتى يجتمع فيه صورة الاجتماع، وقد صرح بذلك الإِمام أبو الفتح القشيري وغيره.
واحترزت بقولي: "أن يكون سالمًا من العلل" بما إذا احتجَّا بجميع رواته على صورة الاجتماع إلا أن فيهم من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره، فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا من رواية المدلسين بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى، وكذا لم يخرجا من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحققا أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط، فإذا كان كذلك لم يجز الحكم للحديث الذي فيه مدلس قد عنعنه أو شيخ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه؛ بأنه على شرطهما لأن كانا قد أخرجا ذلك الإِسناد بعينه.
إلا إذا صرّح المدلس من جهة أخرى بالسماع وصحّ أنّ الراوي سمع من شيخه قبل اختلاطه، فهذا القسم يوصف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما.
ولا يوجد في "المستدرك" حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرًا أو أصلًا إلا القليل كما قدمناه.
نعم وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما - استدركها الحاكم واهمًا في ذلك ظانًا أنهما لم يخرجاها.
القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونًا بغيره. ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنبا ما تفرد به أو ما خالف فيه. كما أخرج مسلم من نسخة العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ما لم يتفرد به.
فلا يحسن أن يُقال: إنّ باقي النسخة على شرط مسلم؛ لأنّه ما خرج بعضها إلا بحد أن تبيّن أن ذلك ممّا لم ينفرد به. فما كان بهذه المثابة لا يلتحق أفراده بشرطهما.
وقد عقد الحاكم في كتاب "المدخل" (بابًا مستقلًا) ذكر فيه من أخرج له الشيخان في المتابعات وعدد ما أخرجا من ذلك، ثم إنّه مع هذا الاطلاع يخرج أحاديث هؤلاء في "المستدرك" زاعمًا أنّها على شرطهما.
ولا شك في نزول أحاديثهم عن درجة الصحيح بل ربّما كان فيها الشاذ والضعيف، لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسن.
والحاكم وإن كان ممّن لا يفرّق بين الصحيح والحسن بل يجعل الجميع صحيحًا تبعًا لمشايخه - كما قدّمناه عن ابن خزيمة وابن حبّان - فإِنّما يناقش في دعواه أنّ أحاديث هؤلاء على شرط الشيخين أو أحدهما. وهدا القسم هو عمدة الكتاب.
القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات، وهذا قد أكثر منه الحاكم؛ فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصحّحها، لكن لا يدّعي أنّها على شرط واحد منهما وربّما ادّعى ذلك على سبيل الوهم، وكثير منها يعلّق القول بصحّتها على سلامتها من بعض رواتها، كالحديث الذي أخرجه من طريق الليث عن إسحاق بن بزرج عن الحسن بن علي في التزين للعيد. قال في إثره: لولا جهالة إسحاق لحكمت بصحّته، وكثير منها لا يتعرّض للكلام عليه أصلًا.
ومن هنا دخلت الآفة كثيرًا فيما صحّحه، وقلَّ أن تجدَ في هذا القسم حديثًا يلتحق بدرجة الصحيح فضلًا عن أن يرتفعَ إلى درجة الشيخين، والله أعلم.
ومن عجيب ما وقع للحاكم أنَّهُ أخرج لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال - بعد روايته -: هذا صحيح الإِسناد، وهو أوّل حديث ذكرته لعبد الرحمن، مع أنّه قال في كتابه الذي جمعه في الضعفاء: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على مَن تأمّلها من أهل الصنعة أنَّ الحمل فيها عليه.
وقال في آخر هذا الكتاب: فهؤلاء الذين ذكرتهم قد ظهر عندي جرحهم؛ لأنَّ الجرح لا أستحلّه تقليدًا. انتهى. فكان هذا من عجائب ما وقع له من التساهل والغفلة.
ومن هنا يتبيّن صحّة قول ابن الأخرم التي قدّمناها، وأنّ قول المؤلّف أنّه يصفو له منه صحيح كثير غير جيّد؛ بل هو قليل بالنسبة إلى أحاديث الكتابين؛ لأنّ المكرّر يقرب من ستّة آلاف.
والذي يسلم من "المستدرك" على شرطهما أو شرط أحدهما مع الاعتبار الذي حرّرناه دون الألف فهو قليل بالنسبة إلى ما في الكتابَينِ والله أعلم.
وقد بالغ ابن عبد البر، فقال ـ ما معناه ـ : إنّ البخاريّ ومسلمًا إذا اجتمعا على ترك إخراج أصل من الأصول فإنَّهُ لا يكون له طريق صحيحة، وإن وُجِدَت فهي معلولة.
وقال في موضع آخر: "وهذا الأصل لم يخرج البخاري ومسلم شيئًا منه وحسبك بذلك ضعفًا". هذا، وإن كان لا يقبل منه فهو يعضد قول ابن الأخرم، والله أعلم" -.
قلت: قول ابن الأخرم تقدّم في وينظر تعليقنا هناك، وللإمام ابن القيّم في "الفروسيّة" (ص 245 - بتحقيقي) كلمة في التحذير من (تصحيح الحاكم) وعدم جواز الاكتفاء بالاعتماد عليه وبيان تساهله، قال: "وأمّا تصحيح الحاكم؛ فكما قال القائل [هو أبو نواس في "ديوانه" (ص 245)]:
فأَصْبَحتُ مِنْ لَيلَى الغَداةَ كَقَابِضٍ … عَلى المَاءِ خَانَتْهُ فُروجُ الأصَابِعِ
ولا يعبأ الحفّاظ أطباء علل الحديث بتصحيح الحاكم شيئًا، ولا يرفعون به رأسًا البتّة، بل لا يعدل تصحيحه ولا يدل على حسن الحديث، بل يصحّح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث، وإن كان مَن لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك؛ فليس بمعيار على سنّة رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئًا.
والحاكم نفسه يُصحِّحُ أحاديثَ جماعةٍ، وقد أخبر في كتاب "المدخل" له أنَّهُ لا يحتجّ بهم، وأطلق الكذب على بعضهم، هذا مع أنّ مستند تصحيحه ظاهر سنده، وأنّ رواته ثقات، ولهذا قال: "صحيح الإِسناد".
وقد عُلِمَ أنّ صحّة الإِسناد شرطٌ من شروط صحّة الحديث، وليست موجبة لصحّته؛ فإنَّ الحديث إنَّمَا يَصِحُّ بمجموعِ أمور"، وساقها، وانظر في تساهل الحاكم ووجهه: "نصب الراية" (1/ 341 - 342)، و"تذكرة الحفاظ" (1042 و 1045)، و"مقدمة ابن الصلاح" (ص 18)، و"تدريب الراوي" (52)، و"سير أعلام النبلاء" (17/ 175 - 176)، ورسالة د. محمود الميرة "الحاكم وكتابه المستدرك".
ووجدت المعتبرين من المخرجين يقولون في المضايق: "صحّحه الحاكم والعهدة عليه" تنبيهًا على ما سبق. وينظر الهامش الآتي، ففيه دفاع عن (تصحيح الحاكم)، والأمر - على التحقيق - على تنويع ابن حجر السابق، والسِّمةُ الغالبة عليه ما قاله ابن القيّم، والحكم جمليّ وتبقى العبرة بكلّ حديث على حدة، والله أعلم.
(2) قال مُغُلْطاي في "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 1/ 7 - ب) مُتعقبًّا هذا الكلام: "وهو كلام رجل لم ينظر في "كتاب ابن حبّان"، ولا اطّلع على شرطه. ولا على شرط الحاكم" قال: "أمَّا ابن حبَّان فشرطه أنّ الراوي يكون ثقة غير مدلّس، سمع ممّن فوقه، وسمع منه الآخذ عنه، والحديث ليس بمرسَل ولا منقطع.
وأمَّا الحاكم فشرطه أن يخرّج أحاديث جماعة ممّن خرَّج لهم الشيخان، قال لمّا أخرج التاريخ والسير: ولا بُدَّ لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي.
في هذا وجد من استدرك عليه، إنّما استدرك عليه بأنّ هذا الشيخ ليس موجودًا في كتاب البخاري مثلًا أو مسلم وشبه هذا ممّا لا يصحّ إيراده عليه لما ذكرناه عنه، وإن وجد فيها أحاديث اختلف فيها العلماء فليس بأوَّل من وجد ذلك فيه، هذا البخاريُّ على جلالة كتابه استُدرك عليه عدَّة أحاديث له فيها عُذْرٌ، وفي بعضها لا عذر له، أو نقول: ننزل كتاباهما على أنّ فيهما أحاديث صحيحة لم يوجد فيها شرائط الإجماع، فإذا كان كذلك فلا إيراد عليهما بوجه".
وينظر التعليق في الهامش السابق، وممّا ينبغي أن ينتبه له هنا أنّ الحاكم أشدّ تساهلًا من ابن حبّان، وأنّ "صحيح ابن حبّان" أرجح وأصحّ من "المستدرك"، انظر تقرير ذلك في "التقييد والإيضاح" (30)، "محاسن الاصطلاح" (94)، "فتح المغيث" (1/ 37)، "شروط الأئمة الخمسة" (ص 37).