كل لفظٍ يدلّ على مَعنى في الكلام خَليقٌ طبعاً بالذكر، لتأدية المعنى المُراد به، فلهذا يُذكر المسندُ إليه وجوبا حيث إنَّ ذكرهُ هو الأصل ولا مقتضى للحذف، لعدم قرينة تدلّ عليه عند حذفه
وإلا كان الكلام مُعمًّى مبهماً، لا يستبينَ المرادُ منه وقد يترجح الذكر وجود قرينة تمكن من الحذف، حين لا يكون منه مانع، فمن مُرجحّات الذكر (1)
زيادةُ التقرير والايضاح للسامع - كقوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) (2) - وكقول الشاعر
هو الشمس في العليا هو الدهر في السطا
هو البدرُ في النادي هو البحر في الندى
(2) قلة الثقة بالقرينة: لضعفها أو ضعف فهم السامع
نحو سعدٌ نعم الزعيم: تقول ذلك إذا سبق لك ذكر سعد، وطال عهد السامع به، أو ذُكر معه كلام في شأن غيره
(3) الرَّد على المُخاطب: نحو: الله واحدٌ، ردا على من قال: الله ثالث ثلاثة:
(4) التَّلذذُ نحو: الله ربي، الله حسبي.
(5) التعريضُ بغباوة السامع: نحو سعيدٌ قال كذا - في جواب: ماذا قال سعيد؟
(6) التسجيل على السامع، (3) حتّى لا يتأتى له الإنكار - كما إذا قال الحاكم لشاهد - هل اقرّ زيد هذا بأنّ عليه كذا؟ فيقول الشاهد نعم زيد هذا أقر بأنّ عليه كذا (4) .
(7) التعجب - إذا كان الحكم غريباً، نحو: عليٌّ يقاوم الأسد في جواب من قال: هل عليٌ يقاوم الأسد؟
(8) التعظيم - نحو حضر سيفُ الدّولة، في جواب من قال: هل حضر الأمير؟
(9) الإهانة - نحو السَّارق قادم، في جواب من قال: هل حضر السَّارق؟
_________
(1) بيان ذلك أنه إذا لم يوجد في الكلام قرينة تدل على ما يراد حذفه، أو وجدت قرينة ضعيفة غير مصحوبة بغرض آخر يدعو إلى الحذف، فلابد من الذكر جريا على الأصل، وقد تدعو الظروف والمناسبات إلى ترجيح (الذكر) مع وجود قرينة تمكن من (الحذف) وذلك لأغراض مختلفة، ترجع إلى اساليب البلغاء، فتجدهم قد ذكروا أحيانا ما يجوز أن يستغنى عنه، وحذفوا مالا يوجد مانع من ذكره، فرجحوا الذكر أحيانا، والحذف أحيانا، لأسباب بلاغية اقتضت ذلك.
(2) الشاهد في (أولئك هم المفلحون) حيث كرر اسم الاشارة المسند إليه التقرير والايضاح تنبيها على أنهم كما ثبتت لهم الأثرة والميزة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح أيضا.
(3) أي كتابة الحكم عليه بين يدي الحاكم.
(4) فيذكر المسند إليه لئلا يجد المشهود عليه سبيلا للانكار بأن يقول للحاكم عند التسجيل، انما فهم الشاهد أنك أشرت إلى غيري - فأجاب: ولذلك لم أنكر ولم أطلب الاعذار فيه.