في حيٍّ صغير كان يعيش رجل يُدعى سعيد، معروفًا بين جيرانه بابتسامته الودودة وكلماته الطيبة. لم يكن سعيد يترك مناسبة إلا ويشارك فيها جيرانه، يساعد المحتاج، يقف بجانب المرضى، ويشاركهم أفراحهم.
كان له جارٌ يُدعى حمد، سيئ الطباع، قليل الكلام، وكثير الانزعاج من أتفه الأمور. كان حمد يرى في أفعال سعيد تصنّعًا، فيتجنب الحديث معه، وأحيانًا لا يرد حتى تحياته.
وذات يومٍ، أصيب حمد بمرض شديد أقعده في الفراش. لم يكن له أهل قريبون، ولم يجد من يقف بجانبه. لكن سعيد، كعادته، لم يتأخر. كان يزوره يوميًّا حاملًا الطعام، يساعده في قضاء حوائجه، ويطمئن عليه. في البداية، كان حمد متفاجئًا من اهتمام سعيد، لكنه مع مرور الأيام بدأ يشعر بقيمة هذا الجار الطيب.
استذكر سعيد قول الله تعالى:
"﴿ ۞ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾
[ النساء: 36]
وازداد إصرارًا على الإحسان إلى جاره، رغم طباعه الصعبة.
مرت الأيام وتعافى حمد، لكنه أصبح شخصًا مختلفًا. شعر بالخجل من نفسه وقرر أن يرد الجميل. ومنذ ذلك اليوم، تحول إلى جارٍ ودود يساند سعيدًا في كل أمر. وعندما توفي سعيد لاحقًا، بكى حمد بحرقة وقال: "فقدت أخًا، وليس فقط جارًا."
-------------
روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
"خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ".