1

إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ

جلس ناصر، الرجل الذي نقشت تجاعيد السنين على وجهه ملامح العمر، في ركن دافئ من منزله، يتأمل صوراً قديمة جمعته بأصدقاء رحل بعضهم وابتعد آخرون. في يده فنجان قهوة، وفي عينيه نظرة حنين إلى أيام مضت.

تذكر ناصر أيام شبابه، حين كانت الدنيا تفتح له ذراعيها، تغدق عليه نعماً ومكانة. كان محبوباً بين الناس، تُطلب مشورته ويُشاد به في المجالس. همس لنفسه بابتسامة حزينة: "كانوا يرون فيَّ أكثر مما أنا عليه... أعارَتني الدنيا محاسن ليست لي".

ومع تقدم السنين، وجد ناصر أن الدنيا بدأت تدبر عنه، كما تدبر الشمس عن الأفق عند الغروب. قلَّ من يسأل عنه، وغابت عنه أضواء المديح والإطراء التي كانت تحيطه في شبابه. شعر أن الناس لم يروا حقيقته يوماً، بل رأوا ما أعارته له الدنيا من زينة زائلة.

رفع رأسه وأخذ نفساً عميقاً، ثم تلا بخشوع:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾

[ آل عمران: 14]

وكأنما يذكر نفسه بأن الدنيا لا تمنح إلا بريقاً مؤقتاً.

أدرك ناصر في تلك اللحظة أن الحكمة ليست في ما يمنحك الناس أو الدنيا، بل في فهمك لحقيقة الأمور. وما الدنيا إلا عارية؛ تُقبل فتُغري، وتدبر فتُريك ما كنت عليه حقاً. نهض ناصر وهو يتمتم بثقة متجددة: "الحمد لله على ما كان، وعلى ما هو كائن. ما يبقى حقاً هو ما في القلب، لا ما تزينه الدنيا".

----------------

روي عن الإمام علي (عليه السلام):

"إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ".

خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ

إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ

اعْجَبُوا لِهذَا الْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ

وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ، نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجالِهِمْ

الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ

والبشاشة حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ

والإحتمال قبر العيوب

صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ

وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ

وَالْأَدَبُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ

الْعِلْمُ وِرَاثَهٌ كَرِيمَةٌ

الراشي والمرتشي في النار

الْعَجْزُ آفَةٌ

وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ

وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ

وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ

1

المزيد
EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي