تناول ممثل المرجعية الدينية العليا في الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 25 /8 /2017 مجموعة الوصايا التربوية والاخلاقية التي بيّنها الامام علي (عليه السلام) في كتابه الى الحارث الهمداني، والذي جاء فيها "وَأَطِعِ اللهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا، وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ، وَارْفُقْ بِهَا وَلاَ تَقْهَرْهَا، وَخُذْ عَفْوَهَا وَنَشَاطَهَا، إِلاَّ مَا كَانَ مكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّها، وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ، فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ، وَوَقِّرِ اللهَ، وَأَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ، وَاحْذَرِ الْغَضَبَ، فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ، وَالسَّلاَمُ".
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان المراد بالطاعة لله، الانقياد له في جميع اوامره ونواهيه واتباع جميع ما شرعه من مناهج للحياة سواء أكان في مجال العبادة او التجارة او الشؤون الاجتماعية والوصية والميراث والاسرة ونحو ذلك، مبينا ان الله تعالى شرع مناهج متكاملة للحياة لا يصح طاعته في جانب العبادات وعدم طاعته في مجال الاجتماع لاعتقاد الانسان بمناهج وضعية تخالف المنهج الالهي او طاعته في العبادات وعدم الطاعة في بعض المعاملات.
واضاف بخصوص قول الامام علي (وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ.. الخ) ان العبادة بطبيعتها فيها شيء من المشقة والتعب الامر الذي يتطلب مجاهدة النفس والتغلب على ميولها وطباعها خصوصا ان النفس تميل الى الراحة والدعة والسكون وتنفر عمّا فيه تعب وعناء، موضحا ان هذا الامر يحتاج الى اتباع اسلوب يشوق النفس ويجذبها ويحملها على الطاعة والعبادة تارة بذكر ما وعد الله تعالى به من الجنان وما فيها، او تخويفها وترهيبها بالوعيد من العذاب ونحوه، وتارة بالاستشهاد وتذكير النفس واستحضار صورة الاشخاص العابدين والمتقين واهل الطاعة، وتارة اخرى بلومها وتقريعها على التفريط في جنب الله تعالى مما سيفوت عليها من النعيم الدائم والخلود في الجنان.
واوضح ان اتباع هذا المسلك ينبغي ان يكون بالرفق وعدم ارهاقها بعبادات قد يؤدي بها الى الملل والسأم وربما يؤدي الى نفور النفس وتترك العبادة، مؤكدا انه ورد في روايات عديدة انه لا ينبغي إكراه النفس والاخرين على الاعمال المندوبة والمستحبة بل اتركوهم ليؤدوا هذه المناسك العبادية عن ميل ورغبة لكي يبقى في نفوسهم حب العلاقة والارتباط مع الله تعالى.
واردف ان الامام عليه السلام يحذر من نزول الموت مع بقاء الشخص آبق أي هارب من ربه بعصيانه في طلب الدنيا، مستشهدا بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا بني آدم ان كنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده أن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين).
واشار ان الامام علي عليه السلام نهى في قوله (وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ، فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ) عن مصاحبة الفسّاق وعللّه بان ذلك يوجب الحاق الشر بالشر، مبينا ان المراد بالفاسق من لا يُبالي بدينه فيعصي الله تبارك وتعالى بترك الواجبات والاتيان بالمحرمات، موضحا ان مصاحبة الفاسق تضر بالدين والدنيا.
وعن قوله (عليه السلام) (وَوَقِّرِ اللهَ، وَأَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ) يعد أمر بتوقير الله وتعظيمه والمحبة لأوليائه من المؤمنين الاخيار والصالحين الابرار لان حبهم في الحقيقة يرجع الى حب الله وبغضهم الى بغضه، مشيرا ان المقصود من توقير الله تعالى ان يراعي من جهة الادب في الكلام عن الله تعالى والحديث معه، وعدم الحلف به الا عن حق وصدق وفي موارد الضرورة وتعظيم كلامه والتحرّز عن الكذب.
واستدرك ممثل المرجعية العليا عند قوله (عليه السلام) (وَاحْذَرِ الْغَضَبَ، فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ، وَالسَّلاَمُ)، مؤكدا ان الغضب من المهلكات العظيمة وانه يؤدي الى الشقاوة الابدية من القتل والطعن في الاخرين باعراضهم واتهامهم بالباطل وربما التقاتل مع الاخرين والتقاطع الاجتماعي ويؤدي بالشخص الى صدور كلام يندم عليه طوال عمره، مبينا ان الغضب يفقد الانسان السيطرة على نفسه وتضعف قواه العقلية وضبطه ويتصرف بشكل شبه جنوني ولا يسلكه في الحالات العادية وتبرز عيوبه الخفية بشكل جلي.