كشفت الكاتبة والناشطة اللبنانية زينة الجانودي صاحبة كتاب "التقارب بين السنة والشيعة ضرورة اسلامية اسس لها النجف الاشرف والازهر الشريف" عن رأيها فيما يتعلق بالقضايا المشتركة والخلافية بين المذاهب الاسلامية وروابط الوحدة بين المسلمين والمخاطر التي تواجههم، جاء ذلك خلال زيارتها لمدينة كربلاء المقدسة.
وبينت الجانودي في حوار اجراه معها مراسل الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة ابرز ما تضمنه كتاب التقريب بين السنة والشيعة, قائلة "الكتاب الذي طرحتهُ كعنوان مهم انطلقتُ فيه من النجف الأشرف والأزهر الشريف، لإسكات كل الأفواه "النتنة" التي تقول بالتعصب وأن هناك خلافا منذ القدم بين السنة والشيعة, فقمتُ بإثبات العكس وعرضتُ المراسلات بين المفتي الشيخ محمود شلتوت والسيد محسن الحكيم, وكانت مراسلات مهمة جداً, وعرضتها في الكتاب لأثبت أن القطيعة ليست قديمة أو أننا نكره بعضنا, بل على العكس كانت هناك علاقات ودية ورسائل متبادلة أسس لها هذان المركزان المهمان في الإسلام النجف والأزهر, وهذا إثبات لنقول أن ما وصلنا إليه هو نتيجة للصراع السياسي, وليس نتيجة لاختلاف المذاهب الإسلامية.
- لكن هناك الكثير من المراسلات بين رجال الدين من الفريقين، كمراسلات السيد عبد الحسين شرف الدين مع الشيخ سليم البشري وغيرها؟
- استندتُ إلى مراسلات السيد محسن الحكيم والشيخ شلتوت بشكل اكبر, وأضفت فيها معلومات عن كيفية إرسال العلماء في النجف الأشرف رسائل التعزية بوفاة السيد قطب في مصر, حيث كانت له مكانة مميزة عند النجف, وعرضت ايضاً فتوى الشيخ الشلتوت الشهيرة حول جواز التعبّد وفق مذهب الشيعة الامامية (الاثني عشرية), والمفارقة أن كثيرا من أبناء السنة غافلون عنها ولا يعرفون عنها شيئاً.
- وهل كان الحوار والتقارب بين المذاهب الاسلامية موجودا قبل ظهور الفكر المتطرف والجماعات المتشددة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف ظهرت هذه الأفكار المتطرفة؟
- نعم والسعي اليه منذ القدم, حيث لم تكن هذه الحدّة موجودة, ولم تكن الصراعات السياسية والكره بهذا الحجم الكبير، وأما ما يخص الشق الثاني من السؤال فكنت ولا زلت أقول أن هناك مخططا كبيرا من العدو الصهيوني ومن أعداء الإسلام لإلهاء المسلمين مع بعضهم واصطناع الخلافات فيما بينهم, وبالتالي سيتركون الأولويات ويتجهون الى قضايا أخرى, ولننظر الى القضية الفلسطينية اين اصبحت؟, وصلنا الى مرحلة سيئة جدا, وهنا دعني أتكلم عن لبنان في السنوات العشر الاخيرة حيث وصل الكره والتعصب الطائفي والمذهبي الى مرحلة ان الشاب من المذهب الفلاني عندما يخطب فتاة للزواج من مذهب آخر لا يزوَّج بحجّة انه من مذهب آخر, ولم نكن نسمع بهذا من قبل وكان هناك تزاوج قبل هذه الفترة, أما الآن فلم يعد في مجالسنا إلا السنّي يتكلم عن الشيعي وبالعكس, وهذا من الأسباب الأساسية التي دعتني الى تأليف هذا الكتاب, ليكون ثورة على هذا الواقع, ولأقول لمجتمعاتنا إلى اين سنصل؟ انظروا كم مذاهبنا متقاربة فلماذا نحن نختلف؟.
هناك من يرمي بذلك الى الأسباب سياسية، فهل ترون لها مدخلية ما في هذا الأمر؟
- هنالك عدة أسباب, فنحن نشكو من نقص الاطلاع على ثقافة الآخر وعقيدته, حتى وان كان الاخر من مجتمعنا, كما أننا نحكم عليه من الظاهر وعبر تصرفات عشوائية من بعض الافراد وقد تكون بعيدة عن الدين, ولا نرجع الى المراجع والاصول, ولكن عندما نطلع على عقيدة الاخر من مصادرها فسوف نفهم ماذا يفكر وكيف يفكر, وهذه تجربة انا عشتها كامرأة سنّية من لبنان قبل ان اكتب, حيث اطلعت على الاخر وعقيدته وبقيت لسنوات اعيشها اذهب الى الحسينيات لأتأكد من كل شيء بنفسي, وبحثت عن كل الاشاعات التي كانت تصدر, من قبيل ما كان يقال ان هناك مصحفا آخر عند الشيعة يسمى (مصحف فاطمة) يقرأونه ولا يقرأون القرآن الموجود بين ايدينا, ولكني وجدت انه نفس المصحف الذي نقرأه, فلماذا هذا الكلام العشوائي؟, وكثيراً ما خاطبتُ السنّة هل جلستم مع إخوانكم من الشيعة وتحدثتم معهم قبل تبني هذه الإشاعات, لهذا أؤكد دائما على الاطلاع على عقيدة الآخر, وهنالك رجال دين مأجورين وتابعين إلى جهات وأحزاب سياسية لا يتكلمون برسالة الدين الأساسية ويتكلمون فقط بما يخدم مصالحهم السياسية والحزبية.
بعد هزيمة الارهابيين في العراق ولبنان, هل تعتقدين بأهمية الحوار لمرحلة ما بعد داعش؟
- اهم شيء هو الحوار لهذا المرحلة, كثيراً ما نسمع في وسائل الاعلام انه تم القضاء على داعش وانطوت صفحة هذا التنظيم الارهابي, لكن الفكر المتطرف موجود وقد زُرع في عقول بعض الناس, وهذا الفكر يصوّر لأصحابه أنهم أصحاب الحق والآخرون كلهم على باطل, وهؤلاء لديهم عداء مع الجميع حتى مع مَن يدّعون أنهم من نفس مذهبهم, فيتهمونني مثلاً كامرأة سنّية بأنني لستُ من أهل السنة وأنني بعيدة عنهم بل انهم قد يكفرونني! وعانيتُ كثيراً, لكن أنا هذه ليست رسالتي, أقول دائما أنني سنّية من أب وأم وأجداد سنّة, ولكنني أحب الشيعة, فإذا كنت سنّية فهل عليّ أن اكره الشيعة وأكنُّ لهم العداء!!, هل هذا ما أوصانا به النبي صلى الله عليه واله, أنا اؤمن بضرورة الحوار وتبني منهج الوسطية في مرحلة ما بعد داعش, ونحن بدأنا في احدى المؤسسات في لبنان فكرة الحوار الاسلامي, وابراز النماذج من كبار العلماء من الطرفين.
- كيف وجدتِ كربلاء في اول زيارة لكِ الى هذه المدينة؟
- لم تكن لدي فكرة حول الاوضاع هنا, وكيف يتعامل الناس مع المذاهب الاخرى, ولكن انا زرت الامام الحسين عليه السلام وصليت عنده كصلاتي التي اصليها هناك ولم ار من يعترض او حتى ينظر الي نظرة استغراب, على العكس رحبوا بي افضل ترحيب وبكل احترام, والامام الحسين عليه السلام إمام اهل السنة والشيعة, نحن نحب الإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام وهذا امر بديهي لدينا.
- بعض الدول تحاول الآن تغيير سياساتها التي نشأ بسببها الفكر المتطرف, هل تعتقدين ان هذا سيسهل القضاء على هذا الفكر؟
- هناك بعض التصريحات من بعض الدول حول ذلك, وايضاً بدأت تتبنى سياسات تخالف الفكر المتشدد, نعم ممكن لهذا التوجه أن يسهل مكافحة هذا الفكر, ولكن القضاء عليه بشكل نهائي يحتاج الى جهد ووقت, ولا ننسى أن هناك بعض الدول التي تضع في رأسها ان يكون المسلمون متفرقين, فلننظر كيف لنا أن نقف بوجهها؟, اذاً لا بد إن يكون المسلمون متحدين بوجه مَن يريد أن يفرّقهم.
كيف ترين دور المهرجانات والمؤتمرات في التقريب بين الأديان والمذاهب؟
- المهرجانات مهمة جداً, مثل مهرجان ربيع الشهادة الذي تقيمه العتبات المقدسة في كربلاء سنوياً، وهو يجمع الشخصيات العلمية والدينية والاجتماعية من جنسيات وقوميات واديان ومذاهب مختلفة, انا التقيتُ وتعرفت الى شخصيات من غينيا و الجزائر والسعودية ودول اخرى, وعرضتُ رسالتي ووجهة نظري امام الجميع، وكانوا مرحبين بطروحاتي وداعمين لما قدمته, ومنحني ذلك حافزا كبيراً لإكمال مسيرتي, وهذه الزيارة الى كربلاء والمشاركة في المهرجان الدولي من التجارب الناجحة التي مررتُ بها في حياتي.