أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2021
8045
التاريخ: 8-3-2021
4762
التاريخ: 6-3-2021
4493
التاريخ: 23-2-2021
4007
|
قال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران : 31 ، 32] .
بين سبحانه أن الإيمان به لا يجدي ، إلا إذا قارنه الإيمان برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : {قُلْ} يا محمد {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ} كما تزعمون {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقيل : معناه إن كنتم تحبون دين الله ، فاتبعوا ديني يزدد لكم حبا ، عن ابن عباس . وقيل : إن كنتم صادقين في دعوة محبة الله تعالى ، فاتبعوني فإنكم إن فعلتم ذلك أحبكم الله ، ويغفر لكم {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي : كثير المغفرة والرحمة {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} أي : قل يا محمد إن كنتم تحبون الله كما تدعون ، فأظهروا دلالة صدقكم بطاعة الله ، وطاعة رسوله ، فذلك إمارة صدق الدعوة {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي : فإن أعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} معناه : إنه يبغضهم ، ولا يريد ثوابهم . فدل بالنفي على الإثبات ، وذلك أبلغ ، لأنه لو قال يبغضهم لجاز أن يتوهم أنه يبغضهم من وجه ، ويحبهم من وجه آخر ، كما يجوز أن يعلم الشيء من وجه ، ويجهل من وجه . وفي هذا دلالة على بطلان مذهب المجبرة ، لأنه إذا لم يحب الكافرين من أجل كفرهم ، ولم يرد ثوابهم لذلك ، فلا يريد إذا كفرهم ، لأنه لو أراده لم يكن نفي محبته لهم لكفرهم .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص277 .
محبة الله :
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهً فَاتَّبِعُونِي} . من أحب اللَّه يلزمه حتما أن يحب رسول اللَّه وأهل بيته لحب الرسول لهم ، ومن أحب الرسول يلزمه حتما أن يحب اللَّه ، والتفكيك محال ، قال تعالى : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهً} [النساء - 80} ، لأن الرسول هو لسان اللَّه وبيانه . . والعكس صحيح ، أي من نصب العداء للرسول وآله فقد نصب العداء للَّه من حيث يريد أو لا يريد .
فأهل الأديان الأخر الذين يدعون الايمان باللَّه ، ثم ينصبون العداء لمحمد (صلى الله عليه واله) هم من أعدى أعداء اللَّه .
وان قال قائل : ان جهلهم بنبوة محمد عذر مبرر . قلنا في جوابه لا عذر إطلاقا لمن اتبع أهواءه ، وقلَّد آباءه الا بعد التثبت والنظر إلى جميع الدلائل على نبوة محمد ، وما نظر عارف إلى هذه الدلائل نظرة عدل وإنصاف إلا آمن وأذعن .
ولا معنى لحب الصغير للكبير ، والعبد للسيد إلا الطاعة والمتابعة . . وكل من أحب ما أبغض اللَّه ورسوله ، وأبغض ما أحب اللَّه ورسوله فهو عدو للَّه ورسوله ، وان خيل إليه انه من المحبين . لأن ما يظن انه حب دون أن يبرز له أثر ملموس فهو مجرد وهم وخيال .
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهً والرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهً لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} ظاهر هذه الآية ان حقيقة الدين هي طاعة اللَّه والرسول ، وان ترك هذه الطاعة يستلزم الكفر ، بل هو الكفر بالذات ، لأنه قال تعالى : {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهً لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} ولم يقل : ان اللَّه يمقت العاصين أو يعاقبهم ، أي انه اعتبر سبحانه العصيان كفراً ، لا سببا للمقت والعقاب فقط .
وهذا شيء خطير ومخيف جدا ، حيث لا يبقى واحد على الدين والإسلام إلا النادر النادر . . اللهم إلا ان يراد بالكفر هنا العصيان ، مثل قوله تعالى : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران : 97] .
وعلى أية حال ، فنحن مأمورون دينا وشرعا أن نعامل من نطق بالشهادتين معاملة المسلم من حيث الإرث والزواج والطهارة ، وصيانة المال والدم ، وما عدا ذلك متروك إلى اللَّه سبحانه ، ولسنا مسؤولين عنه .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص45-46 .
قوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، قد تقدم كلام في معنى الحب ، وأنه يتعلق بحقيقة معناه بالله سبحانه كما يتعلق بغيره في تفسير قوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة : 165] .
ونزيد عليه هاهنا : أنه لا ريب أن الله سبحانه - على ما ينادي به كلامه - إنما يدعو عبده إلى الإيمان به وعبادته بالإخلاص له والاجتناب عن الشرك كما قال تعالى : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر : 3] ، وقال تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة : 5] ، وقال تعالى : {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر : 14] ، إلى غير ذلك من الآيات .
ولا شك أن الإخلاص في الدين إنما يتم على الحقيقة إذا لم يتعلق قلب الإنسان - الذي لا يريد شيئا ولا يقصد أمرا إلا عن حب نفسي وتعلق قلبي - بغيره تعالى من معبود أو مطلوب كصنم أو ند أو غاية دنيوية بل ولا مطلوب أخروي كفوز بالجنة أو خلاص من النار وإنما يكون متعلق قلبه هو الله تعالى في معبوديته ، فالإخلاص لله في دينه إنما يكون بحبه تعالى .
ثم الحب الذي هو بحسب الحقيقة الوسيلة الوحيدة لارتباط كل طالب بمطلوبه وكل مريد بمراده إنما يجذب المحب إلى محبوبه ليجده ويتم بالمحبوب ما للمحب من النقص ولا بشرى للمحب أعظم من أن يبشر أن محبوبه يحبه ، وعند ذلك يتلاقى حبان ، ويتعاكس دلالان .
فالإنسان إنما يحب الغذاء وينجذب ليجده ويتم به ما يجده في نفسه من النقص الذي آتيه الجوع ، وكذا يحب النكاح ليجد ما تطلبه منه نفسه الذي علامته الشبق وكذا يريد لقاء الصديق ليجده ويملك لنفسه الأنس وله يضيق صدره ، وكذا العبد يحب مولاه والخادم ربما يتوله لمخدومه ليكون مولى له حق المولوية ، ومخدوما له حق المخدومية ، ولو تأملت موارد التعلق والحب أو قرأت قصص العشاق والمتولهين على اختلافهم لم تشك في صدق ما ذكرناه .
فالعبد المخلص لله بالحب لا بغية له إلا أن يحبه الله سبحانه كما أنه يحب الله ويكون الله له كما يكون هو لله عز اسمه فهذا هو حقيقة الأمر غير أن الله سبحانه لا يعد في كلامه كل حب له حبا والحب في الحقيقة هو العلقة الرابطة التي تربط أحد الشيئين بالآخر على ما يقضي به ناموس الحب الحاكم في الوجود فإن حب الشيء يقتضي حب جميع ما يتعلق به ، ويوجب الخضوع والتسليم لكل ما هو في جانبه ، والله سبحانه هو الله الواحد الأحد الذي يعتمد عليه كل شيء في جميع شئون وجوده ويبتغي إليه الوسيلة ويصير إليه كل ما دق وجل ، فمن الواجب أن يكون حبه والإخلاص له بالتدين له بدين التوحيد وطريق الإسلام على قدر ما يطيقه إدراك الإنسان وشعوره ، وإن الدين عند الله الإسلام ، وهذا هو الدين الذي يندب إليه سفراؤه ، ويدعو إليه أنبياؤه ورسله ، وخاصة دين الإسلام الذي فيه من الإخلاص ما لا إخلاص فوقه ، وهو الدين الفطري الذي يختم به الشرائع وطرق النبوة كما يختم بصادعه الأنبياء (عليهم السلام) ، وهذا الذي ذكرناه مما لا يرتاب فيه المتدبر في كلامه تعالى .
وقد عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبيله الذي سلكه بسبيل التوحيد ، وطريقة الإخلاص على ما أمره الله سبحانه حيث قال : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : 108] ، فذكر أن سبيله الدعوة إلى الله على بصيرة والإخلاص لله من غير شرك فسبيله دعوة وإخلاص ، واتباعه واقتفاء أثره إنما هو في ذلك فهو صفة من اتبعه .
ثم ذكر الله سبحانه أن الشريعة التي شرعها له (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الممثلة لهذا السبيل سبيل الدعوة والإخلاص فقال : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية : 18] ، وذكر أيضا أنه إسلام لله حيث قال : {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران : 20] ، ثم نسبه إلى نفسه وبين أنه صراطه المستقيم فقال : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام : 153] ، فتبين بذلك كله أن الإسلام وهو الشريعة المشرعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو مجموع المعارف الأصلية والخلقية والعملية وسيرته في الحيوة هو سبيل الإخلاص عند الله سبحانه الذي يعتمد ويبتني على الحب ، فهو دين الإخلاص ، وهو دين الحب .
ومن جميع ما تقدم على طوله يظهر معنى الآية التي نحن بصدد تفسيرها ، أعني قوله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فالمراد - والله أعلم - إن كنتم تريدون أن تخلصوا لله في عبوديتكم بالبناء على الحب حقيقة فاتبعوا هذه الشريعة التي هي مبنية على الحب الذي ممثله الإخلاص والإسلام وهو صراط الله المستقيم الذي يسلك بسالكه إليه تعالى ، فإن اتبعتموني في سبيلي وشأنه هذا الشأن أحبكم الله وهو أعظم البشارة للمحب ، وعند ذلك تجدون ما تريدون ، وهذا هو الذي يبتغيه محب بحبه ، هذا هو الذي تقتضيه الآية الكريمة بإطلاقها .
وأما بالنظر إلى وقوعها بعد الآيات الناهية عن اتخاذ الكفار أولياء وارتباطها بما قبلها فهذه الولاية لكونها تستدعي في تحققها تحقق الحب بين الإنسان وبين من يتولى كما تقدم كانت الآية ناظرة إلى دعوتهم إلى اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كانوا صادقين في دعواهم ولاية الله وأنهم من حزبه فإن ولاية الله لا يتم باتباع الكافرين في أهوائهم ولا ولاية إلا باتباع وابتغاء ما عندهم من مطامع الدنيا من عز ومال بل تحتاج إلى اتباع نبيه في دينه كما قال تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية : 18 ، 19] ، انظر إلى الانتقال من معنى الاتباع إلى معنى الولاية في الآية الثانية .
فمن الواجب على من يدعي ولاية الله بحبه أن يتبع الرسول حتى ينتهي ذلك إلى ولاية الله له بحبه .
وإنما ذكر حب الله دون ولايته لأنه الأساس الذي تبتني عليه الولاية ، وإنما اقتصر على ذكر حب الله تعالى فحسب لأن ولاية النبي والمؤمنين تؤل بالحقيقة إلى ولاية الله .
قوله تعالى : {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، الرحمة الواسعة الإلهية وما عنده من الفيوضات المعنوية والصورية غير المتناهية غير موقوفة على شخص أو صنف من أشخاص عباده وأصنافهم ، ولا استثناء هناك يحكم على إطلاق إفاضته ، ولا سبيل يلزمه على الإمساك إلا حرمان من جهة عدم استعداد المستفيض المحروم أو مانع أبداه بسوء اختياره ، قال تعالى : {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء : 20] .
والذنوب هي المانعة من نيل ما عنده من كرامة القرب والزلفى وجميع الأمور التي هي من توابعها كالجنة وما فيها ، وإزالة رينها عن قلب الإنسان ومغفرتها وسترها عليه هي المفتاح الوحيد لانفتاح باب السعادة والدخول في دار الكرامة ، ولذلك عقب قوله : يحببكم الله بقوله : {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ، فإن الحب كما تقدم يجذب المحب إلى المحبوب ، وكما كان حب العبد لربه يستدعي منه التقرب بالإخلاص له وقصر العبودية فيه كذلك حبه تعالى لعبده يستدعي قربه من العبد ، وكشفه حجب البعد وسبحات الغيبة ، ولا حجاب إلا الذنب فيستدعي ذلك مغفرة الذنوب ، وأما ما بعده من الكرامة والإفاضة فالجود كاف فيه كما تقدم آنفا .
والتأمل في قوله تعالى : {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين : 14 ، 15] مع قوله تعالى في هذه الآية : {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} كاف في تأييد ما ذكرناه .
قوله تعالى : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهً والرَّسُولَ} ، الخ لما كانت الآية السابقة تدعو إلى اتباع الرسول ، والاتباع وهو اقتفاء الأثر لا يتم إلا مع كون المتبع اسم مفعول سالك سبيل ، والسبيل الذي يسلكه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هو الصراط المستقيم الذي هو لله سبحانه ، وهو الشريعة التي شرعها لنبيه وافترض طاعته فيه كرر ثانيا في هذه الآية معنى اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قالب الإطاعة إشعارا بأن سبيل الإخلاص الذي هو سبيل النبي هو بعينه مجموع أوامر ونواه ودعوة وإرشاد فيكون اتباع الرسول في سلوك سبيله هو إطاعة الله ورسوله في الشريعة المشرعة .
و لعل ذكره تعالى مع الرسول للإشعار بأن الأمر واحد ، وذكر الرسول معه سبحانه لأن الكلام في اتباعه .
ومن هنا يظهر عدم استقامة ما ذكره بعضهم في الآية : أن المعنى : أطيعوا الله في كتابه والرسول في سنته .
وذلك أنه مناف لما يلوح من المقام من أن قوله : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهً والرَّسُولَ} "الخ" كالمبين لقوله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} ، على أن الآية مشعرة بكون إطاعة الله وإطاعة الرسول واحدة ، ولذا لم يكرر الأمر ، ولو كان مورد الإطاعة مختلفا في الله ورسوله لكان الأنسب أن يقال : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول كما في قوله تعالى : {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59] ، كما لا يخفى .
واعلم أن الكلام في هذه الآية من حيث إطلاقها ومن حيث انطباقها على المورد نظير الكلام في الآية السابقة .
قوله تعالى : {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهً لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} ، فيه دلالة على كفر المتولي عن هذا الأمر كما يدل على ذلك سائر آيات النهي عن تولي الكفار وفيه أيضا إشعار بكون هذه الآية كالمبينة لسابقتها حيث ختمت بنفي الحب عن الكافرين بأمر الإطاعة ، وقد كانت الآية الأولى متضمنة لإثبات الحب للمؤمنين المنقادين لأمر الاتباع فافهم ذلك .
وقد تبين من الكلام في هذه الآيات الكريمة أمور : أحدها : الرخصة في التقية في الجملة .
وثانيها : أن مؤاخذة تولي الكفار والتمرد عن النهي فيه لا يتخلف البتة ، وهي من القضاء الحتم .
وثالثها : أن الشريعة الإلهية ممثلة للإخلاص لله والإخلاص له ممثل لحب الله سبحانه ، وبعبارة أخرى الدين الذي هو مجموع المعارف الإلهية والأمور الخلقية والأحكام العملية على ما فيها من العرض العريض لا ينتهي بحسب التحليل إلا إلى الإخلاص فقط ، وهو وضع الإنسان ذاته وصفات ذاته وهي الأخلاق وأعمال ذاته وأفعاله على أساس أنها لله الواحد القهار ، والإخلاص المذكور لا يحلل إلا إلى الحب ، هذا من جهة التحليل .
ومن جهة التركيب ينتهي الحب إلى الإخلاص ، والإخلاص إلى مجموع الشريعة ، كما أن الدين بنظر آخر ينحل إلى التسليم والتسليم إلى التوحيد .
ورابعها : أن تولي الكافرين كفر والمراد به الكفر في الفروع دون الأصول ككفر مانع الزكوة وتارك الصلوة ويمكن أن يكون كفر المتولي بعناية ما ينجر إليه أمر التولي على ما مر بيانه ، وسيأتي في سورة المائدة .
____________________
1 . تفسير الميزان ، ج3 ، ص 138-142 .
الحب الحقيقي :
تقول الآية الأُولى إِنّ الحبّ ليس بالعلاقة القلبية فحسب ، بل يجب أن تظهر آثاره في عمل الإنسان . إنّ من يدّعي حبّ الله ، فعليه أوّلاً اتّباع رسوله : {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} .
في الواقع أنّ من آثار الحبّ الطبيعية انجذاب المحبّ نحو المحبوب والاستجابة له . صحيح أنّ هناك حبّاً ضعيفاً لا تتجاوز أشعّته جدران القلب ، إلاَّ أنّ هذا من التفاهة بحيث لا يمكن إعتباره حبّاً . لا شكّ أنّ للحبّ الحقيقي آثاراً عملية تربط المحبّ بالحبيب وتدفعه للسعي في تحقيق طلباته .
والدليل على ذلك واضح ، فحبّ المرء شيئاً لابدّ أن يكون بسبب عثوره على أحد الكمالات فيه . لا يمكن أنّ يحبّ الإنسان مخلوقاً ليس فيه شيء من قوّة الجذب ، وعليه فإنّ حبّ الإنسان لله ناشيء من كونه منبع جميع الكمالات وأصلها . إنّ محبوباً هذا شأنه لابدّ أن تكون أوامره كاملة أيضاً ، فكيف يمكن لإنسان يعشق الكمال المطلق أن يعصي أوامر الحبيب وتعاليمه ، فإن عصى فذلك دليل على أنّ حبّه غير حقيقي .
هذه الآية لا تقتصر في ردّها على مسيحيّي نجران والذين ادّعوا حبّ الله على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل هذا الردّ أصيل وعامّ في منطق الإسلام موجّه إلى جميع العصور والقرون . إنّ الذين لا يفتأون ـ ليلَ نهار ـ يتحدّثون عن حبّهم لله ولأئمّة الإسلام وللمجاهدين في سبيل الله وللصالحين والأخيار ، ولكنّهم لايشبهون أُولئك في العمل ، هم كاذبون .
أُولئك الغارقون في الذنوب من قمة الرأس حتّى أخمص القدم ، ومع ذلك فهم يرون أن قلوبهم مليئة بحبّ الله ورسوله وأمير المؤمنين والأئمّة العظام ، أو الذين يعتقدون أنّ الإيمان والحبّ والمحبّة قلبية فحسب ، هم غرباء على منطق الإسلام تماماً .
جاء في «معاني الأخبار» عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «ما أحبّ الله من عصاه» . ثمّ قرأ الأبيات :
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه هذا لعمرك في الفعال بديع
لوكان حبّك صادقاً لأطعته إنَّ المحبّ لمن يحبّ مطيع (2)
{يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
تقول هذه الآية : إذا كنتم تحبّون الله ، وبدت آثار ذلك في أعمالكم وحياتكم ، فإنّ الله سيحبّكم أيضاً ، وسوف تظهر آثار حبّه أنه سيغفر لكم ذنوبكم ، ويشملكم برحمته .
والدليل على هذا الحبّ المتقابل من قِبل الله واضح أيضاً ، لأنّه سبحانه موجود كامل ولا متناه من كلّ الجهات ، وسيرتبط ـ على أثر السنخية ـ بكل موجود يقطع خطوات على طريق التكامل برباط الحبّ .
يتبيّن من هذه الآية أن ليس هناك حبّ من طرف واحد ، لأنّ الحبّ يدفع المحبّ إلى أن يحقّق عملياً رغبات حبيبه . وفي هذه الحالة لا يمكن للمحبوب إلاَّ أن يرتبط بالمحبّ .
قد يسأل سائل : إذا كان المحبّ دائم الإطاعة لأوامر المحبوب ، فلا يبقى له ذنب فيغفر له ، ولذلك فإن جملة {ويغفر لكم ذنوبكم} ليست ذات موضوع .
في الجواب نقول : أوّلاً يمكن أن تعني هذه الجملة غفران الذنوب السابقة . وثانياً أنّ المحبّ لا يستمرّ في عصيان المحبوب ، ولكن قد يزلّ أحياناً بسبب طغيان الشهوات ، وهذا هو الذي يغفره الله سبحانه .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص254-256 .
2- بحار الانوار ، ج47 ، ص 24 ؛وتحف العقول ، ص294 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|