المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05



التعصّب للقديم  
  
2752   11:26 صباحاً   التاريخ: 22-3-2018
المؤلف : د. عبد الرسول الغفاري
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص:105-107
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015 2299
التاريخ: 26-7-2017 8027
التاريخ: 23-3-2018 15121
التاريخ: 26-7-2017 9516

 

كان الأصمعي يتعصب للشعر القديم على المحدث، روي ان اسحاق الموصلي انشده:

هلْ إلى نظرةٍ اليك سبيل

فَترَوِّي الصَّدى ويشفى العليل

إن ما قل منك يكثر عندي

وكثير ممن تحب القليل

فقال لمن تنشدني؟ فقال لبعض الاعراب، فقال: والله هذا هو الديباج الخسرواني. قال اسحاق: انهما لليلتهما، فرد عليه الاصمعي بقوله: لا جرم واللّه ان أثر الصنعة والتكلّف بيّنٌ عليهما (1).

بين اعرابي والاصمعي

قال بعض الرواة كنا مع أبي نصر راوية الاصمعي في رياض المذاكرة نجتني ثمارها ونجتلي انوارها، الى أن افضنا في ذكر أبي سعيد عبد الملك ابن قريب الاصمعي فقال: رحم الله الاصمعي، انه لمعدن حِكَم، وبحر علم، غير أنه لم نر قط مثل اعرابي وقف بنا فسلم فقال ايكم الاصمعي؟ فقال: أنا ذاك!

فقال أتأذنون بالجلوس؟ فاذنا وعجبنا من حسن ادبه، مع جفاء ادبِ الاعراب!

قال: يا أصمعي: أنت الذي يَزْعَمُ هؤلاء النفر أنَّك اثقبهم معرفة بالشعر والعربية وحكايات الاعراب.

قال الاصمعي: منهم مَن هو اعلم مني ومن هو دوني؟

قال: أفلا تنشدني من بعض شعر أهل الحضر حتى اقيسه على شعر أصحابنا؟

فانشده شعراً لرجل امتدح به مسلمة بن عبد الملك.

امسلم انت البحر إن جاء وارد

وليث إذا ما الحرب طار عقابها

وانت كلسَيفِ الهندواني إن غدت

حوادث من حرب يعب عبابها

وما خلقت اكرومة في امرئ له

ولا غاية الا اليك ماَبها

كأنك ديان عليها موكل

بها وعلى كفيك يجري حسابها

اليك رحلنا العيس إذ لم نجد لها

أخا ثقة يُرجى لديه ثوابها

فتبسم الاعرابي وهز رأسه، فظننا أن ذلك لاستحسانه الشعر، ثم قال يا اصمعي! هذا شعر مهلهل، خلق النسج، خطؤه اكثر من صوابه، يغطي عيوبه حسن الروي ورواية المنشد! يشبهون الملك إذا امتدح بالاسد، والاسد ابخر شثيم- كريه- المنظر، وربما طرده شرذمة من إمائنا وتلاعب به صبياننا! ويشبهونه بالبحر والبحر صعب على من ركبه، مرٌّ على من شربه! وبالسيف، وربما خان في الحقيقة، ونبا عن الضريبة! ألا تنشدني كما قال صبى من حيّنا!

قال الاصمعي: وماذا قال صاحبكم؟ فانشده:

الموت يكره أن يلقى منيّته

في كرِّه عند لفّ الخيل بالخيل

لو زاحم الشمس أبقى الشمس كاسفة

أو زاحم الصم ألجاها الى المَيل

امضى من النجم إن نابته نائبة

وعند اعدائه أجرى من السَيل

لا يستريح الى الدنيا وزينتها

ولا تراه اليها ساحب الذيل

يقصر المجد عنه في مكارمه

كما يقصر عن افعاله قولي

قال أبو نصر فابهتنا واللّه ما سمعنا من قوله ثم قال الاعرابي: الا تزدني شعراً ترتاح اليه النفس ويسكن اليه القلب؟ فانشده لابن الرقاع العاملي:

وناعمة تجلو بعود أراكة

مؤشرة يسبي المعانق طيبها

اراك الى نجد تحن وإنما

منى كل نفس حيث كان حبيبها

فتبسم الاعرابي وقال: يا اصمعي ما هذا بدون الأول، ولا فوقه، ألا

انشدتني كما قلت؟ قال الاصمعي: وما قلت؟ جعلت فداك فانشده:

تعلقتها بكرا وعلقت حبها

فقلبي عن كل الورى فارغ بكر

اذا احتجبت لم يكفك البدر ضوءها

وتكفيك ضوء البدران حجب البدر

وما الصبر عنها- إن صبرت- وجدته

جميلاً وهل في مثلها يحسن الصبر

ولو أن جِلدَ الذَّرِّ (2) لامس جلدها

لكان لمس الذرفي جلدها أثر

فقال لنا الاصمعي: اكتبوا ما سمعتم ولو باطراف المُدى في رقاق

الاكباد.. (3).

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الموازنة ص 12.

(2) الذر: صغار النمل.

(3) فحولة الشعراء:  81.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.