أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-4-2022
2140
التاريخ: 28-1-2019
2659
التاريخ: 9-4-2016
3326
التاريخ: 15-3-2016
3196
|
ما دور الإمام عليّ، وما موقفه من الفتنة الّتي عصفتْ بالمجتمع الإسلامي في عهده؟
نظرة إلى التاريخ السّياسي والفكري للإسلام تكشف بوضوح عن أنّ الإمام عليّاً كان المنقذ الأكبر للإسلام من التّشوّه والمسخ بالفتنة الّتي عصفت رياحها المجنون بالمسلمين، منذ النّصف الثاني من خلافة (عثمان).
ولولا توجيه (عليٍّ) الفكري، ومواقفه السّياسيّة، ومواجهته العسكريّة للفتنة في شتّى مظاهرها الفكريّة والسّياسيّة والعسكريّة لَتشوّه الإسلام، وانْمسخ، وتقلّص،
ولكنّ الإمام عليّاً، بموقفه الواضح الصّريح الرّافض لأيّة مساومة، كان المنقذ الّذي كشف الفتنة ودعاتها، ووضع المسلمين جميعاً أمام الخيار الكبير: مع الفتنة أو ضدّها؟
ولا يهمّ بعد ذلك أنّ الفتنة حازتْ إلى جانبها جمهوراً كبيراً من النّاس، المهم أنّها افتضحتْ، وبافتضاحها سلم الإسلام من التّشوّه ومن خطر التّزوير، وكان على الّذين انحرفوا أنْ يجدوا لأنفسهم مبرّرات.
وقد كان توقّع نشوء الفتنة، والخوف منها ومن أفاعليها وعواقبها، هاجساً عامّاً عند المسلمين، يكشف عن ذلك السّؤال عنها، وعن الموقف الصّواب منها، وكثرة حديث الإمام عن أخطارها وملابساتها.
وقد كان الإمام عليّ بـ:
- روحانيّته العالية السّامية.
- وإسلاميّته الصّلبة الصّافية.
- وروحه الرّساليّة الّتي تفوّق بها على جميع معاصريه.
- وحكمته وشجاعته.
- وسيرة حياته الناصعة الّتي ابتدأت بالإسلام...
كان هو الرّجل الوحيد المرصود لمواجهة الفتنة، وإنقاذ الإسلام منها.
لقد أعلمه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بذلك، وأدرك هو دوره من خلال رَصْده لحركة المجتمع التّاريخيّة.
وهذا نصّ عظيم الأهمّيّة يكشف لنا عن الدّور المرصود للإمام عليّ في مواجهة الفتنة، يتضمّن الرّؤية النّبويّة لمستقبل الحركة التّاريخيّة من جهة، والرّؤية النّبويّة لدور الإمام عليّ في هذه الحركة، وقد أورد (الشّريف الرّضي) هذا النّصّ، كما أورده (ابن أبي الحديد) في شرحه (9 / 105 - 107) برواية الشّريف وبرواية أخرى أكثر بسطاً، ويبدو أنّ الرّواية الأخرى تقريريّة حدّث بها الإمام، ورواية الشّريف خطابيّة، جاءت جواباً منه على سؤال، فقد قام إليه رجل - وهو يخطب - فقال: يا أمير المؤمنين: أخبرنا عن الفتنة، وهل سألتَ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) عنها؟
فقال (عليه السّلام): إنَّهُ لَمّا أنزلَ اللّه سُبحانهُ قولَهُ: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 1، 2] .
علِمتُ أنَّ الفِتنة لا تنزِلُ بِنا ورسُولُ اللّه (صلّى الله عليه وآله) بين أظهُرِنا.
فقُلتُ: يا رسُول اللّهِ ما هذهِ الفِتنةُ الَّتِي أخبرَك اللّه تعالى بِها؟ فقال: يا علِيُّ، إنّ أُمَّتي سيُفْتَنُون مِن بعدِي، فقُلتُ: يا رسُولَ اللّه، أَوَ لَيْسَ قد قلتَ لي يوم أُحُدٍ حيثُ استُشهِدَ من استُشهِدَ من المُسلمِين، وَحِيْزَتْ(1) عنِّي الشَّهادةُ، فشقَّ ذلك عليَّ، فقُلتَ لي: أَبْشِر، فإنَّ الشَّهادةَ مِن ورائكَ،
فقال لِي: إنَّ ذلِك لكذلِك، فكيف صبرُك إذن؟ فقُلتُ: يا رسُول اللّه: ليس هذا مِن مواطِنِ الصَّبرِ، ولكِن مِن مواطِنِ البُشرى والشُّكرِ.
وقال: يا عليُّ، إنَّ القومَ سيُفتنُون بِأموالِهِم، ويمُنُّون بدينِهِم على ربِّهِم، ويتمنَّون رحمتَهُ، ويأمنُون سطوتَهُ، ويستحِلُّون حرامَهُ بِالشُّبُهاتِ الكاذبِةِ، والأهواءِ السَّاهيةِ، فيستحِلُّون الخمرَ بالنَّبيذِ، والسُّحتَ بالهديَّةِ، والرِّبا بالبيعِ) قُلتُ: يا رسُول اللّه: فبأيِّ المنازِلِ أُنزِلُهُم عندَ ذلِك؟ أبمنزلَةِ رِدَّةٍ أم بمنزلَةِ فِتنةٍ؟ فقالَ: بِمنزِلَة فِتنةٍ (2).
وإذن، فقد كان الإمام مرصوداً لمواجهة الفتنة وفَضْحها، لقد كان منقذ الإسلام بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) من التّزييف والتّحريف، فحقّق بمواجهته للفتنة صيغة الإسلام الصّافي، في المعتقد والفكر والتّشريع والعمل، وغدتْ الفتنة أزمة في داخل الإسلام، ولَم تُفلح في أنْ تكون هي الإسلام، وقد عبّر الإمام في أكثر من مقام عن دوره العظيم الفريد في التاريخ، من حيث كونه القيادي الوحيد الّذي استطاع أنْ يواجه الفتنة ويفضحها، فقال ممّا قال:... فإنِّي فقأتُ عين الفِتنةِ(3)، ولم يكُن ليجترئ عليها أحد غيري، بعدَ أنْ ماج غيهبُها(4) واشتدَّ كلبُها(5).
لقد حدثت داخل الإسلام فِتَن كثيرة، ولكنّ أعظم هذه الفتن خطورةً وأشدّها تخريباً فتنة بني أميّة الّتي عصفتْ رياحُها السّوداء الشّرّيرة المجتمعَ الإسلامي منذ النّصف الثّاني من عهد (عثمان)، وتعاظمت خطورتها بعد مقتله، واستغرقتْ مواجهتها الفكريّة والسّياسيّة والعسكريّة معظم جهود أمير المؤمنين عليّ في السّنين الأخيرة من حياته.
وقد كان الإمام يغتنم كلّ فرصة سانحة ليحدّث مجتمعه عن هذه الفتنة، ويبيّن له أخطارها الآنيّة والمستقبليّة من أجل إيجاد المناعة النّفسية منها، والوعي العقلي لأَخْطارها، والعزم العَمَلي على مواجهتها وقَمْعها، والتّصميم على رَفْضها حتّى بعد انتصارها.
قال (عليه السّلام): إنَّ الفِتنَ إذا أقبلتْ شبَّهتْ(6)، وإذا أدبرتْ نبَّهتْ، يُنكرن مُقبِلاتٍ، ويُعرفن مُدبِراتٍ، يحُمنَ حَوْم الرِّياحِ، يُصِبْنَ بَلَدَاً، ويُخْطِئنَ بَلَدَاً، أَلاَ وإنّ أَخْوَفَ الفِتنِ عندي عليكُم فِتنةُ بني أُميَّة، فإنَّها فتنة عمياءُ مُظلِمة، عمَّت خُطَّتُها(7) وخصَّتْ بَلِيَّتُها، وأصاب البلاءُ مَنْ أَبْصَرَ فيها، وَأَخْطَأَ البلاءُ مَنْ عُمِيَ عنه (8).
فَهي فتنة عمَّتْ بَلِيَّتُها؛ لأنّ روّادها الحكّام أنفسهم، ومِن ثمّ فشرورها السّياسيّة والفكريّة تشمل المجتمع كلّه.
وهي فتنة خصّت بليّتها؛ لأنّ أعنف ضرباتها ستوجّه إلى الصّفوة المؤمنة الواعية، الّتي بقيتْ سليمة من داء الفتنة، ووضعتْ نفسها في مواقع كفاح الفتنة الغالبة.
والمسؤوليّة في هذه الفتنة ملقاة على المبصِرين فيها، الّذين يعرفونها ويعرفون وجه الحقّ، ويجبنون عن مواجهتها، أو يتواطؤون، ضدّ الحقّ، معها.
أمّا مَن عمي عنها، وجَهل أبعادها وأخطارها فهو معذور بجهله.
____________________
1 - حاز عنه الشّيء: أبعده عنه.
2 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 156.
3 - فقأْتُ عين الفتنة: تغلّبت عليها.
4 - الغَيْهَب: الظّلمة، يعني أنِّي واجهتها في عنفوانها وقوّتها.
5 - الكلب: داء معروف يصيب الكلاب، يعني أنّه واجهها وهي في هذه الحالة عن الأذى والشّرّ الشّديدَين، والخطبة في نهج البلاغة: رقم: 93.
6 - شبّهت: اشتبه فيها الحقّ بالباطل، وإذا أدبرتْ وخلص النّاس منها تميّز حقّها من باطلها.
7 - عمّت خطّتها: يعني أنَّها فتنة غالبة تصيب ببلائها أهل الحقّ.
8 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 93.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|