أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-19
1943
التاريخ: 2-02-2015
3521
التاريخ: 9-4-2016
5256
التاريخ: 5-5-2016
3144
|
كان موقف المرقال كموقف غيره من المسلمين المعارضين الأشداء، وبايع المسلمون عليا بالخلافة.
وهاشم، الرجل الذي عرف عليا ومكانته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد سمع حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها وعلي مع الحق، والحق مع علي ويا علي لا يعرفك إلا الله وأنا.
وإذا أيد المرقال بيعة الإمام، وهتف بأحقيته من غيره، فهو لا لكونه من صحابته فحسب، إنما يعرف أن علي بن أبي طالب سيقيم العدل، وأنه خير من يصلح للأمر، لا تأخذه في الله لائمة، لهذا ما إن سمع نبأ خلافته، حتى هرع إلى أبي موسى الأشعري ـ وهو في الكوفة من قبل عثمان ـ وهجم عليه قائلا: بايع يا أبا موسى لخير هذه الأمة علي بن أبي طالب .
ولكن الأشعري ذلك المراوغ الذي لا يربطه بعلي حب ولا إيمان، أخذ يستمهل هاشما، ويراوغه عن البيعة، غير أن هاشما ذلك الرجل الصلب المؤمن لعقيدته يقف أمام الأشعري وعيناه تقدحان نارا، ووضع يده على الأخرى قائلا: يا أبا موسى هذه لعلي، وهذه لي، وقد بايعت عليا خير هذه الأمة.
ثم أخذ يتغانى:
أبـايع غير مكترث عليا ... ولا أخشى أميرا أشعريا
أبايعه وأعلم أن سأرضي ... بـذاك الله حـقا والنبيا
ويبقى في الكوفة، يحث الناس على بيعة علي، وما إن يسمع أن إمامه خرج إلى العراق لحرب الجمل، يخف إليه، ويلتقي به، ويعتمد عليه الإمام في مراسلاته وحربه، ويقف إلى جنبه حتى ينتهي الأمر، ويكسب الإمام النصر.
وعاد مع الإمام ولازمه، وإذا ما تظاهر معاوية بالعصيان ولم تنفع معه مراسلة الإمام، فقد طمع وريث الخيانة، وابن آكلة الأكباد بالخلافة..
هناك جمع الإمام صحابته وأخذ يستشيرهم في الأمر، وكان هاشم من أولئك النفر الذين اعتمد عليهم أبو الحسن في مشورته وتثبيت دولته، فهب المرقال مندفعا بإخلاص وعقيدة وقال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فأنا بالقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك، ومجاهدوك، لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا، وظنا بما في أيديهم منها، وليس إربة غيرها، إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون، ولكن الدنيا يطلبون، فسر بنا، فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال، وإن أبو إلا الشقاق فذلك الظن بهم، والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى، ويسمع إذا أمر .
بهذه المقالة الصغيرة كشف هاشم لإمامه عن حياة هؤلاء ونفسياتهم وما يضمرون، وزحف الإمام بجيشه إلى قتال أهل الشام، وفي (صفين) عسكر الفريقان: الحق والباطل، وحجزت الأشهر الحرم بين الطرفين، كان في أثنائها يلتمس الإمام الأمل بالنصح والمراسلة، عسى أن يلين معاوية، ولكن كانت الإجابة بالنهاية له: السيف بيننا وبينك، أو يهلك الأعجز منا .
ويئس الإمام من عودتهم إلى حظيرة الخير، وصمم على مقاتلتهم، ودفع رايته العظيمة إلى هاشم المرقال، وصف جيشه وتقابل الطرفان، كل يوم يخرج الإمام كتيبته للقتال، وطال المقام، فقرر الإمام الهجوم العام.
وفي الصباح الباسم من أيام قتال صفين، التحم الجيشان في معركة عنيفة، وسمع معاوية بهجمات هاشم، فحرض عمرو بن العاص على مبارزته، فتقدم إليه يرتجز قائلا:
لا عيش إن لم ألق يوما هاشما ... ذاك الـذي أجـشمني المجاشما
ذاك الـذي أقـام لـي الـمآتما ... ذاك الـذي يشتم عرضي ظالما
ذاك الـذي إن يـنج مني سالما ... يـكن شجا حتى الممات لازما
وتقدم إليه هاشم بخطى ثابتة، وهو يقول:
لا عيش إن لم ألق يومي عمرو ... ذاك الـذي أحـدث فينا الغدرا
أو يـحـدث الله لأمـر أمـرا ... لا تجزعي يا نفس صبرا صبرا
ضـربا هـذاذيك، وطعنا نزرا ... يـا لـيت ما تجنى يكون قبرا
ولكن عمرو أنا له أن يقف أمام سيف هاشم، ذلك الذي طالما كشف الكروب عن المسلمين في الحروب، وانهزم عمرو إلى فسطاط معاوية خائفا ووجلا، وضحك معاوية ملء شدقيه وقال: ما بالك يا أبا عبد الله قد مزق الرعب وجهك .
واغتاظ ابن العاص من هذه السخرية اللاذعة، فالتفت إليه بغضب قائلا: إذا كنت لا تخشاه، فما بالك فررت من سيف المرقال، ودونك المدججون بالسلاح، وقد جف ريقك وغارت عيناك، وفررت من وسط القوم كما يفر من منظر السد؟! ..
ومعاوية ذلك الإنسان الداهية، لا يغضب من حديث ابن العاص، وإن كان فيه مغمز له، ولكن لم يترك لابن العاص سخريته، فما حمي الوطيس بين الطرفين، وهاشم يرقل بالراية إرقالا وسط الأعداء، وهو وعدة من أبطاله، هدفهم معاوية، يدك الصفوف التي وقفت دونه ليصل محمله، واضطرب معاوية أشد الاضطراب، وأرسل إلى ابن العاص يقول له: ويحك إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وقد كان من قبل يرقل به إرقالا، وإنه إن زحف به اليوم زحفا، إنه لليوم الأطول لأهل الشام، وإن زحف في عنق من أصحابه، إني لأطمع أن تقتطع. فليبرز إليه كل كمي شديد البأس، واجعل عليهم ابنك عبد الله .
إن الحقد الذي يتمتع به معاوية، يختلف عن كل أنواع الحقد، فالرجل وهو في ساعة المحنة لم يغفر لابن العاص سخريته به، فحاول أن يأخذ الثأر منه بإرسال ولده عبد الله، وهو يعلم إنه لا يقوى على مقابلة هذا البطل، ولكنه الحقد، ولكنه الثأر.
واضطر ابن العاص أن يرسل هذه الكتيبة بإمرة ولده، تلبية لطلب سيده، ولكنه ما كاد يلمح المرقال، يستقبلهم بسيفه ويحصد بهم حتى اهتز واضطرب، وأخذ لا يستقر على جواده وهو ينادي: ولدي.. ولدي..
والتفت إليه معاوية ضاحكا قائلا: اسكت لا يسمعك الأعداء فتشمتهم بنا، وهم على مقربة منك، سيعود ولدك صبرا صبرا، فإنه لا بأس عليه..
ولكن عمرو بن العاص ما كان يعي حديث معاوية، بل التفت إليه كالمجنون، وهو يصرخ: ليته كان يزيد، وأراك كيف تصبر.. يا معاوية تركت ولدك في الشام يمرح، وجئت بأولادنا إلى ساحة الحرب، وتبعناك ثم أتريد أن تيتمنا .
وعاد عبد الله، هاربا يجر أذيال الخيبة والفشل، فقد تمكن من الفرار من سيف المرقال، واستقبله أبوه وهو يهدئ روعه ويخفي فشله: لا عليك يا ولدي فقد سبقك أبوك بالهرب من سيف هذا البطل .
وطاف الإمام بين أصحابه يشجعهم على القتال، ويحرضهم على الشهادة، ودارت الحرب بأشد ما شاهدها هاشم في حياته، من قسوة وعنف، وامتد الليل بظلامه، والقتال بعد قائم، لم تخف سورتها إلا بعد أن يتجاوز الليل، ومع الفجر اجتمع الإمام بقادة جيشه: الأشتر، وعمار، والمرقال، يشرح لهم خطته العسكرية، ووجه هاشما إلى القلب، وكان ما أراد، لقد صمد هاشم في القلب وقد فر من فر، وجندل من جندل.
ولحق به الإمام، وهو يصرخ به من خلفه يا هاشم حتى متى تأكل الخبز، وتشرب الماء والتفت هاشم فرأى سيده فتوقف قليلا؛ ريثما تسلم منه لواءه الخاص، وقال له: أريد هذا أن أراه يرفرف في قلب الأعداء فأجابه بكل ثقة واطمئنان: والله يا أمير المؤمنين لأجهدن على ألا أرجع إليك أبدا .
وتقدم إلى الميدان، وهو يقتحم صفوف أهل الشام، وقف معاوية مشدوها، ذاهلا بهذا المنظر، وصاح بدون شعور: أعور بني زهرة قاتله الله، وهاشم يرقل بالراية إرقالا نحو معسكر طاغية أهل الشام، والشمس قد مالت إلى المغيب.
وطاف بجيشه يخطب فيهم، ويقول: ألا، من كان يريد الله والدار الآخرة فليقبل، لا يهولنكم ما ترون من صبرهم، فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها، تحت راياتها وعند مراكزها، وإنهم لعلى الضلال، وإنكم لعلى الحق.
يا قوم اصبروا، وصابروا، واجتمعوا، وامشوا بنا على تؤدة رويدا، ثم تآسوا وتصابروا، واذكروا الله، ولا يسلم رجل منكم أخاه، ولا تكثروا الالتفات، واصمدوا صمدهم، وجالدوهم محتسبين، حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين .
ثم تقدم وهو يرتجز:
أعـور يبغي نفسه خلاصا ... مـثل الفنيق لايسا ولاصا
قد جرب الحرب ولا أناصا...لا دية يخشى ولا قصاصا
كل امرئ وإن كبا وحاصا ... ليس يرى من موته مناصا
ودب الذعر في أهل الشام، وخاف معاوية على أمره فجمع جيشه، وتوجهت النفس المطمئنة إلى بارئها، راضية مرضية، فكانت حومة الميدان، وكان أن فاجأ أحد من الشاميين هاشما بطعنة في بطنه فشقها، ولكن بطولة هاشم طغت عليه، فقبض على طعنته بإحدى يديه، وبيده الأخرى اللواء، وقاوم أهل الشام مقاومة عنيفة، ولم يترك فرصة يفهم بها الشاميون بأمره، وبقي على هذا الأمر وقتا طويلا من النهار، حتى وقعت عينه على ولده عبد الله، فطلبه، فقال له ولده: لماذا لم تتقدم يا أبتاه بالجيش.
وكان جواب المرقال أن رفع يده عن بطنه، فخرجت أمعاؤه فسقط، وكادت تحدث المشكلة، لولا موقف ولده عبد الله العظيم فقد تناول الراية، وقفز على أعدائه، وهو يصبر إخوانه وصحبه، ثم وقف فيهم خطيبا قائلا: أيها الناس، إن هاشما عبدا من عباد الله الذين قدر أرزاقهم، وكتب آثارهم، وأحصى أعمالهم، وقضى آجالهم، فدعاه ربه الذي لا يعصى فأجابه، وسلم الأمر لله وجاهد في طاعة ابن عم رسول الله، وأول من آمن به، وعرف دين الله المخالف لأعداء الله، المستحلين ما حرم الله، الذين عملوا في البلاد بالجور والفساد، واستحوذ عليهم الشيطان، فزين لهم الإثم والعدوان، فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله، وعطل حدود الله، وخالف أولياء الله، فجودوا بمهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا، تصيبوا الآخرة والمنزل الأعلى والملك الذي لا يبلى، فلو لم يكن ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية، ابن آكلة الأكباد، فكيف، وأنتم ترجون ما ترجون .
وهكذا قفز عبد الله بن هاشم إلى قمة البطولة، يستمد من جهاد أبيه وإخلاصه، ومن بطولة أبيه وفداءه، ومن عقيدة أبيه ودعوته، وما دفعه إلى هذا الموقف.
ويقف الولد المثكول على جسد أبيه الممزق، فيرتجز:
أهـاشم بـن عتبة بن مالك ... اعزز بشيخ من قريش هالك
تـخبطه الـخيلات بالسنابك ... فـي أسـود من نقعهن حالك
أبشر بحور العين في الأرائك ... والـروح والريحان عند ذلك
ويدفع بالراية في صفوف أعداء الله بوحي من عقيدته وإيمانه
ولم يتلكأ في الميدان، شعورا بالموقف الدقيق الذي سينال المسلمين لو عرفوا مقتل أبيه؛ لهذا اندفع يرقل بالراية في صفوف الأعداء ليوهم الجيش إن هاشما بالميدان، وفعلا كان، ولم يتضعضع الموقف.
ويقف الإمام في النهاية على أشلاء هاشم وصحبه، يودعهم بدموعه الحارة النقية، ويرثيهم بعواطفه الكبيرة وهو يقول: رحم الله هاشما وصحبه، رجال عرفوا الحق فجاهدوا في سبيله، وماتوا دونه.
ويصرع هاشم في ساحة الميدان، ويذهب عبد الله بعد أبيه، والزمان يدور، ويسجل في صفحاته سطورا خالدة تشرق بالعزة والكرامة، وتشع بالإيمان والإخلاص!!
وهكذا كان أبطال مدرسة الإمام علي (عليه السلام) أفذاذا وعمالقة في جهادهم، وحياتهم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|