أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2017
2614
التاريخ: 9-10-2017
2298
التاريخ: 12-10-2017
2357
التاريخ: 10-12-2017
2824
|
أفلت دولة الحقّ التي تبنّت حقوق الإنسان وقضاياه المصيرية ، وواكبت العدل الاجتماعي والعدل السياسي ، وأقامت صروح الحقّ ومعاقل الشرف والفضيلة لكلّ إنسان .
ولم يعهد الشرق في جميع مراحل تأريخه حكماً نزيهاً وعادلاً كحكم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي لم يخضع في جميع فتراته لأيّة عاطفة لا تتّصل بالحقّ ؛ فقد تجرّد حكمه عن كلّ نزعة يؤول أمرها إلى التراب .
وقد نقمت عليه كأشدّ ما يكون الانتقام الرأسمالية القرشيّة ؛ فقد خافت على مصالحها ، وخافت على أموالها التي استولت عليها بغير حقّ ، فوضعت الحواجز والسدود أمام مخطّطاته السياسيّة الهادفة إلى الإصلاح الشامل ، واتّهمته بالتآمر على قتل عثمان عميد الاُسرة الاُمويّة ، واتّخذت من قتله ورقة رابحة لفتح أبواب الحرب عليه ، فكانت حرب الجمل وصفين والنهروان .
وقد انهارت حكومة الإمام (عليه السّلام) ، وبقي في أرض الكوفة يصعّد زفراته وآهاته ، وقد استفحل شرّ معاوية وقوي سلطانه ، واتّسع نفوذه ،
وزادت قواته العسكريّة وتسلّحت بجميع المعدّات الحربية في ذلك العصر ، وأخذ معاوية يشنّ الغارات على معظم الأقاليم الإسلاميّة الخاضعة لحكم الإمام ، فكانت جيوشه تقتل وتنهب الأموال ؛ وذلك لإسقاط هيبة حكومة الإمام ، وأنّها لا تقدر على حماية الأمن العام للمواطنين .
وقد انتهت الغارات إلى الكوفة والإمام (عليه السّلام) يدعو جيشه لحماية البلاد وصدّ العدوان الغادر على الناس فلم يستجيبوا له ؛ فقد خلدوا إلى الراحة وسئموا الحرب وشاعت في أوساطهم أوبئة الخوف من معاوية . وأخذ الإمام الممتحن يناجي ربّه ويدعوه أن ينقذه من ذلك المجتمع الذي لم يعِ مبادئه وسياسته الهادفة إلى نشر العدل وإشاعة المساواة بين الناس .
وتوالت المحن الشاقة يتبع بعضها بعضاً على الإمام (عليه السّلام) ، وكان من أشقّها عليه الغارات المتّصلة التي تشنّها قوات معاوية على أطراف البلاد الإسلاميّة ، وترويعها للنساء والأطفال والعُجّز ، والإمام مسؤول عن توفير الأمن لهم وحمايتهم من كلّ أذى أو مكروه ، ولكنّه لم يجد سبيلاً لذلك ؛ لأنّ جيشه قد تمرّد عليه ، وسرت فيه أوبئة الخوف وأفكار الخوارج ممّا جعلته أعصاباً رخوة لا حراك فيها ولا حياة .
وكان من بين الذين اعتنقوا مبادئ الخوارج الأثيم المجرم عبد الرحمن بن ملجم ، فنزح مع عصابة من الخواج إلى مكة ، وعقدوا فيها مؤتمراً عرضوا فيه ما لاقاه حزبهم من القتل والتنكيل ، وما مُني به العالم الإسلامي من الفتن والخطوب ، وعزوا ذلك إلى الإمام (عليه السّلام) ومعاوية وابن العاص ، فصمّموا على اغتيالهم ، فقال ابن ملجم : أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب .
وقال عمرو بن بكير التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص .
وضمن الحجّاج بن عبد الله الصريمي اغتيال معاوية ، واتّفقوا على يوم معيّن وهو يوم الثامن عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، كما عيّنوا ساعة الاغتيال وهي ساعة خروجهم إلى صلاة الصبح .
وقفل ابن ملجم إلى الكوفة ، وهو يحمل معه الشرّ والشقاء لجميع سكّان الأرض ، والتقى بقطام وكان هائماً في حبّها ، وكانت تعتنق فكرة الخوارج ؛ فقد قُتل أبوها وأخوها في واقعة النهروان ، وعرض عليها الزواج ،
فشرطت عليه مهراً وهو ثلاثة آلاف درهم ، وعبد وقينة ، وقتل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، واتّفقا على هذا المهر المشؤوم ، وفيه يقول الفرزدق :
ولـم أرَ مـهراً سـاقهُ ذو سماحةٍ ... كـمهرِ قـطامٍ مـن فصيحٍ وأعجمِ
ثـلاثـة آلافٍ وعـبـد وقـيـنة ... وضـرب عـليّ بـالحسامِ المسمّمِ
فـلا مهرَ أغلى من عليّ وإن غلا ... ولا فتكَ إلاّ دونَ فتك ابن ملجمِ
ولمّا أطلّت ليلة الثامن عشر من شهر رمضان المبارك اضطرب الإمام (عليه السّلام) ، وجعل يمشي في صحن الدار وهو محزون النفس خائر القوى ، وهو ينظر إلى الكواكب ويتأمّل فيها فيزداد قلقه ، وهو يقول : ما كذبتُ ولا كُذّبت ، إنّها الليلة التي وُعدت فيها .
وصادفت تلك الليلة ليلة الجمعة ، وقد أحياها بالصلاة وتلاوة كتاب الله ، ولمّا عزم على الخروج إلى الجامع ليؤدّي الصلاة صاحت في وجهه وزّ اُهديت إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، فتنبّأ عن وقوع الحادث العظيم قائلاً : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، صوائح تتبعها نوائح .
وأقبل الإمام (عليه السّلام) على الباب ليفتحه فعسر عليه ؛ لأنّها كانت من جذوع النخل لا من الساج ، فاقتلعها فانحلّ إزاره ، فشدّه وهو يقول :
اشدد
حيازمكَ للموتِ ... فـإنّ الـموتَ لاقيكا
ولا تجزع من الموتِ ... إذا حـلّ بناديكا
وخرج الإمام (عليه السّلام) ، فلمّا انتهى إلى بيت الله جعل على عادته يوقظ الناس لصلاة الصبح ، وشرع الإمام في أداء الصلاة ، فلمّا استوى من السجدة الأولى هوى عليه
الوغد الأثيم ابن ملجم بسيفه وهو يهتف بشعار الخوارج : ( الحكم لله لا لك ) .
وضرب الإمام (عليه السّلام) على رأسه فقدّ جبهته الشريفة ، وانتهت الضربة القاسية إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر إلاّ في إقامة العدل وتدمير الظلم وإسعاد البؤساء والفقراء .
ولمّا أحسّ الإمام (عليه السّلام) بلذع السيف ، رفع صوته قائلاً : فزت وربّ الكعبة .
لقد فزت يا إمام المتّقين ويعسوب الدين ، فأيّ فوز أعظم من فوزك ؟ لقد أقمت الإسلام بسيفك ، وجاهدت في سبيل الله كأعظم ما يكون الجهاد ، وحطّمت الشرك وأفكار الجاهليّة وتقاليدها ، ورفعت كلمة الله مع ابن عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عالية في الأرض .
لقد فزت أيّها الإمام العظيم ، فأنت أوّل حاكم في دينا الإسلام طلّقت الدنيا ثلاثاً فلم تغرّك مباهجها ، ولم تخدعك السلطة ، فلم تبنِ لك بيتاً ، ولم تدّخر لعيالك وأبنائك شيئاً من حطام الدنيا.
لقد فزت ، فقد كانت نهايتك المشرّفة في أقدس بيت من بيوت الله ، وفي أعظم شهر من شهور الله ، فبداية حياتك في الكعبة ، ونهايتها في هذا الجامع العظيم ، ولسانك يلهج بذكر الله .
ولمّا رُفع الإمام (عليه السّلام) صريعاً في محرابه هتف معرّفاً بقاتله قائلاً : قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم فلا يفوتنّكم .
وهرع الناس من كلّ جانب ، قد أذهلهم الخطب وأضناهم المصاب ، وبلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق ، فوجدوا الإمام صريعاً في محرابه ، فأخذوا يندبونه بذوب أرواحهم ، ولم يستطع الإمام (عليه السّلام) الصلاة بالناس ، فصلّى وهو جالس والدم ينزف منه ، وأمر ولده الإمام الحسن فصلّى بالناس ، وحُمل الإمام إلى منزله ، واُلقي القبض على الوغد ابن ملجم فجيء به مخفوراً إلى الإمام (عليه السّلام) ، فقال له بصوت خافت : لقد جئت شيئاّ إدّاً ، وأمراً عظيماً ! ألم أشفق عليك واُقدّمك على غيرك في العطاء ، فلماذا تجازيني بهذا الجزاء ؟ .
والتفت الإمام (عليه السّلام) إلى ولده الحسن (عليه السّلام) فأوصاه بالبرّ والإحسان بابن ملجم قائلاً : يا بُني ، ارفق بأسيرك وارحمه ، واشفق عليه .
فبُهر الحسن (عليه السّلام) وقال : يا أبتاه ، قتلك هذا اللعين ، وفجعنا بك ، وأنت تأمرنا بالرفق به ! . فأجابه الإمام (عليه السّلام) بما انطوت عليه نفسه من المُثل العليا قائلاً : يا بُني ، نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة ؛ أطعمه ممّا تأكل ، واسقه ممّا تشرب ، فإن أنا متّ فاقتصّ منه بأن تقتله ، ولا تمثّل بالرجل ؛ فإنّي سمعت جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور . وإن أنا عشت فأعلم ما أفعله به ، وأنا أولى بالعفو ؛ فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً .
أيّ نفس ملائكية هذه النفس التي توصي بالبرّ والإحسان لقاتلها ؟!
وبكت السيّدة اُمّ كلثوم ، وأخذت تندب أباها بأشجى ما تكون الندبة ، وأكبر الظنّ أنّها العقيلة الزينب ، فقالت للباغي الأثيم ابن ملجم : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين ! فردّ عليها الباغي الزنيم : لم أقتل أمير المؤمنين ، ولكن قتلت أباك . فردّت عليه : والله ، إنّي لأرجو أن لا يكون عليه بأس . فأجابها ابن ملجم بصلف وشماتة : فلِمَ تبكين إذاً ؟ عليَّ تبكين ؟! والله لقد أرهقت السيف ، ونفيت الخوف ، وخسئت الأجل ، وقطعت الأمل ، وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ ـ وقيل : بربيعة أو مضر ـ لأتت عليهم . والله ، لقد سممته شهراً ، فإن أخلفني فأبعده سيفاً وأسحقه !
لك الويل أيّها الأثيم ! فقد عمدت لاغتيال أقدس إنسان بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، أراد أن يُقيم الحقّ ويوزّع خيرات الله في الأرض على المحرومين والمضطهدين ، لقد خسرت صفقتك وبئت بغضب الله وعذابه الدائم .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|