المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

استخدام الميكروسكوب بالضوء المنقول في تحليل البوليمر
10-12-2017
محشي ورق العنب
28-7-2016
مـهـام إدارة حـيـاة المـنتـج
2023-06-16
المقال التحليلي
18/12/2022
الليمونايت Limonite
14-4-2021
Method of Washers
23-8-2018


تفسير آية (72-75) من سورة المائدة  
  
9538   06:42 مساءً   التاريخ: 17-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة : 72 - 75].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة 72-74].

عاد تعالى إلى ذكر النصارى ، فقال : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} وهذا مذهب اليعقوبية منهم ، لأنهم قالوا : إن الله اتحد بالمسيح اتحاد الذات ، فصارا شيئا واحدا ، وصار الناسوت لاهوتا ، وذلك قولهم إنه الاله {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} أي : خالقي وخالقكم ، ومالكي ومالككم ، وإني وإياكم عبيده {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} أي بأن يزعم أن غيره يستحق العبادة مع ما ثبت أنه لا يقدر أحد على فعل ما يستحق به العبادة ، سوى الله تعالى {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} والتحريم هاهنا تحريم منع ، لا تحريم عبادة ، ومعناه فإن الله يمنعه الجنة {وَمَأْوَاهُ} أي : مصيره {النَّارُ} وهذا كله إخبار من المسيح لقومه {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} معناه : لا ناصر لهم يخلصهم مما هم فيه من أنواع العذاب ، ثم أقسم تعالى قسما آخر فقال {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} والقائلون بهذه المقالة جمهور النصارى من الملكانية ، واليعقوبية ، والنسطورية ، لأنهم يقولون : " ثلاثة أقاليم جوهر واحد : آب ، وابن ، وروح القدس ، إله واحد " ، ولا يقولون ثلاثة آلهة ، ويمنعون من هذه العبارة وإن كان يلزمهم أن يقولوا ثلاثة آلهة ، فصح أن يحكى عنهم بالعبارة اللازمة ، وإنما قلنا إنه يلزمهم ذلك ، لأنهم يقولون : الابن إله ، والأب إله ، وروح القدس إله . والابن ليس هو الأب {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي : ليس إله إلا إلها واحدا ، وإنما دخلت من للتوكيد {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ} أي : وإن لم يرجعوا ويتوبوا عما يقولون من القول بالتثليث ، أقسم {لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وإنما خص سبحانه (2) الذين يستمرون على كفرهم ، لأنه علم أن بعضهم يؤمن ، عن أبي علي الجبائي ، والزجاج . وقيل : إنه عم بقوله {الَّذِينَ كَفَرُوا} الفريقين الذين قالوا : إن الله هو المسيح بن مريم ، والذين قالوا : إن الله هو ثالث ثلاثة ، والضمير عائد إلى أهل الكتاب .

وليس في هذا دلالة على أن في أفعال الجوارح ما هو كفر ، لأنه إنما يتضمن أن من قال : إنه ثالث ثلاثة ، فهو كافر ، ولا خلاف في ذلك ، فإن من قال : إن الكفر هو الجحود بالقلب ، قال : إن في أفعال الجوارح ما يدل على الكفر الذي هو الجحود مثل هذه المقالة ، ومثل السجود للصنم ، وغير ذلك ، فلا دلالة في الآية على ما قالوه {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} قال الفراء : هذا أمر في لفظ الاستفهام ، وقد يرد الامر بلفظ الاستفهام كقوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وإنما دخلت {إِلَى} لان معنى التوبة الرجوع إلى طاعة الله ، لان التائب بمنزلة من ذهب عنها ، ثم عاد إليها {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} الفرق بين التوبة والاستغفار أن الاستغفار : طلب المغفرة بالدعاء ، والتوبة ، أو غيرهما من الطاعة ، والتوبة الندم على المعصية مع العزم على أن لا يعود إلى مثلها في القبح .

والاستغفار مع الإصرار على القبيح لا يصح {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر الذنوب ويسترها رحمة منه لعباده ، وفي هذه الآية تحريض على التوبة ، وحث على الاستغفار .

{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة : 75] .

لما قدم سبحانه ذكر مقالات النصارى ، عقبه بالرد عليهم والحجاج لهم ، فقال : {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ} أي : ليس هو بإله {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أي : كما أن الرسل الذين مضوا قبله ، ليسوا بآلهة ، وإن أتوا بالمعجزات الباهرات ، فكذلك المسيح . فمن ادعى له الإلهية ، فهو كمن ادعى لهم الإلهية لتساويهم في المنزلة {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} لأنها تصدق بآيات ربها ، ومنزلة ولدها ، وتصدقه فيما أخبرها به ، بدلالة قوله {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} عن الحسن ، والجبائي ، وقيل : سميت صديقة لكثرة صدقها ، وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} قيل فيه قولان أحدهما : إنه احتجاج على النصارى بأن من ولده النساء ، ويأكل الطعام ، لا يكون إلها للعباد ، لان سبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبر . والمعنى : إنهما كانا يعيشان بالغذاء ، كما يعيش سائر الخلق ، فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام : وهذا معنى قول ابن عباس . والثاني : إن ذلك كناية عن قضاء الحاجة ، لأن من أكل الطعام ، لا بد له من الحدث ، فلما ذكر الأكل ، صار كأنه أخبر عن عاقبته {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ} أمر سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته ، بأن يفكروا فيما بين تعالى من الآيات أي : الدلالات على بطلان ما اعتقدوه من ربوبية المسيح ، ثم أمر بأن ينظر {ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي : كيف يصرفون عن الحق الذي يؤدي إليه تدبر الآيات .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 391-394 .

2 . [منهم] .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهً هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} . غالى اليهود في تحقير عيسى وأمه ، وغالى النصارى في تعظيمهما ، حتى ارتفعا بهما إلى مكان الآلهة ، والغلو في نظر الإسلام كفر بشتى صوره وأشكاله . قال الإمام علي ( عليه السلام ) :

« سيهلك فيّ صنفان : محبّ مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، وخير الناس فيّ حالا النمط الأوسط فالزموه » .

{وقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهً رَبِّي ورَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ومَأْواهُ النَّارُ وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} . المسيح من بني إسرائيل وأنذر أول من أنذر قومه ، فأمرهم بعبادة اللَّه وحده معترفا بأنه ربه وربهم ، ومنذرا من يشرك باللَّه بأليم العذاب ، ولكن النصارى أبوا إلا القول بربوية عيسى ( عليه السلام ) ومن جحد بها فقد جحد بخالق الكون في عقيدتهم .

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهً ثالِثُ ثَلاثَةٍ} . أنكر سبحانه على النصارى أولا تأليه السيد المسيح ( عليه السلام ) ، ثم أنكر عليهم في هذه الآية جعلهم اللَّه واحدا من ثلاثة ، وقولهم : إن اللَّه هو الأب والمسيح هو الابن ، ثم حل الأب في الابن واتحد به فكوّن روح القدس ، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة هو عين الآخر ، وهو غيره . وتقدم الكلام في ذلك عند تفسير الآية 17 من هذه السورة ، والآية 170 من سورة النساء .

{ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ} . سئل الإمام علي ( عليه السلام ) عن التوحيد والعدل ، فقال :

التوحيد ان لا تتوهمه ، والعدل أن لا تتهمه . أي من توحيد اللَّه ان لا تتصوره بوهمك ، لأن كل موهوم محدود واللَّه لا يحد بوهم ، والعدل ان لا تتهم اللَّه بحكمته ، وانه فعل ما لا ينبغي أن يفعل .

{وإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} . وتسأل :

ان ( منهم ) في الآية تدل بظاهرها ان النصارى فيهم الكافر والمؤمن ، مع العلم بأنهم جميعا يقولون بألوهية عيسى واللَّه سبحانه يقول : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهً هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ؟

وأجاب المفسرون بأن ( منهم ) أخرجت من تاب وأسلم ، وأبقت من أصر على الكفر . . ويلاحظ بأن من أسلم لا يعد منهم ، والصحيح ان النصارى ظلوا على عقيدة التوحيد ، والإيمان بنبوة عيسى أمدا غير قصير ، ثم انقسموا إلى طائفتين : إحداهما تؤمن بالتوحيد ، والأخرى تقول بالتعدد . . وعلى طول الأمد اتفقت كلمة الجميع على التثليث ، وعلى هذا فلفظ ( منهم ) اخرج الطائفة البائدة التي كانت تؤمن بنبوة عيسى ، لا بألوهيته . وتقدم الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 17 من هذه السورة .

{أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ ويَسْتَغْفِرُونَهُ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . ما أوضح هذا الكلام .

ورغم هذا الوضوح أبى بعض المفسرين إلا أن يفسره ويقول : « هنا فعل محذوف ، والتقدير أفلا يسمعون ما قلنا فيتوبون » وهكذا يأتي الشيء جامدا باردا إذا كان في غير محله .

{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} . كنوح وإبراهيم وموسى وغيرهم ، وقد أظهر اللَّه المعجزات على أيديهم كما أظهرها على يد عيسى ، فالقول بربوبيته من دونهم ترجيح بلا مرجح {وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} . وبيّن اللَّه معنى الصديقة بقوله : { وصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وكُتُبِهِ ، وكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} [التحريم : - 12] .

{ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ } . كل من افتقر إلى شيء ، أي شيء ولو إلى مكان أو زمان فهو مخلوق ، لأن الافتقار وصف لازم له ، ولا ينفك عنه بحال ، وإلا كان خالقا غير مخلوق . . كما ان الغنى عن كل شيء وصف لازم للخالق ، ومحال أن ينفك عنه ، وإلا كان مخلوقا . . وبديهة أن من يأكل الطعام فهو في أشد الحاجة إليه . . إذن ، هو مخلوق وليس بخالق . . وغريب أن تخفى هذه البديهة الواضحة على عاقل . . ولهذا المنطق ونصاعته عقّب سبحانه على موقفهم بقوله - مستنكرا - { انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ } . ومن هذه الآيات ان المسيح وأمه كانا يأكلان الطعام ، فكيف يكونان إلهين ؟ . { ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . أي معرضين عن الحق مكذبين له تمردا وعنادا .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 103-105 .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } وهذا كالبيان لكون النصارى لم تنفعهم النصرانية والانتساب إلى المسيح عليه‌ السلام عن تعلق الكفر بهم إذ أشركوا بالله ولم يؤمنوا به حق إيمانه حيث قالوا : إن الله هو المسيح بن مريم.

والنصارى وإن اختلفوا في كيفية اشتمال المسيح بن مريم على جوهرة الألوهية بين قائل باشتقاق أقنوم المسيح وهو العلم من أقنوم الرب (تعالى) وهو الحياة ، وذلك الأبوة والبنوة ، وقائل بأنه تعالى صار هو المسيح على نحو الانقلاب ، وقائل بأنه حل فيه كما تقدم بيان ذلك تفصيلا في الكلام على عيسى بن مريم عليه‌ السلام في تفسير سورة آل عمران في الجزء الثالث من الكتاب.

لكن الأقوال الثلاثة جميعا تقبل الانطباق على هذه الكلمة (أن الله هو المسيح بن مريم) فالظاهر أن المراد بالذين تفوهوا بهذه الكلمة جميع النصارى الغالين في المسيح عليه‌ السلام لا خصوص القائلين منهم بالانقلاب.

وتوصيف المسيح بابن مريم لا يخلو من دلالة أو إشعار بسبب كفرهم وهو نسبة الألوهية إلى إنسان ابن إنسان مخلوقين من تراب ، وأين التراب ورب الأرباب ؟!.

قوله تعالى : { وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } (إلى آخر الآية) احتجاج على كفرهم وبطلان قولهم بقول المسيح عليه‌ السلام نفسه ؛ فإن قوله عليه‌ السلام : { اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } يدل على أنه عبد مربوب مثلهم ، وقوله : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } يدل على أن من يجعل لله شريكا في ألوهيته فهو مشرك كافر محرم عليه الجنة .

وفي قوله تعالى حكاية عنه عليه‌ السلام : { فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ } عناية بإبطال ما ينسبونه إلى المسيح من حديث التفدية ، وأنه عليه‌ السلام باختياره الصلب فدى بنفسه عنهم فهم مغفور لهم مرفوع عنهم التكاليف الإلهية ومصيرهم إلى الجنة ولا يمسون نارا كما تقدم نقل ذلك عنهم في تفسير سورة آل عمران في قصة عيسى عليه‌ السلام فقصة التفدية والصلب إنما سيقت لهذا الغرض.

وما تحكيه الآية من قوله عليه‌ السلام موجود في متفرقات الأبواب من الأناجيل كالأمر بالتوحيد ، (2) وإبطال عبادة المشرك ، (3) والحكم بخلود الظالمين في النار (4) .

قوله تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ} أي أحد الثلاثة : الأب والابن والروح ، أي هو ينطبق على كل واحد من الثلاثة ، وهذا لازم قولهم : إن الأب إله ، والابن إله ، والروح إله ، وهو ثلاثة ، وهو واحد يضاهئون بذلك نظير قولنا : إن زيد بن عمرو إنسان ، فهناك أمور ثلاثة هي : زيد وابن عمرو والإنسان ، وهناك أمر واحد وهو المنعوت بهذه النعوت ، وقد غفلوا عن أن هذه الكثرة إن كانت حقيقية غير اعتبارية أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة ، وأن المنعوت إن كان واحدا حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة اعتبارية غير حقيقية فالجمع بين هذه الكثرة العددية والوحدة العددية في زيد المنعوت بحسب الحقيقة مما يستنكف العقل عن تعقله.

ولذا ربما ذكر بعض الدعاة من النصارى أن مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذاهب الأسلاف التي لا تقبل الحل بحسب الموازين العلمية ، ولم يتنبه أن عليه أن يطالب الدليل على كل دعوى يقرع سمعه سواء كان من دعاوي الأسلاف أو من دعاوي الأخلاف .

قوله تعالى : {وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ} (إلى آخر الآية) رد منه تعالى لقولهم : {إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ} بأن الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية الكثرة بوجه من الوجوه فهو تعالى في ذاته واحد ، وإذا اتصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد ذلك على ذاته الواحدة شيئا ولا الصفة إذا أضيفت إلى الصفة أورث ذلك كثرة وتعددا فهو تعالى أحدي الذات لا ينقسم لا في خارج ولا في وهم ولا في عقل.

فليس الله سبحانه بحيث يتجزأ في ذاته إلى شيء وشيء قط ، ولا أن ذاته بحيث يجوز أن يضاف إليه شيء فيصير اثنين أو أكثر ، كيف ؟ وهو تعالى مع هذا الشيء الذي تراد إضافته إليه تعالى في وهم أو فرض أو خارج .

فهو تعالى واحد في ذاته لكن لا بالوحدة العددية التي لسائر الأشياء المتكون منها الكثرات ، ولا منعوت بكثرة في ذات أو اسم ، أو صفة ، كيف؟ وهذه الوحدة العددية والكثرة المتألفة منها كلتاهما من آثار صنعه وإيجاده فكيف يتصف بما هو من صنعه ؟ .

وفي قوله تعالى : { وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ } من التأكيد في إثبات التوحيد ما ليس في غيره حيث سيق الكلام بنحو النفي والاستثناء ، ثم أدخل { مِنْ } على النفي لإفادة تأكيد الاستغراق ، ثم جيء بالمستثنى وهو قوله : { إِلهٌ واحِدٌ } بالتنكير المفيد للتنويع ولو أورد معرفة كقولنا { إلا الإله الواحد } لم يفد ما يرام من حقيقة التوحيد.

فالمعنى : { ليس في الوجود شيء من جنس الإله أصلا إلا إله واحد نوعا من الوحدة لا يقبل التعدد أصلا لا تعدد الذات ولا تعدد الصفات ، لا خارجا ولا فرضا ، ولو قيل : وما من إله إلا الله الواحد لم يدفع به قول النصارى (إن الله ثالث ثلاثة) فإنهم لا ينكرون الوحدة فيه تعالى ، وإنما يقولون : إنه ذات واحدة لها تعين بصفاتها الثلاث ، وهي واحدة في عين أنها كثيرة حقيقة .

ولا يندفع ما احتملوه من المعنى إلا بإثبات وحدة لا تتألف منه كثرة أصلا ، وهو الذي يتوخاه القرآن الكريم بقوله : { وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ }.

وهذا من لطائف المعاني التي يلوح إليها الكتاب الإلهي في حقيقة معنى التوحيد وسنغور في البحث المستوفى عنه في بحث قرآني خاص ثم في بحث عقلي وآخر نقلي إيفاء لحقه .

قوله تعالى : { وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ } تهديد لهم بالعذاب الأليم الأخروي الذي هو ظاهر الآية الكريمة .

ولما كان القول بالتثليث الذي تتضمنه كلمة : { إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ } ليس في وسع عقول عامة الناس أن تتعقله فأغلب النصارى يتلقونه قولا مذهبيا مسلما بلفظة من غير أن يعقلوا معناه ، ولا أن يطمعوا في تعقله كما ليس في وسع العقل السليم أن يعقله عقلا صحيحا ، وإنما يتعقل كتعقل الفروض المحالة كالإنسان اللاإنسان ، والعدد الذي ليس بواحد ولا كثير ولا زوج ولا فرد فلذلك تتسلمه العامة تسلما من غير بحث عن معناه ، وإنما يعتقدون في البنوة والأبوة شبه معنى التشريف فهؤلاء في الحقيقة ليسوا من أهل التثليث ، وإنما يمضغون الكلمة مضغا ، وينتمون إليها انتماء بخلاف غير العامة منهم وهم الذين ينسب الله سبحانه إليهم اختلاف المذاهب ويقرر أن ذلك ببغيهم كما قال تعالى : { (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ـ إلى أن قال : ـ وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) } [الشورى : 14] .

فالكفر الحقيقي الذي لا ينتهي إلى استضعاف ـ وهو الذي فيه إنكار التوحيد والتكذيب بآيات الله ـ إنما يتم في بعضهم دون كلهم ، وإنما أوعد الله بالنار الخالد الذين كفروا وكذبوا بآيات الله ، قال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } : البقرة : 39 إلى غير ذلك من الآيات ، وقد مر الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى : { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ } الآية [النساء : 98] .

ولعل هذا هو السر في التبعيض الظاهر من قوله : { لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ } أو أن المراد به الإشارة إلى أن من النصارى من لا يقول بالتثليث ، ولا يعتقد في المسيح إلا أنه عبد الله ورسوله ، كما كانت على ذلك مسيحيو الحبشة وغيرها على ما ضبطه التاريخ فالمعنى : لئن لم ينته النصارى عما يقولون (نسبة قول بعض الجماعة إلى جميعهم) ليمسن الذين كفروا منهم ـ وهم القائلون بالتثليث منهم ـ عذاب أليم.

وربما وجهوا الكلام أعني قوله : { لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ } بأنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر ، والأصل : ليمسنهم (انتهى) ، وإنما عدل إلى وضع الموصول وصلته مكانه ليدل على أن ذلك القول كفر بالله ، وأن الكفر سبب العذاب الذي توعدهم به .

وهذا وجه لا بأس به لو لا أن الآية مصدرة بقوله : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ } ونظيره في البعد قول بعض آخر : إن ( من ) في قوله { مِنْهُمْ } بيانية فإنه قول من غير دليل .

قوله تعالى : { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } تحضيض على التوبة والاستغفار ، وتذكير بمغفرة الله ورحمته ، أو إنكار أو توبيخ.

قوله تعالى : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ } رد لقولهم : { إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ } أو لقولهم هذا وقولهم المحكي في الآية السابقة : { إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } جميعا ، ومحصله اشتمال المسيح على جوهرة الألوهية ، بأن المسيح لا يفارق سائر رسل الله الذين توفاهم الله من قبله كانوا بشرا مرسلين من غير أن يكونوا أربابا من دون الله سبحانه ، وكذلك أمه مريم كانت صديقة تصدق بآيات الله تعالى وهي بشر ، وقد كان هو وأمه جميعا يأكلان الطعام ، وأكل الطعام مع ما يتعقبه مبني على أساس الحاجة التي هو أول أمارة من أمارات الإمكان والمصنوعية فقد كان المسيح عليه‌ السلام ممكنا متولدا من ممكن ، وعبدا ورسولا مخلوقا من أمه كانا يعبدان الله ، ويجريان في سبيل الحاجة والافتقار من دون أن يكون ربا.

وما بيد القوم من كتب الإنجيل معترفة بذلك تصرح بكون مريم فتاة كانت تؤمن بالله وتعبده ، وتصرح بأن عيسى تولد منها كالإنسان من الإنسان ، وتصرح بأن عيسى كان رسولا من الله إلى الناس كسائر الرسل وتصرح بأن عيسى وأمه مريم كانا يأكلان الطعام.

فهذه أمور صرحت بها الأناجيل ، وهي حجج على كونه عليه‌ السلام عبدا رسولا.

ويمكن أن تكون الآية مسوقة لنفي ألوهية المسيح وأمه كليهما على ما يظهر من قوله تعالى : { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ } : المائدة : 116 أنه كان هناك من يقول بألوهيتها كالمسيح أو أن المراد به اتخاذها إلها كما ينسب إلى أهل الكتاب أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وذلك بالخضوع لها ولهم بما لا يخضع لبشر بمثله .

وكيف كان فالآية على هذا التقدير تنفي عن المسيح وأمه معا الألوهية بأن المسيح كان رسولا كسائر الرسل ، وأمه كانت صديقة ، وهما معا كانا يأكلان الطعام ، وذلك كله ينافي الألوهية.

وفي قوله تعالى : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } حيث وصف الرسل بالخلو من قبله ، وهو الموت تأكيد للحجة بكونه بشرا يجوز عليه الموت والحياة كما جاز على الرسل من قبله.

قوله تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } الخطاب للنبي ، ص وهو في مقام التعجيب أي تعجب من كيفية بياننا لهم الآيات ، وهو أوضح بيان لأظهر آية في بطلان دعواهم ألوهية المسيح ، وكيفية صرفهم عن تعقل هذه الآيات ؛ فإلى أي غاية يصرفون عنها ، ولا تلتفت إلى نتيجتها ـ وهي بطلان دعواهم ـ عقولهم ؟ .

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 57-62 .

2. الإصحاح 12 : 29 (إنجيل مرقس) .

3. الإصحاح 6 : 24 (إنجيل متى) .

4. الإصحاح 13 : 50 ، 25 : 31 ـ 47 (إنجيل متى أيضا) .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

تعقيبا على البحوث الماضية بشأن انحرافات اليهود التي مرّت في الآيات السابقة ، تتحدث هذه الآيات والتي تليها عن انحرافات المسيحيين ، فتبدأ أولا بأهم تلك الانحرافات ، أي «تأليه المسيح» «تثليث المعبود» : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} .

وأيّ كفر أشدّ من أن يجعلوا الله اللامحدود من جميع الجهات متحدا مع مخلوق محدود من جميع الجهات ، وأن يصفوا الخالق بصفات المخلوق. مع أنّ المسيح عليه ‌السلام نفسه يعلن صراحة لبني إسرائيل : {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} وبهذا يستنكر كل لون من ألوان الشرك ، ويفرض الغلوّ في  شخصه ، ويعتبر نفسه مخلوقا كسائر مخلوقات الله .

ولكي يشدد المسيح التوكيد على هذا الأمر ، وليزيل كل إبهام وخطأ ، يضيف قائلا : {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ} .

ويمضي في التوكيد وإثبات أنّ الشرك والغلو ضرب من الظلم الواضح ، فيقول أيضا : {وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} .

سبق أن أشرنا إلى أنّ تاريخ المسيحية يؤكّد بأنّ التثليث لم يكن معروفا في القرون الأولى من المسيحية ، ولا حتى على عهد المسيح عليه ‌السلام ، بل أن الأناجيل الموجودة ـ على الرغم من كل ما فيها  من تحريفات وإضافات ـ ليس فيها أدنى إشارة إلى التثليث ، وهذا ما يعترف به المحققون المسيحيون أنفسهم ، وعليه فإن ما ورد في الآية المذكورة عن إصرار المسيح عليه ‌السلام على مسألة التوحيد إنّما ينسجم مع المصادر المسيحية الموجودة ، ويعتبر من دلائل عظمة القرآن (2) .

وينبغي الالتفات إلى أنّ الموضوع الذي تتناوله الآية هو الغلو ووحدة المسيح بالله . أو بعبارة أخرى ، هو «التوحيد في التثليث» ، ولكن الآية التّالية تشير إلى مسألة «تعدد الآلهة» في نظر المسيحيين ، أي «التثليث في التوحيد» ، وتقول : إنّ الذين قالوا أن الله ثالث الأقانيم (3) الثلاثة لا ريب أنّهم كافرون : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ} .

اعتقد كثير من المفسّرين ، ومنهم الطبرسي في «مجمع البيان» ، والشيخ الطوسي في «التبيان» ، والفخر الرازي والقرطبي في تفسيريهما ، أنّ الآية السابقة تشير إلى فرقة من المسيحيين باسم «اليعاقبة» يعتقدون أن الله متحد بالمسيح عليه‌ السلام ، وهذه الآية وردت بشأن فرقة أخرى هي «الملكانية» و «النسطورية» الذين يقولون بالأقانيم الثلاثة ، أو الآلهة الثلاثة .

غير أنّ هذه النظرة عن المسيحية كما سبق أن قلنا ـ لا تطابق مع الواقع ، لأن الإعتقاد بالتثليث عام بين المسيحيين كافة ، كما أن التوحيد بيننا نحن المسلمين عقيدة عامّة قطعية ، ولكنّهم في الوقت الذي يعتقدون حقا بتثليث الأرباب ، يؤمنون أيضا بالوحدة الحقيقية ، قائلين أن ثلاثة حقيقيين يؤلفون واحدا حقيقيا !

الظاهر أنّ الآيتين المذكورتين تشيران إلى جانبين مختلفين لهاتين القضيتين : في الأولى إشارة إلى وحدة الآلهة الثلاثة ، وفي الثّانية إشارة إلى تعددها ، وتوالي المسألتين هو في الحقيقة إشارة الى واحد من الأدلة الواضحة على بطلان عقيدتهم ، فكيف يمكن لله أن يكون واحدا مع المسيح وروح القدس مرّة ، ومرّة أخرى يكون ثلاثة أشياء؟ أمن المعقول أن يتساوى الثلاثة مع الواحد ؟!

إنّ ما يؤيد هذه الحقيقة هو أنّنا لا نجد بين المسيحيين أية طائفة لا تؤمن بالآلهة الثلاثة ! (4) .

ويرد القرآن عليهم ردا قاطعا فيقول : {وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ} وفي ذكر  «من» قبل «إله» نفي أقوي لأي معبود آخر.

ثمّ ينذرهم بلهجة قاطعة : {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}.

يقول بعضهم أن «من» في «منهم» بيانية ، ولكن الظاهر أنّها تبعيضية تشير إلى الذين بقوا على كفرهم حتى بعد أن دعا القرآن إلى التوحيد ، لا الذين تابوا ورجعوا.

يذكر صاحب «المنار» قصّة في المجال تكشف عن غموض تثليث النصارى وتوحيدهم نقلا عن صاحب (إظهار الحقّ) قال : «نقل أنّه تنصر ثلاثة أشخاص ، وعلمهم بعض القسيسين العقائد الضرورية ، سيما عقيدة التثليث وكانوا في خدمته ، فجاء أحد المسيحيين إلى هذا القسيس ، وسأله عمن تنصّر. فقال : ثلاثة أشخاص تنصّروا فسأله : هل تعلموا شيئا من العقائد الضرورية؟ فقال : نعم ، واستدعى واحدا منهم ليريه ذلك فسأله القسيس عن عقيدة التثليث ، فقال : إنّك علمتني أن الآلهة ثلاثة ، أحدهم في السماء ، والثّاني تولد من بطن مريم العذراء ، والثّالث الذي نزل في صورة الحمامة على الإله الثّاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة ، فغضب القسيس وطرده وقال : هذا جاهل .

ثمّ طلب الآخر منهم سأله فقال : إنّك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة وصلب واحد منهم فالباقي إلهان ، فغضب عليه القسيس ـ أيضا ـ وطرده.

ثمّ طلب الثّالث وكان ذكيا بالنسبة إلى الأولين وحريصا في حفظ العقائد ، فسأله ، فقال : يا مولاي ، حفظت ما علمتني حفظا جيدا ، وفهمت فهما كاملا بفضل السيد المسيح : أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد ، وصلب واحد منهم ومات ، فمات الكل لأجل الاتحاد ، ولا إله الآن ، وإلّا يلزم نفي الاتحاد !

في الآية الثالثة يدعوهم القرآن إلى أن يتوبوا عن هذه العقيدة الكافرة لكي يغفر لهم الله تعالى ، فيقول : {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

تواصل هذه الآيات البحث الذي جاء في الآيات السابقة حول غلو المسيحيين في المسيح عليه ‌السلام واعتقادهم بألوهيته ، فتفند في بضع آيات قصار اعتقادهم  هذا ، وتبدأ متسائلة عمّا وجدوه في المسيح من اختلاف عن باقي الأنبياء حتى راحوا يؤلهونه ، فالمسيح ابن مريم قد بعثه الله كما بعث سائر الأنبياء من قبله : {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} .

إذا كان بعثه من قبل الله سببا للتأليه والشرك ، فلما ذا لا تقولون القول نفسه بشأن سائر الأنبياء ؟

ولكنّنا نعلم أنّ المسيحيين المنحرفين لا يقنعون باعتبار عيسى عليه ‌السلام مجرّد مبعوث من الله ، فاعتقادهم العام في الوقت الحاضر  هو اعتباره ابن الله ، وأنّه هو الله بمعنى من المعاني وأنّه جاء ليفتدي ذنوب البشر (ولم يأت لهدايتهم وقيادتهم) لذلك أطلقوا عليه اسم «الفادي» أي الذي افتدى بنفسه آثام البشر.

ولمزيد من التوكيد ، يقول : {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} أي أنّ من تكون له أمّ حملته في رحمها ، ومن يكون  محتاجا إلى كثير من الأمور ، كيف يمكن أن يكون إلها ؟! ثمّ إذا كانت أمّه صديقة فذلك لأنّها هي ـ أيضا ـ على خط رسالة المسيح عليه ‌السلام ، منسجمة معه ، وتدافع عن رسالته ، لهذا فقد كان عبدا  من عباد الله المقربين ، فينبغي ألّا يتخذ معبودا كما هو السائد بين المسيحيين الذين يخضعون أمام تمثاله إلى حدّ العبادة.

ومرّة أخرى يشير القرآن إلى دليل آخر ينفي الربوبية عن المسيح عليه‌ السلام ، فيقول :{كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ} .

فهذا الذي يحتاج إلى الطعام ، ولو لم يتناول طعاما لعدّة أيّام يضعف عن الحركة ، كيف يمكن أن يكون ربّا أو يقرن بالربّ ؟!

وفي ختام الآية إشارة وضوح هذه الدلائل من جهة ، وإلى عناد أولئك وجهلهم من جهة أخرى ، فيقول : {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (5) .

تكرر كلمة «انظر» في الآية توجيه للنظر إلى جهتين : إلى الدلائل الواضحة الكافية لكل شخص ، وإلى رد الفعل السلبي المحير المثير للعجب الصادر من هؤلاء .

 

* * *

_________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 597-601 .

2. للمزيد من توضيح التثليث والوحدة في التثليث أنظر المجلد الثالث من هذا التّفسير .

3. «الأقنوم» بمعنى الأصل والذات ، جمعها «أقانيم» .

4. ورد في بعض الرّوايات ، وكذلك بعض التواريخ أنّ بين المسيحيين أقلية لا تؤمن بالتثليث ، بل يعتقدون اتحاد عيسى بالله ، ولكننا لا نرى لهؤلاء في هذا العصر اسم ولا رسم .

5. " يؤفكون " من مادة الإفك : كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ، والمأفوك : المصروف عن الحقّ ، وإن كان عن تقصيره ، ومن هنا يسمّى إفكا ، لأنّه يصد الإنسان عن الحقّ .

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .