أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-10-2017
9676
التاريخ: 20-10-2017
6654
التاريخ: 15-10-2017
4832
التاريخ: 17-10-2017
5358
|
قال تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة : 44].
لما بين الله تعالى أن اليهود تولوا عن أحكام التوراة ، وصف التوراة وما أنزل فيها فقال {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى} أي : بيان للحق ، ودلالة على الأحكام {وَنُورٌ} أي : ضياء لكل ما تشابه عليهم ، وجلاء لما أظلم عليهم ، عن ابن عباس . وقيل : معناه فيها هدى بيان للحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ونور بيان أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق ، عن الزجاج . {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} معناه : يحكم بالتوراة النبيون الذين أذعنوا بحكم الله ، وأقروا به ، ونبينا داخل فيهم ، عن الحسن ، وقتادة ، وعكرمة ، والسدي ، والزهري . وقال أكثرهم : هو المعني بذلك ، لما حكم في رجم المحصن ، وهذا لا يدل على أنه كان متعبدا بشرع موسى ، لان الله هو الذي أوجب ذلك بوحي أنزله عليه ، لا بالرجوع إلى التوراة ، فصار ذلك شرعا له ، وإن وافق ما في التوراة ، ونبه بذلك اليهود على صحة نبوته ، من حيث أخبر عما في التوراة ، من غامض العلم ، الذي قد التبس على كثير منهم ، وقد عرفوا جميعا أنه لم يقرأ كتابهم ، ولم يرجع في ذلك إلى علمائهم ، فكان من دلائل صدقه صلى الله عليه وآله وسلم .
وقيل : يريد بالنبيين الأنبياء الذين كانوا بعد موسى ، وذلك أنه كان في بني إسرائيل ألوف من الأنبياء ، بعثهم الله لإقامة التوراة ، يحدون حدودها ، ويحلون حلالها ، ويحرمون حرامها ، عن ابن عباس . فمعناه : يقضي بها النبيون الذين أسلموا من وقت موسى إلى وقت عيسى ، وصفهم بالإسلام ، لان الإسلام دين الله ، فكل نبي مسلم ، وليس كل مسلم نبيا . وقوله {لِلَّذِينَ هَادُوا} أي : تابوا عن الكفر ، عن ابن عباس . وقيل : لليهود ، واللام فيه يتعلق ب (حكم) أي : يحكمون بالتوراة لهم ، وفيما بينهم . قال الزجاج : وجائز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير ، وتقديره : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا .
{وَالرَّبَّانِيُّونَ} الذي علت درجاتهم في العلم . وقيل : الذين يعملون بما يعلمون {وَالْأَحْبَارُ} : العلماء الخيار ، عن الزجاج . {بِمَا اسْتُحْفِظُوا} به أي : بما استودعوا {مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} عن ابن عباس . وقيل : بما أمروا بحفظ ذلك ، والقيام به ، وترك تضييعه ، عن الجبائي . {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} أي : وكانوا على حكم النبي في الرجم أنه ثابت في التوراة ، شهداء ، عن ابن عباس . وقيل : كانوا شهداء على الكتاب أنه من عند الله وحده لا شريك له ، عن عطاء . {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} أي : لا تخشوا يا علماء اليهود الناس ، في إظهار صفة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمر الرجم ، واخشوني في كتمان ذلك ، عن السدي ، والكلبي .
وقيل : الخطاب للنبي وأمته أي : لا تخشوهم في إقامة الحدود وإمضائها على أهلها ، كائنا من كان ، واخشوني في ترك أمري ، فإن النفع والضر بيدي ، عن الحسن {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} أي لا تأخذوا بترك الحكم الذي أنزلته على موسى ، أيها الأحبار عوضا خسيسا ، وهو الثمن القليل . نهاهم الله تعالى بهذا عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله ، وتغييرهم حكمه {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} معناه : من كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه ، وأخفاه ، وحكم بغيره من رجم المحصن ، والقود {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} اختلف في ذلك : فمنهم من أجرى ظاهره على العموم ، عن ابن مسعود ، والحسن ، وإبراهيم . ومنهم من خصه بالجاحد لحكم الله ، عن ابن عباس . ومنهم من قال : هم اليهود خاصة ، عن الجبائي ، فإنه قال : لا حجة للخوارج فيها من حيث هي خاصة في اليهود ، واختار علي بن عيسى القول الأول ، ولذلك يقول من حكم بغير ما أنزل الله مستحلا لذلك ، فهو كافر . وروى البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن قوله : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، وبعده {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، وبعده {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} كل ذلك في الكفار خاصة ، أورده مسلم في الصحيح ، وبه قال ابن مسعود ، وأبو صالح ، والضحاك ، وعكرمة ، وقتادة .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 341-342 .
{ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً ونُورٌ } . كل كتاب أنزله اللَّه على نبي من أنبيائه فهو نور يهدي إلى الحق والخير ، والتوراة كتاب اللَّه أنزله على موسى ( عليه السلام ) فهو هدى ونور . . أما توراة اليوم فليست من اللَّه في شيء ، لأنها أبعد ما تكون عن الهدى والنور ، والحق والخير . . إن تعاليمها تقوم على التفرقة العنصرية ، فتجعل اليهود شعب اللَّه المختار ، يباح لهم غزو الشعوب الأخرى . وقتل رجالها ، وذبح نسائها وأطفالها ، ونهب أموالها ، واحتلال ديارها . ( أنظر فقرة 13 و 14 من إصحاح 20 سفر التثنية - نقلا عن الأسفار المقدسة لعلي عبد الواحد وافي ) .
{ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا } . أي ان الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى كداود وسليمان وزكريا ويحيى كانوا يرشدون اليهود إلى حكم التوراة التي هي هدى ونور ، فيحلون لهم حلالها ، ويحرمون لهم حرامها . وقوله تعالى :
{ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } معناه ان أنبياء اللَّه أسلموا أنفسهم للَّه ، وحكموا لليهود بحكم اللَّه ، لا بمشيئتهم ، ولا باجتهاداتهم أو أهوائهم ، كما فعل اليهود في عهد محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأرادوا منه أن يحكم في الزاني بما يشتهون .
{ والرَّبَّانِيُّونَ والأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ } . أي وكذلك علماء اليهود وقضاتهم المؤمنون المخلصون كانوا يحكمون بما عرفوا وحفظوا من كتاب اللَّه . { وكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ } الضمير في ( كانوا ) يعود على الربانيين والأحبار ، وفي ( عليه ) يعود على اليهود ، والمعنى ان أولئك الربانيين والأحبار كانوا يعملون بكتاب اللَّه ، ولا يحيدون عنه ، وليس من شك ان من قدّس قولا والتزم العمل به فقد شهد له بالفعل قبل القول انه حق وعدل .
{ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ واخْشَوْنِ ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا } . من عرف حكم اللَّه لا يخالفه إلا لأحد أمرين : إما خوفا على منصبه من الزوال ، وإما طمعا في المال ، وقد أشار سبحانه إلى الأول بقوله : { فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ واخْشَوْنِ } .
وإلى الثاني بقوله : { ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا } . والمعنى يا أحبار اليهود اعملوا بما تعلمون إنه الحق ، ولا تخشوا فيه لومة لائم ، ولا تحرّفوه طمعا في الرشوة . . وإذا كان هذا الخطاب موجها بظاهره للأحبار الذين حرفوا حكم الزاني من الرجم إلى الجلد فإنه في واقعه عام لكل من يحاول التحريف والتزييف خوفا أو طمعا .
وأبلغ قول يفسر هذه الآية كلمة قالها علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصف أولياء اللَّه : « بهم قام الكتاب ، وبه قاموا ، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون » أي لا يرجون إلا اللَّه ، ولا يخافون إلا منه .
{ ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ } . وقال تعالى في الآية التالية 45 : { فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . وفي الآية 47 { فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ } .
وعند تفسير هذه الآية ، أي 47 نبين الوجه في تعدد الوصف بالكفر والظلم والفسق ، لموصوف واحد .
________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص61-62 .
قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ } (إلخ) بمنزلة التعليل لما ذكر في الآية السابقة ، وهي وما بعدها من الآيات تبين أن الله سبحانه شرع لهذه الأمم على اختلاف عهودهم شرائع ، وأودعها في كتب أنزلها إليهم ليهتدوا بها ويتبصروا بسببها ، ويرجعوا إليها فيما اختلفوا فيه ، وأمر الأنبياء والعلماء منهم أن يحكموا بها ، ويتحفظوا عليها ويقوها من التغيير والتحريف ، ولا يطلبوا في الحكم ثمنا ليس إلا قليلا ، ولا يخافوا فيها إلا الله سبحانه ولا يخشوا غيره .
وأكد ذلك عليهم وحذرهم اتباع الهوى ، وتفتين أبناء الدنيا ، وإنما شرع من الأحكام مختلفا باختلاف الأمم والأزمان ليتم الامتحان الإلهي فإن استعداد الأزمان مختلف بمرور الدهور ، ولا يستكمل المختلفان في الاستعداد شدة وضعفا بمكمل واحد من التربية العلمية والعملية على وتيرة واحدة .
فقوله : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ } أي شيء من الهداية يهتدي بها ، وشيء من النور يتبصر به من المعارف والأحكام على حسب حال بني إسرائيل ، ومبلغ استعدادهم ، وقد بين الله سبحانه في كتابه عامة أخلاقهم ، وخصوصيات أحوال شعبهم ومبلغ فهمهم ، فلم ينزل إليهم من الهداية إلا بعضها ومن النور إلا بعضه لسبق عهدهم وقدمة أمتهم ، وقلة استعدادهم ، قال تعالى : { وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ } ( الأعراف : 145 ) .
وقوله : { يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا } إنما وصف النبيين بالإسلام وهو التسليم لله ، الذي هو الدين عند الله سبحانه للإشارة إلى أن الدين واحد ، وهو الإسلام لله وعدم الاستنكاف عن عبادته ، وليس لمؤمن بالله ـ وهو مسلم له ـ أن يستكبر عن قبول شيء من أحكامه وشرائعه .
وقوله : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ } أي ويحكم بها الربانيون وهم العلماء المنقطعون إلى الله علما وعملا ، أو الذين إليهم تربية الناس بعلومهم بناء على اشتقاق اللفظ من الرب أو التربية ، والأحبار وهم الخبراء من علمائهم يحكمون بما أمرهم الله به وأراده منهم أن يحفظوه من كتاب الله ، وكانوا من جهة حفظهم له وتحملهم إياه شهداء عليه لا يتطرق إليه تغيير وتحريف لحفظهم له في قلوبهم ، فقوله : { وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ } بمنزلة النتيجة لقوله : { بِمَا اسْتُحْفِظُوا } (إلخ) أي أمروا بحفظه فكانوا حافظين له بشهادتهم عليه .
وما ذكرناه من معنى الشهادة هو الذي يلوح من سياق الآية ، وربما قيل : إن المراد بها الشهادة على حكم النبي صلى الله عليه وآله في الرجم أنه ثابت في التوراة ، وقيل : إن المراد الشهادة على الكتاب أنه من عند الله وحده لا شريك له ، ولا شاهد من جهة السياق يشهد على شيء من هذين المعنيين .
وأما قوله تعالى : { فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً } فهو متفرع على قوله : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا } ، أي لما كانت التوراة منزلة من عندنا مشتملة على شريعة يقضي بها النبيون والربانيون والأحبار بينكم فلا تكتموا شيئا منها ولا تغيروها خوفا أو طمعا ، أما خوفا فبأن تخشوا الناس وتنسوا ربكم بل الله فاخشوا حتى لا تخشوا الناس ، وأما طمعا فبأن تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا هو مال أو جاه دنيوي زائل باطل .
ويمكن أن يكون متفرعا على قوله : { بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ } بحسب المعنى لأنه في معنى أخذ الميثاق على الحفظ أي أخذنا منهم الميثاق على حفظ الكتاب وأشهدناهم عليه أن لا يغيروه ولا يخشوا في إظهاره غيري ، ولا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } : ( آل عمران : 187 ) وقال تعالى : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } : ( الأعراف : 170 ) .
وهذا المعنى الثاني لعله أنسب وأوفق لما يتلوه من التأكيد والتشديد بقوله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ } .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 292-294 .
تبيّن هذه الآية أهمية الكتاب السماوي الذي نزل على النّبي موسى عليه السلام أي التّوراة ، حيث تشير إلى أنّ الله أنزل هذا الكتاب وفيه الهداية والنّور اللذان يرشدان إلى الحق ، وأن النّور والضياء الذي فيه هو لإزاحة ظلمات الجهل من العقول فتقول الآية : {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ...} .
ولذلك فإنّ الأنبياء الذين أطاعوا أمر الله ، والذين تولوا مهامهم بعد نزول التّوراة كانوا يحكمون بين اليهود بأحكام هذا الكتاب ، تقول الآية الكريمة : {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا} .
كما أنّ علماء اليهود ووجاءهم ومفكريهم المؤمنين الأتقياء ، كانوا يحكمون وفق هذا الكتاب السماوي الذي وصل أمانة بأيديهم وكانوا شهودا عليه ، حيث تقول الآية : {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ} (2) .
ثمّ توجه الآية الخطاب إلى أولئك العلماء والمفكرين من اليهود الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر ، فتطلب منهم أن لا يخافوا الناس لدى بيان أحكام الله ، بل عليهم أن يخافوا الله ، فلا تسول لهم أنفسهم مخالفة أوامره أو كتمان الحق ، وإن فعلوا ذلك فسيلقون الجزاء والعقاب ، فتقول الآية هنا : {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} .
ثمّ تحذر الآية من الاستهانة والاستخفاف بآيات الله ، فتقول : {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ...} .
وحقيقة كتمان الحق وأحكام الله نابعة إمّا عن الخوف من الناس ، وإمّا بدافع المصلحة الشخصية ، وأيّا كان السبب فهو دليل على ضعف الإيمان وانحطاط الشخصية ، وقد أشير في الجمل القرآنية أعلاه إلى هذين السببين .
وتصدر الآية حكما صارما وحازما على مثل هؤلاء الأفراد الذين يحكمون خلافا لما أنزل الله فتقول : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} .
وواضح أنّ عدم الحكم بما أنزل الله يشمل السكوت والابتعاد عن حكم الله الذي يؤدي بالناس إلى الضلال ، كما يشمل التحدث بخلاف حكم الله.
وواضح ـ أيضا ـ أنّ للكفر مراتب ودرجات مختلفة ، تبدأ من إنكار أساس وجود الله ويشمل عصيان أوامره ، لأنّ الإيمان الكامل يدعو ويحثّ الإنسان على
العمل وفق أوامر الله ، ومن لا عمل له ليس له إيمان كامل .
وتبيّن هذه الآية ـ أيضا ـ المسؤولية الكبرى التي يتحملها علماء ومفكر وأكل أمّة حيال العواصف الاجتماعية ، والأحداث التي تقع في بيئاتهم ، وتدعو بأسلوب حازم لمكافحة الانحرافات وعدم الخوف من أي بشر ـ كائنا من كان ـ لدى تطبيق أحكام الله.
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 520-521 .
2. لقد تطرقنا إلى معنى كلمة (رباني) ومصدرها لدى تفسير الآية (٨٠) من سورة آل عمران ، أمّا كلمة (أحبار) فهي صيغة جمع من (حبر) على وزن (فكر) فهي تعني كل أثر خير ، أطلقت على المفكرين الذين يخلفون أثارا خيرة في مجتمعهم ، ويطلق أيضا على حبر الدواة الذي يستعمل للكتابة لما فيه من أثر خير.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|