المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05
مستحقو الصدقات
2024-11-05

عدم جواز تقدم أحد للصلاة بغير اذن الولي
20-12-2015
مكونات الجملة
2024-10-28
موقف الإمام علي ( عليه السّلام ) من اجتماع السقيفة
23-4-2022
مميزات النقل بالسكك الحديدية- الأمان والسلامة
11/12/2022
Sieve
26-1-2021
انواع الرياح - الرياح الأخرى
17-10-2017


مفاتيح تحليل التطور الدلالي (الاشتقاق والتطور الدلالي)  
  
2102   10:40 صباحاً   التاريخ: 30-8-2017
المؤلف : د. فايز الداية
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة، النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص233- ص244
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / التطور الدلالي / ماهية التطور الدلالي /


‏عرفت الدراسات الصرفية القديمة مصطلح ( الاشتقاق )، ولكن تعرضا له سيتميز بانه يهتم بمشكلات – او قضايا - هذا الباب الصرفي كما تعين على تصور افضل فيه مخرج لمسالة التطور الدلالي، وكلامنا سيجري على العربية أولا بصورة تربط ما بين الدرس العام والدلالة، والفصحى، ثم يتناول الاشتقاق الغربي مقارنا بمفهوم الاوروبيين في بحوثهم عنه علما او درسا للغاتهم، ولقد قادنا الى هذه المحاولة -وهي عامة غير تفصيلية -_شيوع مصطلحات وتصورات مأخوذة عن مؤلفات اللغويين الغربيين حول التطور والتغير وما يدور في هذا الاطار. 
‏وفي خضم الاقتباس او الفزع الى النظرات الاوروبية تكاد تنسى فروق اساسية تنفرد بها العربية الفصحى. 
‏ واصطلاح ( الاشتقاق ) ينصرف لدينا الى ضربين تحدث عنهما القدماء من علماء اللغة، اولهما ( الصغير ) وهو الاكثر تداولا في الكتب والمصنفات الصرفية، وفيه نجد  (المصدر) ومجموعة من المشتقات التي تتشعب منه بزيادات منها تكرار احد حروف الاصل - الثلاثي غالبا - او بزيادة حرف من مجموعة ( سألتمونيها) فيكون لدينا: الفعل ( الماضي، المضارع، الامر )، واسم الفاعل، واسم المفعول والصفة المشبهة واسما الزمان والمكان، واسم الالة، واسم التفضيل، ولكل احكام وطرائق في الصنع الا ان القاعدة الرئيسية هي ثبات الاصل  (حروف المصدر) والحفاظ على ترتيبها رغم تداخل حروف الزيادة بين الاصول ( نظر: نظر.ينظر انظر / ناظرة نظار / منظور /نظير منظر/ منظار ) وفي هذا الضرب تجتمع العناصر _ الصيغ. على معنى واحد مشترك، ثم يستقل كل منها بإضافة وظيفية تميزه، فالمصدر الاول يدل على مطلق الحدث، بينما يضيف الفعل الى ذلك الزمن 
 ص233
‏والفاعل ضمنا، واسم الالة مثلا: الحدث مرتبطا بأداته: منظار- وهكذا الشأن في الصيغ الاخرى(1). 
‏والضرب الاخر هو (الاشتقاق الكبير) (2)، او  (الاكبر) وذلك بحسب اجتهاد اصحاب درس اللغة بين متقدم ومتأخر، وابن جني هو المجلي فيه، فقد اورد ه في الخصائص واتى بأمثلة عديدة عليه، ويقوم هذا الضرب على ان معنى عاما مشتركا يربط بين زمرة من الصيغ هي نتاج تقاليب الاصل، و كانت الفكرة مطروقة قبل قرنين من الزمن، ولكن في مجال اخر هو المعجم، عندما اهتدى الخليل اليها في (العين)، ونعرض مثالا مما جاء لدى ابن جني، فمادة‏: ( ج ب ر) تعقد على معنى  (القوة والشدة) " الجبر: الملك لقوته وتقويته لغيره، ورجل مجرب: جرسته الامور و نجدته فقويت منته  واشتدت شكيمته، الابجر والبجرة وهو القوي، السرة / والبرج لقوته في نفسه وقوة ما يليه به /  والبرج بياض العين وصفاء سرادها وهو قوة امرها / ورجبت الرجل اذا عظمته وقويت امره / وتدعم النخلة بالرجبة / والراجبة احد فصوص الاصابع وهي مقوية لها /  و الرباجي وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله فيعظم نفسه ويقوي امرها (4) "ونلاحظ ان الشواهد مستخرجة من مشتقات مختلفة لكل من التقلبات، اي ان ابن جني لم يورد الاصول بل اور افرادا من تفرعات الاصول، ولعل ذلك يعود الى ان الاستخدام اللغوي لا يستغرق الاحتمالات الاشتقاقية كلها، او هو ضرب من الانتقاء للبرهنة على الفكرة التي يدافع عنها. 
‏وقد يشكك في جدوى هذا الضرب بسبب من العمومية التي نلحظها في 
ص234
‏الامثلة ( شذذ، ط ر د، ك ل م، ق و ل ) (5)، الا انه ظل نوعا من البحث الاشتقاقي يمكن الافادة منه على الرغم من عدم تحديد بداية السلسلة التي تتداخل حلقاتها، فأيها طالعنا يعد بداية للأخريات، وقد يفلح منهج التتبع المقترح  في المعجمات والفاظها في حل هذا الاشكال، ذلك ان البيئة العربية التي نشأت فيها الفصحى تحكمها قوانين اجتماعية وطبيعية تكشف مسار المفردات واشتقاقها ولو على نحو تقريبي. 
‏واما ذاك الضرب مما يعد اشتقاقا عند بعض الدارسين - يلحق بالنوعين السابقين. فهو الذي يعقد الصلات بين الالفاظ لتقارب بين اصولها من حيث المخرج الصوتي الذي يؤدي، الى تقارب في المعنى والدلالة (6)، ولكننا لن نقف عنده لان مناقشته تجد مكانها في حقول لغوية غير الاشتقاق (7). 
‏واننا نرى اشتراك التأليف المعجمي مع الصناعة الصرفية - والاشتقاق ابرز اقسامها _ وتتبدى هذه المشاركة في مسالتين واحدة منها هي التجريد واثبات الاصول عند ترتيب المواد المعجمية كما ‏هو الشأن في تمييز اصل واحد وفروع اشتقاقية تتعدد في الاشتقاق. والمسالة الاخرى هي استعانة بعض اصحاب المعاجم بالصيغ الصرفية للتقسيمات الجزئية في مصنفاتهم، وذلك في (العين) و (الجمهرة لابن دريد) و (المجمل) لابن فارس، و (المحكم ) لابن سيده، ومع ان هذا النهج كان يربك العمل بعض الشيء الا ان الاتجاه اليه يدل على تنبه مبكر للعلاقة بين المفردات وتصنيفها، والاشتقاق والصرف، فالعربية الفصحى تنتظمها قوانين كلية تجعل منها كيانا يتصل فيما بينه بشبكة او بمجموعة من المسارب تمتد من منبع او منابع وتتشعب لتتقاطع وتتلاق في حركة متكاملة تحفظ لهذه اللغة حيويتها، والاشتقاق هو الفارق بين اللغة النامية المتطورة، او 
ص235
‏لنقل المتجدد - اي المتابعة لمسار المجتمع _ وتلك اللغة التراكمية المتغيرة وللعربية دورات لغوية تبدا من المنابع الاصلية متجهة الى ضروب من الاشتقاقات الملائمة لاحتياجات العصر والتي تتم بالصلة بين القديم والحادث في المادة ذاتها وفي الصيغة الصرفية، وقد تهمل او يتضاءل معنى المفردات المستحدثة مختلفة من اجتماعية الى عملية الى اقتصادية. فتستخرج مفردات اخرى الا انها لا تخرج عن الشرطين ذاتهما فيظل الحادث متصلا بالقديم معنى  و صياغة،وههنا  لا يقتضي التطور الدلالي طي صفحات الماضي للنظر في صفحات جديدة كل الجدة. ولو كان في الاستعمال فقط - بل نعود الى الفصحى الاول وان تجاوزنا مرحلة لغوية لم تعد تناسب الملابسات التي نعيش فيها. 
‏ولا يمثل الخلاف حول ايهما هو الاصل: ( المصدر ام الفعل ) مشكلة في الاشتقاق(8)، ويظهر لنا ان اكتمال الصناعة جاء متأخرا في مرحلة التدوين والتقعيد، ولا يمكن عكسه على الواقع اللغوي، في اماد تكون الفصحى وتناميها، فقد تتعدد منطلقات المجموعات الاشتقاقية بين: الفعل، او المصدر او اسم الفاعل او الالة وليس من الاغراب تخيل قياس الاعرابي التلقائي عندما يريد ان يعبر عن صفة غريبة فهو يطلق مثلا: نزاز قياسا على هزاز التي تعرفها، ومن ثم تثبت الكلمة الجديدة وتسر منها المشتقات. 
‏ومما يساعد على المضي في هذا التفسير ان ( الاشتقاق ) قدرة كامنة في كيان العربية لا يزال جزء كبير من المفردات غير مستعمل في الحالات الاشتقاقية كلها، وننحي جانبا الفكرة التي تقول بأن ما وصلنا من عربيتنا هو القليل (9) ولذا فقد
‏ص236
‏ضاعت صيغ ومشتقات كثيرة لان المفردات والصيغ التي وصلتنا يمكن ان تزداد بفعل استكمال الصور الاخرى الممكنة لكل منها، فقد اتسع الاشتقاق فلم يكتف بالمصادر بل اشتمل على الاخذ من ذوات حسية: اورق، فلفل، تأبط، اذنه ( ورق، فلفل، ابط، اذن ) ومن اسماء الازمنة: شتوت اربعوا ( الشتاء، الربيع، ) ومن اسماء الاصوات: صهل، نعق  ( والصهيل، النعيق - من حكاية صوت الفرس وصوت الغراب ومن اسماء الاعداد. وحد، وثنى ( واحد اثنان... )(10). 
‏ومن الاوزان التي لم تسجلها المعاجم ( انفعل )من مادة ( ج م ع ) انجمع، فلسان العرب لم يوردها، ولكن الوزن مستخدم في الاندلس بحسب ما اورده المقري " انجمعت من على النفوس " (11)، "ومما تسكت المعاجم عن فعله كلمة: الخافل بمعنى الهارب، فيمكن ان نشتق لها فعلا هو خفل بفتح العين، وذلك لان الفعل اللازم لا يصاغ منه وزن فاعل صياغة قياسية الا اذا كان مفتوح العين (12)، ونبحث عن كلمة ( الاحترام ) فلا نكاد نعثر عليها في معاجمنا الا في ( المصباح المنير) فاذا ا دنا ان نشتق منها فعلا كان مثل (احترم)، ولقد جاء في كتب الحديث كلمة (محترم)  على صورة اسم المفعول مما يرجح ان الفعل متعد فنصوغ: (احترمه يحترمه ) (13). 
‏وهذا يؤكد لنا ان (الاشتقاق) اداة تطورية دائمة للعربية، وهي تقتضي منا ان نحسن فهم حركتها في العربية الفصحى أولا، ومن ثم نتمكن من استعمالها، 
ص237
‏وانها تعطينا طبقات متعددة من الدلالات المميزة الا انها غير منفصلة، ولا تحجب الواحدة منها الاخريات عن المنبع الاول. 
‏يتداول اللغويون الاورييون - واخص الفرنسيين. مصطلحين للاشتقاق يترادفان احيانا ولكنهما في مرات واحوال اخرى يتمايزان و سأقترح لهما في دراستنا تركيبين ليسهل الحديث عنهما، وسنبحث عن اوجه الاتفاق او المخالفة بين استعمالنا لمصطلح  (الاشتقاق ) وما الف هؤلاء اللغويون من مفهومات تتعلق به. 
‏واول ما نطالع هو ذاك الاصطلاح، Etymologie ‏الاشتقاق التاريخي ويندرج تحته " البحث في العلاقات التي تبين صلة واحدة من الكلمات بوحدة لغوية اخرى اقدم منها، وتعد بمثابة الاصل لها، وبذا يتم ارجاع الوحدات اللغوية الاكثر حداثة الى الحدود المعروفة موغلين الى ابعد امد ممكن في الماضي اللغوي " (14)، ويوضع هذا المفهوم ضمن الحيز التقليدي في دراسة الفرنسية، ونرى انه يمزج بين تأصيل الكلمة ودلالتها مجب التدرج التاريخي، فاللغة الفرنسية ذات اصول متعددة اقدمها البقايا الغالية _ التي هي عبارة عن تحريفات لألفاظ لاتينية مما حمله الرومان الى بلاد الغال القديمة - ثم الاصول اللاتينية وهي عظم مكونات المفردات وهناك قدر من الكلمات اليونانية، والعربية والبيزنطية اضافة الى الاسبانية والبرتغالية وهما لغتان كانتا وسيطين للكلمات العربية والهندية الامريكية وثمة اصول جرمانية قديمة واخرى المانية حديثة (15)، فكلمة مثل Linguiste ‏: اللغوي، ترجع الى املها اللاتيني Lingua: اللغة " وفي احيان يوضح سبيل التطور والتغير الاشتقاقي وتبرز اللغات التي مر بها اللفظ فكلمة 
ص238
‏ (abricot: مشمش ) في الفرنسية مأخوذة من الاسبانية albaricoque او البرتغالية albricoque وهما مستمدان من العربية al barqouq البرقوق (16)، ولكن التنقيب لا يقف عند هذا الحد بل يتابع المعجم الاشتقاقي التاريخي طريقه ليقول انها في العربية مأخوذة عن اليونانية praecox، او اللاتينية praecoquus (17)، والطريف ان (القاموس المحيط ) يؤكد ان اللفظة " برقوق _ وهو اجاص صغير، والمشمش. مولدة (18)". 
‏وفي الاطار ذاته يشير اللغويون الى نوع من الاشتقاق العامي populaire ويسمونه ايضا " ( الخطأ الاشتقاقي، او الاشتقاق الجناسي) وهو شكل من العدوى اللغوية، انه غموض يعتري ذهن ذوي الثقافة المحدودة فيجعلهم يربطون الكلمة الغامضة بأخرى ذات اصول وشكول وهمية غير صحيحة -اي يشتق من اخر لا صلة جذرية حقيقية بينهما - مما يدفع الى تغيير المعنى وتحوير الدلالة"(19) ومن امثلة ذلك ان الفرنسية قد كونت لفظة (choucroute)، الكرنب الخلل، والعامة تعتقد انها مؤلفة من chou، الكرنب وcrout الاكل، بينما هي مأخوذة عن الألمانية (منطقة الألزاس): sur krut وتعني الكرنب اللاذع، ويحلل المعجم الاشتقاقي في اصلها: kurt  المقابل (crout يعني العشب و (sure) المقابل لـ (chou) يعني الحرّيف اللاذع، وهكذا ندرك الوهم الكامن وراء استعارة لفظ واستعماله رغم التباين الكبير في معنى اجزائه بين الالمانية والفرنسية (20). 
ص239
ويتطلب المنهج العلمي الحديث زيادة وتفصيلاً في جوانب غير التي كانت تكتفي بها المدرسة التقليدية التي عرضنا لها في الأمثلة السالفة، فبعض اللغويين الأوروبيين ينص على " أن جهد الباحث الاشتقاقي الحديث لم يعد يقتصر على إيجاد الأصل الذي تقود إليه الكلمة (أو كلمة مركبة) بل إن النظرة الحديثة تقود الى تتبع الكلمة في كل فترة زمنية كانت فيها جزءاً من اللغة، وفي كل نسق من العلاقات كانت داخلة فيه دون التوقف عن وضع الاسئلة التي تكشف الاشتقاق (التقليدي). وأول مجموعة من العلاقات هي التعلق بوحدات الحقل الدلالي الذي تتصل به الكلمة (21) " وتشير العبارة الاخيرة الى الدراسة البنيوية المجددة.
وإذا ما أردنا مناقشة (الاشتقاق) العربي في ضوء الاتجاه التاريخي – كما يراه دارس الفرنسية – فإننا لا نكاد نجد مواضع الالتقاء إلا اذا أردنا تحليل المادة الفصيحة في أطوارها الأولى، وفي حياتها الجاهلية القديمة، ذلك أن الصيغ والقوالب الصرفية والاشتقاقية لا تقبل التصرف بها، بل إنها تحتفظ بخصائص تشترك في دلالة المادة التي تتشكل ضمنها. وتقليبنا صفحات الدواوين والمعاجم والكتب يثبت أن الصيغة لها شكل لا يتغير، وأن التطور الطارئ على اختصاص هذه الصيغة – أو تلك – بوظيفة معينة طفيف وأمثلته قليلة يورد بعضها المستشرق " فليش " من وجهة نظره إذ يقول " إن صيغة فعال التي لم تكن في لغة الشعر القديمة عن أسماء الحرف: نجار، بناء، فخار، وزادها القياس في هذه الوظيفة التعبيرية الجديدة خصوبة وسعة حتى لتستعمل لقباً: كلاب، مربى الكلاب، جّمال: حادي الإبل: كل هذه الأمثلة لأسماء الحرف (فعّال) لا تلحظ فيها أي علاقة بسلسلة الاشتقاق " (22) ولكننا نخالف هذا الرأي لأن الوشائج غير 
ص240
خافية بين المبالغة والكثرة في صيغة فعال، والاختصاص بحرفة – تقوم على دوام العمل في ضرب محدد من الأنشطة مما يبرز صورة التكرار والتكثر خاصة عندما نعلم إن الإنتشار المشار إليه لم يتم التطور الذي شهده المجتمع العربي الإسلامي باتصاله بالأمم الأخرى وبنمو مظاهر الحضارة.
وثمة مثل آخر يسعى فيه (فليش) الى اثبات امكانية تطور بعض الصيغ فيتبعها – من ثم – تغير في مجالها فيقول " وليس مما يدعو الى الدهشة أن نجد كلمة (يبرود) – وهي اسم بلدة سورية – وهي فعل من هذه الكلمة ذاتها هو يبرد. وكان من الطبيعي وقد خلت هذه الكلمة في نطاق الأسماء أن يطرأ عليها طول في أحد مصوتاتها (الثاني)، وربما كان ذلك لغاية بيانية نظراً لبرودة شتائها " واعتقد ان حديث (فليش) ههنا قد جانبه الصواب الى حد كبير، فانتقال الصيغ الفعلية الى الأسماء معروف في أمثلة ونماذج قديمة (أحمد، تغلب، يزيد) وهي محدودة، وتحري تعليلات القدماء في كتب الاشتقاق أو الأسماء قد يوضح السبيل في حركة الصيغة تاريخياً، إضافة الى أن الاسم المتناول ينتمي في الغالب الى أصول آرامية / سريانية، على الرغم من توافق الفعل والتسمية بين العربية وتينك اللغتين الساميتين . في السريانية يعرف البرد (  ب ر د ا)(23)، وكذلك اسم البلدة المذكورة  ( ي ب ر و د) (24)، وتعرف المنطقة الجغرافية التي تقع فيها البلدة بالبرد الشديد معظم أيام السنة (منطقة القلمون وسط سورية بين مدينتي دمشق وحمص)، مما جعل البرد والمكان الآهل مقترنين، ومن الظواهر اللغوية بين أهل المنطقة مدّ حركة الضم في الكلمات، وقد تكون هذه الظاهرة قديمة فتحملنا على 
ص241
تصور لتغير في الصيغة ثم تحولها من الفعلية الى الاسمية فيقولون: يبرد ثم – بالمد – يبرود: أي كلُ من يقيم هناك يبرد برداً شديداً، ومن ثم التصقت اللفظة محرفة بالمواضع (الأكثر شهرة على أنه موضع سكن )، وتمكنت من مكانتها في الاستعمال.
ونحن نرى أن النشاط الأوربي للبحث عن أصول كلماته وكيفية صياغتها تطورياً وتاريخياً، يقابله عندنا الجهد الذي يمكن بذله في تفسير العديد من الصور والأوزان والاشتقاقات، وذلك بالتنقيب في النصوص القديمة والإشارات مع المقارنة (المتأنية) باللغات السامية، وإن غياب بعض الأصول في العربية المدونة (التي وصلت إلينا)، قد يقابله استعمال في العبرية القديمة مثلاً أو المدونة (التي وصلت إلينا)، قد يقابله استعمال في السريانية، وإننا نستعمل: تلمذ صيغة فعلية ولدينا الاسم: تلميذ، أما الثلاثي فغير معروف إلا أنه موجود في السريانية (  :  ل م ا د) الفعل وإن لم ينص المعجم على تخصيصه بـ (التعلم)، مع أنه جاء بصيغة الاسم منه (          : تلميذ) (25).
وقد يكون للتحكم المعياري ههنا مكانة لا ينال منها كثيراً النقد الموجه الى الدرس الأوربي، وذلك لاختلاف في طبائع اللغات، والنقلة التي تُحوّل أو تحور  يجب أن توزن بالقيم الصرفية الاشتقاقية العربية.
وأما المصطلح الآخر المتداول في علم اللغة ودراستها فهو derivation الاشتقاق القياسي، وهذا الإفراد إنما هو لواحد من استخدامه، فهو يطلق أحياناً ليرادف الاشتقاق التاريخي " فيعني بهذه الصورة العامة تطور صياغة الوحدات المعجمية (26) "، والغالب عليه أن يفيد: طريقة صوغ الكلمات بإضافة اللواحق 
ص242
والسوابق على جزء ثابت (radical) وبذا يقابل ضرباً آخر من أبواب الصياغة الفرنسية هو (التركيب composition) (27) وقد تضاف أنماط فرعية تلحق بالاشتقاق القياسي الرئيسي كأخذ الفعل من الاسم border – bord أو العودة الى الأصل اللاتيني للكلمة فـ (evolution) متطورة عن اللاتينية (evolutis)، وعند الاشتقاق الفعل يؤخذ من المصدر الأول فيقال (evoluer) (28).
وهذه الصياغة الإلصاقية قد تكون من حيث الشكل أقرب الى الإطار الاشتقاقي العربي مع فروق جوهرية، فالإلصاق يحفظ (الثابت) المشترك على حالته، وقد يضيف تلك السوابق واللواحق على اي جديد يجلبه، بينما تتميز العربية بحيوية الأبنية وحركتها بإضافة الأحرف الزائدة بين حروف الأصل مما يشعر بابتناء هذه الأشكال وفق خصائص في القالب يتفاعل مع الدلالة التي يحملها، وكذلك نلاحظ أن ثمة حدوداً لانطلاق الاشتقاقات من المصادر أو الأصول وسبكها على هيئة تتوالى الصيغ.
ويظهر (فليش) ملامح لهذه المسألة، فهو يورد اولاً نماذج للإلصاق الفرنسي: (فالثابت Sable): رمل يؤخذ منه الفعل: (Sabler)، والأسماء والصفات: (Sableux , Sableur) هذا من إضافة الإلحاق، وهناك السوابق أيضاً – متضافرة مع لواحق أخرى – ensablement , ensabler ويقول " هذه المفردات – واخوات لها – تكوّن ما نطلق عليه: أسرة الكلمات، إذ إن لها جميعاً (ثابتاً) مشتركاً، وهكذا يمكن أن نصادف في الفرنسية عدداً مهماً من الأسرات متفاوتاً في عدد أفراده ولكن يظل الأساس الثابت فيها كما هو... وهذه المجموعات من أسرات الكلمات إنما تكشف عن ميكانيكية لغوية، ولكن تبقى بالنسبة الى الاستعمال العام تدريبات يصفها النحويون أو المدرسون، لأن الثوابت المستنبطة 
ص243
ليست سوى وحدات نحوية قلما يكون لها واقع في وعي الفرد المتكلم (29) ".
ويلتفت (فليش) الى الطريقة العربية الاشتقاقية فيعطيها ميزاتها في الصياغة " فالنظام العربي نقيض ذلك – الإلصاق – تماماً، إنه يستخدم أصلاً Racine لا جزءاً ثابتاً Radical والأصل مكون من صوامت (صوامت فحسب) تتصل بجموعها فكرة عامة أقل أو أكثر تحديداً، ويتم تحويل هذه الفكرة الى الواقع في كلمات مستقلة بوساطة المصوتات التي توضع في داخل الأصل: فالمصوتات إذن هي التي يعبر عنها الأصل"(30). وإن فليش يضيف في فقرات لاحقة ضروب الزيادات الأخرى من الحروف الصامتة سواء بالتضعيف أو الإدخال (31).
وإننا في دراستنا للتطور الدلالي – وعظم مادته قديم: جاهلي أو إسلامي متقدم – نفيد من نتائج هذه الآراء النظرية في الاشتقاق وأبعاده في البحث اللغوي العربي كي لا تتداخل المفهومات – العلمية بشكل يؤدي الى الإضطراب، فالمقارنة تجدي عندما لا تصطدم بالحقائق الأساسية وتعطلها.
ص244
________________
(1) مفتاح العلوم، السكاكي ٦ ‏. 
(2) المفتاح، السكاكي ٦ ‏. 
(3) الخصائص، ابن جني ( 2/ 133) . 
(4) الخصائص، ابن جني (2/ 135- ١3٦) ‏. 
(5) الخصائص، ابن جني ( 1/ 96 – 97)
(6) المعتاح، السكاكي 6 
(7) الخصائص، ابن جني ( 2/ 145 – 152 ). 
(8) الانصاف في مسائل الخلاف لابي البركات بن الانباري (1/144 - ١٥٢ )‏، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة ١945‏م. 
(9) في قولة ابي عمرو بن العلاء " ما انتهى اليكم مما قالت العرب الا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير"، طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام الجمحي، 2، تحقيق محمود شاكر، دار المعارف بمصر ط ا، وينظر الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1/ 60 – 61)‏. 
‏(10) في اصول النحو، سعيد الافغاني ١٤٣ ‏- ١٤٥ ‏.
(11) علم اللغة العربية محمود حجازي ص 302 - 303 . 
‏(12) من اسرار اللغة، ابراهيم انيس ٦٤ ‏- 65‏، وينظر في المصباح المنير للفيومي (١ ‏/ ١٤٢ ‏) تحقيق مصطفى السقا ط. مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1950‏م. 
‏(13) من اسرار اللغة، انيس ٦٥ ‏. 
(14) Dictionnaire de linguistique p , p. 197 199.
(15) Dic , etymologique p, p. VI , VII , VIII , Rcne Georgin , Guide de langue francaise p. 15. Pans 1976 Dic de linguistitique 403.
(16) R Georgin , Guide de langue francaise p. 20.
(17) Dic. etymologique p , 4.
(18) القاموس المحيط (3/214) ط الحلبي بالقاهرة.
(19) pierre Guiraud , La semantique p , p. 69 p 70 , Dic de linguistique p , 199
(20) Dic. de , ling , p , 199 Dic. etym , p , 165.
(21) Dic , de , ling , p. 198 ,
(22) العربية الفصحى، هنري فليش 79.
(23) قاموس سرياني / عربي، كوستاز (لويس) 37 ط الكاثوليكية بيروت 1963 م.
(24) قاموس سرياني، كوستاز 409.
(25) قاموس سرياني، كوستاز 173.
(26) Dic , de linguistique p. 141.
(27) Die , de ling. p, 142.
(28) Die , eiymologique p. IX
(29) العربية الفصحى ، هنري فليش 51 – 52 .
(30) العربية الفصحى ، فليش 52 .
(31) العربية ، فليش 56 .

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.