أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-01-2015
1525
التاريخ: 8-10-2014
1382
التاريخ: 8-10-2014
1442
التاريخ: 8-10-2014
1943
|
قد ذهبت الإمامية والزيدية وجملة من محقّقي أهل السنّة إلى إيمانهما وكونهما على خط التوحيد ، وشذَّ من قال : إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كثرة ما أنعم الله عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إسلام والديه.
فإنّ هذه الكلمة صدرت من غير تحقيق ، فإنّ التاريخ لم يضبط من حياتهما إلاّ شيئاً يسيراً ، وفيما ضبط إيعاز لو لم نقل دلالة على إيمانهما وكونهما على الصراط المستقيم.
أمّا الوالد : فقد نقلت عنه كلمات وأبيات تدل على إيمانه ، فإليك ما نقله عنه أهل السير ، عندما عرضت فاطمة الخثعمية نفسها عليه فقال رداً عليها :
أمّا الحرام فالممات دونه والحل لا حل فاستبينه
يحمي الكريم عرضه ودينه فكيف بالأمر الذي تبغينه (1)
وقد روي عن النبي الأكرم أنّه قال : « لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ». ولعل فيه إيعازاً إلى طهارة آبائه وأُمّهاته من كل دنس وشرك (2).
وأمّا الوالدة : فكفى في ذلك ما رواه الحفّاظ عنها عند وفاتها فإنّها ( رضي الله عنها ) خرجت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ابن خمس أو ست سنين ونزلت بالمدينة تزور أخوال جده (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهم بنو عدي بن النجار ، ومعها أُم أيمن « بركة » الحبشية ، فأقامت عندهم ، وكان الرسول بعد الهجرة يذكر أُموراً حدثت في مقامه ويقول : « إنّ أُمّي نزلت في تلك الدار ، وكان قوم من اليهود يختلفون وينظرون إليّ ، فنظر إليّ رجل من اليهود ، فقال : يا غلام ما اسمك ؟ فقلت : أحمد ، فنظر إلى ظهري وسمعته يقول : هذا نبي هذه الأُمّة ، ثم راح إلى إخوانه فأخبرهم ، فخافت أُمّي عليّ ، فخرجنا من المدينة ، فلمّا كانت بالأبواء توفيت ودفنت فيها ».
روى أبو نعيم في دلائل النبوّة عن أسماء بنت رهم قالت : شهدت آمنة أُمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في علتها التي ماتت بها ، ومحمد عليه الصلاة والسلام غلام « يفع » (3) له خمس سنين عند رأسها ، فنظرت إلى وجهه وخاطبته بقولها :
إنّ صح ما أبصرت في المنام فأنت مبعوث إلى الأنام
فالله أنهاك عن الأصنام أن لا تواليها مع الأقوام
ثم قالت : كل حي ميت ، وكل جديد بال ، وكل كبير يفنى ، وأنا ميتة ، وذكري باق وولدت طهراً.
وقال الزرقاني في « شرح المواهب » نقلاً عن جلال الدين السيوطي تعليقاً على قولها : وهذا القول منها صريح في أنّها كانت موحّدة ، إذ ذكرت دين إبراهيم (عليه السلام) وبشّرت ابنها بالإسلام من عند الله ، وهل التوحيد شيء غير هذا ؟! فإنّ التوحيد هو الاعتراف بالله وانّه لا شريك له والبراءة من عبادة الأصنام (4).
هذا بعض ما ذكره المؤرّخون في أحوال والدي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والكل يدل على إخلاصهما ونزاهتهما عمّا كان هو السائد في البيئة التي كانا يعيشان فيها.
وأخيراً نوجه نظر القارئ إلى الرأي العام بين المسلمين حول إيمانهما ، قال الشيخ المفيد في « أوائل المقالات » :
واتفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله عزّ وجلّ موحّدون له ، واحتجوا في ذلك بالقرآن والأخبار ، قال الله عزّ وجلّ : { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }[ الشعراء : 218 ـ 219] .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا » ، وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب ( رحمه الله ) مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد ، وأنّها تحشر في جملة المؤمنين (5).
أقول : الاستدلال بالآية يتوقف على كون المراد منها نقل روحه من ساجد إلى ساجد ، وهو المروي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }[ الشعراء : 219] قال : من نبي إلى نبي حتى أُخرجت نبياً (6).
وقد ذكره المفسرون بصورة أحد الاحتمالات ، ولكنّه غير متعين ، لاحتمال أن يكون المراد إنّه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلّبه في الساجدين عبارة عن تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده إذا كان إماماً لهم.
وأمّا الاستدلال بالحديث ، فهو مبني على أنّ من كان كافراً فليس بطاهر ، وقد قال سبحانه : { إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ } (4).
لكن الحجة هي الاتفاق والإجماع ، مضافاً إلى ما تضافر من الروايات حول طهارة والدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي جمعها الحافظ أبو الفداء ابن كثير في تاريخه قال : وخطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : « أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ... وما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني الله في خيرها ، فأُخرجت من بين أبوي ، فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية ، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأُمي ، فأنا خيركم نفساً ، وخيركم أباً » (8).
وعن عائشة قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « قال لي جبرئيل : قلّبت الأرض من مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم ».
قال الحافظ البيهقي : وهذه الأحاديث وإن كان في رواتها من لا يحتج به ، فبعضها يؤكد بعضاً ، ومعنى جميعها يرجع إلى حديث واثلة بن الأسقع ، والله أعلم.
قلت : وفي هذا المعنى يقول أبو طالب يمتدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
إذا اجتمعت يوماً قريشٌ لمفخر فعبدُ مناف سِرُّها وصميمُها
فإن حصلت أشرافُ عبدِ منافِها ففي هاشم أشرافُها وقديمها
وإن فَخَرتْ يوماً فإنّ محمداً هو المصطفَى من سرّها وكريمها
تداعت قريشُ غثُّها وسمينُها علينا فلم تظفر وطاشت حُلومها
وكنّا قديماً لا نقرّ ظلامةً إذا ماثنوا صُعْرَ الخدود نقيمها
ونحمي حماها كل يومِ كريهة ونضربُ عن أحجارها من يرومها
بنا انتعش العودُ الذواءُ وإنّما بأكنافنا تندى وتنمى أرومها (9)
ويعجبني أن أنقل ما ذكره الشبراوي في المقام : قال : ومبدأ الكلام في ذلك إنّ الله سبحانه قد أخرج هذا النوع الإنساني لأجله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّ آدم عليه الصلاة والسلام كان أوّل فرد من أفراد هذا النوع ، وكان سائر أفراده مندرجة في صلبه بصور الذرات ، فلمّا نفخ الروح في آدم كان نور نسمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يلمع في جبهته كالشمس المشرقة ، ثم انتقل ذلك النور من صلب آدم إلى رحم حواء ، ومنها إلى صلب شيث ، ثم استمر هذا ينتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، وهو معنى قوله : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } ، وأشار إليه العلاّمة البوصيري بقوله :
لم تزل في ضمائر الكون تختا ر لك الأُمّهات والآباء
وكان كل جد من أجداده من لدن آدم يأخذ العهد والميثاق أن لا يوضع ذلك النور المحمدي إلاّ في الطاهرات ، فأوّل من أخذ العهد آدم ، أخذه من شيث ، وشيث من أنوش ، وهو من « قينن » ، وهكذا إلى أن وصلت النوبة إلى عبد الله بن عبد المطلب ، فلمّا أُودع ذلك الجزء ، في صلبه لمع ذلك النور من جبهته ، فظهر له جمال وبهجة ، فكانت نساء قريش يرغبن في نكاحه ، وقد أسعد الله بتلك السعادة وشرّف بذلك الشرف « آمنة » بنت وهب ، فتزوجها عبد الله.
وقد روى الترمذي عن العباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إنّ الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ، ثم تخيّر القبائل فجعلني في خير قبيلة ، ثم تخيّر البيوت ، فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً ». أي ذاتاً وأصلاً.
وقد دلّت الآيات والأحاديث على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما طابت ذاته الشريفة ، بما أُوتي من الكمال الأعلى ، كذلك طاب نسبه الشريف ، فلم يكن في آبائه ولا أُمهاته من لدن آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ، إلاّ من هو مصطفى مختار قد طابت أعراقه ، وحسنت أخلاقه.
أخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال : استجاب الله تعالى دعوة إبراهيم في ولده ولم يعبد أحد منهم صنماً بعد دعوته ، واستجاب له وجعل هذا البلد آمناً ورزق أهله من الثمرات وجعله إماماً وجعل من ذريته من يقيم الصلاة.
قال السيوطي : وهذه الأوصاف كانت لأجداده (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة دون سائر ذريّة إبراهيم ، وكل ما ذكر عن ذريّة إبراهيم من المحاسن فإنّ أولى الناس به سلسلة الأجداد الشريفة ، الذين خصّوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحداً بعد واحد ، ولم يدخل ولد إسحاق وبقية ذريته لأنّه دعا لأهل هذا البلد ، ألا تراه قال : { اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا } وعقّبه بقوله : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } [إبراهيم : 35] ، فلم تزل ناس من ذرية إبراهيم (عليه السلام) على الفطرة يعبدون الله تبارك وتعالى ، ويدلّ عليه قوله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف : 28] فإنّ الكلمة الباقية هي كلمة التوحيد ، وعقب إبراهيم (عليه السلام) هم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الكرام ، قال بعض الأفاضل : اللّهم حل بيننا وبين أهل الخسران والخذلان الذين يؤذون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنسبة ما لا يليق بأبويه الكريمين الشريفين الطاهرين ـ إلى أن قال ـ : فهما ناجيان منعّمان في أعلى درجات الجنان ، وما عدا ذلك تهافت وهذيان ، لا ينبغي أن تصغي له الأُذنان ولا أن يعتني بإبطاله أُولو الشأن (11).
إذا وقفت على ما ذكرنا تعرف قيمة كلمة ابن حزم الأندلسي في أحكامه (10) ، حيث نسب إلى والدي النبي الأكرم ما لا يليق بساحتهما ، ويكفي في سقوط هذه الكلمة أنّ راويها وكاتبها ابن حزم الذي أجمع فقهاء عصره على تضليله والتشنيع عليه ونهي العوام عن الاقتراب منه وحكموا بإحراق كتبه (12).
وقال ابن خلّكان في وفياته : وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه ، فنفرت عنه القلوب ، واستهدف فقهاء وقته ، فتمالأوا على بغضه ، وردّوا قوله ، وأجمعوا على تضليله ، وشنّعوا عليه ، وحذّروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامّهم عن الدنو إليه والأخذ عنه ، فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتّى انتهى إلى بادية « لبلة » ، فتوفي بها آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وقيل إنّه توفي في « منت ليشم » ، وهي قرية ابن حزم المذكور. وفيه قال أبو العباس ابن العريف : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج ابن يوسف شقيقين ، وإنّما قال ذلك لكثرة وقوعه في الأئمّة (13).
__________________
(1) السيرة الحلبية : 1 / 46 وغيرها.
(2) سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية : 1 / 58.
(3) يفع الغلام : ترعرع.
(4) الاتحاف للشبراوي : 144 ; سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية : 1 / 57.
(5) أوائل المقالات : 12 ـ 13.
(6) البداية والنهاية : 2 / 239 ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الرابعة ـ 1408 ه.
(7) مفاتيح الغيب : 6 / 431. والآية من سورة التوبة : 28.
(8) البداية والنهاية : 2 / 238.
(9) البداية والنهاية : 2 / 240.
(10) الإتحاف بحب الأشراف : 113 ـ 118.
(11) الأحكام : 5 / 171.
(12) لسان الميزان : 4 / 200 ، وقد عرّفه الآلوسي في تفسيره : 21 / 76 بالضال المضل.
(13) وفيات الأعيان : 3 / 327 ـ 328.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|