أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-17
2956
التاريخ: 2023-09-12
1739
التاريخ: 11-2-2022
2429
التاريخ: 15-5-2017
2657
|
من البديهي أن يكون للحكم الجنائي أثر في الدعوى المدنية المقامة عن الضرر الذي أحدثته الجريمة أمام المحكمة الجنائية تبعاً للدعوى الجنائية, وسبب ذلك يعود إلى أن المحكمة الجنائية هي المختصة في نظر الدعوى الجنائية والفصل في موضوعها واثبات ارتكاب المتهم للواقعة محل التجريم وتحديد العقوبة وفرضها عليه قانوناً كونها الأساس الذي تقوم عليه الدعوى المدنية تبعاً للدعوى الجنائية, لأن الجريمة هي السبب في الحكم بالعقوبة والضرر المدني الناتج عنها فهو سبب الحكم بالتعويض(1). أما إذا كان من أصابه ضرر من الجريمة لا يرغب في ملاحقة دعوى المطالبة بالتعويض أمام المحكمة الجنائية، وقد آثر الذهاب إلى الطريق الاعتيادي للمطالبة بحقه أمام المحكمة المدنية، فقد قرر المشرع الجنائي قاعدة حجية الحكم الجنائي إزاء الدعوى المدنية المنظورة أمام المحكمة المدنية, فقد يصدر أثناء نظر الدعوى المدنية حكم جنائي بات في الدعوى الجنائية, فيكون للحكم الجنائي حجية الشيء المحكوم فيه, بمعنى أن تكون المحكمة المدنية ملزمة باحترامه وعدم الحكم على نقيض ما انتهى إليه، سواء كان الحكم صادر بالبراءة أم بالإدانة طالما أن الدعوى المدنية لم يفصل فيها نهائياً(2). وقد نص على هذه القاعدة م(227) الأصولية والتي جاء فيها: "1-يكون الحكم الجزائي البات بالإدانة أو البراءة حجة في ما يتعلق بتعيين الواقعة المكونة للجريمة ونسبتها إلى فاعلها ووصفها القانوني, ب- يكون القرار الإفراج الصادر من المحكمة الجزائية أو قاضي التحقيق قوة الحكم بالبراءة عند اكتسابه الدرجة النهائية, جـ-لا ترتبط المحكمة المدنية بالحكم أو القرار الجزائي البات أو النهائي في المسائل والوقائع التي لم يفصل فيها أو التي فصل فيها دون ضرر"(3). وتستند هذه القاعدة إلى عدة مبررات، فمن جهة أولى إن المحاكمة الجنائية تكون عادة مسبوقة بتحقيق ابتدائي, كما أن للقضاء الجنائي سلطات واسعة في التحقيق، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون نتائج التحقيق الذي يجريه أقرب إلى تحري وجه الصواب من أي تحقيق قد تجريه أي جهة أخرى, ومن جهة ثانية فإن الأحكام الجنائية يجب أن يكون لها احترامها وهيبتها لدى جميع الأفراد, ولا شك أن هذه الهيبة تضعف كثيراً إذا ما سمح للأفراد بمعاودة مناقشتها أمام القضاء المدني توصلاً إلى إثبات عكس ما قضت به المحكمة الجنائية, فضلاً على ذلك فإن تطبيق قاعدة حجية الحكم الجنائي يحول دون تضارب الأحكام الجنائية والمدنية وهو أمر سلبي, ومن جهة ثالثة فإن الدعوى الجنائية دعوى عامة ترفع باسم المجتمع ولمصلحته, لذلك يجب أن يكون الحكم الصادر فيها حجة على جميع هؤلاء الأفراد بما فيهم المحكوم عليه والمضرور مدنياً من الجريمة(4). فالحكم الجنائي الذي يصدر في الدعوى الجنائية يكون حجة أمام المحاكم المدنية لاعتبارات تتعلق بالنظام العام والمصلحة العامة, وهذا المبدأ عام يطبق على المحاكم الجنائية ذات الاختصاص الاستثنائي كالمحاكم العسكرية (الخاصة) ولو كان المجني عليه ممنوعاً من الادعاء بالحقوق المدنية أمامها(5).
وقد أخذت بهذا المبدأ جميع التشريعات الجنائية(6), التي تعطي للمضرور من الجريمة الخيار بين الطريقين الجنائي والمدني, عدا تلك التشريعات التي تحتفظ لكل قضاء منها بولايته الخاصة، فإنها تحتفظ في ذات الوقت باستقلاله في أحكامه. والخوض في بحث حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني يستلزم بيان شروط هذه الحجية ومن ثم تحديد نطاقها وفق التفصيل الآتي:
أولاً: شروط حجية الحكم الجنائي على الدعوى المدنية
لكي يكون للحكم الجنائي قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية أن تتوافر فيه عدة شروط تتمثل بالآتي:
1- أن يكون الحكم الجنائي صادراً في موضوع الدعوى
لكي يكون للحكم الجنائي تأثيراً على الدعوى المدنية، يجب أن يكون صادراً في موضوع الدعوى الجنائية، وذلك لأن الجريمة التي وقعت هي الأساس المشترك للعقوبة في الدعوى الجنائية والتعويض في الدعوى المدنية, ويستوي أن يكون هذا الحكم بالإدانة أو البراءة, فالقرارات التمهيدية أو التحضيرية لا أثر لها أمام المحكمة المدنية, فالقرار الصادر بقبول الدعوى أو بعدم قبولها والقرار الصادر باختصاص المحكمة أو عدم اختصاصها كلها من قبيل القرارات غير الملزمة, كذلك الشأن في القرارات الصادرة من سلطة التحقيق(7). أن يكون الحكم الجنائي باتاً يكون الحكم باتاً عندما يستنفد جميع طرق الطعن او تنقضي المواعيد المحددة للطعن فيه المادة (16/2) عقوبات عراقي, وعلى ذلك فالحكم القابل للطعن لا يمكن التمسك فيه أمام المحكمة المدنية ما دام ميعاد الطعن فيه لم ينته بعد فلا تكون له قوة الشيء المحكوم فيه إلا إذا انتهى الميعاد ولم يرفع الطعن, وإلا وجب انتظار الفصل في الطعن المرفوع, وذلك لأن الحكم الجنائي الذي لم يصبح باتاً يحتمل إلغاؤه بالطعن فيه فلا محل لتقيد المحكمة المدنية به(8), ويخرج من ذلك طريق إعادة المحاكمة ما دام أنه غير محدد بمدة(9), فلا يلزم استنفاذه حتى يصبح الحكم الجنائي باتاً, والقول على خلاف ذلك يقضي تماماً على قاعدة حجية الحكم الجنائي على الدعوى المدنية هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الرأي الراجح في الفقه المصري(10), يذهب إلى أن الحكم الغيابي الصادر في جناية لا يكون حجة أمام القضاء المدني مطلقاً, وبمجرد صدوره ينتهي إيقاف الدعوى المدنية وبه تسترد المحكمة المدنية سلطتها على الدعوى, لكون هذا الحكم معرض للإلغاء بمجرد حضور المتهم أو القبض عليه دون التقيد بمدة معينة. وهذا الرأي لا يمكن سريانه في القانون العراقي, لأن المشرع اعتبر الحكم الغيابي في الجناية بمنزلة الحكم الوجاهي بعد مضي ستة أشهر من تاريخ تبليغ المحكوم عليه غيابياً به, وفقاً لنص المادة (243) الأصولية, ولكنه استثنى من ذلك الحكم الغيابي الصادر بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو المؤقت م(245/د) الأصولية.
2- أن لا تكون الدعوى المدنية قد فصل فيها فصلاً باتاً قطعياً
لا بد لتطبيق قاعدة حجية الحكم الجنائي أن تكون الدعوى المدنية لا تزال قائمة أمام المحكمة المدنية, أي مستأخرة لحين الفصل في الدعوى الجنائية, لأن من الشروط الأساسية في الدعوى المدنية أن يكون الفصل فيها لاحقاً على صدور الحكم الجنائي, ويرجع السبب في ذلك إلى أن الحكم الجنائي ليس له اثر رجعي, فالحقوق التي اكتسبها الخصوم بوساطة الحكم المدني البات يجب أن لا يؤثر فيها حكم جنائي لاحق في صدوره عليها(11), كما أن الدعوى المدنية عند الفصل فيها نهائياً تكون قد خرجت من ولاية المحكمة ولا تملك الرجوع إليها ولو تناقض الحكم الذي أصدرته فيها مع الحكم الجنائي, وعلى هذا الأساس فإن حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني لا تسري على الدعوى المدنية المنظورة أمام المحكمة الجنائية, إذ لا محل لتطبيقها عليها لأن الحكم الجنائي في هذه الحالة لا يكون سابقاً على الفصل في الدعوى المدنية, كما أن البت في الدعوى المدنية لا يكون لاحقاً على صدور الحكم الجنائي, فكلا الحكمين يصدران في آن واحد.
ثانياً: نطاق حجية الحكم الجنائي على الدعوى المدنية
يتضح من نص المادة (227) الأصولية, ونص المادة (456) إجراءات مصري أن الحكم الجنائي البات الصادر بالإدانة أو البراءة يكون حجة على المحكمة المدنية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم وبوصفها القانوني, فبالنسبة للحكم البات الصادر بالإدانة فإنه يكون ملزماً للمحكمة المدنية, فلا يمكنها أن تذهب على خلاف ما أثبته الحكم الجنائي عند فصلها في الدعوى المدنية فإذا ثبت لدى المحكمة الجنائية وقوع الفعل ونسبته إلى المتهم فيجب أن تسلم المحكمة المدنية بذلك(12), كما أنها تلتزم بالوصف القانوني الذي انتهت إليه المحكمة الجنائية على الفعل المسند إلى المتهم(13), فإذا كيفت المحكمة الجنائية الواقعة المنسوبة إلى المتهم بأنها خيانة أمانة وأدانته على هذا الأساس, فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تغير هذا الوصف وتعده جريمة سرقة. أما بالنسبة للحكم البات بالبراءة, فيجب التمييز بين ما إذا كان حكم البراءة مستنداً إلى انعدام الأدلة أو عدم كفايتها (الإفراج) فهنا تلتزم المحكمة المدنية بالحكم ولا تملك معارضته استناداً إلى نص المادة (227) الأصولية لأن الحكم في هذه الحالة قطعي الثبوت على أن الفعل لم يصدر عن المتهم, وبين ما إذا كانت البراءة صادرة على أساس أن القانون لا يعاقب على الفعل المنسوب إلى المتهم, فهذا الحكم لا يكون حجة أمام المحكمة المدنية بمعنى أنه لا يمنعها من الحكم بالتعويض، وعلة ذلك أن الذي لا يعد جريمة في حكم القانون الجنائي قد يكون رغم ذلك فعلاً خاطئاً ضاراً يستوجب إلزام فاعله بالتعويض(14). وفي جميع الأحوال لا يكون للأحكام الجنائية قوة الأمر المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية إلا فيما يكون لازماً وضرورياً للفصل في التهمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية, فإذا فصل الحكم الجنائي في واقعة لم يكن الفصل فيها ضرورياً للحكم في الدعوى الجنائية لم يكن للحكم حجية في خصوص هذه الواقعة أمام القضاء المدني استناداً إلى نص المادة (227/جـ) الأصولية, ونص المادة (107) من قانون الإثبات رقم 107 لعام 1979 التي قررت بأن القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجزائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذه الحكم وكان فصله فيها ضرورياً, وعلى هذا الأساس قضي بأنه: "إذا كانت التهمة المرفوعة بها الدعوى على المتهم أمام المحكمة العسكرية هي أنه عمل أو حاول التأثير على أسعار السوق والتموين بأن حبس بضائع عن التداول, فحكمت له المحكمة بالبراءة وتعرضت وهي تبحث أدلة الإدانة إلى مالك هذه البضاعة فقالت أنها ملك للمتهم, فقولها هذا لا يمكن عدة قضاءاً له قوة الأمر المقضي به أمام المحاكم المدنية, إذ أن تعيين المالك للبضاعة لم يكن أصلاً عنصراً لازماً في تلك التهمة"(15).
وتجدر الإشارة بأنه يكون للأمر الجزائي الذي يصدره قاضي التحقيق حجية الأحكام الجنائية الصادرة من محكمة الموضوع, لكونه قراراً فاصلاً في الدعوى ويتخذ شكل الحكم الجنائي وموضوعه فتسري عليه المادة (227) الأصولية(16).
_____________
1- ينظر: القاضي عارف عزيز صالح, انقضاء الدعوى الجزائية, مجلس العدل, وزارة العدل, 1988, ص19.
2- ينظر: د. فوزية عبد الستار, شرح قانون الإجراءات الجنائية, دار النهضة العربية, القاهرة 1986, ص240.
3- وقد نصت على قاعدة حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني في القانون المصري المادة (456) إجراءات جنائية حيث ورد فيها: "يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً, فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها, ويكون لحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة, ولا تكون له هذه القوة إذا كان مبنياً على أن الفعل لا يعاقب علي القانون".
ويوازي هذا النص في القانون الأردني نص المادة (332) من قانون أصول المحاكمات الجزائية, لمزيد من التفصيل ينظر: د. ممدوح خليل البحر, مبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان 1998, ص129, كما نص على ذلك قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي رقم 447 لسنة 1988 في المواد (651-655), ترجمة إلى العربية د. محمد إبراهيم زيد و د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي, دار النهضة العربية, القاهرة 1990.
4- ينظر: د. رؤوف عبيد, مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري, الطبعة الثانية عشر, مطبعة جامعة عين شمس, القاهرة 1978, ص221-222.
5- ينظر: د. عدلي عبد الباقي, شرح قانون الإجراءات الجنائية, الجزء الثاني, دار النشر للجامعات المصرية, القاهرة 1953, ص619.
6- فقد أخذت به فرنسا وبلجيكا وهولندا, على أن القانون الإنكليزي يرفض هذا التقيد, إذ استقر على قاعدة استقلال الدعوى المدنية عن الدعوى الجنائية منذ عهود قديمة. ينظر: د. رؤوف عبيد, مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري, المرجع السابق, ص222.
7- ينظر: د. سليمان عبد المنعم, د. جلال ثروت, أصول المحاكمات الجزائية, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر, بيروت 1996, ص335.
8- ينظر: د. عدلي عبد الباقي, شرح قانون الإجراءات الجنائية, ج2, المرجع السابق, ص619, د. عمر السعيد رمضان, مبادئ قانون الإجراءات الجنائية, دار النهضة العربية, القاهرة 1967, ص211.
9- ينظر المادة (270) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
10- ينظر: د. أحمد فتحي سرور, اصول قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1969, ص1016.
11- ينظر: وعدي سليمان المزوري, الجزاءات الإجرائية (دراسة مقارنة), رسالة ماجستير, كلية القانون/جامعة بغداد, 2000, ص209.
12- حيث جاء في قرار محكمة التمييز في العراق بأنه: "على المحكمة أن تستند على الحكم الجزائي الذي أدان المتهم للحكم عليه بالتعويض"، ينظر القرار رقم 1967/مدينة ثالثة 1975 في 11/11/1975, مجموعة الأحكام العدلية, ع4, 1975, ص60.
13- ينظر: د. عمر السعيد رمضان, مبادئ قانون الإجراءات الجنائية, دار النهضة العربية, القاهرة 1967, ص211, د. فوزية عبد الستار, شرح قانون لإجراءات الجنائية, المرجع السابق, ص242.
14- حيث قضت محكمة النقض المصرية بأن "القضاء بالبراءة لعدم العقاب على واقعة القبض بدون وجه حق لا يؤدي حتماً إلى انتفاء المسؤولية المدنية ولا يمنع أن تكون نفس هذه الواقعة فعلاً خاطئاً ضاراً يوجب ملزومية فاعليه بتعويض الضرر", طعن رقم 1412 لسنة 25ق جلسة 17/4/1956, مجموعة أحكام محكمة النقض, س7, ص596. ينظر: إدوار غالي الذهبي, أجزاء الحكم الجنائي التي تحوز الحجية أمام القضاء المدني, مجموعة بحوث قانونية, دار النهضة العربية, القاهرة 1978, ص206, المستشار محمد شتا أبو سعد, البراءة في الأحكام الجنائية وأثرها في رفض الدعوى المدنية, الطبعة الثالثة, منشأة المعارف, الإسكندرية 1997, ص671 وما بعدها.
15- ينظر: نقض مصري 12 يونيه 1974, مجموعة القواعد القانونية, ج7, رقم 357, ص335, أشار إليه د. عمر السعيد رمضان, مبادئ قانون الإجراءات الجنائية, المرجع السابق, ص213.
16- ينظر: المادة (228) من قانون أصول المحاكمات.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|