أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-7-2019
5317
التاريخ: 25-3-2016
4742
التاريخ: 22-3-2016
2944
التاريخ: 31-8-2019
2930
|
يتفق الجزاء الجنائي الموضوعي مع الجزاء المدني الموضوعي في حالة إيلام المحكوم عليه نتيجة الحكم بالعقوبة الجنائية أو التعويض المدني, فالتعويض شأنه شأن العقوبة يتضمن معنى الإكراه(1). كما يقال أن الجزاء الجنائي يؤدي الوظيفة ذاتها التي يؤديها الجزاء المدني, بمعنى أن أي من الجزائين يحمل مرتكب السلوك المخالف للقانون على عدم ارتكابه مجدداً, فضلاً عن كلاً منهما يعزز حكم القاعدة القانونية كما لو كانت مخالفتها لم تكن(2). وعلى الرغم مما ورد من وجهات نظر, فإن هناك فروقاً جوهرية بين الجزائين, فيختلف الجزاء المدني عن الجزاء الجنائي من حيث الطبيعة, فالجزاء الجنائي له طابع جنائي يجعل منه وسيلة لمكافحة الإجرام, أما بالنسبة للجزاء المدني فليس له الطابع ذاته فهو وسيلة لإعادة التوازن الذي اختل نتيجة للعمل غير المشروع, كما أنه يخالفه من حيث الجوهر, فإيلام الجزاء الجنائي مقصود لتحقيق أغراضه وليس من بينها التعويض, أما الجزاء المدني فالقصد منه جبر الضرر الناتج عن السلوك غير المشروع وليس إيلام الملزم به, كما أن الجزاء الجنائي أكثر تنويعاً من الجزاء المدني, لأن المصالح والحقوق التي يمسها الجزاء الجنائي متنوعة فقد تكون الحياة أو الحرية أو الشرف أو الاعتبار أو الذمة المالية, في حين أن الجزاء المدني له طبيعة مالية فقط ليس لها قيمة إن لم يكن لدى المحكوم عليه مال(3). كما إن القول بأن كلا الجزائين يؤدي الوظيفة ذاتها, فهو قول محل نظر, فإذا سلمنا بصحة وظيفة كليهما بحمل مرتكب السلوك المخالف للقانون على عدم العودة, فان القول بتعزيز الجزاء الجنائي لحكم القاعدة القانونية لا يتعدى التعزيز الأدبي الرمزي, لأن وظيفة الجزاء الجنائي ليست التعزيز الفعلي وبإعادة الأمور إلى ما كانت عليه كما لو لم تكن هناك مخالفة قانونية(4). فوظيفة الجزاء المدني تنحصر في إعادة الوضع المادي للأمور إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب السلوك المخالف للقانون كما لو أن شيئاً لم يحدث, أما وظيفة الجزاء الجنائي فهي (تطهير) النفس البشرية من الشوائب, أي من الخلل النفسي الداخلي الذي دفع بصاحبه إلى ارتكاب الفعل الجرمي من أجل منعه من العودة إلى ارتكاب جريمة أخرى مستقبلاً وردع غيره(5). كما أن الهدف من الجزاء المدني هو تعزيز القاعدة القانونية, وذلك عن طريق تفويت الغرض الذي قصده المخالف للقانون المدني, بحيث تعود الأمور قدر المستطاع إلى ما كانت عليه, أما هدف الجزاء الجنائي هو مكافحة الإجرام والحيلولة دون أن تكون الجريمة المرتكبة طريقاً ممهداً لارتكاب جرائم لاحقة لها في المستقبل(6). يضاف إلى ذلك بأن الجزاء المدني ينسحب أثره على الماضي, أي يحدث مفعوله في الوضع المادي للأمور على ما انتهى إليه قبل مخالفة القانون المدني وقبل توقيع الجزاء وذلك بالعودة إلى حالته السابقة على مخالفة القانون, أما الجزاء الجنائي فإن أثره يتجه إلى المستقبل لا الى الماضي أي السعي على أن لا يحدث في المستقبل مثل ما حدث في الماضي(7). فالجزاء الجنائي يقوم بدور بارز في جميع المراحل التي يمر بها, ففي مرحلة التشريع يؤدي الجزاء الجنائي وظيفة إنذار الأفراد ويضع حائلاً أمام الدافع بهم إلى الإجرام وهو الرهبة من الجزاء وهو ما يسمى بالردع العام, أما في مرحلة القضاء فيؤدي الجزاء الجنائي وظيفة مزدوجة, فمن جهة يؤكد سلطان الدولة ويظهر للكافة بأنها قابضة على زمام الأمور على الرغم من أن هناك سلوكاً إجرامياً مرتكباً من قبل شخص معين, ومن جهة أخرى يمنع ارتكاب جرائم جديدة بالتبعية للجريمة التي وقعت, وفي مرحلة التنفيذ يقوم الجزاء الجنائي بإزالة الخلل النفسي الذي أدّى بالمحكوم عليه إلى ارتكاب الجريمة، أو على الأقل القيام بمساعدته على مقاومة هذا الخلل, وبالتالي تقويم اعوجاج الجاني وهذا ما يسمى بالردع أو المنع الخاص(8). وعلى الفروقات الجوهرية بين الجزاء الجنائي والجزاء المدني تترتب آثار قانونية عدة يمكن إجمالها بالتالي:
يوقع الجزاء الجنائي باسم المجتمع ولمصلحته ويطالب به الادعاء العام
(النيابة العامة) بوصفه ممثل المجتمع, فلا يجوز لأحد التنازل عنه(11), أما التعويض المدني فمقرر لمصلحة المضرور فله أن يطالب به أو يتنازل عنه(12).
ومن عرض هذه الفروقات بين الجزائين الجنائي والمدني يمكننا القول بأن ذلك يعد سمة أخرى من سمات ذاتية الجزاء الجنائي الموضوعي تجاه أجزية القوانين الأُخر, وتضاف هذه السمة إلى مجموعة السمات البارزة التي سلف ذكرها لترجيح كفة ذاتية القواعد الجنائية الموضوعية إزاء القواعد القانونية الأخرى سواءاً كانت تنتمي إلى فرع القانون العام أم فرع القانون الخاص, فاختلاف الأجزية من حيث الطبيعة والجوهر والاختلاف في تحديد الوقائع المجرمة قانوناً يتبعه بالضرورة اختلاف وسيلة معالجة أيً منها, وبما أن الجزاء يعد أثراً قانونياً على مخالفة الوقائع المحددة بالنص القانوني وهو بالوقت ذاته متميزاً عن غيره من أنواع الأجزية, فيوضح ذلك أصلاً اختلافاً
بالمسؤولية الجنائية عن المسؤولية القانونية القائمة عن مخالفة القوانين الأُخر,
والتي تنبني مسؤولية كل منها على أساس فلسفة وطبيعة ومدى خاص بالقانون الذي تتبعه تلك المسؤولية.
__________________
1- ينظر: د. فتوح عبد الله الشاذلي, المسؤولية الجنائية, دار المطبوعات الجامعية, الإسكندرية 2001, ص214.
2- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العامة للقانون الجنائي, منشأة المعارف, الإسكندرية 1997, ص1083.
3- ينظر: د. عبد الفتاح عبد الباقي, نظرية القانون, ط5, مطبعة نهضة مصر بالفجالة, القاهرة, 1966, ص16-17, د. فتوح عبد الله الشاذلي, المسؤولية الجنائية, المرجع السابق, ص214.
4- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العام للمجرم والجزاء, منشأة المعارف, الإسكندرية 1977,
ص111-112.
5- ينظر: د. رمسيس بهنام, المرجع السابق, ص110-111.
6- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العامة للمجرم والجزاء, المرجع السابق, ص110-111.
7- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العامة للقانون الجنائي, المرجع السابق, ص1082-1083.
8- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العامة للقانون الجنائي, المرجع السابق, ص1083-1084.
9- ينظر: د. فتوح عبد الله الشاذلي, المسؤولية الجنائية, المرجع السابق, ص215.
10- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العامة للمجرم والجزاء, المرجع السابق, 113, ولنفس المؤلف, النظرية العامة للقانون الجنائي, المرجع السابق, ص1084.
11- ينظر: ويرد على هذا الاصل العام استثناءا نصت عليه المادة (9/ج) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي حيث نصت على ان "يحق لمن قدم الشكوى ان يتنازل عنها...".
12- ينظر: د. فتوح عبد الله الشاذلي, المسؤولية الجنائية, المرجع السابق, ص215.
13- ينظر: د. رمسيس بهنام, النظرية العامة للقانون الجنائي, المرجع السابق, ص1085.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|