علي لم يبايع بسبب الوحشة من عدم مشورته وليس بسبب عدم مشروعية خلافة أبي بكر |
290
11:34 صباحاً
التاريخ: 12-4-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-2-2020
572
التاريخ: 12-4-2017
291
التاريخ: 10-2-2020
896
التاريخ: 12-4-2017
360
|
[نص الشبهة] :
لا نسلم أن تأخير البيعة وقع بعد الطلب ، وعلى تقدير وقوعه بعده ، فلا نسلم وقوعه لعدم القول باستحقاق الأول للخلافة ، بل للوحشة التي نشأت من عدم مشاورتهم إياه في هذا الأمر : وفي أمثال تلك الأمور قد يحصل نوع غضاضة لكمل الناس ، من غير أن يكونوا معتقدين بطلان الأمر ، ولا نافين لوقوعه على وفق الشرع .
ويؤيد ما جوزناه ما رواه ابن الأثير في جامع الأصول في الباب الثاني من كتاب الخلافة ، من صحيح مسلم ، عن عائشة ، قالت : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والعباس أتيا يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني لا أدع أمرا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه فيه إلا صنعته - زاد في رواية : إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ - قال : فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها علي ، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك إلى اليوم .
قال : في رواية فهجرته فاطمة ، فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت : فكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي ، ومكثت فاطمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر ثم توفيت ، فقال رجل للزهري : فلم يبايعه على ستة أشهر ؟ قال : لا والله ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي .
فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ، ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، فأرسل إلى أبي بكر ائتنا ولا تأتنا معك بأحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ، فقال عمر : لا تأتهم وحدك ، فقال أبو بكر : والله لآتينهم وحدي ما عسى أن يصنعوا بي ، فانطلق أبو بكر فدخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده .
فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فلم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك ، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ، ولكن كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا ، ثم ذكر قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحقهم ، فلم يزل علي يذكره حتى بكى أبو بكر وصمت علي .
فتشهد أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فوالله لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم عن الخير ، ولكن سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أدع أمرا صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا صنعته إن شاء الله ، ثم ساق الكلام إلى بيعته (1) .
وجه التأييد : تصريحه (عليه السلام) بأنه لم يكن مانعه من البيعة إنكار الفضيلة والنفاسة ، وما يشتمل كلامه (عليه السلام) عليه من أن الخلافة خير ساقه الله تعالى إلى أبي بكر ، فلو لم يكن أهلا لها لم يعبر (عليه السلام) عنها بالخير ، ولم ينسب سياقه إلى الله تعالى .
وبعد ما صرح (عليه السلام) أن مانعه من البيعة لم يكن ما ربما يتوهم الجاهل بمرتبة أبي بكر ، قال : مانعه أنه يرى أن له في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا ، ومراده (عليه السلام) من هذا الأمر إما الخلافة ، وإما المشورة ، والأول باطل ، لأنه صرح باستحقاق أبي بكر للخلافة ، وأن المانع لم يكن إنكارا لفضيلته والنفاسة ، علم أنه كان (عليه السلام) عالما باستحقاق أبي بكر للخلافة ، فتعين الثاني .
وصيرورة الوحشة مانعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن تعجيل البيعة أقوى دليل على عدم منافاة التأخير في مثل هذا الأمر العظيم للوحشة للكمال ، لأنه بهذا الحديث الصحيح ظهر أن الوحشة كانت هي الباعثة على تأخيره (عليه السلام) عن البيعة ، وبالأخبار الصحيحة المتظافرة مثل حديث الطائر والمنزلة والراية وغيرها من الأخبار الكثيرة ظهر كونه (عليه السلام) في أعلى مراتب الكمال ، فوجب أن يحمل أن صيرورة الوحشة باعثة على تأخير مثل هذا الأمر ، والامتناع عنه مثل هذه المدة ليست قادحة في الكمال .
فظهر التأييد وتم المقصود بهذا الخبر الذي رواه مسلم الذي من أجلة الناقدين للأخبار ، وبهذا التجويز والتأييد خرجت بيعة المهاجرين والأنصار عن البطلان ، واندفعت المفسدة الواضحة التي هي خطأ مثل تلك الجماعة الذين قتلوا العشائر والأقارب لتحصيل مرضات الله تعالى ، وبذلوا الأموال والنفوس في إطاعته ، وإن سلم عدم الاجماع على ما قالت الشيعة .
[جواب الشبهة] : في هذا نظر من وجوه :
أما أولا ، فلأنه مع كون منع تأخير البيعة عن الطلب مكابرة صريحة ، كما يدل عليه السير والأخبار دلالة قول الزهري " فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر " ظاهرة (2) في امتناعه (عليه السلام) عن البيعة ما دام المقدرة ، وقوله (عليه السلام) " فلم يمنعنا أن نبايعك " صريح فيه .
وأما ثانيا ، فلأن منع كون امتناعه (عليه السلام) عن البيعة ناشئا عن اعتقاده (عليه السلام) عدم الاستحقاق لا معنى له ، لأنه لو كان قائلا به وبوقوع البيعة على وجه شرعي مع ظهور احتمال ترتب المفسدة على التأخير ، ولو كانت سوء الظن بالمحق كيف يجوز التأخير عنه ؟
وأيضا مسارعة الصحابة في الأمر المذكور يوم السقيفة كانت دالة على نهاية اهتمامهم في أمر الخلافة الدالة على كون التأخير فيه تهاونا في عمدة الواجبات المضيقة ، وبعد ما حصل الرضا وظهر الاستحقاق وأمكن البيعة ، كان تعجيل البيعة واجبا أو راجحا ، والوحشة عن فعل الواجب أو الراجح لا يليق بأوساط الناس ، فكيف تنسبونها إليه (عليه السلام) ؟ مع علمكم ببعض مراتبه ، فهذا التأخير دليل قطعي على اعتقاده بعدم استحقاق الأول الكاشف عن عدم استحقاقه في الواقع لدوران الحق معه حيثما دار .
وأما ثالثا ، فلأن تأخير بني هاشم أيضا كان : إما للوحشة ، أو لعدم بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ظنا منهم أنه (عليه السلام) يقول بعدم استحقاق الأول للخلافة ، وقوله بعدم
الاستحقاق يدل على عدم الاستحقاق ، أو لأنهم وإن كانوا عالمين بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) عالم باستحقاق الأول للأمر لكن لما ترك البيعة للوحشة تركوها اقتفاء به ( عليه السلام) في الترك ، وإن لم يوجد ما دعاه (عليه السلام) إلى الترك فيهم .
والأول باطل ، لأن الوحشة على وقوع الأمر على وفق الشرع المطاع أعلمهم به وعلمهم بعلم الشريف والوضيع حقية هذا الأمر ، لا وجه لها ، فكيف يتركون البيعة الواجبة عليهم ستة أشهر؟ ويتهمون البرئ بالغصب وأنفسهم بالعصبية ؟ لدلالة الترك على أحدهما ظاهرا .
والثاني لا معنى له ، لأن وضوح استحقاق الخلافة كان في مرتبة لم يخف على أوساط الناس ، فكيف يخفى على بني هاشم ؟ مع كونهم من كمل الصحابة وأهل العلم والتميز ، فلم لم يصر عدم بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) شبهة لغيرهم وصار شبهة لهم ؟ والأقربية لا مدخل لها في الشبهة ، فلم لم يعلمهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالاستحقاق حتى يتخلصوا عن هذا الظن ، هل كانت وحشة أمير المؤمنين (عليه السلام) مانعة عن الإعلام ، ولا يخفى أن ظن هذا بأمير المؤمنين (عليه السلام) من بعض الظن .
والثالث لا وجه له ، لأن ترك أعاظم الصحابة المسارعة إلى الخير ، بل تركهم فعل الواجب مدة متمادية لوحشة أمير المؤمنين (عليه السلام) لا معنى له ، وأيضا يجب على أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأى ترتب ما ترتب على تأخير بيعته من ترك بني هاشم ، أن يترك الاصرار على مقتضى وحشته ويبايع حتى يبايعوا أو يأمرهم بالبيعة ، ويقول رعاية البيعة هاهنا مظنة بطلان حق أبي بكر ، أو عصبيتكم وتبعيتكم في مثل هذا الأمر غير محمودة بل مذمومة ، اعلم أن تجويز أيسر هذه الأمور بقنبر لا معنى له أصلا ، فكيف ينسبون إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟
اعلم أن هذا الخبر صريح في أن بيعة أبي بكر كانت على خلاف مرضات الله تعالى ، وتأخيره (عليه السلام) كان لضرورة الاجتناب عن معاونة الإثم والعدوان ، فلما رأى قوتهم وضعف الحق بوفاة خير نساء أهل الجنة ، اقتضى التقية وشريفة {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] المداراة معهم ، ومع هذا في التأخير إتمام الحجة على الناس بأنه لو كان في بيعة أبي بكر خيرية لم يؤخرها من كان أسرع المؤمنين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الخيرات .
وقوله (عليه السلام) " لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك " وغيره مما يدل على عدم بطلان أمر الخلافة ، تقية منه (عليه السلام) كما يشهد عليها سياق الخبر ونفس تأخيره (عليه السلام) ، ويحصل من هذا الخبر وسيرته (عليه السلام) وما نقل عنه (عليه السلام) في مواضع متعددة القطع بأنه (عليه السلام) كان منكرا لاستحقاق الأول للأمر ، وكارها للبيعة ومكرها بها بعد مدة اختلف في قدرها أنه كان أربعين يوما أو ستة أشهر .
وعلى التقديرين نقول : إما أن يكون امتناعه وإنكاره في المدة غير حق ، أو اعترافه به بعد المدة ، فإن قلنا بحقية مقتضى ظاهر الاعتراف ، فتركنا مقتضى الروايات المتظافرة بدوران الحق معه حيثما دار ، بل سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي هي كونه أسرع المؤمنين إلى الخيرات ، وأطوع الأصحاب للقربات ، وأصدق السابقين في الأقوال والأفعال . وإن قلنا بحقية مقتضى الانكار ، حملنا البيعة على الاضطرار ، والتكلم بما ظاهره خلاف الواقع عند شدة الخوف لا ينافي دوران الحق معه حيثما دار ، لأن المراد من الدوران دورانه عند التكلم بما له فيه الاختيار .
ومع غاية ظهور ما ذكرته قلت : لو تنزلنا عن الظهور لا يقدر على نفي احتمال ما ذكرته من شم رائحة الانصاف ، وهو كاف لانتفاء العلم بتحقق الاجماع الذي هو مناط استدلالهم .
وأما رابعا ، فلضعف الاستبعاد الذي ذكرته وظننته مفسدة ، وكونه أضعف بمراتب شتى من ترك بني إسرائيل إطاعة هارون (عليه السلام) مع استمرار نبوته وظهور خلافته وإقرارهم بهما بمجرد غيبة موسى (عليه السلام) مع ظهور احتمال مراجعته وعبادتهم الجماد بقول السامري الذي لم يكن دليل على حجيته ، فإذا قلتم بوقوع هذا بشهادة القرآن ، فلم لا تجوزون بطلان بيعة أبي بكر لو فرض عدم شهادة الكتاب والبرهان ، وبالجملة أمثال تلك الشبهات لا وقع لها أصلا .
_______________
(1) جامع الأصول 4 : 482 - 483 برقم : 2079 .
(2) المراد بالظهور هو الاستغناء عن النظر لا مقابل الصريح " منه " .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|