أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-08-2015
755
التاريخ: 31-3-2017
926
التاريخ: 14-4-2018
555
التاريخ: 30-03-2015
631
|
وفيه أبحاث:
البحث الأول- في الأسماء وهي أربعة:
1 الإيمان، وهو لغةً: التصديق، وعرفاً: قيل(1): الشهادتان للحديث(2) ، ويبطله قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]. وقيل(3): المعرفة باللَّه، لقوله صلى الله عليه وآله: «أوّل الدين معرفته تعالى»(4) ، ويبطل بقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } [البقرة: 89]، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14]. وقيل(5): عمل الجوارح، لقوله تعالى: {ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، ويبطله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، وقوله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 277]، والعطف يقتضي المغايرة. وقيل: اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان(6). وقيل الأوّلان فقط(7) ، ويعلم ضعفهما بما سبق ويجيء.
والحقّ: أنّه التصديق؛ لأنّ معناه لغةً ذلك، فكذا شرعاً، وإلّا لزم الاشتراك أو النقل، وهما خلاف الأصل، ويكفي التصديق بالقلب، لقوله: «اولئك كتب في قلوبهم الإيمان»، وقوله: «إلّا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، والمراد: تصديق الرسول صلى الله عليه وآله في كلّ ما علم ضرورة مجيئه به، نعم الاقرار باللسان كاشف والأعمال ثمرات، فعلى قولنا: الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان، وما ورد من النقل في ذلك له تأويلات، وعلى الثالث يكون قابلًا لهما، وقد عرفت ما فيه.
2 الكفر، وهو لغةً: الستر، والزارع كافر لستره الحبّ في الأرض، وعرفاً يعلم ممّا تقدّم.
وهل يكفر أحد من أهل القبلة أم لا؟ فالمعتزلة كفّرت الأشاعرة، لقولهم بالصفات القديمة، ولنسبتهم الأفعال إلى اللَّه تعالى(8). وكذا كفّرت الأشاعرة والمعتزلة المشبهة والمجسّمة(9).
وكلّ ذلك عندنا حق، ونزيد نحن: دافعي النص على أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّهم كفرة عند جمهور أصحابنا، ويقوى عندي أنّ ذلك حق في دافع النص المتواتر وما ثبت عنده بطريق يعتقد صحّته. وأمّا المقلّد الذي سبقت إليه الشبهة، وهو عاجز عن النظر بالأدلّة غير معاند، فيقوى الحكم بفسقه وعدم تخليده.
3- النفاق، وهو لغةً إبطان الشخص خلاف ما يظهره(10) ، وعرفاً: إظهار الإيمان وابطان الكفر.
4- الفسق، وهو لغةً : الخروج (والفأرة فويسقة لخروجها عن بيتها(11) ، وعرفاً الخروج) عن طاعة اللَّه تعالى مع الإيمان، ففاعل الكبيرة مؤمن، لتصديقه، وقال الحسن البصري(12): هو منافق(13) ، وقالت الخوارج: هو كافر(14) ، وقالت الزيدية(15): كافر نعمة، وقال جمهور المعتزلة(16): غير كافر ولا مؤمن، بل له منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر، والحقّ ما قلناه.
البحث الثاني- في الأحكام وفيه مسائل:
الاولى: حكم المؤمن في الدنيا المدح والتعظيم والمناكحة والموارثة والغسل والصلاة والدفن في مقابر المسلمين، وفي الآخرة: استحقاق الثواب الدائم، للإجماع ودلالة النص(17) والعقل، وأطفالهم تابعون لهم في ذلك كلّه، لقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21].
الثانية: حكم الكافر في الدنيا ضد ما تقدّم في المؤمن ، وفي الآخرة العقاب الدائم والتخليد في النار، للإجماع(18) ودلالة القرآن(19) ، وقال الجاحظ(20) والعنبري(21): إنّ الكافر المبالغ في الاجتهاد وطلب الحق ومات ولم يصل إليه معذور عند اللَّه، وهو غير مخلّد(22) ، وقال البيضاوي(23): يرجى له العفو(24). وقال أكثر المسلمين بعدم الفرق، وأمّا أطفالهم: فالحق أنّ عقابهم قبيح لعدم التكليف، فلا مخالفة فلا عقاب، ويجوز التفضّل عليهم، لعموم: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156](25).
وللكافر المرتد وغيره أحكام هي بالفقه أنسب. والمنافق إن أظهر الإسلام عومل بأحكامه في الدنيا.
الثالثة: حكم الفاسق المؤمن:
المدح والتعظيم، لإيمانه، والذم والاستخفاف، لعصيانه، فهو ممدوح مذموم باعتبارين، وأمّا في الآخرة: فإن كانت معصيته صغيرة فهي مغفورة إجماعاً، وإن كانت كبيرة ومات ولم يتب منها فقطع المرجئة بعدم عقابه، وإلّا لكان مخزياً، لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وكلّ مخزيّ كافر لقوله: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [النحل: 27].
وقطع الوعيدية(26) بعقابه وتخليده لما يأتي من حجّتهم، وقالت الأشاعرة(27) وأكثر أصحابنا: يجوز عقابه وعدمه(28) ، لأنّه حقّه تعالى، فجائز له تركه، لأنّه لا لوم ولا ذمّ على من ترك حقّه وجائز له أخذه، لكن لو عوقب لكان عقاباً منقطعاً، وهو الحقّ لما يأتي.
الرابعة حيث تعرضنا لذكر الكبيرة فلنذكر ما قيل في تفسيرها ، فنقول: قال قوم من أصحابنا(29): إنّ الذنوب كلّها كبائر نظراً إلى اشتراكها في المخالفة، وإنّما سمّي بعضها صغائر بالنسبة إلى ما فوقه كالقُبلة، فإنّها صغيرة بالنسبة الى الزنا، وكبيرة بالنسبة إلى النظر.
وقالت المعتزلة: الكبيرة والصغيرة يقالان بالإطلاق وبالإضافة.
أمّا الأوّل: فالصغيرة ما ينقص عقابه عن ثواب فاعله في كلّ وقت، والكبيرة ما يزيد عقابه عن ثواب فاعله في كلّ وقت(30).
وأمّا الثاني: فبالإضافة إلى معصيةٍ أو طاعةٍ، فالصغيرة ما ينقص عقابه عن ثواب تلك الطاعة، أو عقاب تلك المعصية في كلّ وقت، والكبيرة هو الذي يزيد عقابه على ثواب تلك الطاعة أو عقاب تلك المعصية في كلّ وقت، وقيّد في هذه الصورة بكلّ وقت، لأنّه لو اختلفت الأوقات لوجب التقييد، فيختلف الاسم.
وأمّا الفقهاء(31)، والمفسرون(32) فقالوا: الكبيرة ما توعد عليه بالنار، فبعض(33) عدّ سبعة، وبعض سبعين (34) ، وقال ابن عباس: هي إلى سبعمائة أقرب(35) ، غير أنّه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.
البحث الثالث- في انقطاع عقاب صاحب الكبيرة ويدلّ عليه وجوه:
1- أنّه لمّا بطل التحابط، وجب استحقاق هذا الثواب بإيمانه، والعقاب بمعصيته، فإن وصلا إليه دفعة فهو محال عقلًا وإجماعاً، وإن وصلا على التعاقب فإن اثيب أوّلًا، فهو باطل، للإجماع على أنّ من يدخل الجنّة لا يخرج منها، وإن عوقب أوّلًا، فهو المطلوب.
2- أنّه لو خلد في النار لزم مساواته للكافر الذي أتى بأعظم المعاصي، مع أنّ الفاسق انضمّ إلى معصيته إيمان، واللازم باطل عقلًا، فكذا الملزوم.
3- أنّه يقبح منه تعالى أن يعبده إنسان ألف سنة ثم يفسق مرّة واحدة، فيحبط تلك الطاعات العظيمة بتلك المرّة الواحدة.
4- إنّ معصية الفاسق متناهية، فلا يحسن استحقاقه عقاباً غير متناهٍ، ولا ينقض بالكافر، لأنّه أتى بأعظم المعاصي.
5- قوله تعالى: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 128].
وجه الاستدلال: أنّ المستثنى إمّا الأوقات أو الأشخاص، فإن كان الأوّل: ما قبل الدخول، كما قيل، للزم الاضمار من غير ضرورة، ولقبحه في اللفظ، فيكون بعد الدخول ويؤيّده: كون الخلود إنّما يكون بعد الدخول وليس تلك الأوقات للكفّار، للإجماع، فتكون للفسّاق، وهم من فعل الكبيرة، إذ الصغائر مكفرات إجماعاً.
وإن كان الثاني: فالمطلوب ظاهر، إذ لا خلاف أنّ الكافر لا يخرج من النار.
إن قلت: كان يجب أن يقول على هذا: «إلّا من شاء اللَّه»، لأنّ الفاسق من اولي العلم.
قلت: المحقّقون على أنّ «من» يشترط في مدلولها العلم، وأمّا «ما» فلا يشترط فيها العلم ولا عدمه، فقد تطلق على اولي العلم، كقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، وكذا الاستدلال بقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 106، 107].
6- ما ورد متواتراً عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال: «يخرج قوم من النار وهم كالحمم والفحم، فيراهم أهل الجنّة، فيقولون: هؤلاء جهنميون، فيؤمر بهم، فينغمسون في عين الحيوان، فيخرج أحدهم كالبدر»(36).
واحتج القائلون بالتخليد(37) بعموم آيات، نحو قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14]، و {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74]، و {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } [الانفطار: 14 - 16] ، وغير ذلك، وعموم أخبار، وهي كثيرة.
والجواب: إنّا نحمل الخلود على المكث الطويل، لاستعماله فيه كقولهم: وقف مخلد، وقول الفقهاء: إنّ السارق يخلّد السجن في الثالثة، وفي الدوام، كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] ، فيكون للقدر المشترك، لأنّ الاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فيكون أعم، والعام لا دلالة له على الخاص، فإذا دلّ الدليل على التخصيص وجب المصير إليه، وقد بيّنا ذلك.
أو نحمله على الكافر جمعاً بينه وبين ما ورد من قوله: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التحريم: 8]، وقوله: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، وقوله: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ } [النحل: 27]، وقوله: {هَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17] ، وقوله: {أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [طه: 48].
على أنّ المراد بالآية الاولى- فيما ذكروه(38) - الكافر، لأنّ الحدود جمع مضاف، فهي للعموم، كما بيّن ذلك في الاصول، فيدخل فيه الايمان، والفاسق غير متعدٍّ للإيمان، وكذا الثانية بقوله بعدها: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا} [طه: 75]، مع أنّ المراد بالفاجر: الكامل في فجوره، وهو الكافر بدليل قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [عبس: 42].
البحث الرابع- المسقط العام للعقاب وهو التوبة وفيه مسألتان:
الاولى: لا بدّ فيها من الندم على فعل المعصية، وتركها في الحال، والعزم على عدم المعاودة في الاستقبال.
وهل العزم المذكور جزء منها أو خارج؟ وعلى الثاني هل هو مشروط أو لازم؟ ذهب إلى كلّ واحد قوم، بعد اتفاقهم على أنّه لا بدّ من الكلّ، وهي واجبة في الجملة، لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: 31] وتقع مقبولة، لقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]، ويسقط العقاب مع القبول، لقوله تعالى: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25].
واختلف في مسائل:
أ- أنّها هل تجب من جميع الذنوب؟ مذهب أصحابنا ذلك، لدفعها الضرر اللازم لكلّ ذنب، لأنّها إمّا عن فعل محرّم أو ترك واجب(39) ، وكلاهما قبيح يحسن تركه، ولعموم الآية(40).
وقال أبو هاشم: تجب عن الكبائر، لا غير، لعدم حصول الضرر بالصغائر(41).
والجواب: بالمنع من ذلك، إذ غفرانها تفضّل.
ب- هل يصحّ من قبيح دون آخر، قال أبو علي: نعم، وإلّا لم يصح الاتيان بواجب دون واجب(42) ، واللازم باطل إجماعاً. وبيان الملازمة: بأنّه تجب التوبة عن القبيح لقبحه، وفعل الواجب لوجوبه، والاشتراك في العلّة يوجب المساواة في الحكم.
وقال ابنه: لا يصحّ، إذ لو صحّ، يكشف أنّه لم يتب عنه لقبحه، وفرق بين الواجبات والقبائح، فإنّه فرق بين الفعل والترك، فإنّ من أكل الرمّان لحموضتها لا يجب عليه أكل كلّ رمانة حامضة، ومن ترك أكلها لحموضتها وجب عليه ترك كلّ رمّانة حامضة، وإلّا لكشف أكله لشيء منها عن أنّه لم يتركها لحموضتها(43).
والتحقيق: أنّ القبائح مقولة بالتشكيك، فإذا تاب عن قبيحٍ له مشارك في جهة قبحه وجب التوبة عن مشاركه، للعلّة المشتركة، ولا يجب عن غير المشارك، لاختلاف الدواعي، ولهذا لو أسلم يهودي مصرّ على صغيرة قبلت توبته عن كفره، وبه تناول النصوص.
ج- هل سقوط العقاب بها واجب أم تفضّل؟
أصحابنا(44) والمرجئة على الثاني، إذ لو وجب سقوط العقاب بها، لكان إمّا: لوجوب قبولها، وهو باطل، وإلّا لكان من أساء إلى غيره بسائر أنواع الإساءة، ثم اعتذر يجب قبول عذره، واللازم كالملزوم في البطلان. وإمّا: لكثرة ثوابها، فيلزم الاحباط، وهو باطل كما تقدّم.
والمعتزلة على الأوّل، وإلّا لما حسن تكليف العاصي، إذ لو كلّف لا لفائدة لزم العبث، والفائدة غير الثواب، فبطل إجماعاً ولفائدة الثواب، وهو باطل، وإلّا لزم اجتماع المتنافيين، إذ العقاب ممكن حينئذٍ، فلو وصل الثواب اجتمع المتنافيان(45).
والجواب: اجتماع المتنافيين لازم على تقدير دوام عقاب الفاسق، وهو باطل، لما تقدّم.
سلّمنا: لكن يمكن التخلّص على مذهبهم بأن يفعل طاعات كثيرة تزيد على معاصيه، فيكفرها.
د- هل سقوط العقاب لذاتها، أو لكثرة ثوابها؟
أصحابنا على الأوّل(46) ، لوجوه:
1- أنّها قد تقع محبطة بغير ثواب، كتوبة الخارجي عن الزنا، فإنّها تسقط عقاب الزنا، ولا ثواب.
2- لو كان كذلك لما بقي فرق بين تقدمها على المعصية أو تأخرها عنها، كغيرها من الطاعات التي يسقط العقاب بكثرة ثوابها، ولو صحّ ذلك لكان التائب عن المعصية إذا كفر بعد ذلك أو فسق يسقط عقابه.
3- أنّه لو كان كذلك، لما اختص بها بعض الذنوب دون بعض، فلم يكن اسقاط عقاب هذا أولى من غيره؛ لأنّ الثواب لا اختصاص له ببعض العقاب دون بعض.
وعندي في هذين الوجهين نظر.
وقال قوم بالثاني، وإلّا لقبلت في الآخرة وحال المعاقبة، واللازم باطل، فكذا الملزوم.
والجواب: أنّ المراد سقوط العقاب بها إذا وقعت بشرائطها لا تفتقر في سقوط العقاب إلى أمرٍ زائد، ومن جملة شروطها أنّها تقع ندماً على القبيح لقبحه، وفي الآخرة وحال المعاقبة يقع الإلجاء.
الثانية(47): يجب أن يندم عن القبيح، لكونه قبيحاً، وإلّا لكشف عن كونه غير تائب، فإنّ من تاب عن شرب الخمر لإضرارها ببدنه غير تائب منها لقبحها، فعلى هذا لو تاب عن المعصية خوفاً من النار، أو من فوات الجنة، ويكون ذلك هو الغاية لم يكن تائباً.
ثمّ القبيح: إمّا من حقوق اللَّه أو الآدمي.
والأوّل: إمّا عن فعل محرّم- كالزنا والشرب- فيكفي فيه الندم والعزم المتقدّمان، أو ترك واجب، فإن لم يكن له وقت معيّن- كالزكاة والحجّ- أتى به، وإن كان له وقت معيّن، فإن لم يسقط لخروج وقته وجب قضاؤه كالصلاة اليومية، وإن تسقط- كصلاة العيد- كفى الندم.
والثاني: إمّا أن يكون إضلالًا، أو غيره، فالأوّل: يجب إرشاد من أضلّه، والثاني: إن كان جناية دمويّة، يجب الانقياد لمستحق القصاص ليعفو أو يستوفي، وإن كان جناية ماليّة يجب الايصال إلى المستحق أو ورّاثه، أو الاستيهاب، ومع التعذر العزم عليهما عند المكنة، وإن كان حدّ قذف فكذلك. وإن كان اغتياباً فإن بلغ ذلك إلى المغتاب وجب الاعتذار إليه، لأنّه أدخل عليه ألماً، والندم لمخالفته الشرع، وإن لم يبلغه كفى الندم والعزم على ترك المعاودة، وهذه اللوازم ليست جزءاً من التوبة في سقوط العقاب المتقدّم، لكنّه إن قام بها كان إتماماً للتوبة، وإن لم يقم سقط عقاب المتقدّم، وتكون التبعات ذنوباً مستأنفة، يجب الرجوع عنها، ويحتمل أن تكون دالّة على عدم صحّة الندم.
وهنا فروع:
1- إنّ العاصي إن لم يكن عارفاً بذنوبه على التفصيل كفى الندم الاجمالي، وإن كان عارفاً بها تفصيلًا قال القاضي: يجب التوبة عن كلّ واحد مفصلًا(48).
وفيه نظر، لإمكان الاجتزاء بالإجمالي.
2- هل يجب التجديد كلّما ذكر الذنب؟ قال أبو علي: نعم، لأنّ قدرة المكلّف لا تنفكّ عن أحد الضدين، إمّا الفعل أو الترك، فإذا ذكر المعصية: فإن كان نادماً فالمطلوب، وإن كان عازماً فهو قبيح يجب الندم عليه، وقال ابنه: لا يجب، لجواز خلوّ القادر عنهما(49).
3- إذا رمى ولم يصب بعد، قال الأكثر: يندم على الاصابة، لأنّها هي القبيح، وقد صارت في حكم الموجود، لوجوب حصول المعلول عند حصول العلة، وقال القاضي: يجب نَدَمَان، على الرمي، لأنّه قبيح، والآخر على كونه مولّداً للقبيح، ولا يندم على المعلول، لأنّ الندم على القبيح لقبحه، وقبل الوجود لا قبح.
[البحث] الخامس: المسقط الخاص بالمؤمنين
وهو نوعان:
[النوع] الأول: الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام.
والأوّل: بإجماع المسلمين، والثاني: بإجماعنا.
ويدلّ على الأوّل أيضاً وجهان:
أ- قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] ، قيل: هو مقام الشفاعة(50).
2- {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [محمد: 19] أمره بالاستغفار لنا، فإن كان للوجوب فلا يتركه لعصمته، وإن كان للندب فكذلك، لعلوّ منزلته وعظم شفقته، والفاسق مؤمن كما تقدّم، فيدخل فيمن يستغفر له، واستغفاره لا يردّ، لقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5].
وذهب الوعيدية(51): إلى أنّها لزيادة الدرجات، لا غير، وهو باطل. وإلّا لكنّا شافعين له صلى الله عليه وآله بقولنا: «اللّهم ارفع درجته»، وذلك باطل، لأنّ الشافع أعلى من المشفوع.
احتجّوا بآيات: قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر: 18]، والفاسق ظالم، وكذا قوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270] ، وقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
والجواب: أنّه مخصوص بالكفار، جمعاً بين الأدلّة، ويؤيّده قوله صلى الله عليه وآله «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امّتي»(52) ، هذا مع أنّ نفي المطاع في الآية لا يلزم منه نفي المجاب، لجواز أن يكون مجاباً ولا يكون مطاعاً، فإنّ المطاع فوق المطيع، واللَّه فوق كلّ موجود بالرتبة، ونمنع أيضاً كون الفاسق غير مرتضى بل مرتضى بإيمانه.
[النوع] الثاني: العفو من اللَّه. والبحث إمّا في جوازه أو وقوعه.
أمّا الأوّل: فلوجهين:
1- ( أنّه إحسان) ، وكلّ إحسان حسن، والمقدّمتان ضروريتان.
2- أنّه حقّه تعالى، وهو ظاهر، فجاز منه إسقاطه، لوجود الداعي، وهو كونه اضراراً بالعبد، وتركه إحسان إليه، وامتناع المانع، إذ لا ضرر عليه في تركه ولا لوم.
ومنع الوعيدية منه، لأنّ العلم بذلك إغراء للمكلّف بالمعصية، فيكون قبيحاً.
واجيب: بأنّه معارض بالتوبة، فإنّ العقاب يسقط معها اتفاقاً، ولا إغراء فيها، وإلّا لقبحت.
وأمّا الثاني: فلوجوه:
1- قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ } [الرعد: 6] وليس للتعليل نحو: ضربته على عصيانه إتفاقاً، فيكون للحال، نحو رجمه على شربه، أي حال شربه، فيكون المراد حال ظلمهم، خرج الكفر اتفاقاً، فبقي الباقي على عمومه.
2- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48]والاستدلال بها من وجهين:
أحدهما: أنّه أخبر بغفران دون الشرك، فأمّا مع التوبة فباطل، إذ لا فرق حينئذٍ بين الشرك وغيره، للإجماع على غفرانه مع التوبة، فيكون بدونها، فيكون العفو واقعاً، وهو المطلوب.
وجعل عدم غفران الشرك مع عدم التوبة (وغفران) ما دونه معها، يخرج الكلام عن النظم الفصيح الصحيح.
وثانيهما: أنّه علّق غفران ما دون الشرك بالمشيئة، فوجب أن لا يكون مشروطاً بالتوبة، لأنّ الغفران معها واجب، ولا شيء من الواجب معلّق بالمشيئة.
3- قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] خرج من ذلك الكفر بالإجماع، فيبقى غيره على حاله، وجعل الغفران فيها مشروطاً بالتوبة لتبقى على عمومها موجب للإضمار، وما ذكرناه مخصص، وهو خير منه على ما تقرّر في الاصول.
وقالت الوعيديّة: ما ذكرتموه معارض بآيات الوعيد، نحو قوله تعالى: { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [النساء: 123]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]، وغير ذلك، فيحمل ما ذكرتموه على الصغائر(53).
والجواب: أنّ ما ذكرتموه على تقدير تسليم معارضته، فهو قليل ومكثور بالنسبة إلى ما في طرفنا من الآيات والأخبار، فيكون ما عندنا أكثر، والكثرة أمارة الرجحان، ولا يُطرح ما ذكرتموه، بل نحمله على الكفار، لقيام الدليل.
وأمّا حمل آياتنا على الصغائر فباطل:
أمّا أوّلًا: فلأنّه لا ضرورة إليه، بخلاف حملنا.
وأمّا ثانياً: فلأنّه لا يحسن من الجواد المطلق التمدح بالعفو عن الصغير مع إمكان العفو عن الكبير، مع استواء الأمرين بالنسبة إليه، هذا.
مع أنّ تأويل آيات الوعيد أولى، لأنّ إهمال الوعد لو تمّ لؤم، وإهمال الوعيد كرم، ولأنّ المؤمن العاصي أتى بأتمّ الطاعات وأعظمها وهو الايمان، ولم يأت بأعظم المعاصي وهو الكفر، فوجب ترجيح جانب وعده كما قال سيّد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام: «يا رب إن عصيتك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك وهو التوحيد، وإن لم أطعك فلم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك»(54) ، ولبعض حكماء الإسلام هنا أبيات، قالها قبل موته، يحسن ايرادها وهي:
إن كانت الأعضاء خالفت الذي أمرت به في سالف الأزمان
فسلوا الفؤاد عن الذي أودعتم فيه من التوحيد والإيمان
تجدوه قد أدى الأمانة فيهما فهبوه ما أخطاه بالجثمان
________________
(1) هو قول الكرامية. راجع شرح المقاصد 5: 176، وإرشاد الطالبين: 438.
(2) راجع اصول الكافي 2: 33، الحديث 2.
(3) هو قول جهم بن صفوان وأبي الحسن الأشعري وبعض الإمامية. راجع إرشاد الطالبين: 439 وشرح المقاصد 5: 176 وشرح المواقف 8: 323.
(4) نهج البلاغة: 39، الخطبة الاولى، ولم نعثر عليه عن النبيّ صلى الله عليه و آله.
(5) والقائلون هم قدماء المعتزلة. راجع إرشاد الطالبين: 439 وشرح المواقف 8: 323.
(6) وهو قول الشيخ المفيد. راجع إرشاد الطالبين: 440 ومرآة العقول 7: 132، وشرح المواقف 8: 323.
(7) هو قول الشيخ سالم بن محفوظ والمحقق الطوسي والعلامة الحلي. راجع إرشاد الطالبين: 441 ومرآة العقول 7: 132.
(8) شرح المواقف 8: 343.
(9) شرح المواقف 8: 343.
(10) راجع تاج العروس، مادة( نفق).
(11) راجع القاموس المحيط، مادة( فسق).
(12) حسن بن يسار البصري، تابعي، كان امام أهل البصرة، أحد الزهاد الثمانية، انحرف عن الامام علي عليه السلام فلقّب ب« سامريّ هذه الأُمة» ورد في ذمه روايات. توفي سنة( 110 هـ). راجع الاثني عشرية للشيخ الحر العاملي: 171- 174 والاعلام للزركلي 2: 226.
(13) نقلها قاضي القضاة عبد الجبار في شرح الأُصول الخمسة: 137. وراجع أيضاً المنقذ من التقليد 2: 163- 164.
(14) نقلها قاضي القضاة عبد الجبار في شرح الأُصول الخمسة: 137. وراجع أيضاً المنقذ من التقليد 2: 163- 164.
(16،15) كشف المراد: 427 والمنقذ من التقليد 2: 164.
(17) أُصول الكافي 2: 24- 25.
(18) كشف المراد: 414.
(19) والآيات كثيرة منها في سورة البقرة: 39.
(20) أبو عثمان، عمرو بن بحر الجاحظ، من كبار أئمة الأدب والكلام، له آراء انفرد بها عن سائر المعتزلة وهو رئيس الفرقة الجاحظية، له تصانيف كثيرة، توفي سنة( 255 ه). راجع الأعلام للزركلي 5: 74.
(21) والظاهر أنه أبو الهذيل، زُفر بن الهذيل بن قيس العنبري، فقيه من أصحاب أبي حنيفة أصله من اصبهان. أقام بالبصرة وولي القضاء بها وتوفي بها سنة( 158 ه). راجع فهرست ابن النديم: 256 والأعلام للزركلي 3: 45.
(22) راجع شرح المقاصد 5: 131، والمحصّل للرازي: 566.
(23) هو عبد اللَّه بن عمر البيضاوي الشيرازي، ولد في مدينة البيضاء بفارس، ولي قضاء شيراز مدة وصرف عن القضاء، فرحل إلى تبريز وتوفي فيها سنة( 685 ه). من آثاره: أنوار التنزيل وطوالع الأنوار ومنهاج الوصول إلى علم الأُصول. راجع الأعلام للزركلي 4: 110.
(24) نقله المصنّف رحمه الله في إرشاد الطالبين: 425 عن« طوالع الأنوار» للبيضاوي. ولم نعثر عليه.
(25) كشف الفوائد في شرح العقائد: 95.
(26) وهم المعتزلة ومن تابعهم من الخوارج كما ذكره المصنّف رحمه الله في إرشاد الطالبين: 424. وسمّي المعتزلة بالوعيدية لأنهم قالوا بدوام عقاب الفساق وأهل الكبائر وبأنه يجب على اللَّه الوفاء بالوعيد.
(27) شرح المقاصد 5: 230.
(28) انظر كشف المراد: 427.
(29) مجمع البيان 1: 85.
(30) انظر التفسير الكبير للفخر الرازي 10: 75.
(31) النهاية: 325، قواعد الأحكام 3: 494، والدروس الشرعية 2: 125، ومسالك الأفهام 14: 167.
(32) مجمع البيان 2: 38، والتبيان 3: 182، وجامع البيان 5: 27.
(33) راجع الدروس الشرعية 2: 125.
(34) راجع الدروس الشرعية 2: 125.
(35) راجع تفسير مجمع البيان 2: 39.
(36) لم نجده بعينه، انظر بحار الأنوار 8: 360، الحديث 29، و 361، الأحاديث 31- 33 و 35.
(37) وهم الوعيدية. راجع مناهج اليقين: 516.
(38) راجع تفسير التبيان 3: 140 و 141، ومجمع البيان 2: 20، وجامع البيان 4: 197.
(39) راجع كشف المراد 417
(40) التحريم 8 والنور 31
(41) راجع شرح الأُصول الخمسة للقاضي عبد الجبار: 789.
(43،42) مناهج اليقين: 524.
(44) كالسيد المرتضى في الذخيرة: 302، والشيخ سديد الدين الحمصي الرازي في المنقذ من التقليد 2: 86.
(45) قواعد المرام: 168 ومناهج اليقين: 526- 527.
(46) مناهج اليقين: 527.
(47) أي: المسألة الثانية وقد ذكر الأُولى في الصفحة 477.
(48) شرح المقاصد 5: 171 نقله عن بعض المعتزلة.
(49) مناهج اليقين: 525.
(50) مجمع البيان 3: 435.
(51) راجع انوار الملكوت: 175 وكشف المراد: 416.
(52) وهو حديث مشهور متواتر عن طريق الشيعة انظر: مجمع البيان 1: 104 وبحار الأنوار 8: 30. ومن طرق العامة انظر: سنن الترمذي 4: 625، الحديث 2435، ومسند أحمد 3: 213.
(53) انظر شرح المقاصد 5: 151- 152.
(54) لم نجده بعينه، ونقل في بحار الأنوار عن أبي حمزة ما بمعناه 86: 195، الحديث 2.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|