المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



كلام في الوصية  
  
4186   11:49 صباحاً   التاريخ: 25-11-2014
المؤلف : محمد الصادقي
الكتاب أو المصدر : تفسير الفرقان
الجزء والصفحة : ج2 ، ص356-367.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

قال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 180 ، 181] 180.

الوصية هي التوكيل فيما لا يستطيع عليه الموكّل ، أم لا يناسب محتده وكيانه كوصايا اللّه سبحانه‏ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء : 11] - {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ } [الشورى : 13] فالوحي إلى كل مكلف لا يناسب محتد الربوبية كما لا يليق به كل مكلف ، فهنا الوصية إلى المرسلين ليبلغوا رسالات ربهم إلى كل المرسل إليهم.

وهي في غير اللّه ظاهرة في وصية الموت حيث الحي لا يحتاج إليها في حياته لإمكانية تصرفه بنفسه إلّا شذرا ، أم فيما يختص بآخرين كالوصية بالتقوى وما شابهها ، ثم وهنا «إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» تجعلها صريحة في وصية الموت.

وللوصية رباطات ثلاث بالموصي والموصى له والموصى إليه ، ففي ذلك المثلث تتحقق الوصية على شروطها ، و«كتب» هنا مما تفرض هذه الوصية فانها صريحة في فرضها ، متأبية عما يحوّلها عنه الى ندب أمّا شابه ، من غير الفرض ، ثم‏ «حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» تؤكد فرضها ، وليست التقوى راجحة حتى تلمح برجحان الوصية دون فرض ، بل هي واجبة على أية حال ، { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن : 16] و{ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102].

ثم وآيات الفرائض تعبّر عن الوصية بما يؤكّد فرضها ثالثة ، فقد تتكرر {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء : 11] «يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» {بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [النساء : 12] بعد أصول الفرائض ، ف‏ «يُوصِي بِها» دون «إن أوصى بها» مما تلمح كصراح‏

«ان الوصية حق على كل مسلم» «1»

فكيف تنسخ آية الوصية بآيات‏ الفرائض؟ و«نسختها» «2» في بعض الروايات لا تعني إلّا نسخ الإطلاق ، وكما نسخت‏ «فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً» آية الوصية «3»  ، اي استثنت عنها الوصية المجانفة ، فالنسخ وهو الإزالة قد تحلّق على المنسوخ ككل كما هو المصطلح ، ام يقيّد إطلاقه او يخصّص عمومه وهذا هو الأكثر استعمالا في الأحاديث التي تحويه ، والرواية اليتيمة المروية

عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) ان «لا وصية لوارث» «4»

مختلقة او مؤولة بالوصية بما زاد على الثلث‏ «5» ، ولكنه لا يختص بوارث ! فهي لا توافق القرآن ، وتعارضها المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهم روات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) الصادرون عنه دون خطأ ولا تجديف‏ «6».
ولقد احتجت بآية الوصية- فيمن احتج- الصديقة الطاهرة جمعا بينها وبين آيات الإرث ، فهل هي بعد منسوخة وبعد ارتحال الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلم)! دون أية حجة إلّا إجماعا يدّعى وروايات يتيمة تروى لا حجة فيها أمام القرآن الناطق بفرض الوصية؟

فحتى لو تواترت الرواية على غير فرضها كانت مضروبة عرض الحائط ، فضلا عن آحاد معارضة بأكثر منها وأصح سندا! وجواز الوصية في بعض الأحاديث يعني عدم الحظر عنه لأنها بوجود الوارث في مظان الحظر ، او يعني مضيّها جوازا وضعيا يضم جوازه تكليفيا ، ام يعني رجحانها قبل حضور الموت ، فان فرضها حسب الآية خاص بما إذا حضر أحدكم الموت.
وبعد كل ذلك فآية المائدة في إشهاد الوصية- وهي آخر ما نزلت- تثبت الوصية بشهود لكي لا تفلت ، وهل الوصية هذه المهمة إلّا للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين.
فقبل نزول آيات المواريث بفرائضها كانت الوصية في كل ما ترك من خير ، ثم اختصت بقسم قدر في السنة بالثلث ، وكما تصرح آيات الفرائض‏ «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ».

فحقا إنها تفرض الوصية كما آيات الفرائض تفرض الفرائض وتلمح- أيضا- إلى فرض الوصية ، والجمع بين الفرضين أن الأولى لا تعدو الثلث والثانية تخص الثلثين عند الأولى ، امّا زاد حين تنقص الوصية عن الثلث ، أم الأثلاث الثلاثة إذ لا وصية وكل ذلك من بعد دين.

و ترى «عليكم» تعم قبيلي النساء والرجال؟ اجل وبطبيعة الحال فان ترك خير وترك الوالدين والأقربين وأوامر الإنفاق ، لا تختص بقبيل الرجال ، إضافة الى عموم التكليف حتى لو اختص اللفظ بقبيل الرجال ، وأنّ‏ «كُتِبَ عَلَيْكُمْ» تخاطب الذين خاطبهم من ذي قبل وهم كل‏ «الَّذِينَ آمَنُوا».

ثم‏ {إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} لا تعني حالة الاحتضار لأنها حالة الغفوة والاستتار ، والميت فيها منهار لا يستطيع أمرا عاقلا باختيار! إنها تعني الحالات التي تعتبر في كل الأعراف أنها حالات حضور الموت ، لمّا قل الرجاء بالبقاء ، دون الموت اليقين لأنه مجهول حتى حالة الاحتضار ، فحين ينقطع الرجاء من‏ الحياة فالوصية- إذا- مكتوبة.

و لماذا الوصية مكتوبة هي خاصة بما إذا حضر أحدكم الموت؟ إذ إنه قبل حاضر الموت مسئول شخصيا عن الوالدين والأقربين في نفقات واجبة وإنفاقات أخرى تحملها آيات ، فلما يحضر الموت فلا يقدر شخصيا ان يعمل بواجبه تجاه الوالدين والأقربين فليوص لهم بما يجبر واجبه في حياته ، ولا سيما إذا هم ليسوا ممن يرث لحجب من كفر او ارتداد أمّا شابه! لمكان الأمر {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان : 15] ومنه الوصية لهما ، وكذلك من يرث ولا يكفيه نصيبه ، او يوفّر عليه لمرجح آخر {بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.

و فرض الوصية هذه هو بطبيعة الحال خاص بما «إِنْ تَرَكَ خَيْراً» من أموال وحقوق مالية أمّاهيه من خير كان يملكه وهي محسوبة من التركة ، وخير عبارة عن التركة الموصى فيها هو «خيرا» لشمولها الحقوق إلى جانب الأموال ، واختصاصها بما تحصل عليها من حلّه ، وما تبقى عندك بعد إخراج الحقوق الواجبة فيه ، وبعد إخراج الديون منه ، فلا وصية- إذا- في كل ما ترك إذ ليس له إلا خيره في نطاق الشرع ، فكيف يوصي بما لا يملكه؟.

فهل إنه كل ما يتركه مما قل منه او كثر؟ وقليل المال ليس شيئا يذكر ، كما وأن في الوصية به للأقربين ممن يرث فضلا عمن لا يرث إضرارا بسائر أهل الفرائض ، أو تقليلا لميراث من هو خارج عن الوصية من الورثة «7» ، إذا ف «خيرا» هنا هو المال الواسع الذي لا يؤول بوصيته إلى شرّ وضرّ ، كما هو الحال في مطلق الإنفاق زائدا على الفرض حال الحياة ، أن ينفق على الوالدين‏ والأقربين بقدر يقدر به رزق عياله ويضيّق عليهم ، إذا ف «خيرا» تختلف من زمان الى زمان ، ومن بيئة الى بيئة ، ومن عائلة وارثة إلى عائلة ، ليس يحدد بحد خاص كضابطة سارية لما تصح فيه الوصية ، فهو المال الذي يتحمل الوصية وهنالك وراث ، دون اي مال توصي به وتحرم الورثة المحاويج ، إكثارا على غيرهم او توفيرا لبعضهم على بعض في غير ما حق ولا رجحان.

ثم «الأقربين» بعد الوالدين هم بطبيعة الحال الأولاد فنازلا الى سائر طبقات الوارثين وسواهم ، و«بالمعروف» إخراج عن حدّي الإفراط والتفريط فلا تظلم فيها الورثة ولا تهمل ، وحدّه في متواتر السنة الثلث ، يوصي به أم اقل منه حسب العدل والنصفة ، رعاية للأقرب والأحوج الأليق في ميزان اللّه ، فإنهما من الموازين الثابتة في كافة الإنفاقات واجبة وراجحة.
وما شرعة الوصية بالثلث إلّا رعاية لأحوال المحاويج من الوالدين والأقربين ، وارثين منهم وغير وارثين ، فان الورثة درجات حسب الحاجيات ، والموازنة الصالحة بينهم في قدر الحاجات مقدرة في الثلث ، والوصية بالمعروف هو العدل فيها حسب القرابة والحاجة ، فكما الواجب على من عنده خير الإنفاق بالعدل على الوالدين والأقربين في حياته ، كذلك عليه الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، تسهيما بالعدل من ثلث ماله او ماله من حق ، فان الورثة وسواهم من الأقارب ضروب شتى في الحاجة ، فيسد ثغور الحاجات بالوصية الصالحة.
فقد شاء اللّه بفرض الوصية للوالدين والأقربين ألّا يحرموا النصيب العدل ، وليست سهام المواريث لهم ككلّ ، لموانع اصيلة او طارئة تحول دون الإرث ، ثم وليست السهام المفروضة تحلق على مختلف المحاويج منهم ، اللّهم إلّا ضابطة ثابتة روعي فيها الأحقية من حيث القرابة ، وأما هي من حيث‏ الحاجة فلا ضابطة فيها حيث الحاجات لا تنضبط تحت ضابط ، ولا بد للموصي النظر الثاقب إليها والوصية الصالحة بحقها.

إذا فالتقسيم العادل هو بين وصية اللّه بسهام المواريث ووصية المكلفين كما أمر اللّه للوالدين والأقربين بالمعروف ، وهو صالح التقسيم سدا للثغور وتسوية من حيث الحاجات ، إذا فهذه الوصية واجبة كواجب سهام المواريث على سواء ، ثم عن الوصية المحرمة في شرعة اللّه ، ثم عن الوصية الفوضى غير المراعى فيها درجات القرابة والحاجة.

«حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» حقا على عواتقهم للوالدين والأقربين ، فرضا واجبا ، كما {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء : 8 ، 9].

وقد تلمح صارحة بوجوب الوصية لهم ، أنها إذا تركت أبدل عنها برزقهم إذا حضروا القسمة ، وهم غير الوارثين ، فضلا عن الوالدين وأولي القربى الوارثين.

فهنا واجبات ثلاث : واجب تطبيق السهام كما فرض اللّه ، وواجب الوصية للوالدين والأقربين كما أمر اللّه بالمعروف ، ثم واجب الرزق من الميراث لمن يحضر من اولي القربى واليتامى والمساكين.

كل ذلك حفاظا على حقوق المحاويج الذين كان لهم نصيب طول حياة الموصي ، ما أمكن له من إنفاق عليهم ، تقديما لجانب الأقربين ثم سائر القرباء على مراتبهم ، ثم اليتامى والمساكين وابن السبيل.

ف «بالمعروف» في حقل الوصية هو نفسه المعروف في كل حقول الإنفاق.

وترى ان الأقربين هم فقط أقارب النسب؟ والأزواج هم من أقرب الأقربين مهما كانت قرابتهم بالسبب؟ إطلاق الأقربين يشملهم دون ريب حيث القرابة السببية قرابة كما النسبية ، فمهما كانت القرابة النسبية اثبت ، فان القرابة السببية أربط ، فهما إذا قرابتان مهما اختلفتا في الثبت والربط.

ثم‏ «إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» تحصر فرض الوصية بحضور الموت ، ولا تمنع عن رجحانها قبله كما تظافرت به الروايات ، كما ولا تحصر أصل الوصية بالوالدين والأقربين ، وإنما هم يقدّمون على من سواهم ، ام انهم أعم من قرابتي النسب والسبت ، ان يشملوا قرابة الأخوة الإسلامية ، مع رعاية الأقرب والأحوج ، ثم الإشهاد على الوصية واجب في واجب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 106 - 108].

ثم في الوصية أحكام أخرى قد تأتي بطيات آياتها الأخرى كما تناسبها إن شاء اللّه تعالى.

{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة : 181].

أ ترى ضمير الذكر إلى م يرجع ؟ أهو الوصية لأنها مؤنث مجازي جائز الوجهين ؟ ولا وجه للذكورة لسابق المرجع المؤنث المجازي! ولا أن الوصية تبدّل في نفسها إثما لأنها فعل الموصي وله تبديلها إذا شاء وفق المصالح المتجددة! إنه حكم اللّه في الوصية ان يبدل من واجبها الى ندبها ، وأصل الوصية ان تترك ، ومادة الوصية الحاصلة أن تبدل ، أماذا مما فرضت في هذه الآية.

ف «بدّله» تعم كل تبديل موضوعي او حكمي ، بعضا او كلّا ، كتابة أم شهادة أم واقعية ، سواء أ كان مبدّله- أيا كان المبدّل- وصيا او شاهدا أم ثالثا ، او جلّهم ام كلّهم ، فهو- إذا- تبديل مطلق او مطلق تبديل ، فالمعنى فمن بدل ما ذكر من الأمر بالوصية ومن مادتها ومن تطبيقها فإنما ...

فمن ذلك التبديل تبديل الحكم المكتوب في الوصية «كُتِبَ عَلَيْكُمْ» الى الندب ، فتوى فالإثم- إذا- على المقلّد حين لا يعلم المقلّد خطأه.

ومنه تبديله عمليا ممن يعرف وجوب المكتوب ثم لا يوصي ، كما منه تبديل كتاب الوصية تمزيقا او تغييرا من أيّ كان.

كل ذلك تشمله‏ «فَمَنْ بَدَّلَهُ» مهما اختلفت دركاته كما تختلف درجات الوصية بالمعروف!.

«بَعْدَ ما سَمِعَهُ» كذلك تعم سماع حكم اللّه في بعدي فرض الوصية وتنفيذها ، أم سماع الوصية ، والسماع هنا لا يحدّد بنفسه ، إنما هو الذريعة المتعوّدة للعلم ، إذا فهو العلم كيفما حصل بأيّ من حلقات الوصية حكما وتنفيذا ومادة وكيفية ، فلا تبديل في ذلك الحقل لأيّ من جنبات الوصية ، اللّهم إلّا من الموصي وهو خارج عمن بدّله.

ثم‏ «فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» تحصر إثم التبديل على من بدّل ، فقد يحاول الوصي تطبيق الوصية كما هي والشاهد يبدلها ، او الشاهد يشهد لها كما الوصي ثم الوكيل او الورثة امّن هو ممن له مدخل الى حقل الوصية ، هو الذي يبدله ، فلا إثم- إذا- على من سبقه حيث طبقه ، ولا على الوصي حين أوصى كما يجب.

و«إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» الوصية والشهادة ، وسميع قول من بدلّه «عليم» بما يخفي أو يعلن ، فتبديل الوصية الصالحة في كل مواقفها إثم مهما اختلفت دركاته حسب مختلف التبديل ، حتى إن أوصى بمال له ليهودي او نصراني‏ «8» ما لم يكن‏ في أصل الوصية محظور.

ولماذا «فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» ومن يقبل ذلك التبدل او لا يعارض المبدل وهو عارف بالوصية هما ايضا آثمان ؟ لأن امكانية المعارضة وواقع القبول ، انهما ليسا في كل الأحوال ، ثم إثم القابل وغير المعارض هو على هامش اثم المبدل ، فهو- إذا- آثم لقبوله الإثم او تركه النهي عنه ، كما تدل عليه ادلة وجوب النهي عن المنكر.
______________________________
(1). وسائل الشيعة 13 : 351 ح 2 صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : سألته عن الوصية فقال : هي حق على كل مسلم ، وعن أحدهما (عليهما السلام) انه قال : ... ومثله ما عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) وح 6 محمد بن محمد بن النعمان المفيد في المقنعة قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) : ...
قال صاحب الوسائل والأحاديث الواردة في ان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) أوصى وأن الأئمة (عليهما السلام) أوصوا كثيرة متواترة من طريق العامة والخاصة.
وفيه 355 ح 3 عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال : من لم يوصي عند موته لذوي‏ قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصيته ، أقول : اختصاص من لا يرثه بالذكر لأنهم أحوج حيث يحرمون الإرث.
وفيه‏ عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) : من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقضا في مروته وعقله ، قيل يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) وكيف يوصي الميت؟ قال : إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه قال : اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني اشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك وان محمدا عبدك ورسولك ، وان الجنة حق وان النار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر والميزان حق وان الدين كما وصفت وأن الإسلام كما شرعت وان القول كما حدثت وان القرآن كما أنزلت وأنك أنت اللّه الحق المبين ، جزى اللّه محمدا وآل محمد بالسلام ، اللهم يا عدتي عند كربتي وصاحبي عند شدتي ويا ولي نعمتي إلهي وإله آبائي لا تكلني الى نفسي طرفة عين أبدا فانك ان تكلني إلى نفسي أقرب من الشر وأبعد من الخير ، فآنس في القبر وحشتي واجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا. ثم يوصي بحاجته وتصديق هذه الوصية في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عز وجل‏ لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً فهذا عهد الميت ، والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها ، قال امير المؤمنين (عليه السلام) علمنيها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) وقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) علمنيها جبرئيل.
(2). نور الثقلين 1 : 159 عن تفسير العياشي عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في الآية قال : هي منسوخة نسختها آية الفرائض التي هي المواريث ...
أقول وهذا نسخ لاطلاقها ألا تصح الوصية بكل ما ترك ام بما زاد عن ثلثه.
(3). المصدر 542 عن الكافي بسند متصل عن محمد بن سوقة قال : سألت أبا جعفر (عليهما السلام) عن قول اللّه عز وجل‏ «فَمَنْ بَدَّلَهُ ...» قال : نسختها الآية التي بعدها قوله : «فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً» فيما اوصى به اليه فيما لا يرضي اللّه به من خلاف الحق فلا اثم على الموصى إليه ان يرده الى الحق والى ما يرضى اللّه به من سبيل الخير.
(4). الدر المنثور 1 : 175- أخرج احمد وعبد بن حميد والبيهقي في سننه عن أبي امامة الكابلي سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) في حجة الوداع في خطبته يقول : ان اللّه قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ، وفيه عن عمرو بن خارجة ان النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) خطبهم على راحلته فقال : ان اللّه قد قسم لكل انسان نصيبه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية ، وفيه أخرج عبد بن حميد عن الحسن قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) : لا وصية لوارث إلا ان تجيزه الورثة.
(5). الوسائل 356 عن أبي حمزة عن بعض الأئمة (عليهما السلام) قال : ان اللّه تبارك وتعالى يقول :
ابن آدم تطولت عليك بثلاثة : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا.
(6) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الوصية للوارث فقال : تجوز ، قال : ثم تلى هذه الآية ، وصحيحته الاخرى عنه (عليه السلام) قال : «الوصية للوارث لا بأس بها»
ورواه صحيح أبي ولاد الحناط قال : سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الميت يوصي للوارث بشي‏ء ؟ قال : نعم- او قال : جائز له. (الكافي 7 : 9).
(7). الدر المنثور 1 : 174 عن عروة ان علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم او ستمائة درهم فقال : ألا اوصي؟ قال : لا! انما قال اللّه : ان ترك خيرا وليس لك كثير مال فدع مالك لورثتك.
(8). نور الثقلين 1 : 161 عن الكافي علي بن ابراهيم عن أبيه عن الريان بن شبيب قال : أوصت ماردة لقوم نصارى بوصية فقال أصحابنا اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك فسألت الرضا (عليه السلام) فقلت : إن أختي أوصت بوصية لقوم نصارى وأردت أن أصرف ذلك الى قوم من أصحابنا المسلمين فقال : امض الوصية على ما أوصت به قال اللّه تعالى : {فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏} .
وفيه عن أبي سعيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : سئل عن رجل أوصى بحجة فجعلها وصية في نسمة؟ فقال : يغرمها وصية ويجعلها في حجة كما أوصى به فإن اللّه تبارك وتعالى يقول‏ «فَمَنْ بَدَّلَهُ ...»
وفيه عن حجاج الخشاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة أوصت إلي بمال ان يجعل في سبيل اللّه فقيل لها : أ يحج به ؟ فقالت : اجعله في سبيل اللّه ، فقالوا لها نعطيه آل محمد (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قالت : اجعله في سبيل اللّه فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) اجعله في سبيل اللّه كما أمرت ، قلت : مرني كيف اجعله؟ قال : اجعله كما أمرت ان اللّه تبارك وتعالى يقول‏ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ‏ أ رايتك لو أمرتك ان تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا ؟ قال : فمكثت ثلاث سنين ثم دخلت عليه فقلت له مثل الذي قلت له اوّل مرة ، فسكت هنيئة ثم قال : هاتها ، قلت : من أعطيها ؟ قال : عيسى شلقان‏ أقول : في سبيل اللّه في عرف ذلك الزمان- كما هو ظاهر الحديث- تعني الجهاد ، وصحيح محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اوصى بما له في سبيل اللّه؟ فقال : أعطه لمن أوصى به وان كان يهوديا او نصرانيا إن اللّه تبارك وتعالى يقول : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ....
أقول : كل ذلك إذا كانت الوصية لغير المسلم من المعروف تأليفا لقلوبهم او مودة إليهم كما قال اللّه : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة : 8] ‏- الى قوله- {أَنْ تَبَرُّوهُمْ } [الممتحنة : 8] ‏ والوصية بر ، وهو يعم الموت والحياة. ذلك! فضلا عمن لا يعرف هذا الأمر موصى اليه او موصيا كما رواه المشايخ الثلاثة عن يونس بن يعقوب‏ ان رجلا كان بهمدان ذكر أن إياه مات وكان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت وأوصى أن يعطى في سبيل اللّه فسئل عنه ابو عبد اللّه (عليه السلام) كيف يفعل به؟ فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر فقال : لو ان رجلا أوصى أني أضع في يهودي او نصراني لوضعته فيهما ان اللّه عز وجل يقول : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ... فانظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض الثغور- فابعثوا به إليه. (الوسائل 670 من الوصايا) أقول : والأحاديث الواردة في المنع عن إشباع كافر محمولة على موارد الحظر ، فان من المؤلفة قلوبهم كفارا تمال قلوبهم الى الإسلام ولهم نصيب من الصدقات حسب النص في آيتها!.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .