المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05
امين صادق واخر خائن منحط
2024-11-05
اماني اليهود بدخول الجنة
2024-11-05



تفسير آية (32) من سورة المائدة  
  
7955   06:05 مساءً   التاريخ: 28-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /


قال تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة : 32].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

بين سبحانه التكليف في باب القتل ، فقال : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} ، قال الزجاج : معناه من جناية ذلك ، وذلك إشارة إلى قتل أحد ابني آدم أخاه ظلما .

{كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي : حكمنا عليهم ، وفرضنا {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا} أي : من قتل منهم نفسا ظلما {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي : بغير قود ، عن ابن عباس {أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} أو من قتل منهم نفسا بغير فساد كان منها في الأرض ، فاستحقت بذلك قتلها . وفسادها في الأرض ، إنما يكون بالحرب لله ولرسوله ، وإخافة السبيل على ما ذكره الله في قوله {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية .

{فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} قيل في تأويله أقوال أحدها : إن معناه هو أن الناس كلهم خصماؤه في قتل ذلك الإنسان ، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعا ، فأوصل إليهم من المكر وما يشبه القتل الذي أوصله إلى المقتول ، فكأنه قتلهم كلهم ، ومن استنقذها من غرق ، أو حرق ، أو هدم ، أو ما يميت ، لا محالة ، أو استنقذها من ضلال ، فكأنما أحيى الناس جميعا أي : أجره على الله أجر من أحياهم جميعا ، لأنه في اسدائه المعروف إليهم ، بإحيائه أخاهم المؤمن ، بمنزلة من أحيى كل واحد منهم ، عن مجاهد ، والزجاج ، واختاره ابن الأنباري ، وهذا المعنى مروي عن أبي عبد الله عليه السلام . ثم قال : وأفضل من ذلك أن يخرجها من ضلال إلى هدى . وثانيها : إن معناه من قتل نبيا ، أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا أي : يعذب عليه كما لو قتل الناس كلهم ، ومن شد على عضد نبي ، أو إمام عدل ، فكأنما أحيى الناس جميعا في استحقاق الثواب ، عن ابن عباس . وثالثها : إن معناه من قتل نفسا بغير حق فعليه (2) مأثم كل قاتل من الناس ، لأنه سن القتل وسهله لغيره ، فكان بمنزلة المشارك فيه ، ومن زجر عن قتلها بما فيه حياتها ، على وجه يقتدى به فيه ، بأن يعظم تحريم قتلها ، كما حرمه الله ، فلم يقدم على قتلها ، لذلك فقد أحيى الناس بسلامتهم منه ، فذلك إحياؤه إياها ، عن أبي علي الجبائي ، وهو اختيار الطبري .

ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " من سن سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " .

ورابعها : إن المراد فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول ، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا عند المستنقذ ، عن ابن مسعود ، وغيره من الصحابة . وخامسها : إن معناه يجب عليه من القصاص بقتلها ، مثل الذي يجب عليه لو قتل الناس جميعا ، ومن عفا عن دمها ، وقد وجب القود عليها ، كان كما لو عفا عن الناس جميعا ، عن الحسن ، وابن زيد ، والله سبحانه هو المحيي للخلق ، لا يقدر على خلق الحياة غيره ، وإنما قال {أَحْيَاهَا} على سبيل المجاز ، كما حكى عن نمرود أنه قال : " أنا أحيي وأميت ، فاستبقي واحدا ، وقتل الآخر .

وقوله {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ} معناه : ولقد أتت بني إسرائيل الذي ذكرنا قصصهم وأخبارهم رسلنا بالبينات الواضحة ، والمعجزات الدالة على صدقهم ، وصحة نبوتهم {ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ} يعني من بني إسرائيل {بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} أي : مجاوزون حد الحق بالشرك ، عن الكلبي وبالقتل عن غيره ، والأولى أن يكون عاما في كل مجاوز عن حق ، ويؤيده ما روي عن أبي جعفر عليه السلام المسرفون : هم الذين يستحلون المحارم ، ويسفكون الدماء .

____________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص321-323 .

2 . [مثل] .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآية (1) :

{ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ } . لقد كشفت قصة ولدي آدم ان في الناس نوعين : معتديا ومعتدى عليه . . ولحماية هذا من ذاك ، وصيانة الحياة ونظامها جعل اللَّه لكل معتد عقوبة يستحقها ، واعتبر قتل الأبرياء جريمة الجرائم كلها ، فقوله تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذلِكَ } إشارة إلى جريمة القتل من حيث هي ، وليس إشارة إلى قصة قابيل مع أخيه هابيل ، وان كانت هي السبب الباعث على التشريع ، تماما كما تشرع السلطة قانونا عاما بسبب حادثة خاصة .

وتسأل : ان عقوبة القتل تعم بني إسرائيل وغيرهم ، فما هو القصد من تخصيصهم بالذكر ؟

الجواب : أجل ، ان هذه العقوبة وغيرها عامة لهم ولغيرهم ، ولكن اللَّه سبحانه خص اليهود بالذكر لأنهم أجرأ خلق اللَّه على قتل عباده ، وإراقة دمائهم ، وبذلك تشهد توراتهم التي أباحت لهم قتل النساء والأطفال ، ويشهد عليهم قتلهم الأنبياء في تاريخهم القديم ، وسيرتهم في فلسطين في تاريخهم الحديث .

{ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ } . أي أو غير فساد في الأرض عطفا على نفس ، لا على غير ، والمعنى يجوز شرعا قتل من قتل غيره عدوانا ، وأيضا يجوز قتل من سعى في الأرض فسادا جزاء وفاقا ، وصيانة لحياة الناس وأمنهم .

أما من يقتل نفسا بريئة مسالمة { فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } . اختلف المفسرون وغير المفسرين في الوجه المبرر لتشبيه القتل الإفرادي بالقتل الجماعي ، وإحياء الفرد بإحياء الناس جميعا . .

فمن قائل : انه مبالغة في الردع عن جريمة القتل ، والحث على إنقاذ النفس وتخليصها من المهلكات ، كالغرق والحرق ، وما إليهما من إغاثة الملهوف . ومن قائل : انه بيان لحقيقة القاتل والمحسن ، بأن من أقدم على قتل واحد يقدم على قتل الناس جميعا ، تماما كما يقولون : « من يسرق البيضة يسرق الجمل » (2) وان من أحسن إلى واحد من الناس يحسن للجميع ، ما دام الدافع له حب الخير والإحسان . وقال آخرون : انه بيان للطبيعة النوعية في الإنسان ، وانها تتمثل في البعض والكل على السواء ، لا تزيد بكثرة الأفراد ، ولا تنقص بقلتهم .

والذي نفهمه من الآية ان الفرد في نظر الإسلام هو غاية بنفسه ، لا وسيلة إلى غيره ، وانه ظاهرة إنسانية ، له ما لها من الحرمة والكرامة ، وان العدوان عليه عدوان على الإنسانية التي تتمثل به وبالناس جميعا ، وان الإحسان إليه إحسان إلى الناس جميعا .

وتسأل : ان هذا تضخيم خيالي لذات الفرد ، وتضحية بالجماعة من أجله ، مع ان العكس هو الحق والعدل ؟

الجواب : ليس المراد بمصلحة الفرد المصلحة التي تطغى على مصلحة الجماعة ، وتتنافى معها ، ولا المراد بالفرد الذي يحاول العيش على حساب غيره من الناس . .

ان هذا لا يعد إنسانا بالمعنى الصحيح ، بل هو أعدى أعداء الإنسانية في نظر الإسلام ، والى هذا يومئ قوله تعالى : { أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ } . وإنما المراد بالفرد الذي يستمد مصلحته من مصلحة الجماعة ، ويرى حياته بحياتها ، وكرامته بكرامتها . كما ان المراد بمصلحة الجماعة مصلحة جميع أفرادها ، لأن الجماعة ليست مجموعة أصفار ، وإنما هي مجموعة أفراد . . فأية جماعة يوجد فيها ضعيف واحد يخاف على حق من حقوقه فهي ضعيفة في كيانها ، فاسدة في أوضاعها ، تماما كالجسم إذا فسد بعض أعضائه ، أو البيت إذا انهدم ركن من أركانه .

وعلى هذا تكون مصلحة الفرد والجماعة متكاملتين ، يملأ بعضهما بعضا ، ولا تنفك إحداهما عن الأخرى .

{ ولَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } . أي ان رسل اللَّه قد بلغوا اليهود حكم اللَّه سبحانه ، وقالوا لهم بوحي منه : من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا . . ولكن الكثير من اليهود لم يكترثوا بهذا التحذير ، ومضوا مسرفين في سفك الدماء وانتهاك الحرمات . . وقوله تعالى : { بَعْدَ ذلِكَ } إشارة إلى انهم فعلوا ما فعلوا بعد إقامة الحجة عليهم ، وانقطاع كل عذر يمكن أن يتذرعوا به . . وهذا هو موقف القرآن من كل جاحد يحتج عليه بمنطق الحق ، ويدعوه إليه بالحكمة ، حتى إذا أصر على جحوده كان إصراره عنادا للحق بالذات ، لا لشخصية الداعي .

_________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 47-49 .

2. رأيت هذا بالحرف في بعض الأحاديث المروية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) : 

قوله تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } في المجمع : الأجل في اللغة الجناية ، انتهى. وقال الراغب في المفردات : الأجل الجناية التي يخاف منها آجلا ، فكل أجل جناية وليس كل جناية أجلا. يقال : فعلت ذلك من أجله ، انتهى. ثم استعمل للتعليل ، يقال : فعلته من أجل كذا أي إن كذا سبب فعلي ، ولعل استعمال الكلمة في التعليل ابتدأ أولا في مورد الجناية والجريرة كقولنا : أساء فلان ومن أجل ذلك أدبته بالضرب أي إن ضربي ناش من جنايته وجريرته التي هي إساءته أو من جناية هي إساءته ، ثم أرسلت كلمة تعليل فقيل : أزورك من أجل حبي لك ولأجل حبي لك.

وظاهر السياق أن الإشارة بقوله : { مِنْ أَجْلِ ذلِكَ } إلى نبأ ابني آدم المذكور في الآيات السابقة أي إن وقوع تلك الحادثة الفجيعة كان سببا لكتابتنا على بني إسرائيل كذا وكذا ، وربما قيل : إن قوله : { مِنْ أَجْلِ ذلِكَ } متعلق بقوله في الآية السابقة : { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } أي كان ذلك سببا لندامته ، وهذا القول وإن كان في نفسه غير بعيد كما في قوله تعالى : { كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى } الآية : ( البقرة : 220 ) إلا أن لازم ذلك كون قوله : { كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ } (إلخ) مفتتح الكلام والمعهود من السياقات القرآنية أن يؤتى في مثل ذلك بواو الاستيناف كما في آية البقرة المذكورة آنفا وغيرها.

وأما وجه الإشارة في قوله : { مِنْ أَجْلِ ذلِكَ } إلى قصة ابني آدم فهو أن القصة تدل على أن من طباع هذا النوع الإنساني أن يحمله اتباع الهوى والحسد الذي هو الحنق للناس بما ليس في اختيارهم أن يحمله أوهن شيء على منازعة الربوبية وإبطال غرض الخلقة بقتل أحدهم أخاه من نوعه وحتى شقيقه لأبيه وأمه.

فأشخاص الإنسان إنما هم أفراد نوع واحد وأشخاص حقيقة فاردة ، يحمل الواحد منهم من الإنسانية ما يحمله الكثيرون ، ويحمل الكل ما يحمله البعض وإنما أراد الله سبحانه بخلق الأفراد وتكثير النسل أن تبقى هذه الحقيقة التي ليس من شأنها أن تعيش إلا زمانا يسيرا ، ويدوم بقاؤها فيخلف اللاحق السابق ويعبد الله سبحانه في أرضه ، فإفناء الفرد بالقتل إفساد في الخلقة وإبطال لغرض الله سبحانه في الإنسانية المستبقاة بتكثير الأفراد بطريق الإستخلاف كما أشار إليه ابن آدم المقتول فيما خاطب أخاه : { ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ } فأشار إلى أن القتل بغير الحق منازعة الربوبية.

فلأجل أن من طباع الإنسان أن يحمله أي سبب واه على ارتكاب ظلم يئول بحسب الحقيقة إلى إبطال حكم الربوبية وغرض الخلقة في الإنسانية العامة ، وكان من شأن بني إسرائيل ما ذكره الله سبحانه قبل هذه الآيات من الحسد والكبر واتباع الهوى وإدحاض الحق وقد قص قصصهم بين الله لهم حقيقة هذا الظلم الفجيع ومنزلته بحسب الدقة ، وأخبرهم بأن قتل الواحد عنده بمنزلة قتل الجميع ، وبالمقابلة إحياء نفس واحدة عنده بمنزلة إحياء الجميع.

وهذه الكتابة وإن لم تشتمل على حكم تكليفي لكنها مع ذلك لا تخلو عن تشديد بحسب المنزلة والاعتبار ، وله تأثير في إثارة الغضب والسخط الإلهي في دنيا أو آخرة.

وبعبارة مختصرة : معنى الجملة أنه لما كان من طباع الإنسان أن يندفع بأي سبب واه إلى ارتكاب هذا الظلم العظيم ، وكان من أمر بني إسرائيل ما كان ، بينا لهم منزلة قتل النفس لعلهم يكفون عن الإسراف ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إنهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون.

وأما قوله : { أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } استثنى سبحانه قتل النفس بالنفس وهو القود والقصاص وهو قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى } : ( البقرة : 178 ) وقتل النفس بالفساد في الأرض ، وذلك قوله في الآية التالية : { إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً } (الآية).

وأما المنزلة التي يدل عليها قوله : { فَكَأَنَّما } (إلخ) فقد تقدم بيانه أن الفرد من الإنسان من حيث حقيقته المحمولة له التي تحيا وتموت إنما يحمل الإنسانية التي هي حقيقة واحدة في جميع الأفراد والبعض والكل ، والفرد الواحد والأفراد الكثيرون فيه واحد ، ولازم هذا المعنى أن يكون قتل النفس الواحدة بمنزلة قتل نوع الإنسان وبالعكس إحياء النفس الواحدة بمنزلة إحياء الناس جميعا ، وهو الذي تفيده الآية الشريفة.

وربما أشكل على الآية أولا : بأن هذا التنزيل يفضي إلى نقض الغرض فإن الغرض بيان أهمية قتل النفس وعظمته من حيث الإثم والأثر ، ولازمه أن تزيد الأهمية كلما زاد عدد القتل ، وتنزيل الواحد منزلة الجميع يوجب أن لا يقع بإزاء الزائد على الواحد شيء فإن من قتل عشرا كان الواحدة من هذه المقاتل تعد قتل الجميع ، وتبقى الباقي وليس بإزائه شيء.

ولا يندفع الإشكال بأن يقال : إن قتل العشرة يعدل عشرة أضعاف قتل الجميع وإن قتل الجميع يعدل قتل الجميع بعدد الجميع لأن مرجعه إلى المضاعفة في عدد العقاب ، واللفظ لا يفي ببيان ذلك .

على أن الجميع مؤلف من آحاد كل واحد منها يعدل الجميع المؤلف من الآحاد كذلك ، ويذهب إلى ما لا نهاية له ، ولا معنى للجميع بهذا المعنى ، إذ لا فرد واحد له فلا جميع من غير آحاد.

على أن الله تعالى يقول : { مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها } : ( الأنعام : 160 ) وثانيا : بأن كون قتل الواحد يعدل قتل الجميع إن أريد به قتل الجميع الذي يشتمل على هذا الواحد كان لازمه مساواة الواحد مجموع نفسه وغيره وهو محال بالبداهة ، وإن أريد به قتل الجميع باستثناء هذا الواحد كان معناه من قتل نفسا فكأنما قتل غيرها من النفوس ، وهو معنى رديء مفسد للغرض من الكلام وهو بيان غاية أهمية هذا الظلم.

على أن إطلاق قوله : { فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } من غير استثناء يدفع هذا الاحتمال.

ولا يندفع هذا الإشكال بمثل قولهم : إن المراد هو المعادلة من حيث العقوبة أو مضاعفة العذاب ونحو ذلك وهو ظاهر.

والجواب عن الإشكالين : أن قوله : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً ـ إلى قوله ـ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } كناية عن كون الناس جميعا ذوي حقيقة واحدة إنسانية متحدة فيها ، الواحد منهم والجميع فيها سواء ، فمن قصد الإنسانية التي في الواحد منهم فقد قصد الإنسانية التي في الجميع كالماء إذا وزع بين أواني كثيرة فمن شرب من أحد الآنية فقد شرب الماء ، وقد قصد الماء من حيث إنه ماء ـ وما في جميع الآنية لا يزيد على الماء من حيث إنه ماء ـ فكأنه شرب الجميع ، فجملة : { مَنْ قَتَلَ } ، إلخ } كناية في صورة التشبيه ، والإشكالان مندفعان ، فإن بناءهما على كون التشبيه بسيطا يزيد فيه وجه الشبه على حسب زيادة المشبه عددا إذ لو سوي حينئذ بين الواحد والجميع فسد المعنى وعرض الإشكال كما لو قيل : الواحد من القوم كالواحد من الأسد والواحد منهم كالجميع في البطش والبسالة.

وأما قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } فالكلام فيه كالكلام في الجملة السابقة ، والمراد بالإحياء ما يعد في عرف العقلاء إحياء كإنقاذ الغريق وإطلاق الأسير ، وقد عد الله تعالى في كلامه الهداية إلى الحق إحياء قال تعالى : { أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } : ( الأنعام : 122 ) فمن دل نفسا إلى الإيمان فقد أحياها .

وأما قوله تعالى : { وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ } فهو معطوف على صدر الآية أي ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات يحذرونهم القتل وكل ما يلحق به من وجوه الفساد في الأرض .

وأما قوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } فهو متمم للكلام ، بانضمامه إليه يستنتج الغرض المطلوب من البيان ، وهو ظهور أنهم قوم مفسدون مصرون على استكبارهم وعتوهم فلقد بينا لهم منزلة القتل وجاءتهم رسلنا فيها وفي غيرها بالبينات ، وبينوا لهم وحذروهم وهم مع ذلك لم ينتهوا عن إصرارهم على العتو والاستكبار فأسرفوا في الأرض قديما ولا يزالون يسرفون .

والإسراف الخروج عن القصد وتجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان ، وإن كان يغلب عليه الاستعمال في مورد الإنفاق كقوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً } : ( الفرقان : 67 ) على ما ذكره الراغب في المفردات .

__________________________

1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 269-272 .

­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

وحدة الإنسانية وكرامتها :

إنّ هذه الآية تقوم باستخلاص نتيجة إنسانية كلية بعد الآيات التي تطرقت إلى قصّة ولدي آدم عليه ‌السلام .

ففي البداية تشير الآية إلى حقيقة اجتماعية تربوية مهمّة ، وهي أن قتل أيّ إنسان ، إن لم يكن قصاصا لقتل إنسان آخر ، أو لم يكن بسبب جريمة الإفساد في الأرض ، فهو بمثابة قتل الجنس البشري بأجمعه ، كما أنّ إنقاذ أيّ إنسان من الموت ، يعد بمثابة إنقاذ الإنسانية كلّها من الفناء ، حيث تقول الآية الكريمة : (مِنْ أَجْلِ (2) ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) .

ويرد هنا سؤال وهو : كيف يكون قتل إنسان واحد مساويا لقتل الناس جميعا ، وكيف يكون إنقاذ إنسان من الموت بمثابة إنقاذ الإنسانية جمعاء من الفناء ؟

ولقد وردت أجوبة عديدة من قبل المفسّرين على هذا السّؤال ... جاء في تفسير «التبيان» ستة أجوبة عليه ، وفي «مجمع البيان» خمسة أجوبة ، وفي «كنز العرفان» أربعة أجوبة ، ولكن بعضا من هذه الأجوبة يبتعد كثيرا عن معنى هذه الآية .

وكما قلنا في بداية تفسير هذه الآية ، فإنّها تتحدث عن حقيقة اجتماعية تربوية، لأنّه: أوّلا : إن من يقتل إنسانا بريئا ويلطخ يده بدم بريء يكون ـ في الحقيقة ـ مستعدا لقتل أناس آخرين يساوونه في الإنسانية والبراءة ، فهو ـ في الحقيقة ـ إنسان قاتل، وضحيته إنسان آخر بريء ، ومعلوم أنّه لا فرق بين الأبرياء من الناس من هذه الزاوية .

كما أنّ أي إنسان يقوم ـ بدافع حب النوع الإنساني ـ بإنقاذ إنسان آخر من الموت ، يكون مستعدا للقيام بعملية الإنقاذ الإنسانية هذه بشأن أيّ إنسان آخر ، فهذا الإنسان المنقذ يحبّ إنقاذ الناس الأبرياء ، لذلك لا فرق لديه بين إنسان بريء وآخر مثله.

ونظرا لكلمة «فكأنّما» التي يستخدمها القرآن في هذا المجال ، فإننا نستدل بأن موت وحياة إنسان واحد ، مع أنّه لا يساوي موت وحياة المجتمع ، إلّا أنّه يكون شبيها بذلك .

وثانيا : إنّ المجتمع يشكل في الحقيقة كيانا واحدا ، وأعضاؤه أشبه بأعضاء الجسد الواحد ، وأنّ أي ضرر يصيب أحد أعضائه يكون أثره واضحا ـ بصورة أو بأخرى ـ في سائر الأعضاء ، ولأنّ المجتمع البشري يتشكل من الأفراد ، لذلك فإن فقدان أي فرد منهم يعتبر خسارة للجميع الإنساني الكبير ، لأنّ هذا الفقدان يترك أثرا بمقدار ما كان لصاحبه من أثر في المجتمع ، لذلك يشمل الضرر جميع أفراد المجتمع.

ومن جانب آخر فإن إحياء فرد من أفراد المجتمع ، يكون ـ لنفس السبب الذي ذكرناه ـ بمثابة إحياء وإنقاذ جميع أفراد المجتمع ، لأنّ لكل إنسان أثر بمقدار وجوده في بناء المجتمع الإنساني وفي مجال رفع احتياجاته ، فيكون هذا الأثر قليلا بالنسبة للبعض وكثيرا بالنسبة للبعض الآخر .

وحين نقرأ في الروايات أنّ جزاء وعقاب قاتل النفس المحرمة ، يكون كجزاء قاتل جميع أفراد البشر ، إنّما ذلك إشارة لهذا المعنى الذي ذكرناه ، ولا يعني أنّ الناس متساوون مع بعضهم في كل الجهات ، ولذلك نقرأ في تفسير هذه الروايات ـ أيضا ـ أن عقاب القاتل يتناسب مع عدد الأفراد الذين قتلهم تناسبا طريدا قلة وزيادة.

وتبيّن هذه الآية بجلاء أهمية حياة وموت الإنسان في نظر القرآن الكريم ، وتتجلى عظمة هذه الآية أكثر حين نعلم أنّها نزلت في محيط لم يكن يعير أي أهمية لدماء أفراد الإنسانية.

وتلفت الانتباه في هذا المجال روايات عديدة ذكرت أنّ هذه الآية مع أنّها تتحدث ـ أو يشير ظاهرها ـ إلى الحياة والموت الماديين ، إلّا أنّ الأهمّ من ذلك هو الموت والحياة المعنويين ، أي إضلال الفرد أو إنقاذ من الضلال ،وقد سأل شخص الإمام الصّادق عليه ‌السلام عن تفسير هذه الآية فأجابه عليه ‌السلام قائلا : «من حرق أو غرق ـ ثمّ سكت عليه‌ السلام ـ ثمّ قال : تأويلها الأعظم أنّ دعاها فاستجابت له».

وفحوى قول الإمام الصّادق عليه‌ السلام في هذه الرواية هو الإنقاذ من الحريق أو الغرق ثمّ يستطرد الإمام عليه ‌السلام ـ بعد سكوت ـ فيبيّن أن التأويل الأعظم لهذه الآية هو  دعوة الغير إلى طريق الحق والخير  أو الباطل والشر ، وتحقق القبول من الجانب الآخر المخاطب بهذه الدّعوة (3) .

والسؤال الآخر الذي يمكن أن يرد في هذا المجال أيضا ، هو عن سبب ورود اسم بني إسرائيل بالذات في هذه الآية ، مع أنّها تشمل حكما لا يخص هذه الطائفة؟

ويمكن القول في الجواب بأن سبب الإتيان باسم بني إسرائيل في هذه الآية هو أن هذه الطائفة قد شاعت بينها حوادث القتل وإراقة الدماء ، وبالأخص ما كان منها ناشئا عن الحسد وحبّ الذات والأنانية وحبّ التسلط ، وما زال الذين يتعرضون للقتل على أيدي هذه الطائفة ـ في الوقت الحاضر ـ هم الأبرياء من الناس غالبا ، ولهذا السبب ورد هذا الحكم الإلهي ـ لأوّل مرّة ـ في سيرة بني إسرائيل !

وتشير الآية في آخرها ـ إلى انتهاكات بني إسرائيل ، فتؤكّد أن هذه الطائفة على الرغم من ظهور الأنبياء بينهم يحملون الدلائل الواضحة لإرشادهم ، إلّا أنّ الكثير منهم قد نقضوا وانتهكوا القوانين الإلهية ، واتبعوا سبيل الإسراف في حياتهم ، حيث تقول الآية : {وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} .

ويجدر الانتباه إلى أنّ كلمة «إسراف» لها معان واسعة ، تشمل كل تجاوز أو تعد عن الحدود ، ولو أنّها تستخدم في الغالب في مجال الهبات والنفقات .

* * *

__________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 492-495 .

2. إن كلمة «أجل» التي هي على وزن «نخل» تعني في الأصل الجريمة ، وقد شاع استعمالها فيما بعد في كل عمل له عاقبة سيئة ، ثم استعملت لكل عمل ذي عاقبة ، وهي الآية تستخدم للتعليل أو بيان علة الشيء .

3. تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦٢٠ وقد وردت في هذا المجال روايات أخرى بنفس المضمون .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .