المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

فضل سورة ق وخواصها
3-05-2015
[السير باتجاه حرب صفين]
شفوية الاستجواب للمتهم
14-6-2018
Long vowels
2024-06-27
Anosov Flow
22-5-2021
Pebbling Number
17-5-2022


محاسبة النفس ومراقبتها  
  
4120   12:21 مساءً   التاريخ: 11-2-2017
المؤلف : لام زهراء السعيدي
الكتاب أو المصدر : التربية من منظور اسلامي
الجزء والصفحة : ص84 -87
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /

المسألة الموجودة في التربية الدينية، التي لا توجد في غيرها بل ولا يمكن تواجدها، وهي مسالة محاسبة النفس فيذكر علماء الاخلاق وتؤكد المتون الاسلامية موضوع المراقبة والمحاسبة، ولا توجد هكذا مفاهيم في التعاليم غير الدينية، ولكن بما ان الاساس في التعليم والتربية الدينية هو الله وعبادة الحق، فان هذه المسائل تذكر في الدنيا فتوجد آيتان في القرآن الكريم وهما قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر:18،19]. ولتنظر نفس ما قدمت لغد، يقصد بها المراقبة والمحاسبة أي ان جميع اعمال الانسان تعد مقدمة في القرآن. وكثير من الآيات هي بهذا الصدد {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:110].

كما صاغ الشاعر سعدي هذا المضمون شعراً بقوله (1):

                                          اجمع متاعا وارسله الى قبرك

فان احدا لن يبعث لك شيئا بعد ذلك فعليك ان تقدم انت وتعبير التقديم هو من القرآن نفسه. فكل اعمال الانسان هي مقدمات، أي: ان الانسان يرسل متاعا وبضاعة الى المحل الذي سيرحل اليه قبل رحيله ثم يلتحق به بعد ذلك، فعليكم ان تنظروا وتدققوا في هذه المقدمات عندما تريدون ارسال شيء الى مكان معين فأنكم تفحصونه، وتتأكدون قبل ارساله، فيجب ان تفعلوا مثل ذلك بالنسبة لما تقدمونه لآخرتكم.

ثم يقول سبحان الله : {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[البقرة:234] كأنه يريد ان يقول : انكم ان لم تنظروا، فهناك عين دقيقة جدا ترى في جميع الاحوال، فقد يرسل الانسان شيئا قبل سفره ثم يقول : حسنا فليكن ما يكون من ينظر ويدقق؟ فيقال له : كلا، ليس الامر هكذا. ان الله خبير وعليم بكل ما تفعلون. قال بعض من كان حاضرا عند السيد البروجردي ـ رضوان الله تعالى عليه - قبل وفاته بأيام عدة، لقد رأيناه حزيناً جدا وانه قال : واخيرا انتهى عمرنا وسوف نرحل، ولم نستطع ان نقدم لأنفسنا خيراً.

تصور احد الجالسين المتملقين، ان هناك محلا للتملق فقال : لماذا تقول هذا يا سيدي؟ نحن المساكين يجب ان نقول هذا، فانتم تركتم اثارا خيرة كثيرة بحمد الله، وخرجتم طلاباً كثيرين، وكتبتم كتبا كثيرة، وبنيتم مسجدا عظيما ومدارس، فقال السيد (خلص العمل فان الناقد بصير بصير)(2) فماذا تقول انت؟ انك تصورت ان ما يوجد عند الناس وفي منطقهم هو كذلك عند الله تعالى. ان الله خبير بما تعملون، وهنا يستفيد علماء الاخلاق المسلمون مسالة مهمة من هذه الآية (وتلك هي المراقبة) والمراقبة تعني ان تتعامل مع نفسك كشريك لا تطمئن له، ويجب ان تراقبه دائما؛ أي: اعتبر نفسك كدائرة وانت المسؤول عنها، فيجب عليك  مراقبتها وتفتيشها، أي: يجب ان يكون حال الانسان حال المراقب دائما.

ويقول الامام علي (عليه السلام) : (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوها قبل ان توزنوا)(3)، زنوا انفسكم وانظروا هل انكم خفاف ام ثقال؟ فان كنتم خفافا فانتم لا شيء وان كنتم ثقالا فأنكم تامون ومكتملون، ولا تقولوا: ان الانسان يمكن ان يمتلئ بالذنوب لا بل ان ميزان يوم القيامة طبقا للقرآن هو ميزان يزن الحسنات فقط، فان كان فيه حسنات فهو ثقيل، والا فهو خفيف كما قال تعالى { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:6- 9] اذن يجب على كل مؤمن بالله وبرسوله، ان يحاسب نفسه كل يوم عما عملته من الطاعات، وما اقترفته من المعاصي والآثام. فاذا رجحت كفة الطاعات على المعاصي والحسنات على السيئات، فعلى المحاسب ان يشكر الله تعالى على ما وفقه اليه وشرفه به من جميل طاعته وشرف رضاه وليبذل جهده للحصول على المزيد، واذا رجحت المعاصي، فعليه ان يؤدب نفسه بالتأديب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة الله تعالى، وليعمل على اصلاح شانه وينبغي ان لا يقر له قرار حتى يوقن بان كفة الطاعات قد تغلبت على كفة المعاصي. وجدير بالعقل المستنير بالإيمان واليقين، ان يروض نفسه على المحاسبة والمراقبة فإنها : (أمارة بالسوء) {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: 53].

متى اهملت زاغت عن الحق، وانحرفت الى الآثام والشهوات، وجرفت بصاحبها في مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى اخذت بالتوجيه والتهذيب. واشرفت بالفضائل، وازدهرت بالمكارم وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا *قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 7-10]، وايضا يقول تعالى : {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:21] .

ويقول الامام علي (عليه السلام): (واعلموا عباد الله ان المؤمن لا يصبح ولا يمسي الا ونفسه ظنون عنده فلا يزال زاريا عليها ومتزيداً لها)(4).

فالمؤمن لا يعجب بنفسه بل هو يتهم نفسه دائما بالتقصير في العبادة والطاعة، ان يرى نفسه وعمله في مقابل عظمة الله تعالى من الحقارة، من حيث لا يستحق الذكر ورحمة الله، وكل طاعة وعبادة تصدر منه، فهو لا يذكرها ليعدها صغيراً او كبيرة. كما يقول الامام علي (عليه السلام): (عظم الخالق في انفسهم، فصغر ما دونه في اعينهم)(5) والخطر كل الخطر ان تزكي نفسك او ان ترخي عنها. او تضخم شخصيتك وتفتن بها {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]. وهكذا تنطلق عملية النقد الذاتي في محاسبة دقيقة لنفسك من اجل ان تفهم نفسك، لان المشكلة فينا جميعا هي اننا نعرف الناس اكثر مما نعرف انفسنا.

فلو سالك انسان عن عيوب الناس من حولك فهل تتوقف او انك تقدم تقريراً طويلاً ربما يستوعب النهار كله وانت تحصي عيوب الناس الذين تعرفهم؟ ولكن لو فاجأك شخص وقال لك: ما عيوبك؟ وما افكارك؟ وما خطك الاجتماعي؟ فهل تجيب الا بطريقة مبهمة وبطريقة مجملة؟. لأنك لا تجلس مع نفسك لتحاورها وتحاسبها ونفسك هي اقرب الناس اليك فان لم تفهمها وتنقدها وتحاسبها فقد تنجرف الى ما لا تحمد عقباه لذلك طفقت النصوص تشوق، وتحرض على المحاسبة والمراقبة بأساليبها الحكمية البليغة. فقال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام): (وليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم. فان عمل حسنة استزاد الله تعالى ، وان عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب اليه)(6). وعن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن ابائه (عليهم السلام) قال: (قال امير المؤمنين (عليه السلام): ان رسول الله (صلى الله عليه واله) بعث سرية. فلما رجعوا قال مرحبا بقوم فضوا الجهاد الاصغر، وبقي عليهم الجهاد الاكبر. قيل يا رسول الله وما الجهاد الاكبر ؟ قال : جهاد النفس، ثم قال افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه)(7).

________________

1ـ التربية والتعليم في الاسلام : 219.

2ـ نفس المصدر.

3ـ نهج البلاغة خطبة 89.

4ـ نهج البلاغة خطبة 211.

5ـ روضة الواعظين : ص438.

6ـ الكافي : ج 2،ص 453.

7ـ بحار الأنوار : ج47، ص65.س




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.