أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-3-2019
1517
التاريخ: 22-10-2014
960
التاريخ: 22-10-2014
1003
التاريخ: 2-07-2015
1004
|
...لو تأمل اللبيب الآخذ بميزان العقل، في لمية اختلاف كليات العالم الجسماني، من أرضه وسمائه، يعلم ويتيقن أن اختلاف تلك الأجسام في الطبائع والآثار، مع أنها من حيث نفس الطبيعة الجسمية واحدة، لا بد وأن يكون مستندا إلى علة وسبب خارج عن عالم الجسم والجسماني.
توضيحه: إنا إذا نظرنا في الأجسام العنصرية من الأرض، والماء والنار، والهواء، رأينا أن كل واحد منها يضاد الآخر في الطبيعة والآثار، حتى يقال: أين طبيعة الأرض وآثارها، من طبيعة الماء وآثارها وهكذا، وكذلك (أي في اختلاف الطبيعة والآثار) الشمس، والقمر، وساير الكرات الجوية - وهي النجوم التي كل واحد منها كرة مستقلة، على ما يقوله أرباب الاكتشافات الجديدة، وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): هذه النجوم التي في السماء، مدائن مثل المدائن التي في الأرض، مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور الخبر (1) مع أن كلا منها من حيث نفس الطبيعة الجسمية المشتركة واحدة، كما قال الشيخ الرئيس في الإشارات: إنها (إلى الجسمية) طبيعة نوعية محصلة تختلف بالخارجات عنها دون الفصول فلا يمكن أن يكون كل واحدة من هذه الطبائع المختلفة التي بعضها مضاد لبعض آخر، من مقتضيات نفس الجسمية المشتركة في الكل، كيف ولو كانت الجسمية مقتضية للمائية، أو النارية، أو غيرهما، لكان جميع الأجسام ماء، أو نارا، وهكذا؟ ولو قيل: إن السبب لهذا الاختلاف جسم آخر، له طبيعة خاصة غير طبائع هذه الأجسام، وهو قد اقتضى هذا الاختلاف، فتنقل الكلام إليه، وإلى وجه اختصاص تلك الطبيعة المفروضة به، ولا يمكن أن يكون ذلك الوجه نفس الطبيعة الجسمية كما ذكر، ولا جسم آخر له طبيعة خاصة، لأن اختصاصها به يحتاج إلى سبب آخر، وهكذا، إلى غير النهاية، فلا بد أن يكون السبب أمرا آخر غير الجسم والجسماني، جعل وأوجد لكل قسمة من الأجسام الكلية طبيعة خاصة - على وجه الحكمة والمصلحة - تناسب أوضاع العالم، كبعد الشمس من الأرض على هذا المقدار المعين، وبعد كل كوكب وكرة عن ساير الكواكب والكرات، على وجه لا يتصادمان، ولا يتدافعان، وغير ذلك مما هو واقع في الوجود، وذلك السبب، هو الخالق الحكيم، والمبدء المنزه القديم الأزلي.
ولإثبات المطلوب طريق آخر: وهو أنه لا شبهة في اشتمال كل من الموجودات الممكنة إنسانا كان، أو حيوانا، أو نباتا، أو غيرها، على جهتين: جهة الوحدة والشخصية والظهور، وجهة البطون والكلية واللابشرطية والنوعية، وكل منهما يخالف الأخرى ويقابلها، فلا يمكن عليه إحداهما للأخرى. وبعبارة أخرى: كل ممكن، زوج تركيبي، مركب من وجود وماهية، وظاهر أن مناط المناسبة والاشتراك بين الموجودات، هو الوجود، كما أن ملاك الاختلاف والتعين في الموجودات هو الماهية، فكل موجود خارجي، وجوده غير ماهيته.
وبعد ذلك نقول: لا يمكن أن تكون ماهية واحد من الموجودات، موجدة وعلة لوجود نفسها، ولا للوجود مطلقا.
أما الأول: فبيانه ، أن التأثير والاقتضاء ، فرع الوجود، والمعدوم لا ذات له، فلا اقتضاء له، فتأثيرها في وجود نفسها، يستلزم تقدمها بوجودها على وجودها، وكونها موجودة في حال كونها معدومة، وهو محال، مع أنه لو كانت الماهية مقتضية وعلة لوجود نفسها بذاتها، لكان كل فرد من أفرادها واجب الوجود، ولما لم تكن أفراد الماهية محدودة بحد - إذ كلما وجد منها فرد، أمكن وجود أفراد أخرى لها، غير متناهية - فيلزم على هذا بقاء أفراد غير متناهية، واجبات الوجود في العدم .
وأما الثاني: فلأن العلية فرع مناسبة العلة مع المعلول، كمناسبة النار مع الحرارة، والشمس مع النور الساطع منها، وإلا لجاز صدور كل شيء من كل شيء ، ولا مناسبة بين الماهية المعدومة، والوجود أصلا. وبهذا البيان، ظهر بطلان عكسه، أي كون الوجود علة للماهية، مع أن الماهية لا يمكن أن تكون مجعولة مطلقا، لأن الجعل إيجاد ما لم يكن، وتكوين ما لا كون له، آنا ودفعة، وإعطاء غير الوجود، إنما هو بنقله من مكانه، بعد إيجاده وتكوينه.
ولما امتنع صدور كل واحد من الماهية، والوجود الإمكاني عن الآخر، فلا بد أن يكون السبب، حقيقة الوجود المجرد عن الماهية، الذي كان وجود الموجودات ذوات الماهيات بأسرها من شئون ذاته وآثاره، وأفعاله، ورحمته الواسعة، المعبر عنها بالفيض المقدس المنبسط على الماهيات، بمقتضى حب ذاته، وعلمه الكمالي الذي هو عين ذاته. وبعد ما ثبت بهذه الوجوه والطرق، كون العالم الجسماني، ذا مبدء، خالق، قادر، حكيم، منزه عن كونه جسما وجسمانيا، أعني أمرا وقوة حالة في جسم، فهو منزه عن صفات الأجسام وخواصها وعوارضها، من المكان، والزمان، والحد، والقرب والبعد المكانيين، بل هو محيط بظواهر الموجودات وبواطنها، بالعلم والقدرة، علما شهوديا، لا صوريا - خياليا أو عقليا - لأنه يدرك جميع الأشياء ويشاهده بذاته، ولذلك لا يثقل حفظ الموجودات عليه تعالى، لأن كل الموجودات صور علمية له، قائمة بذاته قياما صدوريا، والمعلوم لا يثقل على العالم به، كما قال سبحانه في الكتاب الكريم : {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255] وقال : {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] ولخلوصه عن شوب الماهية التي هي ظلمة في ذاتها، وصرافته في النورية، لا ثاني له، لأنه كلما فرض له ثان ونظر إليه فهو هو، لأن إلاثنينية تحتاج إلى الامتياز، ولا امتياز، فهو أحد واحد لا نظير له، ويمتنع بحكم العقل أن يكون متعددا، كما أن مركز الدائرة لا بد أن يكون واحدا، وإلا كان غير ذلك الواحد خارج المركز، لا مركزا، كما قرر في محله.
وبيان البرهان التفصيلي في المقام موقوف على ذكر مقدمة: وهي أن إطلاق لفظ النور على مصاديقه في العرف، كنور الشمس، والنور الحادث من القوة الكهربائية، وغيرهما، إنما هو لكونه ظاهرا بذاته، ومظهرا لغيره مما لا ظهور له في ذاته، كسطوح الأجسام، والأشكال، والألوان، فإنه لولا الشمس، أو غيرها من المنورات، كانت مظلمة، ثم إنه إذا تأمل الإنسان وتفكر، يعلم أن الظهور لكل نور إنما هو بسبب وجوده، وأن كل ما لا وجود له لا ظهور له، وكذلك ظهور كل محسوس، والاحساس به، لأجل وجود ذلك المحسوس، ووجود القوة الحاسة له، غاية الأمر أن مدرك المحسوسات مختلف، فمدرك ظهور الأنوار هو القوة الباصرة، ومدرك ظهور الأصوات هو القوة السامعة، ومدرك ظهور الطعوم هو القوة الذائقة، وهكذا الحال في بواقي المحسوسات، والكل بتبع الوجود، فما لم يوجد صوت لا يدركه السامعة، وما لم يوجد طعم لا يدركه الذائقة، وهكذا في كل الظهورات، فعلم أن كل ظهور في العالم إنما هو بالوجود، فكل ما لا وجود له لا ظهور له، جوهرا كان، أو عرضا، لكن ظهور كل محسوس لمدركه، له شرائط ، إذا لم تكن تلك الشرائط لا ظهور له، وإن كان له وجود، مثلا: الظهور للأبصار يحتاج إلى لون، ونور، فما لا لون له لا يرى، وإن كان موجودا مدركا للقوة اللامسة، كالهواء.
ثم نقول: كما أن كل ما له نور وظهور حسى، قد يكون ذلك له بذاته بلا انعكاس من غيره كنور الشمس، والنور الحادث من القوة الكهربائية، وقد يكون ذلك بانعكاس من غيره، كالأجسام المستضيئة بهما، كذلك الوجود، وهو النور الحقيقي، على قسمين: قسم ظاهر بذاته، ووجود وموجود بذاته، وهو الوجود القيومي، والنير المنور لعالم الكون، والوجود الأصيل الذي هو حقيقة واحدة بالوحدة الحقيقية الحقة الإطلاقية، وقسم ظهوره بغيره، أي وجوده عارضي مفاض من غيره كجميع الماهيات. وكما أن لكل حقيقة في ذاتها وبذاتها من دون اختلاط غيرها بها وحدة حقيقية، كالماء، والتراب، وغيرهما، والتعدد، والاختلاف، والكثرة، عرضت عليها من قبل الاختلاط بالغير، كمكان، أو لون، أو طعم، أو غيرها، فلو جردت عن جميع ذلك كانت واحدة - لأن الشيء بنفسه لا يتثنى، ولا يتكرر، وإلا لم يوجد منه واحد، وإذا لم يوجد واحد، لا يوجد الكثرة منه، لأن كل كثرة، لا محالة مركبة من الوحدات، وكل مركب، يتركب من البسائط - فكذلك الوجود الأصيل أيضا حقيقية واحدة، لا كثرة، ولا تعدد فيها، غاية الأمر: أن غير الوجود من الحقائق قابل للاختلاط بغيره، من المكان، والزمان، وغيرهما مما هو في عرضه، كما ذكر، وأما حقيقة الوجود، لأنها مبدأ كل وجود ومفيضه، فهي متقدمة على كل شيء، وليس في عرضها شيء ليختلط بها، فهي باقية على وحدتها الذاتية.
وببيان آخر:
نقول: ما يطلق عليه لفظ الوجود، ويقال له الموجود، على قسمين: قسم له حقيقة وذات - تسمى بالماهية - غير الوجود، واسم خاص بإزائها، مثاله: الكلمات التي يتكلم بها الإنسان، وحروفها كألف، وباء، وغيرهما، فلها حقيقة وماهية هي ماهية ألف، وباء، ولها وجود يوجد في عالم اللفظ، والكتابة، ولولاه، لا تقرر لها لفظا، أو كتابة، لأن ماهيتها ليس لها في ذاتها وجود، ولو كان، لكانت موجودة بنفسها من غير احتياج إلى لافظ، أو كاتب، فوجودها عارض عليها من اللافظ، أو الكاتب وهكذا حال جميع الموجودات التكوينية، من البسائط، والمركبات، التي لها حقيقة وماهية غير الوجود، كالماء، والأرض، والنبات، والحيوان، وغيرها، فماهيتها غير وجودها، ووجودها عارض عليها من مبدء موجود، ومن فيض المفيض الوهاب وقسم هو محض الوجود، ولا ماهية له غير الوجود، وذاته صرف الوجود الذي هو مبدء كل وجود عارضي - فإن كل عرضي معلل، ولا بد أن ينتهي إلى ما بالذات، ولأن التابع بلا متبوع ممتنع، فإن صفحة جسم لم يكن لها نور في نفسها، وصارت منورة بالعرض، من غيرها، يمتنع كونها منورة مع عدم كون مثل شمس أو غيرها من النيرات بذواتها، ولا يتفاوت الأمر في ذلك بين صفحة واحدة، أو صفحات غير متناهية، لأنها من هذه الحيثية في حكم صفحة واحدة، تحتاج إلى منور بذاته لو لم يكن لما كانت منورة، فجميع الموجودات ذوات الماهيات وجودها عارض على ماهيتها، فلا بد أن تنتهي إلى وجود مجرد عن الماهية - وإذ لم تكن له ماهية يكون بها محدودا، وممتازا عن وجود آخر مفروض، فلا تعدد له، لأن التعدد فرع الامتياز، وإذ لا ميز، فلا تعدد، فكلما فرض ثانيا، وثالثا، فهو الأول، فالمبدء الأول لكونه صرف الوجود، لا ثاني، ولا نظير له، ويكون نورا صرفا ليس له ظلمة الماهية، لأن كل ما له ماهية، لا يقتضي الوجود بذاته، إذ الاقتضاء فرع الوجود، كما ذكر، فإذا كان مظلما في ذاته، كان مركبا من الوجود والماهية، ومركبا من النور والظلمة، والمبدء المنزه عن الماهية، عين الوجود، وصرف الوجود والنور، كما ورد في الخبر، عن هشام بن سالم : قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي أتنعت الله؟ قلت: نعم، قال: هات، فقلت: هو السميع البصير، قال: هذه صفة يشترك فيها المخلوقون، قلت: فكيف ننعته؟ فقال: هو نور لا ظلمة فيه، وحياة لا موت فيه، وعلم لا جهل فيه، وحق لا باطل فيه، فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد (2).
وبتقريب آخر نقول: قدر تقرر في مدارك المحققين، ودفاتر تحقيقاتهم، أن ملاك شخصية كل شيء، ومناط قبوله الإشارة، هو نحو وجوده، وما لا وجود له، ليس قابلا للإشارة إليه، وأما الأعراض التي يطلق عليها اسم المشخصات من المكان، والزمان، والكم، والكيف، وغيرها، فهي معدات التشخص، لأن كل واحد منها في حد ذاته ماهية مهملة، وكلي طبيعي، يحتاج في تشخصه إلى الوجود، وأما الوجود فهو متشخص بنفس ذاته، وقد ورد في الدعاء المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، في طلب الحاجة يا هو يا من هو هو، يا من ليس هو إلا هو، يا هو، يا من لا هو إلا هو (3) فالهوية له بنفس ذاته، وإذا كان متشخصا بذاته، وكان ملاك التشخيص والوحدة أمرا واحدا هو الوجود - لأن وحدة الشيء بوحدة وجوده، وتعدده بتعدده - فوحدته وحدة حقة، يعني ليس مثل إنسان واحد له ذات غير الوحدة، موصوف بوحدة عارضة، وبوجود زائد على ذاته وماهيته، بل مثل نفس مفهوم الوحدة، فإنه واحد بذاته. فالحق المتعال موجود بذاته، متوحد بذاته، متشخص بذاته، ولما كان كل وحدة في قبال كثرة وفي عرضها، وليس في قباله تعالى وعرضه شيء، بل كل ما هو غيره سبحانه في طوله، ومن أفعاله، وآثاره، فوحدته وحدة إطلاقية، فهو الواحد بالوحدة الحقيقية الحقة الإطلاقية، الذي لا ثاني، ولا نظير، ولا كفو له، فهو الواحد الأحد، والأحدية معناها البساطة وأن ليس لها جزء، ولما ثبت كونه نورا صرفا، فهو أحد بسيط لا جزء له.
_____________
1- أورده المجلسي قدس سره في المجلد الرابع عشر من البحار (كتاب السماء والعالم) باب السماوات وكيفياتها، نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.
2- أورده المجلسي قدس سره في بحار الأنوار (كتاب التوحيد) باب نفي التركيب واختلاف المعاني، والصفات، نقلا عن كتاب التوحيد للصدوق.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي، الفصل الخامس من الباب العاشر.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|