أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2016
7483
التاريخ: 7-2-2017
21562
التاريخ: 5-2-2017
10889
التاريخ: 27-2-2017
7604
|
قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } [النساء : 77] .
عاد سبحانه إلى ذكر القتال ومن كرهه ، فقال : {ألم تر إلى الذين قيل لهم} وهم بمكة {كفوا أيديكم} : أي أمسكوا عن قتال الكفار ، فإني لم أومر بقتالهم {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب} أي فرض {عليهم القتال} وهم بالمدينة {إذا فريق منهم} أي جماعة منهم {يخشون الناس كخشية الله} أي : يخافون القتل من الناس كما يخافون الموت من الله . وقيل : يخافون الناس أن يقتلوهم كما يخافون الله أن يتوفاهم . وقيل : يخافون عقوبة الناس بالقتل ، كما يخافون عقوبة الله {أو أشد خشية} قيل : إن (أو) هنا بمعنى الواو : أي أشد خشية . وقيل : إن (أو) هنا لإيهام الأمر على المخاطب . وقد ذكرنا الوجوه في مثل هذا عند ذكر قوله سبحانه {أو أشد قسوة} في سورة البقرة .
{وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال} قال الحسن : لم يقولوا ذلك كراهية لأمر الله ، ولكن لدخول الخوف عليهم بذلك ، على ما يكون من طبع البشر . ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك استفهاما لا إنكارا . وقال : إنما قالوا ذلك لأنهم ركنوا إلى الدنيا ، وآثروا نعيمها . وعلى الأقوال كلها فلو لم يقولوا ذلك لكان خيرا لهم {لولا أخرتنا} : أي هلا أخرتنا {إلى أجل قريب} وهو إلى أن نموت بآجالنا ، ثم أعلم الله تعالى أن الدنيا بما فيها من وجوه المنافع قليل ، فقال {قل} يا محمد لهؤلاء {متاع الدنيا} : أي ما يستمتع به من منافع الدنيا {قليل} لا يبقى {والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} أي : ولا تبخسون هذا القدر ، فكيف ما زاد عليه .
والفتيل : ما تفتله بيدك من الوسخ ، ثم تلقيه ، عن ابن عباس . وقيل : ما في شق النواة ، لأنه كالخيط المفتول .
__________________________
1. مجمع البيان ، ج3 ، ص 134-135 .
دعا النبي (صلى الله عليه وآله) أول ما دعا إلى اللَّه في مكة ، فقاومه الأقوياء خوفا على مصالحهم ، ونعتوه بالجنون والسحر والكذب ، ولولا حماية عمه أبي طالب له لقضوا على حياته . . . وإذا عجزوا عنه فقد نكلوا بمن آمن به ، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يأمرهم بالصبر ، وكف الأيدي لكثرة العدو ، وقلة الناصر . . ولما اشتد إيذاء المشركين وبطشهم بالمؤمنين المستضعفين قالت فئة منهم للرسول (صلى الله عليه وآله) : يا رسول اللَّه ائذن لنا بقتال المشركين . فقال : اني أمرت بالصبر . . وكان (صلى الله عليه وآله) يبث في قلوب صحابته روح الثقة ، والأمل بانتشار الإسلام ، وزوال سلطان البغي .
وبعد أن أمضى بمكة ثلاث عشرة سنة من بدء الدعوة هاجر إلى المدينة ، وهاجر معه من استطاع من المسلمين ، ومن جملتهم الذين استأذنوه بقتال مشركي مكة . . ولما كثر عدد المسلمين في المدينة ، وأصبح في مقدورهم الدفاع عن أنفسهم أمرهم اللَّه بجهاد المشركين اتقاء لشرهم ، بعد ان كان قد نهاهم عنه ، وهم قلة مستضعفون ، لأن حكمته تعالى اقتضت ان تجري الأمور على سننها وأسبابها ، وان لا ينتشر دينه بين الناس إلا بالوسائل البشرية ، وان لا يفرض الدين عليهم فرضا بقدرته العلوية ، كما تفرض الأمطار والزوابع .
وحين جد الأمر بالقتال جزع وخاف الذين كان يأخذهم الحماس لقتال المشركين ، ويستعجلونه ، وهم في مكة ، حيث لم يكن مأذونا لهم بالقتال . .
وهذا هو شأن الذين يندفعون مع العاطفة من غير تفكير وروية ، يشتدون ويتحمسون للنزال والقتال إلى حد الهوس ، حيث يكون الإقدام تهورا وانتحارا ، ويتراجعون جزعا وانهيارا ، حيث تشتد الحاجة إلى القتال ، ويكون حتما لا مناص منه .
وليس من الضروري ان يكون هؤلاء من المنافقين أو الشاكين في دينهم . .
فقد يكونون منافقين ، وقد يكونون من الضعفاء الذين يخافون الموت ، ويؤثرون الحياة جبنا على الاستشهاد في سبيل الحق . . وقد تعرضت الآية التي نحن في صددها لهذا الفريق من المسلمين ، وحماسهم للقتال في مكة ، ثم خوفهم منه في المدينة . . ومهدنا بما تقدم قبل أن نشرع بتفسير الآية لتوضيح المراد منها .
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ } .
المراد ب ( الذين ) من استعجلوا القتال ، وتحمسوا له ، وهم في مكة . وقوله تعالى : قيل لهم الخ إشارة إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أمرهم بالصبر والكف عن القتال ، والانصراف إلى ما أمروا به من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، لأن هذا هو الموقف الحكيم يوم كانوا في مكة .
{ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ » - أي العدو - « كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } . المعنى انه لما توافرت أسباب القتال للمسلمين بعد ان هاجروا إلى المدينة ، واشتدت إليه الحاجة أمروا به . . ولكن فريقا من الذين كانوا يستعجلون القتال في مكة ، حيث لم يفرض عليهم كرهوه بعد أن فرض عليهم حبا بالحياة ، وجبنا عن مقابلة العدو ، وخشية من نكاله . . وقوله تعالى : { يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } كناية عن ان الخوف بلغ بهم نهايته .
والخلاصة ان هذا الفريق من المسلمين تحمس للقتال حين النهي عنه ، لأنه عملية انتحارية ، وتقاعسوا حين الأمر به ، لأن تركه موت وانتحار . . وكان عليهم أن يتحمسوا للقتال عند ما أمروا به ، لا عند ما نهوا عنه .
{ وقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } . طلبوا المزيد في آجالهم رغبة في متاع الحياة . . وان اتجاههم هذا إلى اللَّه بتضرع وأسى ينبئ عن إيمانهم به . . وبديهة ان عصيان أمر اللَّه بالموت لا يدل على الإلحاد ، كما ان اختيار الموت على حياة الذل لا يدل على الإيمان باللَّه ، فلقد رأينا الكثير من الملحدين يؤثرون الموت أحرارا على الحياة مع الظالمين ، كما رأينا الكثير من المسلمين يوقعون صكوك الإذلال والاستعباد على أنفسهم وقومهم .
{ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ } . المراد بقليل هنا عدم البقاء ، وسرعة الزوال ، وكل متاع الدنيا إلى زوال ، بالإضافة إلى انه مشوب بالهموم والمكاره .
{ والآخِرَةُ خَيْرٌ وأَبْقى } . الآخرة نهاية المطاف ، والقليل من نعيمها خير من نعم الدنيا مجتمعة ، كما ان القليل من عذابها أعظم من عذاب الدنيا بكامله . .
والعاقل هو الذي يؤثر العظيم الدائم ، وان كان مؤجلا على الحقير الزائل وان كان معجلا .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 381-383 .
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ ـ إلى قوله ـ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } كف الأيدي كناية عن الإمساك عن القتال لكون القتل الذي يقع فيه من عمل الأيدي ، وهذا الكلام يدل على أن المؤمنين كانوا في ابتداء أمرهم يشق عليهم ما يشاهدونه من تعدي الكفار وبغيهم عليهم فيصعب عليهم أن يصبروا على ذلك ولا يقابلوه بسل السيوف فأمرهم الله بالكف عن ذلك ، وإقامة شعائر الدين من صلاة وزكاة ليشتد عظم الدين ويقوم صلبه فيأذن الله لهم في جهاد أعدائه ، ولو لا ذلك لانفسخ هيكل الدين ، وانهدمت أركانه ، وتلاشت أجزاؤه.
ففي الآيات لومهم على أنهم هم الذين كانوا يستعجلون في قتال الكفار ، ولا يصبرون على الإمساك وتحمل الأذى حين لم يكن لهم من العدة والقوة ما يكفيهم للقاء عدوهم فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون العدو وهم ناس مثلهم كخشية الله أو أشد خشية.
قوله تعالى : { وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ } ، ظاهره أنه عطف على قوله إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ » ، وخاصة بالنظر إلى تغيير السياق من الفعل المضارع { يَخْشَوْنَ النَّاسَ } إلى الماضي { قالُوا } فالقائل بهذا القول هم الذين كانوا يتوقعون للقتال ، ويستصعبون الصبر فأمروا بكف أيديهم.
ومن الجائز أن يكون قولهم { رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } محكيا عن لسان حالهم كما من الجائز أن يكونوا قائلين ذلك بلسانهم الظاهر فإن القرآن يستعمل من هذه العنايات كل نوع.
وتوصيف الأجل الذي هو أجل الموت حتف الأنف بالقريب ليس المراد به أن يسألوا التخلص عن القتل ، والعيش زمانا يسيرا بل ذلك تلويح منهم بأنهم لو عاشوا من غير قتل حتى يموتوا حتف أنفهم لم يكن ذلك إلا عيشا يسيرا وأجلا قريبا فما لله ـ سبحانه ـ لا يرضى لهم أن يعيشوا هذه العيشة اليسيرة حتى يبتليهم بالقتل ، ويعجل لهم الموت؟
وهذا الكلام صادر منهم لتعلق نفوسهم بهذه الحياة الدنيا التي هي في تعليم القرآن متاع قليل يتمتع به ثم ينقضي سريعا ويعفى أثره ، ودونه الحياة الآخرة التي هي الحياة الباقية الحقيقية فهي خير ، ولذلك أجيب عنهم بقوله { قُلْ } (إلخ) .
قوله تعالى : { قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ } (إلخ) أمر للنبي صلى الله عليه وآله أن يجيب هؤلاء الضعفاء بما يوضح لهم خطأ رأيهم في ترجيح العيش الدنيوي اليسير على كرامة الجهاد والقتل في سبيل الله تعالى ، ومحصله أنهم ينبغي أن يكونوا متقين في إيمانهم ، والحياة الدنيا هي متاع يتمتع به قليل إذا قيس إلى الآخرة ، والآخرة خير لمن اتقى فينبغي لهم أن يختاروا الآخرة التي هي خير على متاع الدنيا القليل لأنهم مؤمنون وعلى صراط التقوى ، ولا يبقى لهم إلا أن يخافوا أن يحيف الله عليهم ويظلمهم فيختاروا لذلك ما بأيديهم من المتاع على ما يوعدون من الخير ، وليس لهم ذلك فإن الله لا يظلمهم فتيلا.
وقد ظهر بهذا البيان أن قوله. { لِمَنِ اتَّقى } من قبيل وضع الصفة موضع الموصوف للدلالة على سبب الحكم ، ودعوى انطباقه على المورد ، والتقدير ـ والله أعلم ـ : والآخرة خير لكم لأنكم ينبغي أن تكونوا لإيمانكم أهل تقوى ، والتقوى سبب للفوز بخير الآخرة فقوله { لِمَنِ اتَّقى } كالكناية التي فيها تعريض.
______________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 5-6 .
قوم بضاعتهم الكلام دون العمل :
تتحدث الآية بلغة التعجب من أمر نفر أظهروا رغبة شديدة في الجهاد خلال ظرف غير مناسب ، وأصرّوا على السماح لهم بذلك ، وقد صدرت الأوامر لهم ـ حينئذ ـ بالصبر والاحتمال ، ودعوا إلى إقامة الصلاة ، وأداء الزكاة ، وبعد أن سنحت الفرصة وآتت الظروف للجهاد بصورة كاملة وأمروا به ، استولى على هؤلاء النفر الخوف والرعب ، وانبروا يعترضون على الأمر الإلهي ويتهاونون في أدائه.
تقول الآية : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ...} فكان هؤلاء في اعتراضهم على أمر الجهاد يقولون صراحة : لما ذا أسرع الله في إنزال أمر الجهاد؟ ويتمنون لو أخر الله هذا الأمر ولو قليلا! أو يطلبون أن يناط أمر الجهاد للأجيال القادمة (2) {وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ...} .
والقرآن الكريم يردّ على هؤلاء أوّلا من خلال عبارة : {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} أي أن هؤلاء بدل أن يخافوا الله القادر القهار ، أخذتهم الرّجفة واستولى عليهم الرعب من إنسان ضعيف عاجز ، بل أصبح خوفهم من هذا الإنسان أكبر من خشيتهم الله العلي القدير .
ثمّ يواجه القرآن هؤلاء بهذه الحقيقة : لو أنّهم استطاعوا بعد تركهم الجهاد أن يوفّروا لأنفسهم ـ فرضا ـ حياة قصيرة رغيدة هانئة ، فإنّهم سيخسرون هذه الحياة لأنّها زائلة لا محالة ، بينما الحياة الأبدية التي وعد الله بها عباده المؤمنين المجاهدين الذين يخشونه ولا يخشون سواه ، هي خير من تلك الحياة الزائلة ، وإن المتقين سيلقون فيها ثوابهم كاملا غير منقوص دون أن يصيبهم أي ظلم ، {قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (3) .
من الضروري الالتفات إلى عدة نقاط في تفسير هذه الآية ، وهي :
١ـ لما ذا أمرت أولئك النفر بإقامة الصلاة وأداء الزكاة دون غيرهما من الفرائض الكثيرة الاخرى ؟
والجواب على هذا السؤال يتلخص في أنّ الصلاة هي سر الاتصال بالله سبحانه عزوجل ، والزكاة تعتبر مفتاحا لباب الاتصال بعباد الله ، وعلى هذا الأساس فقد صدرت الأوامر للمسلمين بأن يعدّوا أنفسهم وأرواحهم ومجتمعهم للجهاد في سبيل الله ، عن طريقة إقامة الصلة الوثيقة بينهم وبين الله وعباده ، وبعبارة أخرى أن يسعوا إلى بناء أنفسهم وإعدادها ، وبديهي أن أي جهاد يحتاج بالضرورة إلى إعداد النفس والروح ، وإلى توثيق عرى التلاحم الاجتماعي ، وبدون ذلك لا يمكن إحراز أي انتصار.
والإنسان يقوي صلته بالله من خلال الصلاة ويربّي بها روحه ومعنوياته ، فيكون بذلك مستعدا لتقديم أغلى التضحيات بما في ذلك التضحية بالنفس ، كما أنّ الزكاة هي الوسيلة الوحيدة لرأب كل صدع اجتماعي ، بالإضافة إلى كونها دعما اقتصاديا في سبيل إعداد ذوي الخبرة والتجربة والعدة الحربية ، وما يحتاجه المسلمون في قتال الأعداء ليكونوا على استعداد لمواجهة العدو إذا صدر الأمر إليهم بذلك.
٢ـ المعروف أنّ حكم الزكاة ورد في آيات نزلت في المدينة (أي أنّها آيات مدنية) ولم يكلف المسلمون بأداء الزكاة في مكّة ـ فكيف إذن يمكن القول إن هذه الآية تتحدث عن وضع المسلمين في مكّة؟
يجيب على هذا السؤال الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسير «التّبيان» فيقول : إنّ المقصود بالزكاة الواردة في هذه الآية هو الزكاة المستحبة التي كانت معروفة في مكّة ، أي أنّ القرآن المجيد كان يحثّ المسلمين حتى في مكّة على تقديم المساعدات المالية إلى مستحقيها ولدعم اقتصاد المجتمع الإسلامي الجديد في مكّة.
٣ـ وتشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقة مهمة ، هي أنّ المسلمين في مكّة كان لهم منهج ، ثمّ أصبح لهم في المدينة منهج آخر ، ففي مكّة انشغل المسلمون ببناء شخصيتهم الإسلامية بعد أن تحرروا من أدران الجاهلية ، فكان سعي النّبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكّة منصبا على تربية هؤلاء الذين نبذوا عبادة الأصنام ليجعل منهم أناسا يسترخصون النفس والنفيس في مواجهة ما يعترض سبيل المسلمين من تحديات ، فما أحرزه المسلمون من انتصارات باهرة في المدينة المنورة ، كان حصيلة عملية بناء الشخصية الإسلامية ، هذه العملية التي تعهدت بها رسالة الإسلام في مكّة .
لقد تعلم المسلمون الكثير في مكّة ومارسوا تجارب جمّة واكتسبوا استعدادا روحيا ومعنويا عظيما خلال العهد المكي ، ودليل هذا الأمر هو نزول قرابة التسعين سورة ـ من مجموع سور القرآن الكريم البالغة مائة وأربع وعشرة سورة ـ في مكّة ، وقد تناولت هذه السور في الغالب الجوانب العقائدية التربوية الخاصّة بإعداد الشخصية الإسلامية ـ أمّا في المدينة فقد انصرف المسلمون إلى تشكيل الحكومة الإسلامية وإقامة أسس المجتمع الإسلامي السليم .
ويدل هذه ـ أيضا ـ على عدم نزول حكم الجهاد والزكاة الواجبين في العصر المكي لأنّ الجهاد من واجبات الحكومة الإسلامية مثل تشكيل بيت المال فإنّه من شؤون الحكومة الإسلامية أيضا .
_________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 211-213 .
2. تدل بعض الأحاديث أنّ هذا النفر من المسلمين كان قد سمع بحديث نهضة المهدي المنتظر ، فكان البعض منهم يترقب أن يؤخر الجهاد إلى زمن المهدي عليه السلام ، تفسير نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥١٨.
3. الفتيل يعني الشعيرة الرفيعة جدا الموجودة بين فلقتي نواة التّمر ، وقد تطرفنا إلى شرح ذلك في الآية (٤٩) من سورة النساء وفي هذا المجلد من تفسيرنا هذا.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|