المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

Quaternary
30-11-2019
هضم وامتصاص الدهون
4-7-2016
ظواهر الإرساب النهري- شروط تكوين الدالات
8/9/2022
Algaenan
25-4-2017
البعد التاريخي لنشأة التخطيط الحضري
2023-03-16
الاستغاثة والاستعانة به (عليه السلام)
3-08-2015


التفسير بالراي  
  
2689   04:01 مساءاً   التاريخ: 16-11-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب
الجزء والصفحة : ج1، ص56-74 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير بالرأي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-05-2015 1876
التاريخ: 16-10-2014 1608
التاريخ: 6-03-2015 2034
التاريخ: 13-10-2014 6067

الذي هابه اهل الظاهر ، وزعموا من التكلم في معاني القرآن تفسيرا بالراي ، فيجب الاحتراز منه ، فهو مما اشتبه عليهم امره ، ولم يمعنوا النظر في فحواه امعانا.

ولا بد ان نذكر نص الحديث اولا ، ثم النظر في محتواه : (1) .

1ـ روى ابـو جـعفر الصدوق بإسناده عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : قال اللّه ـ جل جلاله ـ : (ما آمن بي من فسر برايه كلامي ) (2).

2ـ وايـضـا روي عـنه (عليه السلام) قال ـ لمدعي التناقض في القرآن ـ : (اياك ان تفسر القرآن برايك ، حـتـى تـفقهه عن العلماء فانه رب تنزيل يشبه بكلام البشر ، وهو كلام اللّه ، وتأويله لا يشبه كلام البشر) (3) .

3ـ وايضا عن الامام على بن موسى الرضا(عليه السلام) قال لعلي بن محمد بن الجهم : (لا تؤول كتاب اللّه ـ عـز وجـل ـبـرايـك ، فـان اللّه ـ عـز وجل ـ يقول : (و ما يعلم تأويله الا اللّه والراسخون في العلم ) (4) .

4ـ وروى ابـو الـنضر محمد بن مسعود العياشي بإسناده عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال : (من فسر القرآن برايه فأصاب لم يؤجر ، وان اخطأ كان اثمه عليه ) ، وفي رواية اخرى : (و ان اخطأ فهو ابعد من السماء) (5) .

5ـ وروى الشهيد السعيد زين الدين العاملي ، مرفوعا الى النبي (صلى الله عليه واله)قال : (من قال في القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من النار) ، وقال : (من تكلم في القرآن برايه فأصاب فقد اخطأ) ، وقال : (من قـال في القرآن بغير ما علم ، جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار) ، وقال : (اكثر ما اخاف على امتي من بعدي ، رجل يناول القرآن ، يضعه على غير مواضعه ) (6) .

واخـرج ابـو جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه واله) : (من قال في القرآن برايه فليتبوا مقعده من النار).

وفي رواية اخرى : (من قال في القرآن برايه او بما لا يعلم ).

وايضا عنه : (من قال في القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من النار).

وايضا : (من تكلم في القرآن برايه فليتبوا مقعده من النار).

وبإسناده عن جندب عنه (صلى الله عليه واله) : (من قال في القرآن برايه فأصاب فقد اخطأ) (7) .

وخـص الـطبري هذه الاحاديث بالاي التي لا سبيل الى العلم بتأويلها الا ببيان الرسول (صلى الله عليه واله) ، مثل تأويل ما فيه من وجوه امره : واجبه وندبه وارشاده ، وصنوف نهيه ، ووظائف حقوقه وحدوده ، ومبالغ فرائضه ، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض ، وما اشبه ذلك من احكام آية التي لم يدرك علمها الا ببيان الرسول لامته ، وهذا وجه لا يجوز لاحد القول فيه الا ببيان الرسول له بتأويله ، بنص منه عليه ، او بدلالة نصبها دالة امته على تأويله .

قـال : وهـذه الاخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا : من ان ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك عـلمه الابنص بيان الرسول او بنصبه الدلالة عليه ، فغير جائز لاحد القيل فيه برايه ، بل القائل في ذلك برايه وان اصاب الحق فيه فمخطئ فيما كان من فعله ، بقيله فيه برايه ، لان اصابته ليست اصابة مـوقـن انـه محق ، وانما هو اصابة خارص وظان ، والقائل في دين اللّه بالظن قائل على اللّه ما لم يعلم ، لان قيله فيه برايه ليس بقيل عالم ، ان الذي قال فيه من قول حق وصواب ، فهو قائل على اللّه ما لا يعلم ، آثم بفعله ما قد نهى عنه وحظر عليه (8) .

قـلـت : وهـذا يعني العمومات الواردة في القرآن ، الوارد تخصيصاتها في السنة ببيان الرسول ، مثل قـولـه : (اقـيموا الصلاة ) و(آتوا الزكاة ) و(للّه على الناس حج البيت ) ونحو ذلك مما ورد في القرآن عاما ، واوكل بيان تفاصيلها وشرائطها واحكامها الى بيان رسول اللّه (صلى الله عليه واله)فلا يجوز شرح تفاصيلها الا عن اثر صحيح وهذا حق ، غير ان حديث المنع غير ناظر الى خصوص ذلك .

و روى الترمذي بإسناده الى ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه واله)قال : (اتقوا الحديث علي الا ما علمتم ، فمن كـذب عـلـى مـتـعـمـدا فـلـيـتـبـوا مقعده من النار ، ومن قال في القرآن برايه فليتبوا مقعده من النار) (9) .

قال ابن الانباري : فسر حديث ابن عباس تفسيرين :

احدهما : من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذهب الاوائل من الصحابة والتابعين ، فهو متعرض لسخط اللّه .

و الاخـر : ـ وهـو اثـبـت القولين واصحهما معنى ـ من قال في القرآن قولا يعلم ان الحق غيره ، فليتبوا مقعده من النار.

و قـال : وامـا حـديـث جـنـدب عـن رسـول الـله (صلى الله عليه واله) : (من قال في القرآن برايه فأصاب فقد اخطأ) (10) ، فـحـمل بعض اهل العلم هذا الحديث على ان الراي معنى به الهوى من قال في الـقـرآن قـولا يـوافـق هواه ، لم يأخذه عن ائمة السلف ، فأصاب فقد اخطأ ، لحكمه على القرآن بما لا يعرف اصله ، ولا يقف على مذاهب اهل الاثر والنقل فيه .

وقـال ابن عطية : (و معنى هذا ان يسال الرجل عن معنى في كتاب اللّه عز وجل ، فيتسور عليه بـرايه (11) دون نظر فيما قال العلماء ، واقتضته قوانين العلم كالنحو والاصول وليس يدخل فـي هـذا الـحـديـث ، ان يـفسر اللغويون لغته ، والنحويون نحوه ، والفقها معانيه ، ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر ، فان القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رايه ).

قال القرطبي ـ تعقيبا على هذا الكلام ـ : هذا صحيح ، وهو الذي اختاره غير واحد من العلماء ، فان من قـال في القرآن بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ ، وان من استنبط معناه بحمله على الاصول المحكمة المتفق على معناها ، فهو ممدوح .

وقال بعض العلماء : ان التفسير موقوف على السماع ، للأمر برده الى اللّه والرسول (12).

قال : وهذا فاسد ، لان النهي عن تفسير القرآن لا يخلو : اما ان يكون المراد به الاقتصار على النقل والـسماع وترك الاستنباط ، او المراد به امرا آخر وباطل ان يكون المراد به ان لا يتكلم احد في القرآن الا بما سمعه ، فان الصحابة قد قرأوا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه ، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي (صلى الله عليه واله) ، وقد دعا لابن عباس : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) فان كان التأويل مسموعا كالتنزيل ، فما فائدة تخصيصه بذلك ، وهذا بين لا اشكال فيه .

وانما النهي يحمل على احد وجهين :

احـدهـما : ان يكون له في الشي راي ، واليه ميل من طبعه وهواه ، فيتاول القرآن على وفق رايه وهواه ، ليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الراي والهوى ، لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى .

وهذا النوع يكون تارة مع العلم ، كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته ، وهو يعلم ان ليس المراد بالآية ذلك ، ولكن مقصوده ان يلبس على خصمه .

وتارة يكون مع الجهل ، وذلك اذا كانت الاية محتملة ، فيميل فهمه الى الوجه الذي يوافق غرضه ، ويـرجـح ذلك الجانب برايه وهواه ، فيكون قد فسر برايه ، اي رايه حمله على ذلك التفسير ، ولولا رايه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه .

وتـارة يـكون له غرض صحيح ، فيطلب له دليلا من القرآن ، ويستدل عليه بما يعلم انه ما اريد به ، كمن يدعو الى مجاهدة القلب القاسي ، فيقول : قال اللّه تعالى : {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه : 24] ويـشـيـر الـى قـلـبـه ، ويومئ الى انه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ فـي المقاصد الصحيحة ، تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع ، وهو ممنوع لانه قياس في اللغة ، وذلك غـيـر جـائز وقـد تستعمله الباطنية (13) في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم الى مذاهبهم الباطلة ، فينزلون القرآن على وفق رايهم ومذهبهم ، على امور يعلمون قطعا انها غير مرادة .

فهذه الفنون احد وجهي المنع من التفسير بالراي .

الوجه الثاني : ان يتسارع الى تفسير القرآن بظاهر العربية ، من غير استظهار بالسماع والنقل ، فيما يـتـعـلـق بـغرائب القرآن ، وما فيه من الالفاظ المبهمة والمبدلة ، وما فيه من الاختصار والحذف والاضـمـار والتقديم والتأخير فمن لم يحكم ظاهر التفسير ، وبادر الى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالراي والنقل والسماع لا بد له منهما في ظاهر التفسير ، اولا ليتقي بهما مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط والغرائب التي لا تـفـهـم الا بالسماع كثيرة ، ولا مطمع في الوصول الى الباطن قبل احكام الظاهر ، الا ترى ان قوله تـعالى : {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا } [الإسراء : 59] معناه : آية مبصرة فظلموا انفسهم بقتلها فـالـناظر الى الظاهر يظن ان الناقة كانت مبصرة ، فهذا في الحذف والاضمار ، وامثاله في القرآن كثير (14).

و هـذا الـذي ذكره القرطبي وشرحه شرحا وافيا ، هو الصحيح في معنى الحديث ، واكثر العلماء عـليه ، بل وفي لحن الروايات الواردة عن الرسول (صلى الله عليه واله)ما يؤيد ارادة هذا المعنى ، نظرا للإضافة فـي (رايـه ) ، اي رايـه الـخاص ، يحاول توجيهه بما يمكن من ظواهر القرآن حتى ولو استلزم تحريفا في كلامه تعالى فهذا لا يهمه القرآن ، انما يهمه تبرير موقفه الخاص باتخاذ هذا الراي الذي يحاول اثباته بأية وسيلة ممكنة فهذا في الاكثر مفتر على اللّه ، مجادل في آيات اللّه .

فقد روى ابو جعفر محمد بن على بن بابويه الصدوق بإسناده الى سعيد بن المسيب عن عبد الرحمان بن سمرة ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : (لعن اللّه المجادلين في دين اللّه على لسان سبعين نبيا ، ومن جادل في آيات اللّه فقد كفر ، ومن فسر القرآن برايه فقد افترى على اللّه الكذب ، ومن افتى الناس بـغـيـر عـلـم فـلـعنته ملائكة السماوات والارض ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها الى النار) (15).

وروى ثـقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني باسناده الى الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام) قـال : (مـا عـلمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه اعلم ان الرجل لينتزع بالآية فيخر بها ابعد ما بين السماء والارض ) (16) .

و كـذا اذا اسـتـبد برايه ولم يهتم بأقوال السلف والمأثور من احاديث كبار الائمة والعلماء من اهل الـبـيـت (عليه السلام) وكـذا سائر المراجع التفسيرية المعهودة ، فان من استبد برايه هلك ، ومن ثم فانه ان اصاب احيانا فقد اخطأ الطريق ، ولم يؤجر.

روى ابو النضر محمد بن مسعود بن عياش باسناده الى الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال : (من فسر القرآن برايه ، ان اصاب لم يؤجر ، وان اخطأ فهو ابعد من السماء) (17) ، الى غيرها من احاديث يستشف منها ان السر في منع التفسير بالراي امران :

احـدهـما : التفسير لغرض المراء والغلبة والجدال وهذا انما يعمد الى دعم نظرته وتحكيم رايه الـخاص ، بما يجده من آيات متشابهة صالحة للتأويل الى مطلوبه ، ان صحيحا او فاسدا ، غير ان الاية لا تهدف ذلك لولاالالتوا بها في ذلك الاتجاه ، ولذلك فانه حتى لو اصاب في المعنى لم يؤجر ، لانه لم يقصد تفسير القرآن ، وانما استهدف نصرة مذهبه أيا كانت الوسيلة .

و هـذا ناظر في الاكثر الى الآيات المتشابهة لغرض تأويلها ، فالنهي انما عنى التأويل غير المستند الى دليل قاطع {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران : 7] .

ثـانيهما : التفسير من غير استناد الى اصل ركين ، اعتمادا على ظاهر التعبير محضا ، فان هذا هو من القول بلا علم ، وهو ممقوت لا محالة ، ولا سيما في مثل كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مـن خـلفه ومن ثم فانه ايضا غير ماجور على عمله حتى ولو اصاب المعنى ، لانه اورد امرا خطيرا من غير مورده ، والاكثر الغالب في مثله الخطأ والضلال ، وافترا على اللّه ، وهو عظيم .

وقـد اسـلـفـنـا كـلام الـراغـب وشـرحه بهذا الشأن (18) ، وكذا ما ذكره الزركشي في هذا الباب (19) ، وقد كان كلامهما وافيا بجوانب الموضوع ، لم يختلف عما ذكرناه هنا ، فراجع .

ولـكـن نـقـل جـلال الدين السيوطي عن ابن النقيب محمد بن سليمان البلخي (20) في مقدمة تفسيره :

ان جملة ما تحصل في معنى الحديث خمسة اقوال :

احدها : التفسير من غير حصول العلوم ، التي يجوز معها التفسير.

ثانيها : تفسير المتشابه الذي لا يعلمه الا اللّه .

ثالثها : التفسير المقرر للمذهب الفاسد ، بان يجعل المذهب اصلا والتفسير تابعا ، فيرد اليه باي طريق امكن ، وان كان ضعيفا.

رابعها : التفسير بان مراد اللّه كذا على القطع من غير دليل .

خامسها : التفسير بالاستحسان والهوى (21) .

قلت : ويمكن ارجاع هذه الوجوه الخمسة الى نفس الوجهين اللذين ذكرناهما ، اذ الخامس يرجع الى الثالث ، والرابع والثاني يرجعان الى الاول ، فتدبر.

خلاصة القول في التفسير بالراي

يـتلخص القول في تفسير حديث (من فسر القرآن برايه ) : ان الشي المذموم او الممنوع شرعا ، الذي استهدفه هذا الحديث ، امران :

احدهما : ان يعمد قوم الى آية قرآنية ، فيحاولوا تطبيقها على ما قصدوه من راي او عقيدة ، او مذهب او مسلك ، تبريرا لما اختاروه في هذا السبيل ، او تمويها على العامة في تحميل مذاهبهم او عقائدهم ، تعبيرا على البسطاء الضعفاء.

و هـذا قد جعل القرآن وسيلة لا نجاح مقصوده بالذات ، ولم يهدف تفسير القرآن في شيء وهذا هو الذي عنى بقوله (عليه السلام) : فقد خر بوجهه ابعد من السماء ، او فليتبوا مقعده من النار.

و ثانيهما : الاستبداد بالراي في تفسير القرآن ، محايدا طريقة العقلاء في فهم معاني الكلام ، ولا سيما كـلامـه تعالى فان للوصول الى مراده تعالى من كلامه وسائل وطرقا ، منها : مراجعة كلام السلف ، والـوقـوف عـلـى الاثـار الـواردة حول الآيات ، وملاحظة اسباب النزول ، وغير ذلك من شرائي ط يـجـب تـوفـرهـا في مفسر القرآن الكريم فإغفال ذلك كله ، والاعتماد على الفهم الخاص ، مخالف لـطريقة السلف والخلف في هذا الباب ومن استبد برايه هلك ، ومن قال على اللّه بغير علم فقد ضل سـواء الـسبيل ، ومن ثم فانه قد اخطأ وان اصاب الواقع ـ فرضا او صدفة ـ لانه اخطأ الطريق ، وسلك غير مسلكه المستقيم .

قـال سيدنا الاستاذ الامام الخوئي ـ دام ظله ـ : ان الاخذ بظاهر اللفظ ، مستندا الى قواعد واصول يتداولها العرف في محاوراتهم ، ليس من التفسير بالراي ، وانما هو تفسير بحسب ما يفهمه العرف ، وبحسب ما تدل عليه القرائن المتصلة والمنفصلة ، والى ذلك اشار الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) بـقـوله : (انما هلك الناس في المتشابه ، لانهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا من عند انفسهم برائهم ، واستغنوا بذلك عن مسالة الاوصياء فيعرفونهم ).

قـال : ويحتمل ان معنى التفسير بالراي ، الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الائمة (عليه السلام) مع انهم قـرنا الكتاب في وجوب التمسك ، ولزوم الانتها اليهم فاذا عمل الانسان بالعموم او الاطلاق الوارد في الكتاب ، ولم يأخذ التخصيص او التقييد الوارد عن الائمة (عليه السلام) كان هذا من التفسير بالراي .

وعـلى الجملة ، حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتصلة والمنفصلة ، من الكتاب والسنة او الدليل العقلي ، لا يعد من التفسير بالراي ، بل ولا من التفسير نفسه (22) .

قـلـت : وعـبـارته الاخيرة اشارة الى ان الاخذ بظاهر اللفظ ، مستندا الى دليل الوضع او العموم او الاطـلاق ، او قـرائن حالية او مقالية ونحو ذلك ، لا يكون تفسيرا ، اذ لا تعقيد في اللفظ حتى يكون حله تفسيرا ، وانما هو جري على المتعارف المعهود ، في متفاهم الاعراف .

اذ قد عرفت ان التفسير ، هو : كشف القناع عن اللفظ المشكل ، ولا اشكال حيث وجود اصالة الحقيقة او اصالة الاطلاق او العموم ، او غيرها من اصول لفظية معهودة .

نعم اذا وقع هناك اشكال في اللفظ ، بحيث ابهم المعنى ابهاما ، وذلك لاسباب وعوامل قد تدعو ابهاما او اجمالا في لفظ القرآن ، فيخفى المراد خفا في ظاهر التعبير ، فعند ذلك تقع الحاجة الى التفسير ورفع هذا التعقيد.

والـتـفـسـير ـ في هكذا موارد ـ لا يمكن بمجرد اللجؤ الى تلكم الاصول المقررة لكشف مرادات الـمتكلمين حسب المتعارف ، اذ له طرق ووسائل خاصة غير ما يتعارفه العقلاء في فهم معاني الكلام العادي ، على ما يأتي في كلام السيد الطباطبائي .

والـتـفسير بالراي المذموم عقلا والممنوع شرعا ، انما يعني هكذا موارد متشابهة او متوغلة في الابـهام ، فلا رابط ـ ظاهرا ـ لما ذكره سيدنا الاستاذ ، مع موضوع البحث ، وعبارته الاخيرة ربما تشي بذلك .

و قال سيدنا العلامة الطباطبائي : (الاضافة ـ في قوله : برايه ـ تفيد معنى الاختصاص والانفراد والاسـتـقـلال ، بان يستقل المفسر في تفسير القرآن بما عنده من الاسباب في فهم الكلام العربي ، فـيـقيس كلامه تعالى بكلام الناس ، فان قطعة من الكلام من اى متكلم اذا ورد علينا ، لم نلبث دون ان نـعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلامي ، ونحكم بذلك انه اراد كذا ، كما نجري عليه فـي الاقـاريـر والـشهادات وغيرهما كل ذلك لكون بياننا مبنيا على ما نعلمه من اللغة ، ونعهده من مصاديق الكلمات ، حقيقة ومجازا.

والـبـيان القرآني غير جار هذا المجرى ، بل هو كلام موصول بعضها ببعض ، في حين انه مفصول ، ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، كما قاله علي (عليه السلام).

فـلا يكفي ما يتحصل من آية واحدة بأعمال القواعد المقررة ، دون ان يتعاهد جميع الايات المناسبة لها ، ويجتهد في التدبر فيها.

فـالـتفسير بالراي المنهى عنه امر راجع الى طريق الكشف دون المكشوف فالنهي انما هو عن تفهم كلامه تعالى على نحو ما يتفهم به كلام غيره ، حتى ولو صادف الواقع ، اذ على فرض الاصابة يكون الخطأ في الطريق .

قـال : ويـؤيد هذا المعنى ، ما كان عليه الامر في زمن النبي (صلى الله عليه واله)فان القرآن لم يكن مؤلفا بعد ، ولم يـكـن مـنـه الاسـور او آيات متفرقة في ايدي الناس ، فكان في تفسير كل قطعة قطعة منه خطر الوقوع في خلاف المراد.

قـال : والمحصل ان المنهي عنه انما هو الاستقلال في تفسير القرآن ، واعتماد المفسر على نفسه من غير رجوع الى غيره ، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع اليه .

قـال : وهـذا الـغير ـ لا محالة ـ اما هو الكتاب او السنة وكونه هي السنة ، ينافي كون القرآن هو الـمرجع في تبيان كل شيء ، وكذا السنة الامرة بالرجوع الى القرآن عند التباس الامور ، وعرض الـحديث عليه لتمييز صحيحه عن سقيمه ، فلم يبق للمراجعة والاستمداد في تفسير القرآن سوى نـفـس الـقـرآن فـان الـقـرآن يـفـسـر بـعـضه بعضا ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض (23) .

و هذا الذي ذكره سيدنا العلامة ـ هنا ـ تحقيق عريق بشان طريقة فهم معاني كلامه تعالى .

قال ـ في مقدمة التفسير ـ :

ان الاتكاء والاعتماد على الانس والعادة في فهم معاني الايات ، يشوش على الفاهم سبيله الى ادراك مـقـاصـد الـقـرآن ، اذ كلامه تعالى ناشئ من ذاته المقدسة ، التي لا مثيل لها ولا نظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى : 11] {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام : 103] ، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون : 91].

وهـذا هو الذي دعا بالنابهين ان لا يقتصروا على الفهم المتعارف لمعاني الايات الكريمة ، واجازوا لأنفسهم الاعتماد ـ لأدراك حقائق القرآن ـ على البحث والنظر والاجتهاد.

وذلـك عـلـى وجـهـين : اما بحثا علميا او فلسفيا او غيرهما ، للوصول الى مراده تعالى في آية من الايات ، وذلك بعرض الاية على ما توصل اليه العلم او الفلسفة من نظريات او فرضيات مقطوع بها ، وربما المظنون منها ظنار اجحاء ، وهذه طريقة يرفضها ملامح القرآن الكريم .

واما بمراجعة ذات القرآن ، واستيضاح فحوى آية من نظيرتها ، وبالتدبر في نفس القرآن الكريم ، فان القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، كما قال على (عليه السلام).

قال تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89] ، وحاشا القرآن ان يكون تبيانا لكل شيء ولا يـكـون تبيانا لنفسه ، وقد نزل القرآن ليكون هدى للناس ونورا مبينا وبينة وفرقانا ، فكيف لا يـكـون هـاديـا للناس الى معالمه ومرشدا لهم على دلائله ؟ {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت : 69] ، واى جهاد اعظم من بذل الجهد في سبيل فهم كتاب اللّه ، واستنباط معانيه واستخراج لالئه نعم ، القرآن هو اهدى سبيل الى نفسه ، لا شيء اهدى منه اليه .

وهـذه هي الطريقة التي سلكها النبي وعترته الاطهارـ صلوات اللّه عليهم ـ في تفسير القرآن والـكـشف عن حقائقه ـ على ما وصل الينا من دلائلهم في التفسير ـ ولا يوجد مورد واحد استعانوا لفهم آية ، على حجة نظريه عقلية او فرضية علمية ، ونحو ذلك (24).

وتوضيحا لما افاده سيدنا العلامة في هذا المجال ، نعرض ما يلي :

كـان لـلـبيان القرآني اسلوبه الخاص في التعبير والأداءا ، ممتازا على سائر الاساليب ، ومختلفا عن سائر البيان ، مما يبدو طبيعيا ، شان كل صاحب فن جديد كان قد اتى بشي جديد.

ومـن ثـم كـان لـلقرآن لغته الخاصة به ، ولسانه الذي يتكلم به ، ولهجته التي يلهج بها ، ممتازة عن سائر اللهجات .

نـعم ، ان للقرآن مصطلحات في تعابيره عن مقاصده ومراميه ، كانت تخصه ، ولا تعرف مصطلحاته الا من قبل نفسه ، شان كل صاحب اصطلاح .

و من المعلوم ان الوقوف على مصطلحات اى فن من الفنون ، لايمكن بالرجوع الى اللغة وقواعدها ، ولا الـى الاصـول المقررة لفهم الكلام في الاعراف ، لأنها اعراف عامة ، وهذا عرف خاص فمن رام الـوقـوف عـلى مصطلحات علم النحو ـ مثلا ـ فلا بد من الرجوع الى النحاة انفسهم لا غيرهم ، وهكذا سائر العلوم والفنون من ذوي المصطلحات .

ومن ثم فان القرآن هو الذي يفسر بعضه بعضا ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض .

نعم يختص ذلك بالتعابير ذوات الاصطلاح ، وليس في مطلق تعابيره التي جات وفق العرف العام .

وبـعـبـارة اخرى : ليس كل تعابير القرآن مما لا يفهم الا من قبله ، انما تلك التعابير التي جات وفق مـصـطلحه الخاص ، وكانت تحمل معاني غير معاني سائر الكلام اما التي جات وفق اللغة او العرف العام ، فطريق فهمها هي اللغة والاصول المقررة عرفيا لفهم الكلام .

وبعبارة ثالثة : الحاجة الى عرفان مصطلحات القرآن ، انما تكون في موارد التفسير ، حيث الغموض والابـهام في ظاهر التعبير ، دون ترجمة الالفاظ والكلمات ، وادراك مفاهيم الكلام وفق الاعراف الـعامة ، مما يعود الى البحث عن حجية الظواهر ، فأنها حجة بلا كلام ، سواء في القرآن ام في غيره ، سواء بسوا.

وهذا غير المبحوث عنه هنا ، حيث خفا المراد ورا ستار اللفظ ، المعبر عنه بالبطن المختفي خلف الـظهر فالظهر لعامة الناس حيث متفاهمهم ، ويكون حجة لهم ومستندا يستندون اليه في التكليف ، اما البطن فللخاصة ممن يتعمقون في خفايا الاسرار ، ويستخرجون الخبايا من ورا الستار.

ومـن ثـم كـان الـمـطلوب من الامة (العلماء والائمة ) التفكر في الايات والتدبر فيها ، وتعقلها ومعرفتها حق المعرفة .

قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44] .

قال : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24].

وقال : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29].

وقـال رسـول اللّه (صلى الله عليه واله) : (لـه ظهر وبطن ، فظاهره حكمة وباطنه علم ، ظاهره انيق وباطنه عـمـيـق ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائب ، فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، فان التفكر حياة قلب البصير) (25) .

قال العلامة الفيلسوف ابن رشد الاندلسي : (و قد سلك الشرع في تعاليمه وبرامجه الناجحة مسلكا يـنتفع به الجمهور ، ويخضع له العلماء ومن ثم جاء بتعابير يفهمها كل من الصنفين : الجمهور يأخذون بـظـاهـر الـمـثال ، فيتصورون عن الممثل له ما يشاكل الممثل به ، ويقتنعون بذلك والعلماء يعرفون الحقيقة التي جات في طي المثال ) (26).

وسنبحث عن منهج القرآن واساليب بيانه في فصل قادم ، ان شاء اللّه .

واليك بعض الامثلة ، شاهدا لما ذكره سيدنا العلامة :

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال : 24] .

هذا خطاب عام يشمل كافة الذين آمنوا ، يدعوهم الى الايمان الصادق والاستجابة ـعقيدة وعملا ـ لـدعوة الاسلام ، والاستسلام العام للشريعة الغرا ، اذ في ذلك حياة القلب ، والطمأنينة في العيش ، وادراك لذائذ نعمة الوجود.            

امـا الحائد عن طريقة الدين والمخالف لمناهج الشريعة ، فانه في قلق من الحياة ، يعيش مضطربا قد سلبت راحته كوارث الدهر ، يخشى مفاجئتها في كل لحظة واوان .

وامـا المتكل على اللّه ، فهو آمن في الحياة ، يداوم مسيرته ، فارغ البال في كنفه تعالى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق : 3] ، { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28] .

هذا تفسير الدعوة الى ما فيه الحياة ، ولعله ظاهر لا غبار عليه .

وامـا قـولـه تعالى ـ بعد ذلك ـ : {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال : 24] فيعلوه غبار ابـهـام ، اذ يـبـدو انه تهديد بأولئك الحائدين عن جادة الحق ، ان سوف يجازون بحيلولة بينهم وبين انفسهم .

والسؤال : كيف هذه الحيلولة ، وما وجه كونها عقوبة متقابلة مع نبذ احكام الشريعة ؟.

و للإجابة عـلى هذا السؤال وقع اختلاف عنيف بين اهل الجبر واصحاب القول بالاختيار ، كما تناوشها كل من الاشاعرة واهل الاعتزال ، كل يجر النار الى قرصه ، كما اختلف ارباب التفسير على وجـوه اوردنـاهـا فـي الـجز الثالث من التمهيد ، عند الكلام عن المتشابهات ، ضمن آيات الهداية والضلال برقم (80).

والـذي رجـحـنـاه في تأويل الاية ، هو معنى غير ما ذكره جل المفسرين ، استفدناه من مواضع من القرآن نفسه : ان هذه الحيلولة كناية عن اماتة القلب ، فلا يعي شيئا بعد فقد الحياة .

لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه الكفن .

الاسـلام دعـوة الـى الـحياة ، وفي رفضها رفض للحياة ، تلك الحياة المنبعثة عن ادراكات نبيلة ، والملهمة للإنسان شعورا في اضا يسعد به في الحياة ، ويحظى بكرامته الانسانية العليا.

اما اذا عاكس فطرته واطاح بحظه ، فانه سوف يشقى في الحياة ، ولم يزل يسعى في ظلمات غيه وجـهـلـه {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة : 257].

فالإنسان التائه في ظلمات غيه قد فقد شعوره ، وافتقد كرامته العليا في الحياة ، فهذا قد نسي نفسه وذهـل عن كونه انسانا ، يحسب من نفسه موجودا ذا حياة بهيمية سفلى ، انما يسعى ورا نهمه وشبع بطنه ، لا هدف له في الحياة سواه .

وهذا التسافل في الحياة كانت نتيجة تساهله بشان نفسه واهمال جانب كرامته ، وهذا هو معنى قوله تـعالى : {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام : 110] ، قال تعالى : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر : 19] .

فـان نـسـيان النفس كناية عن الابتعاد عن معالم الانسانية والشرف التليد {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } [الأعراف : 176] .

وقال تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة : 38].

اختلف الفقها في موضع القطع من يد السارق ، حيث الابهام في ذات اليد ، انها من الكتف ام من المرفق ام الساعد ام الكرسوع (طرف الزند) ام الاشاجع (اصول الاصابع )؟.

روى ابو النضر العياشي في تفسيره بالإسناد الى زرقان صاحب ابن ابي داود ، قاضي القضاة ببغداد ، قـال : اتـي بـسـارق الـى الـمـعتصم وقد اقر بالسرقة ، فسال الخليفة تطهيره بإقامة الحد ، فجمع الفقهاء يستفتيهم في اقامة حد السارق عليه ، وكان ممن احضر محمد بن علي الجواد(عليه السلام) ، فسالهم عن موضع القطع .

فقال ابن ابي داود : من الكرسوع ، استنادا الى آية التيمم ، حيث المراد من اليد في ضربتيه هو الكف ، ووافقه قوم وقال آخرون : من المرفق ، استنادا الى آية الوضوء.

فالتفت الخليفة الى الامام الجواد يستعلم رايه ، فاستعفاه الامام ، فأبى واقسم عليه ان يخبره برايه .

فـقال (عليه السلام) : اما اذا اقسمت علي باللّه ، اني اقول : انهم أخطأوا فيه السنة ، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصابع ، فيترك الكف .

قال المعتصم : وما الحجة في ذلك ؟.

قـال الامـام : قـول رسـول اللّه (صلى الله عليه واله) : الـسـجـود على سبعة اعضا : الوجه واليدين والركبتين والرجلين ، فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق ، لم يبق له يد يسجد عليها ، وقد قال اللّه تعالى : (و ان الـمـسـاجـد للّه ) يـعـنـي بـه هـذه الاعـضـاء الـسـبعة التي يسجد عليها {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن : 18] ، وما كان للّه لم يقطع .

فاعجب المعتصم هذا الاستنتاج البديع ، وامر بالقطع من الاشاجع (27) .

انـظـر الـى هـذه الالـتـفـاتـة الرقيقة ، يجعل من آية المساجد ، بتأويل ظاهرها (هي المعابد)الى بـاطـنـها(الشمول لما يسجد به ، اي يتحقق به السجود) ، منضمة الى كلام الرسول في بيان مواضع السجدة ، يجعل من ذلك كله دليلا على تفسير آية القطع وتعيين موضعه ، بهذا النمط البديع .

وقد استظهر(عليه السلام) من الاية ان راحة الكف ، وهي من مواضع السجود ، كانت للّه ، فلا تشملها عقوبة الحد التي هي جزا سيئة ، لا تحل فيما لا يعود الى مرتكبها ، فان راحة الكف موضع السجود للّه .

وللأستاذ الذهبي ـ هنا ـ محاولة غريبة يجعل من التفسير بالراي قسمين : قسما جائزا وممدوحا ، وآخر مذموما غير جائز وحاول تأويل حديث المنع الى القسم المذموم .

قال : والمراد بالراي هنا الاجتهاد ، وعليه فالتفسير بالراي عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد ، بعد مـعـرفـة الـمفسر لكلام العرب ومناحيهم في القول ، ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالتها ، واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي ، ووقوفه على اسباب النزول ، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن ، وغير ذلك من الادوات التي يحتاج اليها المفسر.

قـال : واختلف العلماء قديما في جواز تفسير القرآن بالراي ، فقوم تشددوا في ذلك ولم يجيزوه ، وقوم كان موقفهم على العكس فلم يروا باسا من ان يفسروا القرآن باجتهادهم ، والفريقان على طرفي نقيض فيما يبدو ، وكل يعزز رايه بالأدلة والبراهين .

ثـم جعل يسرد ادلة لكل من الفريقين ، ويجيب عليها واحدة واحدة بإسهاب ، واخيرا قال : ولكن لو رجعنا الى ادلة الفريقين وحللنا ادلتهم تحليلا دقيقا ، لظهر لنا ان الخلاف لفظي ، وان الراي قسمان : .

قسم جار على موافقة كلام العرب ومناحيهم في القول ، مع موافقة الكتاب والسنة ، ومراعاة سائر شروط التفسير ، وهذا القسم جائز لا شك فيه .

وقـسـم غـيـر جـار عـلى قوانين العربية ، ولا موافقة للأدلة الشرعية ، ولا مستوف لشرائط التفسير ، وهذا هو مورد النهي ومحط الذم (28) .

قلت : اما تورع بعض السلف عن القول في القرآن ، فلعدم ثقته بذات نفسه وضلة معرفته بمعاني كلام اللّه امـا العلماء العارفون بمرامي الشريعة ، فكانوا يتصدون التفسير عن جراة علمية واحاطة شاملة لجوانب معاني القرآن .

وامـا الـتـفـسـير بالراي فامر وقع المنع منه على اطلاقه ، وليس على قسم منه ، كما زعمه هذا الاستاذ.

والـذي اوقـعـه فـي هـذا الوهم ، انه حسب التفسير بالراي هنا بمعنى الاجتهاد ، في مقابلة التفسير بالمأثور ، ولا شك من جواز الاجتهاد في استنباط معاني الايات الكريمة ان وقع عن طريقه المألوف .
________________________________

1- مما اورده العلامة المجلسي في بحار الانوار ، كتاب القرآن ، باب /10 ، ج89 ، ص 107 ـ112 ، (ط بيروت ).

2- الامالي للصدوق (ط نجف ) ، ص 6 ، المجلس الثاني .

3- كتاب التوحيد ، للصدوق ، باب 36 ، الرد على الثنوية والزنادقة ، ص 264 ، (ط بيروت ).

4- عيون الاخبار ، للصدوق ، (ط نجف ) ج1 ، ص 153 ، باب 14 ، ج1 ، آل عمران / 7.

5- مقدمة تفسير العياشي ، ج1 ، ص 17 ، رقم2 و4.

6- بحار الانوار ، ج89 ، ص 111 ـ 112 ، رقم20 عن آداب المتعلمين ، للشهيد ، ص 216 ـ217 .

7- تفسير الطبري ، ج1 ، ص 27.

8- تفسير الطبري ، ج1 ، ص 25 ـ 26 و27.

9- قال ابو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن الجامع ، ج5 ، ص 199 ، كتاب التفسير ، باب 1 ، رقم2951 .

10- جامع الترمذي ، ج5 ، ص 200 ، رقم2952 .

11- تسور الحائط : هجم عليه هجوم اللص وتسلقه ويعني به هنا : التهجم والاقدام بغير بصيرة ولا وعي .

12- في الاية رقم 59 من سورة النساء.

13- من اهل التصوف .

14- راجع : تفسير القرطبي ، ج1 ، ص 32 ـ 34.

15- كمال الدين للصدوق ، ج1 ، ص 256 ـ 257 ، ب 24 ، رقم1 وعبد الرحمان بن سمرة بن حبيب العبشمي صحابي جليل ، اسلم يوم الفتح وشهد غزوة تبوك مع النبي (صلى الله عليه واله ) ثم شهد فتوح العراق ، وهو الذي افتتح سجستان وغيرها في خلافة عثمان ثم نزل البصرة وكان يحدث بها روى عنه خلق كثير من التابعين توفي سنة (50) (الاصابة ، ج2 ، ص 401 ، رقم5134 ).

16- الكافي الشريف ، ج1 ، (الاصول ) ، ص 24 ، رقم4 .

17- تفسير العياشي ، ج1 ، ص 17 ، رقم4 .

18- ص 49 وراجع : مقدمته في التفسير ، ص 93.

19- ص 54 وراجع : البرهان ، ج2 ، ص 164 ـ 168.

20- توفي سنة 698.

21- الاتقان في علوم القرآن ، ج4 ، ص 191.

22- البيان ، ص 287 ـ 288.

23- تفسير الميزان ، ج3 ، ص 77 ـ 79 ، وراجع : ج1 ، ص 10 ايضا.

24- الميزان ، ج1 ، ص 9 ـ 10.

25- مقدمة تفسير الميزان ، ج1 ، ص 10 والكافي الشريف ، ج2 ، ص 599.

26- راجع : رسالته (الكشف عن مناهج الادلة ) ، ص 97.

27- تفسير العياشي ، ج1 ، ص 319 ـ 320.

28- التفسير والمفسرون ، ج1 ، ص 255وص 264.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .