أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2016
2478
التاريخ: ص449-450
2718
التاريخ: 9-11-2016
1238
التاريخ: 9-11-2016
2078
|
بين عبس وذبيان:
سبب الحادثة: أن قيس بن زهير العبسي قصد المدينة ليتجهز ويستعد لقتال رجل اسمه: عامر كان قد قتل أباه وعزم على أخذ الثأر من قاتل أبيه. فتوجه قيس ـ أول ما توجه ـ إلى رجل اسمه: أحيحة بن الجلاح ليشتري منه درعاً وصفوها له بالجودة والإتقان فاشتراها قيس منه بابن لبون (جمل صغير) وتسمى تلك الدرع (ذات الحواشي) ووهب أحيحة أدراعاً غيرها. ورجع قيس إلى قومه وهو مجهز بكل ما يساعده على الأخذ بثأره. ثم ذهب قيس إلى الربيع بن زياد العبسي وطلب منه أن يساعده على عدوه والأخذ بثأره فأجابه الربيع على طلبه.
ولما أراد قيس فراق الربيع، نظر الربيع إلى حقيبته وسأله: ما في حقيبتك؟ قال شيء عجيب لو رأيته لخفت منه! فأناخ قيس جمله وأخرج الدرع من الحقيبة فرأها الربيع فأعجبته كثيراً ولبسها فكانت في طوله فلم يعد يرجعها إلى قيس وكلما حاول قيس أن يقنعه في أن يردها إليه فلم يردها وانصرف قيس عنه وهو عازم على أن لا يبقيها للربيع.. وبعد انصرافه عنه أخذ يرسل إليه الرسل، رسولاً بعد رسول. ولج قيس في طلبها ولج الربيع بالاحتفاظ بها لنفسه.. ولما طالت الأيام بغير فائدة بعث قيس أهله إلى مكة وأقام ينتظر..
ثم إن الربيع سير إبله (جماله) وأمواله إلى مرعى كثير الكلأ (العشب) وأمر أهله أن يرحلوا وركب هو فرسه وذهب إلى المنزل فبلغ الخبر قيساً فجمع هله وأخوته وتوجهوا نحو أهل الربيع ولما وصل قيس إلى أهل الربيع حجز أم الربيع فاطمة بنت الخرشب وحجز زوجته فقالت فاطمة أم الربيع: ماذا تريد منا يا قيس؟ فقال: أذهب بكن إلى مكة فأبيعكن بها لأن الربيع أخذ درعي ولم يرجعها إليّ قالت أم الربيع: أتركنا وأنا أضمن لك درعك فتركهن قيس وذهبن في سبيلهن.. ولما أن جاءت إلى ابنها حكت له ما حدث معها مع قيس وأنها تعهدت له بأن ترجع إليه الدرع.. فلم يستجب الربيع لكلام أمه وحلف يميناً أن لا يرد الدرع إلى قيس.. فأرسلت أم الربيع إلى قيس وأعلمته أن ابنها لم يستجب لطلبها ولا يرد الدرع أبداً.. فأغار قيس على جمال الربيع وأخذ منها أربعمائة جمل وساقها إلى مكة فباعها واشترى بها خيلاً، ولما علم الربيع تبعه فلم يلحقه، وكان من بين الخيل التي اشتراها قيس: داحس والغبراء ..
وقالوا: إن قيساً وجه حصانه (داحساً) على فرس له فحملت ثم ولدت مهرة سماها (الغبراء) .. وقد أقام قيس بمكة وهو يحب المفاخرة بنفسه وبما يعود إليه وأخذ بمكة يتفاخر مع أهلها. وفي جملة ما قال لهم: نحو كعبتكم عنا وحرمكم وهاتوا ما شئتم .. فقال له عبد الله بنو جدعان: إذا لم نفاخرك بالبيت المعمور وبالحرم الآمن فبم نفاخرك؟ .. وأخيراً مل قيس المفاخرة وعزم على الرحيل من مكة.. وأنست قريش من رحيل قيس عنهم لأنهم كانوا قد كرهوا مفاخرته...
وقد قال قيس لإخوته: ارحلوا بنا من عند هؤلاء اقوم وإلا عظم الشر بيننا وبينهم واتجهوا نحو بني بدر فإنهم أكفاؤنا في الحسب وبنو عمنا في النسب وأشراف قومنا في الكرم. والربيع ـ عندئذ ـ لا يستطيع أن يصل إلينا ويتناولنا ونحن عندهم. فجاء قيس وأخوته إلى بني بدر وأقاموا عندهم.
وقال وهو متوجه إليهم:
أسير إلى بني بدر بأمرٍ
هم فيه علينا بالخيار
فإن قبلوا الجوار فخير قوم
وإن كرهوا الجوار فغير عار
أتينا الحارث الخبر بن كعب
بنجران وأي لجا بجار
فجاورنا الذين إذا أتاهم
غريب حل في سعة القرار
وصل قيس إلى بني بدر ونزل عند حذيفة فأجاره وأكرمه وأقام فيهم مسروراً محترماً. وكان مع قيس وإخوته خيل لم يكن في العرب مثلها. وكان حذيفة يغدو ويروح إلى قيس فينظر إلى خيله ويحسده عليه ويكتم ذلك فينفسه .. وعلم الربيع بإقامة قيس عند بني بدر فغضب ونقم عليهم وبعث إليهم بهذه الأبيات:
ألا أبلغ بني بدر رسولا
على ما كان من شنأ ووتر
بأني لم أزل لكم صديقا
أدافع عن فزارة كل أمر
أسالم سلمكم وأرد عنكم
فوارس أهل نجران وحجر
فألجأتم أخا الغدرات قيسا
قد أفعمتم إيغار صدري
فحسبي من حذيفة ضم قيس
وكان البدء من حمل بن بدر
فإما ترجوا أرجع إليكم
وإن تأبوا فقد أوعت عذري
فلم يستجب بنو بدر لنداء الربيع وأصروا على جوار قيس وحمايته فغضب الربيع أشد الغضب من بني بدر وغضبت قبيله عبس لغضبه ..
وكان حذيفة كره قيساً وأراد إخراجه لكنه لم يجد عذراً لطرده ولا مبرراً فسكت عنه على مضض!!.
وعزم قيس على الذهاب لمكة من أجل العمرة وأخبر أهله وأصحابه وقال لهم: إني قد عزمت على العمرة وأوصيكم بأن لا تتحرشوا بحذيفة وابتعدوا عنه وإن تحرش هو فيكم وأسمعكم كلاماً لا ترضونه فتحموا كل ما يكون منه بالنسبة إليكم واصبروا على ذلك حتى أرجع من مكة لأني قد عرفت الشر في وجهه. وكان قيس ذا رأي لا يخطئ فيما يريده، وقد عرف من تصرفات حذيفة أنه يحسده على خيله ويتمنى ن يحصل على شيء من أفراسه الجياد!! وحدث أن فتى من عبس يقال له: ورد بن مالك: أتى حذيفة وجلس إلى جنبه وتحدثوا في شؤون الخيل فقال ورد لحذفة لو أخذ من خيل قيس فحلاً يكون أصلاً لخيلك .. فأجابه حذيفة: إن خيلي خير من خيل قيس، واشتد الحوار بين ورد وبين حذيفة وانتهى الحوار بأن تراهنا على فرسين من خيل قيس وفرسين من خيل حذيفة والرهن عشرة أذواد (الجمال) .. ثم قصد ورد قيساً وهو في مكة فحكى له ما كان بينه وبين حذيفة وأنهما تراهنا على عشرة أذواد .. قال قيس لورد: أراك ورطتني مع بني بدر وتورطت أنت معي وحذيفة هذا رجل ظالم لا تطيب نفسه إلا أن ينتقم ونحن قوم لا ننام على ضيم!!.
ورجع قيس من العمرة في مكة وجمع قومه وركب إلى حذيفة وطلب منه أن يفك الرهن الذي جرى بينه وبين ورد فأبى حذيفة ثم ذهب إلى حذيفة جماعة من فزارة وعبس وطلبوا منه أن يفك الرهن فلم يقبل. وقال: إن أقر قيس أن السبق لي انتهى كل شيء بيننا وإلا لا أفك الرهن!! .
وقال قيس لحذيفة: علام تراهنني؟ قال حذيفة: على فرسيك داحس والغبراء وفرسي: الخطار والحنفاء.
وضمروا الخيل وحشدوا ولبسوا السلاح وأعدوا الأمناء على إرسال الخيل.. وأقام حذيفة رجلاً من بني أسد في الطريق وأمره أن يلقي داحساً في أسفل الوادي إن مر به سابقاً. فلما أرسلت الخيل سبقها داحس سبقاً بيناً والناس ينظرون إليه. وقيس وحذيفة، كل واقف على رأس قومه يراقبون السبق وينتظرون النتيجة فلما هبط داحس في الوادي عارضه الأسدي فلطم وجهه فألقاه في الماء فكاد يغرق هو وراكبه ولم يخرج إلا وقد فاتته الخيل !! وأما راكب الغبراء فإنه خالف طريق داحس لما رآه قد أبطأ وعاد إلى الطريق واجتمع مع فرسي حذيفة ثم سقطت الحنفاء وبقي الخطار والغبراء فكانا إذا كانت الأرض وعرة يتقدم الخطار على الغبراء وإن كانت الأرض سهلة تتقدم الغبراء على الخطار .. وفي آخر الشوط تقدمت الغبراء على لخطار، وفازت بالسبق ..
ثم جاء داحس بعد ذلك والغلام يسير به على رسله فأخبر الغلام قيساً بما صنع به الأسدي فأنكر حذيفة ذلك وادعى السبق ظالماً معتدياً ومضى قيس وأصحابه حتى نظروا إلى القوم الذين تآمروا على داحس بأمر من حذيفة واختلفوا فيما بينهم لأنهم حبسوا داحساً وعرقلوا مسيرته ولم يتركوه سباقاً على رسله !! .
وبلغ الربيع بن زياد خبرهم فسره ذلك كثيراً وقال لأصحابه: هلك والله قيس. وكأني به إن نجا من حذيفة ولم يقتله أتانا وطلب منا الجوار .. أما والله لئن فعل وجاءنا لابد أن نجيره ونضمه إلينا..
ثم إن الأسدي المأمور بالمؤامرة على حبس داحس جاء إلى قيس نادماً على حبس داحس معترفاً بما صنع فلعنه وسبه حذيفة على هذا الاعتراف الذي فضح حذيفة!.
ثم إن بني بدر أساؤوا إلى قيس وأخوته وآذوهم بالكلام فعاتبهم قيس فلم يزدادوا إلا بغياً عليه وإيذاءً له.
ثم إن قيساً وحذيفة كادت تنشب معركة بينهما لولا تدخل الناس ومنعاهما من الإلتحام. وقد ظهر للناس جميعاً بغي حذيفة وظلمه لقيس.
ثم ألح حذيفة فيطلب الرهان لأنه اعتبر أنه فاز بالسبق فأرسل ابنه ندبة إلى قيس يطالبه به فلما أبلغه الرسالة من أبيه طعنه فقتله، وعادت الفرس إلى أبيه ولم يكن عليها ندبة فأيقن أن ابنه مقتول، وكان قيس قد رحل مع قومه كلهم .. فصاح حذيفة في الناس وركب مع جماعة من فرسانه وأتى منازل عبس فرأها خالية ورأى ابنه قتيلاً فنزل إليه وقبل بين عينيه ودفنوه.
وكان مالك بن زهير أخو قيس متزوجاً في فزارة وهو نازل فيهم فأرسل إليه قيس: أني قد قتلت ندبة بن حيفة وحلت فالتحق بنا وإلا قتلت فقال مالك: إن ذنب قيس عليه، ولم يرحل .. فأرسل قيس إلى الربيع بن زياد يطلب منه العودة إليه والمقام معه إذ هم عشيرة وأهل فلم يجبه ولم يمنعه. وبقي مفكراً في ذلك .. وبعد هذا قتل بنو بدر مالك بن زهير أخا قيس فبلغ مقتله بني عبس والربيع بن زياد فاشتد ذلك عليهم .. وأرسل الربيع إلى قيس عيناً يأتيه بخبره فسمعه يقول:
أينجو بنو بدر بمقتل مالك
ويخذلنا في النائبات ربيع
وكان زياد قبله يتقي به
من الدهر إن يوم ألم فظيع
فقل لربيع يحتذي فعل شيخه
وما الناس إلا حافظ ومضيع
وإلا فما لي في البلاد إقامة
وأمر بني بدر علي جميع
فرحل الرجل إلى الربيع فأخبره فبكى الربيع على مالك وقال:
منع الرقاد فما أغمض ساعة
جزعاً من الخبر العظيم الساري
أفبعد مقتل مالك بن زهير
يرجو النساء عواقب الأطهار
من كان مسروراً بمقتل مالك
فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه
ويقمن قبل تبلج الأسحار
فسمعها قيس فركب هو وأهله وقصدوا الربيع بن زياد وهو يصلح سلاحه فنزل عليه قيس وقام الربيع فاعتنق وبكيا وأظهرا الجزع لمصاب مالك ولقي القوم بعضهم بعضاً فنزلوا فقال قيس للربيع: إنه لم يهرب منك من لجأ إليك ولم يستغن عنك من استعان بك ولقد كان لك شر يومي فليكن لي خير يوميك وإنما أنا بقومي وقومي لك وقد أصاب القوم مالكاً ولست أهم بسوء لأني إن حاربت بني بدر نصرتهم بنو ذبيان وإن حاربتني خذلني بنو عبس إلا ن تجمعهم علي وأنا والقوم في الدماء سواء، قتلت ابنهم وقتلوا أخي إن نصرتني طمعت بهم وإن خذلتني طمعوا في .. فقال الربيع: يا قيس إنه لا ينفعني أن أرى لك من الفضل ما أراه لي. ولا ينفعك أن ترى لي ما لا أراه لك. وقد مال علي قتل مالك وأنت ظالم ومظلوم. ظلموك في جوادك وظلمتهم في دمائهم. وقتلوا أخاك بابنهم .. وأحب شيء إلي مسالمتهم ونخلو لحرب هوازن ..
وبعث قيس إلى أهله وأصحابه فجاؤوا ونزلوا مع الربيع وأنشدهم عنترة بن شداد مرثيته في مالك:
فلله عيناً من رأى مثل مالك
عقيرة قوم أن جرى فرسان
فليتهما لم يطعما الدهر بعدها
وليتهما لم يجمعا الرهان
وليتهما ماتا جميعاً ببلدة
وأخطاهما قيس فلا يريان
لقد جلبا حلبا لمصرع مالك
وكان كريماً ماجداً لهجان
وكنا لدى الهيجاء نحمي نساءنا
ونضرب عند الكرب كل بنان
فسوف ترى إن كنت بعدك باقياً
وأمكنني دهري وطول زماني
فأقم حقاً لو بقيت لنظرة
لقرت بها عيناك حين تراني
وبلغ حذيفة أن الربيع وقيساً اتفقا فشق ذلك عليه واستعد للبلاء .. ثم اتفق الربيع وقيس وجمع حذيفة قومه وتعاقدوا على عبس .. وجمع الربيع وقيس قومهما واستعدوا للحرب فأغارت فزارة على بني عبس فغنموا نعماً وأسروا وقتلوا رجالاً فحميت عبس واجتمعت للغارة والتقوا على ماء يقال له: (الغدق) هي أول وقعة كانت بينهم فاقتتلوا قتالاً شديداً وقتل عوف بن يزيد. قتله جندب بن خلف العبسي وانهزمت فزارة بعد أن فتك بهم فتكاً شديداً .. وأسر الربيع بن زياد حذيفة بن بدر. وكان حر بن الحارث العبسي قد نذر إن قدر على حذيفة أن يضربه بالسيف، وكان له سيف قاطع يسمى (الأصرم) ولما رآه عند الربيع أراد ضربه بالسيف وفاء بنذره .. فأرسل الربيع إلى+7 امرأته ونهوه عن قتله وحذروه عاقبة ذلك فأبى إلا ضربه فوضعوا علي الرجال فضربه فلم يصنع السيف شيئاً وبقي حذيفة أسيراً ..
فاجتمعت غطفان وسعوا بالصلح فاصطلحوا على أن يهدروا دم ابن حذيفة بدم مالك بن زهير ويعطوا حذيفة عن ضربته التي ضربه حر مائتين من الإبل وأن يجعلوها عشاراً كلها وأربعة عبيد وأهدر حذيفة دم من قتل من فزارة في الموقعة وأطلق من الأسر ..
ثم كانت محاولات كثيرة للصلح بينهما تصلح حيناً وتفسد أحياناً. وأغار حذيفة على عبس وأغارت عبس على فزارة وعظم الشر بينهما .. ثم سار قيس إلى فزارة فلقي منهم جمعاً، فيهم مالك بن بدر فقتله قيس وانهزمت فزارة فأخذ حينئذ حذيفة ولدي ريان فقتلهما ..
ولما قتل مالك والغلامان اشتدت الحرب بين الفريقين وأكثر الخسارة في فزارة وحلفائها ... وفي بعض الأيام التقوا واقتلوا قتالاً شديداً ودامت الحرب بينهم إلى آخر النهار.. وأبصر ريان بن الأسلع زيد بن حذيفة فحمل عليه وقتله. وانهزمت فزارة وذبيان وأدرك الحارث بن بدر فقتل .. ورجعت عبس سالمة لم يصب منها أحد... ولما قتل زيد والحارث جمع حذيفة بني ذبيان وبعث إلى أشجع وأسد بن خزيمة فجمعهم فبلغ ذلك بني عبس فضموا أطرافهم. وأشار قيس بن زهير بالسبق إلى ماء العقيقة ففعلوا ذلك ... وسار حذيفة في جموعه إلى عبس ومشى الوسطاء في الصلح بين الفريقين فحلف حذيفة أنه لا يصلح حتى يشرب من ماء العقيقة الذي احتله قيس فأرسل إليه قيس ماء في وعاء من ماء العقيقة حتى يبر قسمه ... واصطلحوا على أن تعطي بنو عبس حذيفة ديات من قتل له ووضعوا الرهائن عنده حتى يجمعوا الديات وهي عشر. وكانت الرهائن ابناً لقيس بن زهير وابناً للربيع بن زياد فوضعوا أحدهما عند قطبة بن سنان والآخر عند رجل من بكر بن وائل أعمى.
فعير بعض الناس حذيفة بقبول الدية فحضر هو وأخوه حمل عند قطبة بن سنان والبكري وقالا: إدفعا إلينا الغلامين لنكسوهما ونسرحهما إلى أهلهما. أما قطبة فدفع إليه الغلام الذي عنده وهو ابن قيس وأما البكري فامتنع من تسليم من عنده. فلما أخذا ابن قيس عادا فلقيا في الطريق ابناً لعمارة بن زياد العبسي وابن عم له فأخذاهما وقتلاهما مع ابن قيس ... فلما بلغ ذلك بني عبس أخذهم الغضب واشتروا السلاح ثم خرج قيس في جماعة فلقوا ابناً لحذيفة ومعه فوارس من ذبيان فقتلوهم .. فجمع حذيفة المقاتلين وسار إلى عبس وهم على ماء يقال له (عراعر) فاقتتلوا وكان الظفر إلى فزارة ورجعت سالمة .. وأصر حذيفة على الحرب وكرهها أخوه حمل وقال لأخيه في الصلح فلم يجب إلى ذلك. وجمع الجموع من أسد وذبين وسائر بطون غطفن وتوجه نحو بني عبس فاجتمعت بنو عبس وتشاورا في أمرهم فقال لهم قيس بن زهير: إنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به وليس لبني بدر إلا دماؤكم والقضاء عليكم وأما من سواهم فلا يريدون غير الأموال والغنيمة. والرأي أننا نترك الأموال بمكانها ونترك معها فارسين على داحس وعلى فرس آخر جواد ونرحل نحن ونكون على مقربة من المال فإذا جاء القوم إلى الأموال جاءنا الفارسان فأعلمانا وصول القوم فإن القوم حينئذ يشتغلون بالنهب وجمع الأموال. وإن نصحهم ذو رأي ونهاهم عن ذلك فإن العامة تخالفهم ويشتغل كل إنسان بالاحتفاظ بما نهب وغنم ويعلقون أسلحتهم على ظهور الإبل ويأمنون فنعود نحن إليهم عند وصول الفارسين فنباغتهم وهم على حال تشتت وتفرق فلا يكون لأحدهم إلا تخليص نفسه بما غنم!!.
وهكذا كان، جاء حذيفة ومن معه فاشتغلوا بالنهب فناهم حذيفة وغيره فلم يقبلوا منهم وكانوا على الحال التي وصفها قيس وعاد بنو عبس وقد تفرقت أسد وغيرهم وبقي بنو فزارة في آخر الناس فحملوا عليهم من جميع الجوانب فقتل مالك بن سبيع التغلبي سيد غطفان وانهزمت فزارة وحذيفة معهم وبقي معه خمسة فوارس جدوا في الهرب معه .. وعرف فيه بنو عبس فلحقه قيس بن زهير والربيع بن زياد وقرواش بن عمرو وريان بن الأسلع الذي قتل حذيفة ولديه وتبعوا أثرهم في الليل .. وقال قيس: كأني بالقوم وقد وردوا جفر الهباءة ونزلوا فيه فمشوا الليلة كلها حتى أدركوهم مع طلوع الشمس في جفر البهاءة في الماء فحاولوا أن يجمعوا خيولهم وأنفسهم فحال قيس وأصحابه بينهم وبين الخيول .. وكان مع حذيفة في الجفر أخوه حمل بن بدر وابنه حصن وغيرهم فهجم عليهم قيس والربيع ومن معهما وهم ينادون لبيكم لبيكم يعني أنهم يجيبون نداء الصبيان الذين قتلهم حذيفة حين كانوا ينادون: يا ابتاه ـ يا أبتاه .. فقال لهم قيس: يا بني بكر كيف رأيتم عاقبة البغي؟ فناشدوهم الله والرحم فلم يقبلوا منهم ودار قرواش بن عمرو حتى وقف خلف ظهر حذيفة فضربه وقتله وقتلوا حملا أخاه وقطعوا رأسيهما واستبقوا حصن بن حذيفة لصغره.
وكان عدد من قتل في هذه الواقعة ما يزيد على أربعمائة قتيل وقتل من عبس ما يزيد على عشرين قتيلاً وكانت فزارة تسمي هذه الواقعة: البوار ..
وقال قيس من قصيدة طويلة:
فلولا ظلمه ما زلت أبكي
عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدر
بغى والبغي مرتعه وخيم
وقالوا: إن عبساً ندمت على ما فعلت يوم الهباءة ولام بعضهم بعضاً فاجتمعت فزارة إلى سنان بن أبي حارثة المري وشكوا إليه ما نزل بهم فأعظمه وذم عبساً وعزم على أن يجمع العرب ويأخذ بثأر بني بدر وفزارة وفرق رسله إلى القبائل فاجتمع من العرب خلق كثير لا يحصون ونهى أصحابه عن التعرض إلى الأموال والغنيمة وأمرهم بالصبر ..
وساروا إلى بني عبس فلما عرف بنو عبس قال قيس: الرأي أننا لا نلقاهم فإننا قد أجرينا منهم دماء غزيرة وقد رأوا ما نالهم بالأمس بانشغالهم بالنهب والأموال فهم لا يعرضون هذه المرة إلى الأموال. والذي ينبغي أن نفعله أن نرسل الظعائن والأموال إلى بني عامر ويبقى أولو القوة والجلد على ظهور الخيل ونماطلهم القتال فإن أبوا إلا القتال كنا قد أحرزنا أهلينا وأموالنا وقاتلناهم وصبرنا لهم فإن ظفرنا فهو الذي نريد وإن خسرنا الحرب كنا قد حفظنا أموالنا وحلقنا بها ففعلوا ذلك ..
وسارت ذبيان ومن معها فلحقوا بني عبس على (ذات الجراجر) فاقتتلوا طوال يومهم قتالاً شديداً وافترقوا ولما كان الغد عادوا إلى اللقاء فاقتتلوا أشد من اليوم الأول، وظهرت في هذه الأيام شجاعة عنترة بن شداد ..
ولما رأى الناس شدة القتال وكثرة القتلى لاموا سنان بن أبي حارثة على عدم موافقته على الصلح وتشاءموا منه وأشاروا عليه بحقن الدماء ومحاولة الصلح فلم يقبل وأراد استمرار الحرب في اليوم الثالث فلما رأى فتور أصحابه وركونهم إلى السلم رحل عائداً إلى مكانه فلما عاد سنان رحل قيس وبنو عبس إلى بني شيبان بن بكر وجاوروهم وبقوا معهم مدة. فرأى قيس من غلمان شيبان ما يكرهه من التعرض لأخذ أموالهم فرحلوا عنهم. فتبعهم جماعة من شيبان فقابلهم بنو عبس واقتتلوا فانهزمت شيبان وتابعت عبس مسيرها إلى (هجر) ليحالفوا ملكهم وهو معاوية بن الحارث الكندي .. فعزم معاوية على الغارة عليهم ليلاً فبلغهم الخبر فرحلوا عنه مجدين وسار معاوية مجداً في أثرهم فتاه بهم الدليل عمداً كي لا يدركوا عبساً إلا وهم قد أنهكهم وأنهك دوابهم التعب فإذا وصلوا وصلوها وهم لا يستطيعون الحرب أو المقاومة، وفعلاً لحقوهم بمكان يسمى: (الفروق) فاقتتلوا قتالاً شديداً وانتهت المعركة بهزيمة معاوية وأهل (هجر) وتبعتهم عبس فأخذت من أموالهم وقتلوا منهم ما أرادوا. وسار قيس على رسله إلى حيث يريد فنزل مع قومه بمكان يقال له: (عراعر) عليه حي من كلب فركبوا ليقاتلوا بني عبس فبرز الربيع وطلب رئيسهم واسمه مسعود بن مصاد فبرز إليه واقتتلا حتى سقطا إلى الأرض وأراد مسعود أن يقتل الربيع فانكشفت بيضة الدرع عن رقبته فرماه رجل من بني عبس بسهم فقتله فقطع الربيع رأس مسعود وحملت عبس على كلب ورأس مسعود محمول على الرمح فانهزمت كلب حين رأت رأس قائدها ورئيسها على الرمح وغنمت عبس أموالهم وذراريهم.
ثم سارت عبس إلى اليمامة فحالفت أهلها من بني حنيفة وأقامت عبس بينهم ثلاث سنين. فلم يحسن بنو حليفة جوارهم وضيقوا عليهم فرحلوا عنهم .. وقد تفرق كثير منهم في هذه المرحلة وقتل منهم وهلكت دوابهم لأن أكثر العرب أصبح موتوراً منهم.
وبينا هم في تلك الحيرة وذاك التشتيت راسلهم، بنو ضبة وعرضوا عليهم المقام عندهم وذلك ليستعينوا بعبس على حرب بني تميم فقبل بنو عبس وجاورهم ...
ولما حلت المشاكل بين ضبة وتميم تغيرت سياسة ضبة مع عبس وأخذوا في مضايقتهم وأرادوا هلاكهم فاضطرت عبس لمحاربة ضبة فحاربتها وظفرت بها وغنمت من أموال ضبة غنائم كيرة !! .
ثم سار بنو عبس إلى بني عامر وحالفوا الأحوص بن جعفر بن كلاب فسر بهم كثيراً ليقوى بهم على حرب بني تميم لأنه كان بلغه أن لقيط هبن زرارة يريد غزو بني عامر والأخذ بثأر أخيه معبد .. فأقامت عبس عند بني عامر فقصدتهم وكانت وقعة (شعب جبلة)..
ثم إن غزوا بني عامر بن صعصعة وفيهم بنو عبس فاقتتلوا طويلاً ثم وانتهت بهزيمة عامر وأسر قرواش العبسي، أسره بنو ذبيان ولم يعروه فلما قدموا به الحي عرفه امرأة منهم فلما عرفوه سلموه إلى حصن بن حذيفة فقتله!! .
ثم رحلت عبس عن عامر ونزلت بتيم الرباب فبغت تيم على عبس فاقتتلوا قتالاً شديداً وتكاثرت عليهم تيم فقتلوا من عبس مقتلة عظيمة .. ورحلت عبس وقد ملوا الحرب وقلت الرجال والأموال وهلكت المواشي ... فقال لهم قيس: ما ترون؟ قالوا: نرجع إلى إخواننا من ذبيان فالموت معهم خير من البقاء مع غيرهم.
فساروا حتى قدموا على الحارث بن عوف المري فسعى الحارث بالصلح وتم الصلح بين عبس وذبيان.
وقيل: إن قيس بن زهير لم يسر مع عبس إلى ذبيان وقال: لا تراني غطفانية أبداً وقد قتلت أخاها أو زوجها أو ولدها أو ابن عمها. ولكني سأتوب إلى ربي فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها زماناً فلقيه حوج بن مالك العبدي فعرفه فقتله وقال: لا رحمني الله إن رحمتك.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|